قدمت الحكومة المصرية إلى البرلمان، مطلع الشهر الجاري، مشروع موازنة العام المالي المقبل (2019/2018) من أجل مناقشتها وإقرارها كما ينص الدستور. منذ ذلك الحين، كثرت التكهنات حول سياسة وأهداف الحكومة في الموازنة الجديدة وخطوطها العامة، خاصة التي يتماس منها مع المواطن بشكلٍ مباشر، مثل حجم الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية.

من خلال المعلومات المتاحة حول مشروع الموازنة، والتي كُشف عنها النقاب بشكل رسمي أو سربت إلى الصحافة دون أن تنفيها الحكومة، تكَّون لدينا تصور عام شبه مؤكد عما سيكون عليه الوضع في الموازنة الجديدة. وهذا ما نعرفه حتى الآن.


انخفاض قاسٍ للدعم

أظهرت وثيقة حكومية اطلعت عليها وكالة «رويترز» للأنباء، أن الحكومة المصرية تنوي خفض دعم المواد البترولية في البلاد بنحو 26% في مشروع موازنة السنة المالية المقبلة. وهذا يعني أن حجم الدعم المستهدف في الموازنة الجديدة سيبلغ حوالي 89 مليار جنيه مقابل 121 مليار جنيه تقريبًا مستهدفة في العام المالي الجاري (2018/2017).

من المتوقع أن يتم تحريك أسعار الوقود خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وأن يكون السولار وبنزين 80 (الأكثر استخدامًا في مصر) الأكثر تأثرًا بخفض الدعم ورفع الأسعار، إذ من المتوقع أن يكون السعر الجديد للتر في حدود 5 جنيهات مقابل 3.65 جنيه حاليًا. كما سيرتفع سعر لتر بنزين 92 من خمس جنيهات حاليًا إلى سبع جنيهات مع تطبيق السعر الجديد، بحسب التوقعات.

يلاحظ أن أسعار الوقود الجديدة المتوقع إقرارها خلال الفترة القليلة المقبلة، مرتبطة بأن يظل سعر برميل النفط في حدود 67 دولارًا، كما تتوقع الحكومة في مشروع الموازنة الجديد. وتظل هناك إمكانية لزيادة الأسعار مرة أخرى إذا ارتفع سعر برميل البترول عن توقعات الحكومة (كما حدث خلال العام المالي الجاري).

وبحسب الوثيقة المشار إليها آنفًا، فإن الحكومة المصرية تنوي خفض دعم الكهرباء بنحو 47% في مشروع موازنة (2019/2018)، بحيث ينخفض الدعم إلى 16 مليار جنيه مقابل 30 مليار جنيه متوقعة في العام المالي الجاري. ما يعني أن أسعار الكهرباء سترتفع بنسبة تتراوح بين 40% و 50% خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

وتتماشى إجراءات خفض الدعم المتوقعة مع خطة الحكومة للتوقف عن دعم المواد البترولية في عام 2019، والتوقف عن دعم الكهرباء في عام 2022، وذلك ضمن برنامج «الإصلاح الاقتصادي» المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.


الإيرادات من الضرائب والرسوم والبورصة

تستهدف الموازنة الجديدة رفع الإيرادات إلى 989 مليار جنيه مقارنة بالإيرادات المتوقعة عند 813 مليار جنيه في موازنة العام المالي 2017/ 2018. وستكون الضرائب الرافد الأساسي لتحقيق المستهدف، إذ تسعى الحكومة إلى زيادة ما يتم تحصيله من الضرائب خلال العام المالي المقبل، بقيمة تتراوح بين 760 و780 مليار جنيه، مقابل نحو 611 مليار جنيه خلال العام المالي الجاري.

ورغم توقعات البعض بأن تفرض الحكومة ضرائب جديدة في العام الجديد لتحقيق الحصيلة المستهدفة، فإن وزارة المالية قالت إن الحكومة لا تعتزم فرض ضرائب جديدة، وإن زيادة المستهدفة ستكون «من نفس قوانين الضرائب الحالية، نتيجة لزيادة النشاط الاقتصادي وزيادة حصيلة ضريبة القيمة المضافة».

وستشكل الشركات التي تعتزم الحكومة إدراجها في البورصة جزءًا مهمًا من الإيرادات الحكومية خلال العامين الماليين المقبلين، إذ تنوي الحكومة طرح 23 شركة في البورصة، منها 14 شركة ستُقيد للمرة الأولى. ومن المتوقع أن تبلغ حصيلة الطرح ما بين 5 و6 مليارات دولار خلال العامين المقبلين.

و تعتزم الحكومة زيادة رسوم عدد من الخدمات، بهدف تحصيل موارد مالية استثنائية تقدر بنحو 10 مليارات جنيه سنويًا. ومن بين رسوم الخدمات التي ستجري زيادتها: خدمات الهاتف المحمول وإقامة الأجانب وإصدار جوازات السفر وتراخيص السلاح. وهناك نية أيضًا لفرض رسوم كفاءة طاقة خلال العام المالي المقبل، من أجل تحصيل 168.9 مليون جنيه.


ارتفاع في فوائد الديون

قال وزير المالية، عمرو الجارحي، إن فوائد الديون في موازنة العام المالي المقبل سترتفع إلى 540 مليار جنيه، مقارنة بـ 438 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي. وبهذا ستشكل أعباء الديون نحو 35% من حجم موازنة (2019/2018) البالغ نحو تريليون و412 مليار جنيه، وأكثر من نصف الإيرادات المتوقعة البالغة 989 مليار جنيه.

يشار أيضًا إلى أن رقم الفوائد المتوقع مرشح للزيادة إذا استمرت الحكومة في سياسة الاقتراض الحالية، والتي أدت إلى ارتفاع فوائد ديون العام الجاري إلى 438 مليار جنيه، بعد أن كان من المخطط أن تكون 381 مليار جنيه فقط.

وبحسب بيانات البنك المركزي، وصل إجمالي ديون مصر الخارجية في نهاية العام الماضي إلى 80.8 مليار دولار، أي ما نسبته 36.2% من إجمالي الناتج المحلي، نتيجة التوسع في سياسة الاقتراض من الخارج. كما بلغ إجمالي الدين العام المحلي نحو 3.1 تريليون جنيه في نهاية يونيو/حزيران 2017، بما يعادل 91.1% من الناتج المحلي الإجمالي.


زيادة طفيفة في دعم التموين والرواتب

تنوي الحكومة زيادة دعم السلع التموينية بنحو 5% في السنة المالية المقبلة، لتصل إلى 86.175 مليار جنيه مقابل 82.177 مليار جنيه للعام المالي الحالي.وتهدف هذه الزيادة إلى استيعاب تحريك الأسعار العالمية للمنتجات والسلع التي تستوردها الدولة من الخارج لتوفيرها للمواطنين.

ومن المقرر زيادة أجور الموظفين بدءًا من يوليو/ تموز المقبل، بحيث يحصل الخاضعون لقانون الخدمة المدنية على 7% من الأجر الوظيفي (الأساسي)، في حين سيحصل غير الخاضعين للخدمة المدنية على 10% من الأجر الأساسي، كما يحدث كل عام.