أشعر أنه بالنسبة لي، كان الريف في روسيا هو ما غرس بداخلي شعور أنني يجب أن أنتمي لهذا المكان حقًا. إلى الأميال الشاقة بين القرية والقرية، دموع الأرملة، أغنية النساء الحزينة. وفقًا للتقاليد الروسية القديمة، فإن إطلاق النيران والدمار هما كل ما تركناه وراءنا في الحرب، نرى إلى جانبنا موت الرفاق. وفقًا للتقاليد الروسية القديمة، صدورنا في المقدمة.

كلمات من قصيدة الشاعر الروسي «قسطنطين سيمونوف»، والتي بدأت بها الحلقة الثانية من المسلسل القصير «Chernobyl»

في الساعات الأولى من يوم 26 أبريل/نيسان من العام 1986، شهد العالم أسوأ كارثة نووية في التاريخ؛ حيث انفجر المفاعل رقم 4 في محطة تشيرنوبل النووية في شمال أوكرانيا، مما أدى إلى انتشار الغيوم المشعة فوق جميع أنحاء أوروبا وجزء كبير من العالم، ما يعادل إشعاع 400 قنبلة نووية كالتي ألقتها الطائرة الأمريكية على بلدة هيروشيما اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية.

مات واحد وثلاثون شخصًا في أعقاب الحادث، وتأثر الآلاف على المدى الطويل بسبب التعرض للإشعاع،وأُجبر حوالي 350 ألف شخص على إخلاء منازلهم فيما يُعرف باسم «المنطقة المحظورة»، وهي منطقة تقع في دائرة نصف قطرها حوالي 30 كيلومترًا حول المفاعل. وكانت المدينة الأكثر تضررًا هي مدينة بريبيات، والتي هجرها السكان سريعًا، وبقيت مدينة للأشباح حتى يومنا هذا.

كيف تبدو المدينة الآن بعد كل هذا الوقت؟


33 عامًا

شيرنوبل، إشعاع نووي، كارثة نووية، الضبعة
أقنعة الغاز المستخدمة أثناء الكارثة

تم بناء مدينة بريبيات ليسكن بها عمال محطة الطاقة النووية مع عائلاتهم في السبعينيات، وتستخدم الآن كمختبر لدراسة أنماط تداعيات الكارثة. ولا تزال المدينة خالية من السكان بعد 33 عامًا من الحادثة، على الرغم من عودة بعض الأشخاص إلى منازلهم التي تقع داخل المنطقة المحظورة.ويسافر السياح والمصورون إلى المدينة المهجورة لمشاهدة المعالم التي تركها الزمن في المنازل والمدارس والحدائق التي لم يقترب منها أحد منذ عام 1986.

في اليوم التالي للانفجار، في 27 أبريل/نيسان، تم نقل المدنيين في العديد من الحافلات، لتخبرهم السُلطات أنه أمر مؤقت وسوف يعودون إلى منازلهم في غضون أيام، ليتركوا وراءهم كل ممتلكاتهم، ولكن لم يعد أحد إلى المنطقة حتى الآن، وستظل غير صالحة للعيش حتى 20 ألف عام قادمة.

تُظهر الصورة التالية فصلًا دراسيًا في مدينة بريبيات تم التخلي عنه بعد الانفجار، حيث تناثرت الأوراق والأرفف على الأرضية.

شيرنوبل، إشعاع نووي، كارثة نووية، الضبعة
لا يزال الفصل الدراسي كما كان بعد هجر المدينة

منذ ذلك الحين، تم التقاط المزيد من الصور من قبل السياح والصحفيين لتظهر الطبيعة وهي تستولي ببطء على الأرض المهجورة. يظهر المتنزه الترفيهي، الذي كان من المقرر افتتاحه في تاريخ لاحق بعد الحادثة، مهجورًا في الصور التالية، حيث تنتشر المساحات الخضراء من خلاله ويعلوه الصدأ.

شيرنوبل، إشعاع نووي، كارثة نووية، الضبعة
السيارات المتصادمة في المنتزه الترفيهي في وسط مدينة بريبيات

تزدهر الجولات السياحية للمنطقة، حيث شهدت السياحة في تشيرنوبل نموًا سريعًا خلال السنوات الخمس الماضية. ففي عام 2014 وصل عدد الزائرين إلى أكثر من 8 آلاف زائر، وفي عام 2018 وصل الرقم إلى أكثر من 71 ألف زائر، وبعد عرض المسلسل القصير «Chernobyl» من إنتاج شبكة HBO في شهر مايو/أيار الماضي، وصل العدد إلى أكثر من 12 ألف زائر في نفس الشهر.

شيرنوبل، إشعاع نووي، كارثة نووية، الضبعة
السياحة في تشيرنوبل
شيرنوبل، إشعاع نووي، كارثة نووية، الضبعة
ألعاب أطفال

الحياة تجد طريقها دائمًا

يظل تأثير الكارثة على الغابات المحيطة والحياة البرية أيضًا مجالًا واسعًا للأبحاث العلمية. وفي أعقاب الحادث مباشرة، أُطلق على مساحة تبلغ حوالي أربعة أميال مربعة (10 كيلومتر مربع) اسم «الغابة الحمراء»؛ بسبب تحول معظم الأشجار إلى اللون البني المحمر، وموتها مباشرةً بعد امتصاص كمية عالية من الإشعاع.

واليوم، المنطقة المحظورة هادئة بشكل مخيف، لكنها مليئة بالحياة. مع نمو الكثير من الأشجار مرة أخرى، وعلى عكس المتوقع، فإن المنطقة المحظورة في تشيرنوبل تعتبر ملجأ للحياة البرية،من الغزلان والذئاب والكلاب إلى الخيول. توجد العديد من أنواع الحيوانات حول الغابة الحمراء المحيطة بالمنطقة، وهو ما يطرح سؤالًا هامًا: ما الأكثر خطورة على الحياة البرية في العالم؛ النشاط الإشعاعي أم الجنس البشري؟

وبسبب استبعاد النشاط البشري حول محطة الطاقة المهجورة، ازدادت أعداد بعض الحيوانات البرية، مثل الغزلان والذئاب. في عام 2015،قدر العلماء أن هناك سبعة أضعاف عدد الذئاب في المنطقة المحظورة مقارنة بأعدادها في المحميات الأخرى، وذلك بسبب غياب البشر.

بالطبع لم تسلم الحيوانات من الإشعاع وتأثيراته الصحية، وهو مجال بحثي نشط ومثير للجدل في بعض الأحيان، إذ تبقى أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات حول مدى تسبب الإشعاع في حدوث طفرات في أنواع الحيوانات المختلفة بالمنطقة، وما إذا كان يمكن أن تنتشر خارجها.


محاولات التخلص من الإشعاع النووي

حتى الآن، هناك في المنطقة عدة أماكن ذات إشعاع مرتفع وربما قاتل، إذ يمكن أن يؤدي البقاء طويلًا أو الإهمال في مثل هذه الأماكن إلى إصابة الجسم بالإشعاع، وربما الإصابة بمرض إشعاعي مزمن.

وتبقى المستويات العالية القادرة على التسبب في متلازمة الإشعاع الحادة (Acute Radiation Syndrome) داخل التابوت الخرساني، وهو بناء ضخم يحتجز بقايا المفاعل خلف الجدران الخرسانية المسلحة السميكة للغاية، ولا يُسمح بالدخول لمثل هذه الأماكن سوى للأشخاص العاملين هناك من أجل القيام بأعمال الصيانة اللازمة.

في خلال السنوات العشر التي انقضت منذ وقوع الكارثة، كان الشيء الوحيد الذي حال دون حدوث المزيد من التداعيات هو هذا الهيكل الخرساني الذي تم تشييده على عجل في ظروف سيئة في الأشهر التي تلت الحادث مباشرة، إذ تم تقدير مستويات الإشعاع في الداخل بما يصل إلى 10000 رونتجن في الساعة؛ أي أكثر بعشرين مرة من الجرعة المميتة. وقد كان الهيكل في حالة سيئة، ويحتاج إلى تجديد؛ لذا بدأ البحث عن حل دائم لهذه المشكلة وبدأ العمل عليه منذ العام 2001.

يمكن رؤيته بسهولة من على مسافة بعيدة،التابوت الحديدي الجديد، الذي بلغ وزنه 36 ألف طن، والذي جاء نتاج جهودٍ مشتركة على مدار أكثر من عقد من الزمن، وبتمويل وصل إلى 2 مليار يورو من خلال تبرعات من أكثر من 40 دولة ومنظمة عالمية،وتم تصميمه ليتحمل درجات الحرارة القصوى، وعوامل التآكل، وحتى الأعاصير، ومن المقدر أن يصمد ويمنع تسرب الإشعاع النووي حتى المائة عام القادمة.

لا تزال تشيرنوبل مكانًا غير صالح للحياة، وستبقى على هذه الحال لوقت طويل في المستقبل. فإذا كنا نخشى من سيناريوهات انتهاء العالم من خلال الحرب النووية، فإن مدينة تشيرنوبل الآن دليل حي على ما يمكن أن نراه إذا حدث هذا السيناريو بالفعل.