عبادة المشاهير: كيف تصدر «برج الحوت» الترند؟

أن تنتشر جملة بسرعة الضوء، وتصبح «ترند على السوشيال ميديا»، وتتلقفها المواقع لتستغل شهرتها، وتُخترع أخبار وإشاعات وحوارات ومتابعات لتتحدث عن صفات برج الحوت ومشاهير برج الحوت، ومن هي امرأة برج الحوت المقصودة بهذه الجملة، وهل هي إهداء لشخصية بعينها، وأن يطالب عدد من الفنانين بالغناء لأبراجهم، وأن يكون كل ذلك بسبب جملة في أغنية، فهذا أمر لا يقدر عليه سوى عمرو دياب.

ببساطة.. «ده الهضبة يا إخوانّا».

أغنية أجمل عيون:

الهضبة يغني «ريّان يا فجل»

ضمن أغاني ألبومه الجديد (معدي الناس) نشر عمرو دياب أغنية اسمها (أجمل عيون). وتقول كلمات الأغنية: «يا أجمل عيون وأحلى عيون صحيتي ليل العاشقين.. صحيتي الشوق من غير معاد وسافرتي ليه آخر البلاد.. والله لحبك موت وأحب برج الحوت»، وكان «الهضبة» قد قرر تأجيل طرح الألبوم ليضم إليه هذه الأغنية، والتي تعد أول تعامل بينه وبين الملحن عمرو مصطفى بعد المصالحة التي تمت بينهما عقب فترة مقاطعة لخمس سنوات تقريبًا.

وبعد طرح الأغنية سعت التكنهات للوصول إلى من هي فتاة برج الحوت التي يهدي إليها عمرو دياب الأغنية، وفي نفس الوقت ظهر حساب على (فيسبوك) للممثلة دينا الشربيني يسأل الناس عن رأيهم في الألبوم، فربط الناس بينها وبين الأغنية، خاصة أنها من مواليد برج الحوت، كما ظهرت مع عمرو دياب في إحدى صوره منذ فترة، فيما نفت الفنانة صبا مبارك على حسابها الرسمي على (إنستجرام) أن يكون هذا الحساب ينتمي لدينا الشربيني، حتى أوضح الملحن عمرو مصطفى «قصة برج الحوت»، على حسابه على (فيسبوك).

وقد اهتم العديد من الفنانين والمشاهير بالتعليق على الأغنية، واستغلت الصحف الأغنية لتنشر عشرات الموضوعات عن مشاهير البرج، وصفات نسائه، ومتابعات حول الألبوم والأغنية.

ماذا يعني تأثیر الهالة؟

رغم أن اللحن ليس جديدًا، والكلمات ليست جيدة، (بالمقارنة مع أغاني عديدة قدمها عمرو دياب)، إلا أنها نالت شهرة واسعة وانتشارًا عجيبًا، فلمَ حدث ذلك؟

سیكولوجیًا هناك خدعة نفسیة تسمی halo effect أو «تأثیر الهالة»، طرحها العالم النفسي (إدوارد لي ثورندایك) عام 1920، وتعني: میل الشخص إلی حب أو كره شخص آخر بكل ما فیه بسبب صفة وحیدة أو موقف واحد حدث منه.

فإذا أعجبت بشخص ما فإن الأشياء الأخرى فيه، والتي لا علاقة لها بسبب إعجابك، ستعجبك أيضًا. مثال: قد تُعجب بمهارة أحد اللاعبين فيتحول ذلك إلى إعجاب بتصفيفة شعره أو اختياره لملابسه، وهي أمور لا علاقة لها بمهارته الرياضية، وهذا التأثر اللاشعوري يحدث في عقلك دون أن تنتبه.

كما يعمل «تأثير الهالة» مع أشياء غير مرئية. مثال: لو التقيت بشخص ما في مناسبة اجتماعية وتحدثت معه، ثم ذُكر اسمه فيما بعد بين بعض الناس، حينها ستذكر إعجابك به، رغم أن حديثك معه لم يُظهر أي شيء يتعلق بالإعجاب.

والأكثر خطورة أن «تأثير الهالة» قد يحوّل السلبيات إلى إيجابيات. فطبقًا لتجربة العالم النفسي (سولومان آش):

لديك شخصان: أحمد ومحمد

أحمد ….. ذكي، ومثابر، ومندفع، ومنتقد، وعنيد، وحسود.

محمد ….. حسود، وعنيد، ومنتقد، ومندفع، ومثابر، وذكي.

ورغم أنهما بنفس الصفات إلا أن الناس سيفضلون أحمد؛ لأن الصفات المبدوء بها (ذكي ومثابر) تُغيّر معنى ما بعدها، فيقول المخ: الذكي المثابر شخص يُحترم، وقد يكون سبب عناده هو رغبته في تحقيق هدفه، أما الحسود العنيد فهو شخص مكروه، وإذا أضيف الذكاء له صار خطرًا، وهنا نلحظ أن معنى العناد تغير مرة للسلب ومرة للإيجاب بطريقة تتوافق مع السياق.

كيف يستغل تأثير الهالة تجاريًا؟

يستخدم «تأثير الهالة» في التسويق لشرح تحيز العملاء تجاه بعض المنتجات بسبب تجربة مشابهة مع منتجات أخرى لنفس الشركة المُصنعة، ويستخدم هذا التأثير في دفع أسهم العلامة التجارية.

والمثال الكلاسيكي لتأثير الهالة هو العلاقة بين أجهزة (laptop mac) وأجهزة (iPod)، فعندما تم طرح جهاز (iPod) كانت هناك تكهنات بأن مبيعات شركة (Apple) من (laptop mac) ستزيد بسبب نجاح (iPod)، وأُشير إلى هذه الظاهرة باسم «تأثير الهالة».

ويستخدم تأثير الهالة لتحسين وضع قطاعات الأعمال التي تشكل عائقًا على الأرباح. فإذا كان باستطاعة قطاع ما أن يحقق زيادة في حركة العملاء، فقد يترجم ذلك إلى مبيعات إضافية لقطاعات أخرى متاحة للعميل. مثال: متاجر البقالة تقدم خدمة توصيل مجانية للمشتريات، رغم أن هذه الخدمة تُكلّفها مالًا، ولكن تأثير هالة التوصيل المجاني يترجم إلى شراء منتجات إضافية، وبالتالي ربح أكبر.

وتأثير الهالة فعّال للشركات التي تعتمد بشكل كبير على رفع أسعار أسهم علامتها التجارية بزيادة الطلب عليها، كما أنه فعال في الاحتكارات التنافسية، حيث يوجد العديد من الشركات التي تقدم نفس الخدمة، وباستخدام هذا التأثير قد تصبح الشركة رائدة في صناعة المنتج الذي تنافس فيه غيرها، لذا فإن تأثیر الهالة ليس له تأثير علی زیادة حرکة العملاء فحسب، ولكن أیضًا علی التسعیر وهو الوسيلة الرئیسیة لنمو الإیرادات.

تأثير هالة المشاهير

هناك أسباب واضحة لوقوعنا تحت هذا التأثير مع المشاهير، فنحن نعرف الفنان، ونعاصره، ونتابع تاريخه وأخباره وأعماله الفنية، وقد نشعر أننا نعرفه جيدًا (إلى حد ما)، وعندما يكون الفنان مدهشًا بأخباره وتفاصيل حياته وإبداعه، فإن هذا يتحول في عقولنا إلى تصورات أخرى بفعل «تأثير الهالة».

ومن خلال متابعتنا الجيدة للمشاهير نشعر كما لو أننا نشاركهم حياتهم، وقد تستولي متابعة المشاهير على مساحة كبيرة من اهتمامنا، وهذا يجعلنا نشعر تلقائيًا بالتعلق بهم، فيما يعرف بـ celebrity worship – عبادة المشاهير أو الافتتان بالمشاهير.

ويرى أطباء نفسيون أن الافتتان بالمشاهير قد يتحول لدى بعض الناس إلى ممارسة أنشطة تشبه مشاهيرهم مما قد يؤثر على حياتهم الخاصة، وهذا ليس أمرًا مؤذيًا، لكنه يكون مؤذيًا عند الذين يجعلون متابعة المشاهير محور حياتهم كلها، مما قد يصيبهم بالاكتئاب والقلق وانخفاض في تقدير الذات.

كيف تتم برمجتنا؟

ستيوارت فيشوف، المتحدث باسم الجمعية الأمريكية لعلم النفس

ستيوارت فيشوف، المتحدث باسم الجمعية الأمريكية لعلم النفس، وصاحب الدراسة الأكاديمية عن «عبادة المشاهير»،يقول: «في حمضنا النووي، توجد جزيئات مسئولة عن البحث عن أشخاص مؤثرين في خلفياتنا، فنحن سوسيولوجيًا مبرمجون مسبقًا لاتباع القائد»، وهذا ما يجعلنا نهتم بمتابعة المشاهير. وحتى المشاهير أنفسهم يقعون تحت هذا التأثير تجاه أشخاص آخرين، والفارق أن هناك من يقومون بمعالجة تأثير هذا الحمض النووي بشكل أفضل من غيرهم، مما دعا لظهور دراسات عديدة للتوعية بفكرة «عبادة المشاهير» كمشكلة صحية عقلية يمكن إصابة البعض بها.

وفي البحوث المنشورة في المجلة البريطانية لعلم النفس أنشأ علماء النفس مقياسًا لعبادة المشاهير، يبدأ من الاهتمام المتزايد بهم حتى يصل إلى الإدمان، وفي دراسة أخرى على أكثر من 600 شخص، وجد علماء النفس أن حوالي ثلث المؤهلين للإصابة بـ «متلازمة عبادة المشاهير» هم من الذين يصبح المشاهير أشخاصًا مركزيين في حياتهم.

وقد عُرفت الحالة النفسية السابقة بـ «المتلازمة»، والتي تبدأ بلفت الانتباه، ثم الإعجاب، ويتطور الأمر إلى المحاكاة ثم الالتزام بالعادة، ثم تتجذر في النفس إلى عبادة وعدم تخلٍّ، وذلك تحقيقًا للشهرة أو على الأقل تحقيق نجاحات كبيرة مثلهم.

ويُذكر أن أول من تحدث عن «متلازمة عبادة المشاهير» هو الكاتب (جيمس شابمان) عام 2003، في مقالة بصحيفة (ديلي ميل)، حيث ذكر دراسة نشرتها مجلة علمية تحدثت عن التفسير العلمي للمواقف والسلوكيات المرتبطة بعبادة المشاهير، بعد أن ظهر هذا المصطلح للمرة الأولى عام 2000.

من المسئول عن تلك البرمجة؟

يرى الأطباء النفسيون أن وسائل الإعلام تتحمل جزءا من المسئولية عن تمييز المشاهير، فالسينما والتليفزيون يعملان على خلق صور للمشاهير يستحيل على أي منا أن يرقى إلى مستواها، وتزداد الخطورة عندما يربطون كل الأشياء بأخبار وأسرار المشاهير، والكتب، والوجبات الغذائية، ومستحضرات التجميل، والأطعمة، والملابس، والمجوهرات، وكل ما يجعلنا نكون أقرب إلى صورة من نتعلق بهم، وهناك ثروات تتحقق من خلال تحويل المشجعين إلى ضحايا.

كما ساعد التطور التكنولوجي على ذلك، فقد كانت حياة النجوم مخفية عن الجمهور، ولكن الآن نرى الفوضى القبيحة للمشاهير، بما في ذلك تعاطي المخدرات والكحول، وقد أظهرت دراسة أن المراهقين الذين يشاهدون التدخين في الأفلام يكونون أكثر عرضة لبدء العادة بأنفسهم. كذلك للمخدرات والكحول. فضلًا على اضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية، والتي يمكن أن تصبح أخطر عندما نحاول محاكاة الأوزان المنخفضة لنجومنا المفضلين، والبعض يمكن أن يصاب بالإحباط لاعتقاده بأن حياته لا تستحق العيش، علاوة على أن رغبات التقليد المتطرفة يمكن أن تتحول إلى رغبات قاتلة لأصحابها.

إيه العمل؟

يمكن أن يتحول الافتتان بالمشاهير إلى أمر ممتع يساعد على تحسين واقع حياتنا، ويتحقق ذلك عندما نفتتن بأحد الأمثلة الجيدة التي يساعدنا التشبه بها على تحقيق أحلامنا الخاصة، فإذا أردت تحقيق إنجاز أحد المشاهير، وكان هذا الإنجاز سيؤدي إلى تحقيق مكاسب في حياتك الخاصة، فإن إعجابك به يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على طموحك، أو حتى على صحتك النفسية، فيمكننا التعلق بالمشاهير إذا كان ذلك سيساهم في تغيير حياتنا للأفضل.

كما يمكن أن يسفر عن نتائج أكثر إيجابية عندما يشارك المشاهير في الحملات الصحية والتوعوية لاستغلال تعلقنا بهم في إقناعنا بإجراء تغييرات شخصية في حياتنا، فيمكن أن يكون لهم تأثير إيجابي من حيث زيادة الوعي بالعديد من المشاكل، خاصة المشاكل الصحية التي قد لا تحصل على الاهتمام الذي تحتاجه، مثل مشاركة المشاهير في حملات التوعية بمخاطر التغير المناخي، وحملة «الشريط الوردي- Pink ribbon» للتوعية بسرطان الثدي، و«تحدي دلو الثلج – Ice Bucket Challenge» لمواجهة مرض التصلب الجانبي الضموري.