محتوى مترجم
المصدر
Open Democrcy
التاريخ
2017/11/16
الكاتب
جوليا مونتانا

في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني حكم قاض إسباني على نائب رئيس إقليم كتالونيا «أوريول جونكيراس» وسبعة وزراء آخرين بالسجن دون كفالة، ليُصدر بذلك عقوبةً عفى عليها الزمن، ترجع لنظام فرانكو. كما أُصدرت مذكرات توقيف بحق رئيس الإقليم «كارلس بوتشدمون»، الذي يتواجد حاليًا في بروكسل، ووزراء آخرين في حكومته.

ومرةً أخرى، خرج الكتلان إلى الشوارع يومًا بعد يوم للمطالبة بالإفراج عن معتقلينا السياسيين وللتنديد بسوء استخدام السلطة وانتهاك القانون، في مظاهرات بلغت ذروتها يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني، والتي امتدت على مسافة تصل لأكثر من كيلومتر. وسعيًا لتحقيق الأهداف ذاتها كان قد وقع إضراب عام في جميع أنحاء كتالونيا يوم الأربعاء 8 نوفمبر/تشرين الثاني.

أما عن الجديد بهذه الاحتجاجات فقد تمثل في غلق الجماهير للطرق والسكك الحديدية مع التركيز خاصة على تلك التي تؤدي إلى فرنسا والبر الرئيسى لإسبانيا، حتى يتصدر غضبنا المشهد القومي والدولي، أملًا في أنّ تُوقف الحكومة الإسبانية بنهاية المطاف تكتيكاتها القمعية وتطلق سراح السجناء السياسيين تحت وطأة هذا الضغط. خارجيًا، قد يبدو كذبًا أنّ مسألة كتالونيا اندلعت فقط في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، بيد أنّ فهم سياقنا السياسي أمر ضروري لتُدرك كيف وصلنا إلى هذه النقطة اليوم، ولماذا أعلنّا الاستقلال من جانب واحد؟


القمع الإسباني على مر التاريخ

تاريخ القمع في كتالونيا موغل في قدمه، لكن تاريخنا نحن الشعب سابق عليه. إذ يبدأ تاريخنا قبل قرون من تأسيس دولة إسبانيا. فيرجع تاريخ الدستور الكتالوني إلى عام 1283، في حين يبدأ تاريخ الدستور الإسباني في عام 1812. فبعد حرب الوراثة الإسبانية (1702-1714) دُمرت المؤسسات الكتالونية وأسست عائلة آل بوربون حكمًا عسكريًا قمعيًا. وعلى مدار القرون والعقود اللاحقة جرى إلغاء وتشويه المؤسسات والحقوق واللغة الكتالونية وغيرها من التقاليد الثقافية مرات عديدة. ترتب على ذلك، أنّ أصبح هذا التاريخ القمعي جزءًا لا يتجزأ من تاريخ أمتنا ومكونًا لا يمكن فصله عن إحساسنا بالهوية الجماعية.

وعلاوة على هذا القمع الإسباني قبل وأثناء نظام فرانكو الفاشي (1936-1975)، تضاءلت باستمرار في السنوات الأخيرة قدرتنا على التحكم بشؤوننا، وتراجعت إلى مستوياتٍ نراها غير مجدية أبدًا. وكما هو حال أغلب الناس في العالم، يرغب الكتلان بقول كلمتهم في الأمور التي تؤثر عليهم، ويشعر الكثيرون منّا بعجزهم عن إيصال صوتهم في ظل الوضع الراهن.

وكما يجري في الأقاليم المستقلة الأخرى في إسبانيا، اتفقت الحكومة والإقليم على نظام حكمٍ ذاتي جديد ومر الاتفاق باستفتاء ودخل حيز التنفيذ عام 2006. بعد ذلك، تقدم «حزب الشعب» في إسبانيا باعتراضٍ إلى المحكمة الدستورية مما أدى إلى تقليصات وتعديلات كبيرة في نظام الحكم الذاتي.

ومنذ ذلك الحين، رفضت الحكومة الإسبانية العديد من القوانين التقدمية التي تتعارض مع الأجندة اليمينية لحزب الشعب بعد موافقة البرلمان الكتالوني عليها مثل: قوانين مكافحة فقر الطاقة و التصديع المائي والإخلاء التعسفي، بالإضافة إلى إصلاحات تتعلق بتعزيز المساواة بين الجنسين والضمان الاجتماعي والضرائب على شركات الطاقة النووية والبنوك وغيرها. وإجمالًا لم يُنفذ 25 قانونًا وافق عليها برلمان كتالونيا ورفضتها المحكمة الدستورية بناءً على طلب حكومة «ماريانو راخوي».

وبسبب العنف الوحشي واسع النطاق الذي ارتكبته الشرطة أثناء استفتاء الأول من أكتوبر/ تشرين الثاني، توجه الاهتمام الدولي – الذي طال انتظاره – أخيراً إلى القمع الذي نعانيه. تفاعلنا مع هذا العنف بمقاومة سلمية رغبة في استعادة كرامتنا وحقوقنا، وأصدرنا الكثير من الدعوات للحوار مع إسبانيا وطلبًا للتضامن الدولي معنا.

وجه قادة كتالونيا منذ عام 2006 ثماني عشرة دعوة للحوار والتفاوض السياسي حول قضية الإقليم، ولكن مدريد تجاهلت هذه الدعوات في كل مرة. وبعدما بدا للبرلمان الكتالوني أنّ التوصل لاتفاق مع إسبانيا بشأن تنظيم الاستفتاء قد أصبح مستحيلًا، صوت البرلمان لصالح إجراء الاستفتاء من جانب واحد. وخلال خطابه في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، لم يُعلن «كارلس بوتشدمون» الاستقلال بل حاول التواصل مع إسبانيا مرة أخرى من خلال تعليقه إعلان الاستقلال مؤقتًا حتى يبدأ حوارًا مع مدريد، بينما كان رد رئيس الوزراء «ماريانو راخوي» هو التهديد بالحكم المباشر للإقليم.

وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول، أقدم «بوتشدمون» على مخاطرة جديدة قد تكلفه خسارة كل الانفصاليين، إذ أعلن عن إجراء انتخابات ذاتية لتجنب فرض مدريد لحكمها المباشر على الإقليم. ورغم ذلك، لم يُنفذ «بوتشدمون» خطته في نهاية المطاف، إذ إنّ «راخوي» لم يتعهد بعدم تنفيذ مدريد للمادة 155 من الدستور في حال دعا «بوتشدمون» إلى الانتخابات وهو ما يتغاضى عن عملية استقلال كتالونيا.

لم يكن من الممكن أنّ تصبح رغبة كتالونيا في الحوار أكثر جلاءً؛ فقد ورد في إعلان استقلالها ما نصه «ونحن نُأكد على رغبتنا في المفاوضات مع الدولة الإسبانية». ويجب التأكيد هُنا على أنّ إعلان الاستقلال قد أتى بدعوة للتسامح والسلام والاحتواء والتعاون، بالإضافة إلى إرادة واضحة في استيعاب أولئك المعارضين للاستقلال ضمن تشكيل الجمهورية الجديدة.

في الوقت نفسه الذي يتهم فيه حزب الشعب، الساعي إلى الفوز في الانتخابات القادمة وتدارك فضائح الفساد الكثيرة في إسبانيا، حكومة الإقليم بتمزيق المجتمع الكتالوني، يواصل اتخاذ تدابير وإجراءات تُظهر استهانته، إن لم يكن عداءه الكامل، لشعب كتالونيا، كما تجلى في المُمارسات الوحشية لقوات الشرطة مؤخرًا.

إنَّ خطاب الكراهية الذي استخدمه بعض القادة في حزب الشعب والأحزاب الأخرى مثل حزب «المواطنون»، وهو حزب جديد نسبيًا في إسبانيا يميل إلى النيوليبرالية، قد عزز تعبئة المؤيدين للوحدة وبعض المجموعات الأخرى من اليمين المتطرف، وهو ما مثل عاملًا رئيسيًا في اتهام «بوتشدمون» بتقسيم المجتمع. وحتى الآن، تقتصر الأفعال السياسية العنيفة على المُمارسات الوحشية لقوات الشرطة والهجمات التي شنها مؤيدو الوحدة والمجموعات اليمينية المتطرفة ضد الكتلان، وقد وقعت هذه الهجمات في كتالونيا وفالنسيا ووقع بعضها عقب مسيرتين للجماهير المؤيدة للوحدة في برشلونة.

وفي اليوم الذي أُعلن فيه الاستقلال، نُقل اثنان من الكتالونيين إلى المشفى بعد تعرضهما لهجومٍ على يد مجموعة من «المتطرفين»، في حين هاجمت جماعات أخرى مؤيدة للوحدة الإسبانية محطة إذاعية كتالونية. وحتى الآن، وَقعت آخر الهجمات يوم السبت 4 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما شنت مجموعة من المتطرفين هجومًا بعد مظاهرة مؤيدة للوحدة وقد هتفوا «يحيا هتلر!».

وحتى الآن، وُضع اثنان من القادة الناشطين في السجن لاتهامها بالتحريض والمساعدة في حشد مظاهرات كبيرة، بالإضافة إلى التنظيم البارع للجهات الفاعلة في المجتمع المدني وهو ما كان ضروريًا للاحتفال باستفتاء الأول من أكتوبر/تشرين الأول. واليوم، يُزج بأعضاء من البرلمان الكتالوني في السجن بتهمة التمرد، مع تجاهل أنّ قانون العقوبات الإسباني يعتبر فعلًا ما تمردًا إذا اُقترن بممارسة المتهم للعنف. ولا يبدو ذلك مفاجئًا في بلدٍ يُصنف استقلاله القضائي في المرتبة 58 وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، أي أدنى من تصنيف كل من كينيا وليتوانيا وبوتسوانا.

ولم تفهم إسبانيا بعد أنّ هذا الحراك لا يقوده السياسيون، بل الشعب. وقد كانت هذه القاعدة الشعبية للحركة المؤيدة للاستقلال على وجه التحديد هي السبب وراء التنظيم الناجح للاستقلال. إذ إن الناس هم من حشدوا في 20 سبتمبر/ أيلول لمنع اعتقال 14 سياسيًا يُتهم بالتحريض، كما كانوا هم المُنظمين للإضراب العام عقب الاستفتاء احتجاجًا على عنف قوات الشرطة، وهم أيضًا من يُنظمون الآن مقاومة سلمية ضد الحكم المباشر وهم من يحافظون الآن على إدارتنا لمؤسساتنا في محال عملنا وحياتنا اليومية، وهؤلاء الناس أنفسهم هم من أعلنوا إضرابًا عامًا في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني للمطالبة بالحرية لسجنائنا السياسيين. باستطاعة حكومة راخوي سجن السياسيين الكتلان، ولكن سجون إسبانيا لن تسعنا جميعًا ولن تأسر إيماننا بالحرية. ورغم سجن إسبانيا قادتنا الحاليين، سيحيا نضالنا.

والواقع أنّ الحكومة الإسبانية هي التي تُخالف الدستور. إذ إنَّ تدابير الحكم المباشر التي اتخذت يوم الجمعة 27 أكتوبر/ تشرين الأول والتي تُبررها الحكومة بموجب تطبيق المادة 155، ليست متضمنة في الدستور فعليًا. تسمح المادة 155 للحكومة المركزية بإصدار أوامر للحكومات أو السلطات الذاتية فحسب، ولكن لا تعطيها الحق في تعليق الحكم الذاتي للحكومة ووظائفها، كما تفعل حاليًا نائبة رئيس الوزراء الإسباني بموجب الحكم المباشر للإقليم.

ولا تُعد السيطرة على الحكومة الكتالونية أمرًا غير قانوني فحسب، بل هي غير ديمقراطية أيضًا. إذ إنّ تطبيق الحكم المباشر على إقليمٍ حيث لم يحصد حزب الشعب سوى 8% من الأصوات في الانتخابات الماضية يصعب وُصفه «باستعادة الديمقراطية وإعادة كتالونيا مرة أخرى إلى الكتالونيين» كما ادعى راخوي. وعلاوة على ذلك، فإنَّ ما يفعله حزب الشعب يُمثل انتهاكًا واضحًا لحق تقرير المصير المتضمن في ميثاق حقوق الإنسان، وهو ما وضحه مؤخرًا ألفريد دي زاياس الخبير بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.


شرعية أصواتنا

ويبقى السؤال حول ما إذا كانت أغلبية الشعب الكتالوني ترغب في الاستقلال أم لا. بالنسبة للبعض، مَثل إعلان الاستقلال الذي طال انتظاره انتصارًا لم يكتمل. لم نرغب بشيء أكثر من التصويت في استفتاء لا تُعرقله السلطات الإسبانية بمصادرة صناديق الاقتراع وإغلاق المواقع الإلكترونية والرقابة على وسائل الإعلام وممارسة قوات الشرطة لأعمال وحشية من بين إجراءات أخرى. لقد فعلنا كل ما بوسعنا، ومنحنا الأولوية لإرادتنا الجماعية على قوتنا المادية، سعيًا لإجراء الاستفتاء حتى يحظى كل شخص بفرصة للتعبير عن رأيه.

ورغم الطرق المتعددة التي عُرقل بها الاستفتاء، يُقدر أن نحو 56.8% من تعداد سكان الإقليم كانوا ليصوتوا في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، ولكن يمكن إحصاء 43% فقط من أصوات المقترعين في الواقع، إذ سرقت الشرطة البقية وسط هجمات بالهراوات. ومن بين الأصوات التي يمكن عدها، أيد الاستقلال 90.2% من الناخبين. وهذا يعني أن رفض هذا الاستفتاء يتطلب ذهاب أكثر من 77.6% للتصويت، كما يتطلب معارضة جميع الأصوات المسروقة وجميع الناخبين الذين لم يصوتوا في الاستفتاء. وبالنظر إلى أنّ أعلى نسبة إقبال في تاريخ الانتخابات الكتالونية هي 77%، فمن غير المحتمل، في ضوء نتائج الاستفتاء الحالي، أنّ تكون غالبية السكان ضد الاستقلال.

ومع ذلك، فإن بعض الأحزاب المؤيدة للاستقلال قد التزمت المشاركة في انتخابات الحكم الذاتي في 21 ديسمبر/ كانون الأول، واحترامًا للإرادة التي سيعبر عنها الناخبون، أعلنت التراجع عن الاستقلال في حال أيدت أغلبية الناخبين الأحزاب المؤيدة للوحدة. بيد أنّ سجن إسبانيا للقادة المؤيدين للاستقلال هذا الأسبوع يشير إلى أن الانتخابات المقبلة سوف تكون بعيدة كل البعد عن معايير العدالة.


مستقبل كتالونيا

نعيش الآن في خضم حالة نموذجية من القوانين المزدوجة والمتضاربة. إذ يحكم كتالونيا الآن كل من «القانون الانتقالي» الذي أقّره برلمانها، جنبًا إلى جنب مع حالة الحكم المباشر، والتي يفترض أنّها تفسير للمادة 155 من الدستور الإسباني. لكن كتالونيا ستحكم في نهاية المطاف بالنظام الذي يُحدده في الأيام القادمة شعبها وتلتزم البلدان الأجنبية باحترامه.

يُمثل التدخل الحالي للحكومة الإسبانية في كتالونيا استمرارًا وتتويجًا لسعيها وطموحها في التحكم الكامل بالإقليم. تتهمنا الحكومة الإسبانية بالعصيان وتستخدم ذلك لتبرير تطبيقها للحكم المباشر. ما نرجوه هو أنّ تعلموا أنّنا لا نمتلك خيارات أخرى سوى العصيان، فإذا تراجعنا عن موقفنا ووجهنا دعوة لإجراء انتخابات للحكم الذاتي، وبالتالي نتخلى عن «القانون الانتقالي» الحالي، ستواصل الحكومة الإسبانية تطبيق الحكم المباشر بموجب المادة 155. وفي الواقع، أشار مؤخرًا قادة حزب الشعب إلى أنَّه حتى لو فازت الأحزاب المؤيدة للاستقلال مرة أخرى في الانتخابات المقرر إجراؤها في 21 ديسمبر/ كانون الأول، سيستمر تطبيق الحكم المباشر طالما أن برنامجهم الانتخابي يدعو لاستقلال كتالونيا.

لقد أُجبرنا على موقف نختار فيه ما بين إعلان الاستقلال من جانب واحد أو التفريط في أي شكل من الحكم الذاتي. لقد اتخذنا قرارنا ومستعدون للنضال من أجله في مواجهة التهديدات والإكراه والقمع. ونناشد البلدان الأخرى بالوقوف إلى جانبنا، ونطلب من إسبانيا تفهم موقفنا والاعتراف بالجمهورية التي نهدف لبنائها. وندعو الناس في جميع أنحاء العالم للضغط على الحكومات من أجل الاعتراف بجمهورية كتالونيا، ولإدانة تلاعب إسبانيا بالقانون والتوسط في العملية التي تمنح الحرية لكل الكتلان في نهاية المطاف.