لاحظ الإنسان منذ أيامه الأولى أطوار القمر المتكررة، والفصول الأربعة المتتالية، ووظف ذلك لصالحه، فأنتج أنظمة مختلفة للتقويم، بوحدات قياس قد تختلف بعضها من نظام إلى آخر وقد تتشابه أخرى. نحن في البلاد العربية اليوم نألف نظامين أساسيين منذ أيامنا الدراسية الأولى، وفي صحفنا ونشراتنا الإخبارية، هما التقويم الميلادي والهجري، إلى جانب تقويم محلي آخر يظهر في الأغلب وسط أحاديث المزارعين والأجيال الأقدم.

على مدار التاريخ، كان تغيير الحضارات للتقويمات الرسمية مرتبطًا بأحداث محورية، وتغيرات جذرية، حيث ينتقي كل مجتمع النقطة الزمنية الأكثر تميزًا بالنسبة له، لتكون بداية تاريخه الجديد/الحقيقي. فالعرب – على سبيل المثال – لا يعرف لهم قبل الإسلام نظام محكم للتقويم، بل أرّخوا بالوقائع العظيمة، كانهيار سد مأرب، وعام الفيل. وكانت الأشهر عرضة للتبديل والتغيير، فيحدث أن يوافق الحج أحد الأعوام شهرًا مختلفًا عن العام السابق، وهو ما عرف باسم النسيء. واستمر حتى حج النبي صلى الله عليه وسلم شهر ذي الحجة من العام العاشر بعد البعثة.

في تلك الحجة أعلن النبي أن أشهر النسيء قد تناسخت باستدارة الزمان، حتى عاد الأمر إلى أصله، لتقر الأشهر على ما كانت عليه حينذاك بوحي سماوي. أما عام الهجرة نفسه فلم يعتمد كبداية للتقويم الرسمي في الدولة الإسلامية الوليدة إلا بعد عامين من حكم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.

جدير بالذكر أن التقويم الهجري العربي يختلف عن التقويم الهجري الفارسي، فالأخير تقويم شمسي استخدم بشكل رسمي في فترة متأخرة. إذ تغير التقويم الفارسي أكثر من مرة، كان في إحداها تبنيًا للتقويم الجلالي، الذي اقترحته لجنة من علماء الفلك – منهم عمر الخيام – عام 1079 ميلاديًا إلى معز الدنيا والدين أبو الفتح بن ألب أرسلان ملك دولة السلاجقة المعروف باسم جلال الدولة ملك شاه، كي يتزامن رأس السنة مع يوم الاعتدال الشمسي.

أما التقويم الفارسي الحالي، الهجري الشمسي، فيقسم العام إلى 12 شهرًا فيه الأشهر الستة الأولى 31 يوم، يليها خمسة أشهر من 30 يومًا، أما الشهر الأخير فيكون 29 يومًا في السنة البسيطة و30 يومًا في الكبيسة. وأول أيام العام الهجري الشمسي يسمى بيوم النيروز، وهو نفسه يوم الاعتدال الربيعي الموافق يوم 21 مارس ميلاديًا، ويستخدم هذا التقويم بشكل رسمي في إيران وأفغانستان، لكن الأخيرة – التي أقرته عام 1922 – تستخدم أسماء عربية للشهور.


من تاريخ التقويم المصري

يختلف الأمر لدى المصريين القدماء الذين ترجع بداية تقويمهم إلى أكثر من خمسة آلاف عام. وقد عرف عنهم استعمال نظامين للتقويم؛ أولهما نظام قمري مكون من 12 شهرًا، مقسمة إلى ثلاثة مواسم، قوام كل منها 4 أشهر، تبدأ بموسم الفيضان «أخت» يليه موسم الزراعة «برت» يليه موسم الحصاد «شمو».

ولما لم يكن الفيضان يقع كل عام في اليوم نفسه، استعانوا بشروق نجم الشعرى اليمانية لتحديد بداية العام. وبسبب اعتماد العام القمري «الديني» في حساب الأشهر على دورة القمر، كان أقصر من الشمسي بعشرة أو أحد عشر يومًا، مما دفع قدماء المصريين إلى إدخال شهر إضافي على التقويم كل ثلاثة أو أربعة أعوام للحفاظ على التقارب النسبي بين التقويمين.

بينما استخدمت الدولة المصرية القديمة – نظرًا إلى طبيعة شئونها وحاجاتها الإدارية والمحاسبية – التقويم الشمسي المنتظم. وهو أقدم تقويم معروف حدد أيام العام 365 يومًا. قسمت فيه إلى 12 شهرًا قوام كل منه 30 يومًا، ويقسم الشهر إلى ثلاثة أسابيع قوام كل أسبوع عشرة أيام، أم هو أعشور؟ مع إضافة خمسة أيام بعد الشهر الأخير خصصت للاحتفال.

وفيما بعد، أصدر مجلس اجتمع في مدينة كانوب المجاورة للإسكندرية عام 238 ق. م. بأمر من بطليموس الثالث، مرسومًا يقضي بتعديل السنة الحكومية المصرية، حيث تقرر زيادة أيام الاحتفال إلى ستة أيام كل أربعة أعوام فيما يعرف بالسنة الكبيسة.

لكن المصريين – خاصة الكهنة أصحاب النفوذ – رفضوا التعديل البطلمي، إلى أن فرضه الإمبراطور أغسطس ثانية عام 25 ق. م، وعرف التقويم المعدل بعدها بالتقويم القبطي. وكان تبني الكنيسة المصرية لهذا التقويم الجديد – حتى اليوم – جاعلة منه تقويمًا قبطيًا رسميًا هو ما حفظه من الاندثار، إضافة إلى ارتباط الفلاحين المصريين به لحساب المواسم الزراعية. كما تستخدم أثيوبيا – الأرثوذوكسية – تقويمًا مطابقًا له، لكن بأسماء مختلفة للأيام والشهور.


من التقويم الروماني إلى الميلادي

أما التقويم الرسمي للبطالمة الذين حكموا مصر فكان التقويم اليولياني، وضعه الإمبراطور يوليوس قيصر بمساعدة الفلكي السكندري الشهير سوسيجنيو، عن طريق إدخال بعض التعديلات على التقويم الروماني القديم الذي يجعل من عام بناء مدينة روما – 753 ق. م. – بداية للتأريخ. لكن الراهب الأرمني ديونيسيوس اكسيجونوس (470 – 544 ب. م) دعا إلى بدء التقويم بعام ولادة المسيح، وهو ما تم بالفعل في عام 532 ميلاديًا تقريبًا، لكن بمرور القرون ظهرت مشكلة.

فليس العام الشمسي 365 يومًا وست ساعات بالضبط، بل 365 يومًا وخمس ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، وهو ما ينتج فرقًا قدره يوم واحد كل 130 سنة تقريبًا. وببلوغ القرن السادس عشر تراكم الخطأ – إضافة إلى تعديلات أخرى سياسية أدخلتها الكنيسة والقياصرة – حتى بلغ اختلاف التقويم عن العام الشمسي الحقيقي عشرة أيام، وظهر ذلك واضحًا في سبق الاعتدال الخريفي والربيعي (أيام تساوي الليل والنهار بين نصفي الكرة الأرضية) لميعادهما المتوقع بعشرة أيام.

حينها طلب البابا جريجوريوس الثالث عشر المساعدة من الكاهن الفلكي كريستوفر كلافيس، الذي أجرى بالفعل تعديلاً ذكيًا على طريقة انتقاء الأعوام الكبيسة، وطبق التعديل في الدول الخاضعة للكنيسة عام 1582، وأخذت سائر البلاد تقر التقويم الجريجوري/الميلادي الجديد واحدة تلو أخرى، حسب مدى الخلاف الديني بينها وبين الكنيسة الرومانية، وهو ما استلزم قرونًا من بعض الدول؛ مثل روسيا التي أقرت التعديل عقب الثورة الروسية عام 1917، بعد تسعة أعوام من حادثة مضحكة، إذ أدى تراكم الدقائق إلى وصول الفريق الأولمبي الروسي إلى الدورة المنعقدة بلندن عام 1908 بعد 12 يومًا من الافتتاح!

في واقعة أخرى، تحدث الكثيرون قبل سنوات عن نهاية مأمولة للعالم تتزامن مع نهاية عام 2012 الميلادي، طبقًا لتقويم حضارة المايا. إلا أنه كان زعمًا مزيفًا، فها نحن أحياء نحكي عنه. لكن، هل حقًا تنبأت المايا بذلك؟ وما قصة هذا التقويم؟


تقويم المايا ونهاية العالم

سكنت حضارة المايا (دامت حقبتها الكلاسيكية من 250 إلى 900 ميلاديًا تقريبًا) منطقة أمريكا الوسطى، التي تشمل حاليًا جواتيمالا، وبليز، وهندوراس، والسلفادور، إضافة إلى الجزء الجنوبي من المكسيك، ولقد تأثرت المايا في أطوارها المبكرة (1800 ق. م. – 250 م) بحضارة الأولمك التي سبقتها وعاصرتها بعض الوقت (1200 ق.م. – 400 ق. م.). استخدمت حضارة المايا ثلاثة أنواع من التقاويم: تزولكين، وهاب، والعد الطويل.

يطلق على التزولكين ‏اسم التقويم المقدس أيضًا‏، وهو عبارة عن 260 يومًا مقسمة إلى 13 شهرًا مرقمًا.‏ يبلغ طول كل شهر منها 20 يومًا، ولكل يوم اسم محدد.‏ والتزولكين هو التقويم المستخدم للأغراض الدينية من تحديد الأيام المقدسة مرورًا بمواعيد الطقوس إلى العرافة. في الوقت نفسه استخدمت المايا تقويم هاب‏، ‏وهو تقويم شمسي من 365 يومًا مقسمة إلى 19 شهرًا،‏ قوام كل شهر منها 20 يومًا، عدا الأخير الذي كان قوامه خمسة أيام فقط.‏ واستخدم تقويم هاب في إدارة الدولة، والزراعة، والحياة اليومية.

أما عن العد الطويل، فكان يوم 31 ديسمبر 2012 فيه يومًا مميزًا حقًا. يبدأ التقويم العد منذ الخلق الأخير الموافق 11 أغسطس 3114 ق. م.، فنحن نحيا الآن – طبق معتقدات المايا – في الخلق الرابع؛ أي المحاولة الرابعة التي قام بها الآلهة. يسمى اليوم عند المايا كن، ويسمى العشرين يومًا وينال، وتسمى الثمانية عشر وينال (360 يوم) تون، وتسمى العشرون تون كاتون (نحو 20 عامًا)، وتسمى العشرون كاتون باكتون.

من أجل استخدام تقويم المايا للعد الطويل، عليك أن تدون رقم الباكتون أولاً (عدد الوحدات المساوية لـ144 ألف يوم منذ بداية التقويم)، متبوعًا برقم الكاتون (عدد الوحدات المساوية لـ20 عامًا بعد حذف قيمة الباكتون)، متبوعًا برقم التون (عدد الوحدات المساوية لـ360 يومًا الباقية بعد حذف الباكتون والكاتون)، متبوعًا برقم الوينال (عدد الوحدات المساوية لـ20 يومًا بعد حذف كل ما سبق)، متبوعًا برقم الكن (عدد الأيام المتبقية بعد حذف كل ما سبق).

هكذا يكون يوم رأس السنة الميلادية الجديدة الموافق 1 يناير 2019 وفق تقويم المايا هو «13.0.6.2.2». وإن قمت بالمثل ليوم 31 ديسمبر 2012 لوجدته طبقًا لتقويم المايا بداية الباكتون الرابع عشر، يوم مميز بالطبع، لكن ليس إلى درجة نهاية العالم، بل اليوم الذي نترك فيه الباكتون السابق لنبدأ باكتون جديد.

وإن أردنا مزيدًا من التدليل على اختلاف وتعدد نظم التقويم المستخدمة على مدار التاريخ فسنجد أمثلة كثيرة لعل منها ما يفوق المذكور غرابة، مثل التقويم الباوكوني، أحد نظم التقويم التراثية في بالي، المكون من 210 يومًا، مقسمة إلى أسابيع مختلفة الطول ومتقاطعة بصورة دقيقة، تتراوح بين اليوم الواحد والعشرة أيام. لكن على كل حال، يظل أي تقويم واحد من أربعة أصناف: تقويم شمسي، تقويم قمري، تقويم شمسي-قمري، تقويم اعتباطي.