لديّ ابنة في سن الـ4 سنوات، تميزت بالفصاحة وطلاقة اللسان، وبدأت بالنطق في مرحلة مبكرة على غير عادة الأطفال، فرحت بذلك كثيراً، باتت تخطف الأنظار في أية جلسة بكثرة حديثها وطلاقة لسانها في هذه السن المبكرة. ويوماً ما، تفاجأت بها تتلعثم كثيراً في الكلام، قلت ربما خائفة، ولكن كان الأمر يزداد أكثر فأكثر، حتى أصبحت لا تتكلم إلا قليلاً جداً، ولاحظت أن حالتها النفسية تأثرت، حتى إنها أصبحت تكره أن يتحدث معها أحد أو يسألها سؤالاً.

الكلام هو أهم طرق التعبير لدى البشر، وأهم طريقة للتواصل بين الناس، به يعبرون عن احتياجاتهم ومشاعرهم ورفضهم وقبولهم، وبدونه يشعر الفرد أنه عاجز عن التواصل والتعامل مع الغير.

عادةً، يمر الأطفال بمرحلة من اضطراب الكلام، وتكون في السنوات الأولى من حياتهم، ولكن مع مرور السنين تزول المشكلة ويتحدثون بشكل طبيعي، ولكن هل هذا كل ما في الأمر، أم أن هناك حالات تستمر؟ ولماذا تستمر؟ ولماذا من الأساس يحدث هذا التلعثم؟ وهل هناك طرق للعلاج والوقاية؟

هناك فرق بين اضطرابات الكلام واضطرابات اللغة، فاضطرابات الكلام هي وجود مشكلة في مخارج الألفاظ أو في سرعة الكلام أو في القدرة على النطق بطريقة سليمة وطبيعية، أو بمعنى آخر هي فشل الشخص في توصيل المعنى الذي يرغب بتوصيله للشخص الذي يحاوره، وكذلك فشله في فهم المعنى أو استقبال الرسالة التي يريد إيصالها له. أمّا اضطرابات اللغة، فهي وجود صعوبة في فهم اللغة أو استيعاب كلمات جديدة. ولاضطرابات الكلام أنواع مختلفة، ونحن اليوم بصدد التحدث عن نوع واحد منها، وهو التلعثم.

ما التلعثم؟ وما أعراضه؟

تتعرض أحياناً لموقف حرج، تعجز فيه عن الكلام بطلاقة أو بسلاسة، تكرر الكلمات أو الحروف أو تضيف كلمات أو أصوات أو حروف ليس لها داعٍ، مثل «آآ» أو «يعني» أو ما يشابههم. لا شك أننا تعرّضنا لهذا الأمر، إمّا بصورة دائمة في فترة من فترات حياتنا، كالطفولة مثلاً، أو بصورة دائمة طوال حياتنا واستمرت حتى الكبر، أو في موقف طارئ بسبب التوتر أو أي شيء عارض.

والتلعثم هو نوع من أنواع اضطرابات الكلام، وهو عبارة عن خلل في سريان الكلام، وهو نوع منتشر بكثرة في الأطفال الصغار، والتلعثم له أسباب وأشكال وأعراض مختلفة. منها:

  • التكرار: وهو من الأشكال المشهورة، حيث يكرر الشخص نفس الكلمة أو الجملة أو الحرف عدة مرات قبل أن ينطق الكلمة التي تليها لا إرادياً.
  • العرقلة: وهي عجز الشخص عن نطق الكلمة التي تعبر عمّا بداخله، فهو يعرف ماذا يريد، وماذا يود أن يقول، ولكن الكلمات لا تسعفه، ولا يستطيع إخراج الكلمة التي يرغب بقولها. هذا النوع من التلعثم يشعر الفرد وكأنه عالق.
  • التذييل: وهو عبارة عن مد وزيادة الشخص لبعض الأصوات أو الكلمات، كأن يقول: «سسسسسسسمير صديقي لطيف».
  • التوقف فجأة عن الكلام في وسط الكلام، كأن يقول: «أنا أريد… بعض الحلوى».
  • الضغط على الحروف أو الكلمات أو الأصوات.
  • الشعور بالإحباط وعدم الرغبة في التواصل.
  • هز الرأس أثناء الكلام.
  • زيغ العين أثناء الكلام، وتجنب النظر في عين المتكلم.
  • الشعور بالارتباك أثناء الكلام.
  • شد في الوجه والأكتاف.
  • اهتزاز الشفتين.
  • قبض اليدين.
  • استبدال كلمات بكلمات أخرى، كأن يقول: «أنا لدي… أنا فقدت سن من أسناني».
  • لا يستطيع إكمال بعض التفكير أو التذكر الذي يستند إليه أثناء كلامه، كأن يقول: «اسمه… لا أتذكر».

في العموم، تختلف أعراض التلعثم وأشكاله باختلاف الموقف، فالضغط العصبي والإثارة والارتباك كلها عوامل تزيد من حدة التلعثم، كما أن بعض الناس يجدون صعوبة في نطق بعض الكلمات المعينة بشكل صحيح، وعندما يضطرون لنطقها يتلعثمون.

أنواع التلعثم وأسبابه

هناك نوعان رئيسيان:

  1. التلعثم التنموي: وهو التلعثم الذي يُصاب به الأطفال في سن مبكرة أثناء تعلمهم الكلام والمهارات اللغوية. تزيد العوامل الجينية من قابلية الفرد للإصابة بهذا النوع من التلعثم.
  2. التلعثم العصبي: يحدث هذا النوع عندما يُصاب المخ بضرر يمنع حدوث التنسيق الصحيح والطبيعي بين أجزاء المخ المسؤولة عن الكلام.

أمّا عن أسباب التلعثم، فعادةً يبدأ التلعثم في الأطفال من سن سنتين حتى 6 سنوات، ويستمر التلعثم عند الطفل لمدة 6 شهور، ويعتبر هذا هو المعدل الطبيعي. وهناك عوامل كثيرة تؤثر على قدرة الشخص على الكلام، وهناك عوامل تزيد من حدة التلعثم، لنناقش هذه الأسباب معاً.

كذلك هناك عوامل تزيد وتؤثر على حدة واستمرارية التلعثم؛ فالأولاد أكثر عرضة لاستمرارية وطول فترة التلعثم عن البنات. كذلك فإن الأطفال الذين تعرّضوا للتلعثم من عمر ثلاث سنوات ونصف وأكثر، هم أكثر عرضة لاستمرارية التلعثم. يُضاف إلى ذلك أن الأسر التي استمر فيها التلعثم لفترات طويلة، أطفالهم يستمرون في التلعثم لفترات طويلة أيضاً، وفقاً لتاريخ التعافي في العائلة.

متى يجب عليك أن تزور متخصصاً.. وما العلاج؟

عليك أن تزور مُتخصصاً في الحالات الآتية:

  • إذا استمرت فترة التلعثم عند الطفل لأكثر من 6 شهور.
  • إذا بدأ الطفل التلعثم من سن 3 سنوات ونصف فأكثر.
  • إذا كان طفلك يتلعثم كثيراً.
  • إذا كان طفلك يحارب أثناء الكلام ويشتد وينفعل.
  • إذا كان طفلك يتجنب الكلام.
  • إذا كان هناك تاريخ عائلي للتلعثم.

أمّا عن العلاج، فهناك طرق عديدة لعلاج التلعثم، كما أن العلاج لا يعتمد على الطفل وحده، بل على والديه وأفراد أسرته ومعلمه في المدرسة. يعتمد العلاج على أحد العوامل التالية أو أكثر:

  • ما هو حجم التلعثم (الكم).
  • ماذا يفعل الطفل عندما يتلعثم.
  • كيف يؤثر التلعثم على الحياة اليومية لطفلك.
  • رد فعل الآخرين عندما يتلعثم طفلك.
  • عمر طفلك.
  • طريقة العلاج المناسبة للمرحلة ما قبل المدرسية.
  • خطة العلاج المباشر: تساعد طفلك على أن يغير الطريقة التي يتحدث بها.
  • خطة العلاج غير المباشر: هي طرق تساعد طفلك على الكلام، كأن يطلب منك التحدث مع طفلك بطريقة أبطأ وأهدأ وتقليل الأسئلة.
  • أنت (كمُربٍّ) عنصر أساسي في علاج طفلك من التلعثم، وسوف يساعدك الأخصائي كيف تتعلم الاستجابة الصحيحة ورد الفعل المناسب عندما يتلعثم طفلك، كما سيُعلِّمك كيفية تحسين شعور طفلك تجاه التلعثم والكلام بشكل عام.

طرق علاج الأطفال الكبار والبالغين

تعتمد طريقة العلاج لهذه السن على الإدارة والتحكم في التلعثم، كما تعتمد على تعليم المرضى كيفية التحدث بأريحية تامة في أي مكان، سواء المدرسة أو العمل أو المنزل. يعمل الأخصائي المعالج أيضاً على أن يتعرض المريض لموقف يزيد من حدة التلعثم، مثل مواقف التوتر أو الخوف أو الارتباك، لكي يضعه في قلب المشكلة ويُحسِن من رد فعله ويُعلِّمه كيف يواجه الأمر بشكل صحيح في الواقع. كأن يطلب منه أن يتحدث في الهاتف أو يقوم بشراء منتج من خلال خدمة العملاء أو حتى أن يتحدث أمام مجموعة من الناس.

منْ يعاني من التلعثم في طفولته عليه زيارة المتخصص للعلاج مرة كل فترة، لكي يختبر رد فعله وشعوره تجاه المواقف التي يتلعثم بها، ويساعده على ممارسة بعض الأنشطة والتدريبات التي تُحسِّن من تفاعله في أثناء الكلام.

يمكن أن يلجأ الأطفال والكبار لمجموعات دعم يستطيعون من خلالها أن يتحدثوا معاً لكي يكسروا حاجز الخوف والارتباك ويستمعون لحلول وتشجيع من غيرهم، هذا الأمر مؤثر للغاية في العلاج.

ختاماً، إن كنت مُربياً لطفل يعاني من التلعثم، فلا تقلق، فمعظم الأطفال يمرون بهذه المرحلة، أهم شيء عليك القيام به هو أن تدعم طفلك وتُشعِره بالراحة ولا تضغط عليه أو تسمح لأحد أن يسخر منه، كما عليك مراقبة الأمر لتحديد ما إذا كان يحتاج لعلاج أم لا. وإن كنت شخصاً تعاني من التلعثم، فلا تقلق ولا تشعر بالحرج، فالأمر شائع، ومنْ يسخر منه هو منْ يحتاج إلى العلاج. تصالح مع المشكلة وتقبّل ذاتك واذهب لتلقي العلاج بكل حب لكي تصبح أفضل، لأنك تستحق ألّا تخاف، وتستحق أن تمتلك أهم طرق التعبير عمّا بداخلك، ونحن نريد أن نسمع صوتك. لا تختبئ وراء صمتك وخوفك، وواجه الأمر بكل شجاعة.