في أوغندا وقف توماي منتصبًا قبل سبعة ملايين عام. استطاع أن يقف لكي يحصد أطيب الثمر، بعد أكثر من مليوني ونصف عام سيضطر لمغادرة غاباته شمالًا. الجفاف يهدد وجوده. هكذا مشى إلى أثيوبيا ليغادرها فيما بعد بفعل الجفاف إلى السهول؛ إلا أنه خلَف هناك أثرًا منه، بعض أجساد ذلك القطيع، سلالة أوسترالوبيثيكوس المتحجرة، إحدى أقدم الحفريات لأسلاف البشر.

سجلت أثيوبيا وشرق أفريقيا أولى خطوات الإنسان؛ على هذه البقعة تطور، وعلى مسير نهر النيل كانت رحلته من البدائية إلى التعقل، ومن البهيمية إلى التسامي. على هضبة أثيوبيا كانت جنته اليانعة الخصبة، ثم هبط يتلمس غذاءه بعد جدب، ارتكن لنفسه بعد وفرة، وهو سبب بؤسه واغترابه.

استأنس الإنسان هضاب أثيوبيا لكنه لم يقم فيها دولته، ولم تكن مهد حضارته كما كانت مهدًا لسلالته، لكنه كان يقدس النهر وحياته بين فيضان وجفاف. جاءت سلطته تكيفًا مع حياة القحط وهجراته. ولادة الدولة ومركزتها مرتبط بضبط فيضان النهر وجفافه. النهر هو ما دارت عليه حياته وحضارته.

شعوب الآلهة

جاء أقدم ذكر تاريخي لهضبة أثيوبيا ومحيطها عبر مملكة بونت التي قامت في الصومال وامتد نفوذها حتى شواطئ جنوب اليمن، وشمالاً إلى أريتريا وحتى هضبة أثيوبيا، لكنها كانت مملكة بدائية جدًا ولا تمثل إلا تحالفات عشائرية، وسُجّلت آثار الملكة حتشبسوت عن بعثاتها إليهم، والهدايا التي حملها الطرفان لبعضها، وربما هذا هو أقدم أثر تاريخي يحكي عن شعوب تلك المنطقة.

سبقت آثار حتشبسوت عن شعوب تلك الهضاب سرديات هوميروس وتأريخ هيرودوت التي ذكرت كل مناطق النوبة وكوش (بلاد النوبة وجنوبها) وصولًا إلى بونت بأنها بلاد «أثيوبيا»، أي أصحاب الوجوه المحروقة أو البنية.

بعد حتشبسوت، حاول تحتمس الثالث أن يمد حكمه ليصل إلى منابع نهر النيل الذي اعتقد المصريون آنذاك أن منبعه هو إحدى الجنان الإلهية. ونجح تحتمس بالفعل في مد حكمه من كوش إلى بونت.

الشعوب التي تقطن تلك المناطق في الغالب تنتمي إلى عرقين رئيسيين: الأول عرق نيلي أو أفريقي، وهم شعوب البونت، وهي شعوب بعضها ممتد حتى اليوم في شكل قبائل البانتو، الشقلة، الولجة، الكوناما، وهي شعوب وثنية، وظلت على معتقداتها تلك حتى إبان حكم تحتمس الثالث.

أما العرق الثاني فهو الكوش بنسبهم الحامي، نسبة إلى حام ابن نوح، وقد حكموا أجزاء من هضبة أثيوبيا ويمتد نسلهم حتى اليوم في البلاد، فتتحدر عنهم أعراق الجالا، الأورومو، الكافا، البجة، وكلهم عبدوا الآلهة الفرعونية، ثم اعتنق أغلبهم الإسلام.

ظهر في تلك الحقبة استحالة استمرار الحكم المركزي المصري في تلك المناطق، وذلك لصعوبة الوصل بينها وبعدها عن المركز المصري، بما يجعلها مناطق تنطبق عليها نظريات تمرد الأطراف واستقلاليتها. فبمجرد تفكك الدولة الحديثة في مصر قبل الميلاد بنحو ألف عام، استقلت مملكة كوش النوبية ومثلت مدينة نبتة، التي كان تحتمس قد بناها في طريقه إلى بونت، مدينة الثورة الكوشية ومنها صعد نجمهم في القرن التاسع قبل الميلاد، وأنهت حكم البونت وسيطرت على وسط وغرب أثيوبيا.

العلاقة مع اليمن

في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، أينعت سبأ في مأرب، بحسب الأسطورة اليمنية تركت عاد سدًا يحصر ماء المطر في الألفية الرابعة قبل الميلاد، وما إن آل الحكم لملكتهم بلقيس حتى اجتمع الرأي على استغلال السد وتجديده، وصنع فتحات، تخرج منها عيون ماء تروي حوله الحياة.

احتاجت مملكة سبأ إلى الزراعة في سواحلها الغربية، لكنهم كالشعوب العربية احتقروا الزراعة، لذا لجأوا إلى جلب العبيد من شرق أفريقيا. ومع اتصال تجارتهم بتلك المنطقة، أصبح واجبًا السيطرة عليها، فأخضعها اليمنيون بالفعل لحكمهم.

يشاع عند الإخباريين العرب أن اسم «الحبشة» مشتق من قبيلة «حبشت» وهي تنحدر من نسل قحطان، وكانت تقطن منطقة المهرة باليمن، وتتحدث بلغة سامية شقيقة للغة السبئية. رحلت القبيلة إلى هناك واستوطنت هضبة أثيوبيا، وتداخل عرقها مع العرق الحامي (النوبي) فشكلوا سلالات وقبائل شتى، وبعضهم حافظ على نسبه.

في المقابل، تعني «حبشت» بالعبرية «المولدين» أي الذين اختلط نسلهم بأكثر من جنس، وهو الأقرب للصواب. فالأحباش كحكام هم خليط من الساميين اليمانية والحاميين الكوش. وفي اللغات السامية المحلية، تسمى أثيوبيا «بحري أحجازي»[1] أي أرض المهجر.

ينتمي لهذا العرق كل من التيجراي والأمهرة والدناكل، وهي العرقيات الحاكمة الآن، وغالبيتهم نصارى أرثوذكس، كما ينتمي إليهم الهرر والعفريون وغالبيتهم مسلمون.

أكسوم تزدهر

نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، كانت مملكة أكسوم تومض، بنظام حكم إقطاعي زراعي، وفلاحين عبيد غالبيتهم من أعراق غير سامية، كما اتجهوا في مطلع الألفية الأولى بعد الميلاد لاستخراج الذهب والحديد والعاج، مما جعلها على خريطة التجارة العالمية[2]، حيث الخط التجاري بين الهند واليمن، وشرق أفريقيا بالتبعية[3].

تحكي القصص الكنسية أن مؤسس هذه المملكة هو منليك الأول[4]. تأتي سيرته في الأسطورة بوصفه ابنًا لزواج سليمان عليه السلام من الملكة (ماكيدا) بلقيس، لكن هذه السردية مشتقة من أساطير اليمن عن رحبعام بن سليمان الذي حكم اليمن في عهد بلقيس، وقتل في مواجهته مع الكنعانيين لردتهم بعد وفاة أبيه. أما في غالب السرديات فإن رحبعام خلف والده على مملكة الجنوب في القدس.

لوحة لسليمان يستقبل ملكة سبأ، كنيسة التوحيد الإثيوبية

حوّرت أكسوم اللغة السامية الجنوبية[5]، وأصبحت اللغة الجعزية اللغة الرسمية للدولة، كما خطوا بـ «المسند»، وهو خط الكتابة في سبأ. وعلى مستوى العمارة، فقد تأثروا بالعمارة الكوشية وبنوا المسلات والمعابد على طرازهم.

مملكة الرب: عيزانا

بدأ التبشير النصراني في القرن الأول بعد الميلاد، لكنه لم يستمر طويلاً، حتى حطت رحال المبشر فرومنتيوس في أرض الحبشة منتصف القرن الربع بعد الميلاد، حيث استقبل في بلاط أكثر ملوك أكسوم شهرة، عيزانا، الذي تنصر على يدي فرومنتيوس.

فكر عيزانا أن يكون لهذه الكنيسة امتداد روحي، فطلب من فرومنتيوس أن يقصد باب بطريرك الإسكندرية الذي اعترف به وأعطاه اسم «أبو سلامة كاشف النور»، وأرسل معه إرساليات نقلت وترجمت الأدب الكنسي القبطي إلى الجعزية، كما قامت حركة مهمة بين القرن الخامس والثامن لترجمة الأبوكريفا[6] وكتب يونانية تأثر بها الأدب الجعزي.

شهد عهد عيزانا طفرة حضارية لمملكة أكسوم بكل المقاييس، حيث ضم ساحل شرق أفريقيا، ما يعرف اليوم بإرتريا وجيبوتي والصومال وشرق السودان، وتألقت في عهده موانئ زيلع ومصوع وسواكن، كما نشطت في عهده حركة التجارة والعمران. ولتأكيد استقلالية مملكته، سكّ العملة باسمه.

الإسلام واليهودية إلى أثيوبيا

الفلاشاه هم يهود الحبشة. يعني لفظ «الفلاشاه» في اللغة المحلية «المنفيون»[7]، لذا فإن الراجح أنهم من سبايا الاجتياح الحبشي لليمن، كما أنهم لا يؤمنون بالتلمود كيهود اليمن، ويظن بعض المؤرخين أنهم من القبيلة المفقودة في الشتات (الدياسبورا). كان أرياط ملك الحبشة قد اجتاح اليمن قبل أن ينقلب عليه أبرهة الذي وسع سيطرة الأحباش شمالاً.

كانت معاملة المملكة الأكسومية فيها تمييز شديد تجاههم، إلا أنهم لم يجبروا على تغيير دينهم كما سيحدث لاحقًا. فرض اليهود على نفسهم عزلة استغلها النصارى في معاملتهم كغرباء، كما عملوا في مهن دنيئة وعانوا من تمييز في الملبس.

لما جاء الإسلام حاول عمر بن الخطاب غزو الحبشة بحرًا، لكنه لم يستمر في ذلك، ربما لأحاديث نبوية تنهى عن غزو الأحباش. وفي عهد عبد الملك بن مروان، هاجمت الحبشة ميناء جدة، مما دفع الدولة الأموية للسيطرة على جزيرة دهلك، لمراقبة تحركات الأحباش.

انتشر الإسلام سريعًا في الساحل، وتحديدًا بين أعراق العفر والهرر، وهم ساميون، كما انتشر بين الحاميين من الأورومو والبجا.

انهارت أكسوم أخيرًا بعد صراع بين أخوين على الملك أدى إلى قتل مطران الكنيسة من قبل المنتصر. وبعد ثورة المهمشين من يهود الفلاشاه، حيث اجتاحت الملكة جوديت بجيوشها أرض أكسوم، وقامت بتخريب البلاد وهدم الكنائس، كما اضطهدت المسيحيين، ويعتقد أنها كانت وثنية وأنها من الأعراق غير السامية المستعبدة.

أسست الملكة لحكم دام ما يقرب من مائتي عام عرف بحكم بالأسرة الزجوية، وتحول أحفادها إلى المسيحية في إطار بسط النفوذ والسيطرة.

الإمبراطورية الأثيوبية

كان الاعتقاد الديني بضياع ملك الأسرة السليمانية بسبب خلاف حدث بين الأخوة، فحرمهم مباركة بطريرك الإسكندرية، لذا مع عودة الأسرة السليمانية بشبه ثورة، أجبرت آخر ملوك الأسرة الزجوىة بالتنازل عن العرش.

إيكونو أملاك حاكم أمهرة القوي تحالف مع سلاطنة المسلمين في الصومال، وشكل جيشًا من مئة ألف مسلم[8]، استرد بها عرش مملكته المسلوب، وبذلك يبدأ عصر الهيمنة الأمهري لغة، والتي سيطرت على الأدب وتحول الجعزية إلى لغة الكنيسة فقط، كما استعادت سيطرة الأمهرة والتجراي على الحكم.

ويرسل إلى الظاهر بيبرس برسالة يطلب منه أن يسمح بمباركة الكنيسة المصرية له، وهو ما حدث بالفعل، ليتصل عهد أثيوبيا الجديد بمصر أكثر من غيرها تجارة وصراعًا، وتجدد في عهد السلطان قلاوون، أما المسلمون فكان صراعًا محمومًا، وعصور اضطهاد ديني.

بحثًا عن شرعية دينية فقد أمر بكتابة الأساطير الأثيوبية، في كتاب كبرا نجشت (جلال الملوك) والذي يعد كتابًا مقدسًا عند الكنيسة الأثيوبية، والذي يثبت فيه أن الأسرة تمتد لسليمان ابن داوود والملكة ماكيدا، ويعتبر عهد الإمبراطورية بدأ في عهده.

حروب صليبية

استمر التنكيل بالمسلمين واضطهادهم، فتدخلت الممالك الإسلامية في الصومال، وتحالفت مع يهود الفلاشاة[9] بعد محارق وتمييز في حق اليهود كذلك. اجتاح الحاكم الصومالي أحمد بن إبراهيم الغازي أكسوم بالتزامن مع دخول العثمانيين مصر تقريبًا، وظلت أكسوم تحت سيطرته إلى أن نجح تحالف مسيحي في طرده.

في صراعهم مع العثمانيين، انحازت الحبشة بعد ذلك إلى البرتغاليين[10] الذين كانت تجمع الأحباش بهم علاقات ودية منذ حقبة محاكم التفتيش في إسبانيا. دعت الحبشة البرتغاليين لدخول حرب بحرية مع الدولة العثمانية في البحر الأحمر، إلا أن الأسطول العثماني استطاع هزيمة الأسطول البرتغالي.

شكّل الصراع الإسلامي المسيحي في أثيوبيا صورتها الحديثة، وتوزعت الأعراق بين أرثوذوكس وكاثوليك إبان بعض الدعوات التبشيرية المتأخرة، وأخرى مسلمة تميل إلى الخضوع لسلطة المسلمين في الهرر أو أرض الصومال.

الصراع مع مصر الخديوية

نجح محمد علي باشا في ضم السودان وسنهيت الإرترية، إلا أن الهيمنة المصرية لم تدم طويلًا على غرب الهضبة الأثيوبية، ليحدث التحول في عصر الخديو إسماعيل، الذي حمل مشروعًا توسعيًا في وادي النيل. طالب إسماعيل الباب العالي بإعطائه مصوع وسواكن[11] كما كان الحال لجده. السيطرة الخديوية على تلك الموانئ أعطت للخديو السيطرة على التجارة في البحر الأحمر.

في عام 1868، أسر الإمبراطور الأثيوبي تيودورس القنصل الإنجليزي مستر كاميرن وبعض التجار، وذلك في إطار مكافحة التبشير البروتستانتي. تدخلت مصر بإرسال تهديد للإفراج عن التجار. انتهى الأمر بالسماح المصري للأسطول البريطاني بالوصول إلى مصوع، بل ومشاركة مصر في الحملة البريطانية التي انتهت بانتحار الإمبراطور وفك أسر القنصل والتجار.

دعمت بريطانيا الإمبراطور يوحناس الرابع وأهدته 12 مدفعًا وأسلحة كانت تستخدم في الحملة، وفي عام 1872 قام يوحنا بارتكاب مجازر بحق المسلمين لإجبارهم على التنصر؛ الأمر الذي اتخذه إسماعيل ذريعة لغزو الحبشة وضم وادي النيل إلى أملاكه. كان ادعاء الإمبراطور أن سنهيت أثيوبية قد أثار حفيظة الخديو إسماعيل قبل ذلك.

جرد الخديو إسماعيل ثلاث حملات[12]: الأولى بقيادة الدنماركي أرندروب بك بثلاثة آلاف مقاتل، انتهت بهزيمة مذلة في جونديت، وتعتبر ذكرى قومية للأثيوبيين حتى يومنا هذا، وتزين الأسلحة التي اغتنمت من الجيش المصري بعض الساحات العامة.

بعدها بأيام جردت الحملة الثانية بقيادة السويسري منزنجر باشا بخمسة آلاف مقاتل، وانتهت بهزيمة الحملة المصرية بالقرب من بحيرة أوسا.

جُردت الحملة الثالثة لغسل شرف العسكرية المصرية بقيادة راتب باشا وجيش قوامه خمسة عشر ألف مقاتل، وتولى قيادة أركان الحملة الأمريكي لونج أحد ضباط الحرب الأهلية الأمريكية، نجحت الحملة في السيطرة على مدن قورع وقياخور، وحدثت بينهم مناوشات في قورع أسر على إثرها محمد رفعت باشا الذي توسط بين مصر وبين إمبراطور أثيوبيا.

انتهى الأمر برد الأسرى من الجيش المصري، والاعتراف بأهلية مصر على سنهيت، وخفض التوتر ضد المسلمين في البلاد وعدم إجبارهم على التنصر، في مقابل رجوع الجيش المصري عنهم، والذي استمر مسيره حتى شمال ممالك أوغندا.

الإمبراطورية في عقودها الأخيرة

عقب يوحنا، تولى منليك الثاني الذي لعب مع يوحنا دورًا مركزيًا في بناء أثيوبيا الحديثة، وفي عهده تفجرت المسألة العرقية والدينية، فخاض حروب إبادة ضد المسلمين وعرقية الأورومو وبعض الأقليات في أوغادين. في هذه الفترة حاولت إيطاليا ضم أثيوبيا بعد احتلالها لجزء من الصومال عام 1896، لكنها هزمت على يد أثيوبيا التي حظيت بدعم بريطاني.

ومع صعود نجم الفاشية استطاعت إيطاليا أن تحتل أثيوبيا عام 1936 بسبب خلاف حدث على آبار في إقليم أوغادين. دخل الاحتلال الإيطالي جنوب البلاد التي تعد أحد نقاط الضعف الطبيعية فيها.

فر الإمبراطور الأخير هيلا سيلاسي إلى بريطانيا، لكنه عاد بعد الحرب العالمية الثانية ليزيح الإمبراطور عمانوئيل ويسترد عرشه. قام سيلاسي بقمع المسلمين في إطار حربه مع ممالكهم في العفر بقيادة علي مرح، وساهم في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، ولكن المجاعة التي ضربت شرق أفريقيا، أطاحت بحكمه.

ولادة الجمهورية

في عام 1974م بعد ثورات طلابية واحتجاجات، قام حكم شيوعي في البلاد على يد أتنافو أباتا الذي كان إقصائيًا جدًا، ثم انتقل الحكم إلى منغستو هيلا مريام، وهو عسكري من عرقية الهرر ومؤسس لحزب العمال. انتهج منغستو سياسة معادية لأي توجه ديني في البلاد، كما تفجرت في عهده الأزمة العرقية.

أنشأت مصر وفرنسا والسعودية وإيران ما يعرف بـ «نادي سفاري» الذي كان يواجه الشيوعية في أفريقيا، ومن هنا ولد العداء بين مصر السادات والدولة الأثيوبية الناشئة التي حاولت جاهدة إنشاء السد كفكرة قومية توحد البلاد. وفي حرب أثيوبيا مع الصومال، انحاز النادي للصومال، أما الكتلة الشرقية وليبيا وكوبا فانحازت لأثيوبيا.

لم يستطع الحكم حل المشكلة العرقية والدينية في البلاد، كما افتقر إلى أي إنجازات تذكر في حقل التنمية، وارتكب مجازر وجرائم بحق عديد من الأعراق والأقليات، قامت بسببها عدة احتجاجات وحركات ثورية كحركة تحرير إريتريا التي نجحت في تحقيق الاستقلال عام 1991، كما نشأت حركات تحرير غرب الصومال.

قامت العديد من الحركات، وعلى رأسها الجبهة الديموقراطية الشعبية الأثيوبية، التي حاصرت أديس أبابا عام 1991، وأطاحت بحكم منغستو الذي طلب اللجوء إلى زيمبابوي، وحكم عليه بالإعدام عام 2008 بتهمة الإبادة الجماعية، لكنه ما زال يتمتع باللجوء السياسي هناك.

يشكل الأرثوذوكس 43.5% من تعداد السكان، في حين يحل المسلمون ثانيًا بنسبة تتجاوز 30.1%، والبروتستانت بنسبة 19.3%، وأقليات دينية أخرى لا تتجاوز 2.6%.

من الناحية العرقية، يشكل الأورومو، وهم من الحاميين، النسبة الأكبر من السكان، في حين يحل الأمهرة ثانيًا، والأمهرة والتجراي غالبهم مسيحيون أرثوذوكس.

أما اليهود فقد نقلوا إلى إسرائيل بين عامي 1984 و1991، ضمن عمليات الهجرة التي نظمتها الصهيونية، ويشكلون اليوم تحديًا هوياتيًا للمجتمع الإسرائيلي.

بدأ العصر الفيدرالي الديموقراطي للدولة بقيادة السياسي الراحل ميلس زيناوي، لكنه لم يحل مشكلة سيطرة التجراي والأمهرة على مقاليد الحكم، كما أن التحالف المهيمن ما زال في طبيعته إقصائيًا إلى حد بعيد، وما زالت مشكلة أثيوبيا العرقية والدينية قائمة، على الرغم من أن الحكم الحالي هو الأكثر ديموقراطية بين سابقيه.

المراجع
  1. مراد كامل، الحبشة أثيوبيا بين القديم والحديث، 1959.
  2. محمود الشرقاوي، أثيوبيا، 1962.
  3. اسمهان سعيد الجرو، طرق التجارة البرية والبحرية في اليمن القديم، مجلة جامعة عدن للعلوم الاجتماعية والإنسانية، 1999.
  4. جلال الملوك (كبرا نجشت)، ترجمة مجدي عبد الرازق سليمان، المركز القومي للترجمة، وهو كتاب أسطوري عن نشأة الكنيسة والدولة، كتب في القرن الثالث عشر الميلادي في عهد الملك إيكونو أملاك، وهو كتاب مقدس عند الكنيسة الأثيوبية.
  5. هبة يسري أبو الوفا، مدخل إلى اللغة الحبشية، كلية الآداب المنصورة 2015.
  6. الأبوكريفا: وهي الكتب غير المعترف بها بالكنيسة، بل تعد الترجمات الجعزية حفريات أركيولوجية لدراسة الأدب المسيحي، كما يلاحظ تأثرها بالأدب اليوناني والوثني، بحسب المصدر السابق.
  7. عمر سلهم صديق، يهود الحبشة (الفلاشاه) دراسة تاريخية، مجلة كلية العلوم الإسلامية 2013.
  8. هكذا أشارت رسائل يكونو أملاك للظاهر بيبرس، لكن عهده كان اضطهادًا للمسلمين.
  9. يهود الحبشة (الفلاشاة) دراسة تاريخية، مصدر سابق.
  10. أثيوبيا، مصدر سابق.
  11. محمد لطفي جمعة، بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي.
  12. عبد الرحمن الرافعي، عصر إسماعيل، الجزء الأول.