تسع سنوات

يستيقظ دورسون، الطفل صاحب الأعوام التسعة، صباح كل يوم مع صديقه ريتشارد الأكبر منه بثلاث سنوات على صوت هادر قبيح يحمل كثيرًا من السباب لهما ولبقية الأطفال من رفاقهما من المنجم، وقد تأخرا عن العمل اليوم قليلًا بسبب الإرهاق والمرض وقلة الطعام؛ ماذا يمكن أن تأكل بثمانية سنتات يوميًّا، وهي كل ما يحصل عليه دورسون مقابل 12 ساعة عمل؟

يبدأ مباشرة عمله الشاق دون إفطار، يجب حفر أنفاق جديدة ونقل حمولة منتظرة من المعدن المهم للعملاء في وادي السيليكون، يبدأ دورسون الحفر وجمع الخام بيديه العاريتين دون أي أدوات مساعدة، ودون ملابس واقية.. لم يعرف دورسون في حياته أي شيء سوى هذا المنجم.

أهلًا بك في مناجم الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

الكوبالت، عمالة أطفال، حقوق إنسان، بيئة، أبل، سامسونج، أمنستي، الكترونيات، بطاريات، هواتف ذكية
طفل يعمل على تنقية الخام من الشوائب يدويًا

الكوبالت.. ربما (أو على الأغلب) لم تسمع عن أهمية المعدن من قبل، لكنه مهم، ومهم جدًا كذلك. أنت الآن تقرأ هذا المقال على هاتفك الذكي أو حاسبك المحمول الذي يحوي بالتأكيد بطارية قابلة لإعادة الشحن. الكوبالت يستخدم كمكون رئيسي في هذه البطاريات التي تستخدم في جميع الأجهزة ببطاريات قابلة للشحن في العالم، هواتف وسيارات كهربية وأجهزة ذكية وساعات. تحوّل الكوبالت في ظرف ربع قرن من معدن مهمل ينتج بشكل جانبي عن عمليات التعدين الأكثر أهمية إلى معدن مهم يتنافس عليه العالم، كلمة السر هي بطاريات أيونات الليثيوم، تلك التي تحمل أحدها في جيبك طوال اليوم.

ثلثا إنتاج الكوبالت في العالم كله يأتي من الكونغو الديموقراطية، وأسعار الكوبالت قد تضاعفت عدة أضعاف خلال آخر بضعة أعوام بسبب الطلب البالغ عليه مع ندرته النسبية. هذا بالطبع تسبب في ازدحام المنافسة على المعدن الذي يستخرج في ظروف غير آدمية. 40.000 طفل مثل دورسون يعملون في مناجم الكوبالت في الكونغو الديموقراطية حسبما تقول منظمة اليونيسيف، وسط معركة نقلتها شبكة Sky تحت السطح تدور حوله، معركة تدر المليارات على البعض، وتقتل البعض الآخر.

امرأة حامل

كان موبابا طبيب النساء والتوليد في القرية في ختام عمله عندما سمع صوتًا لامرأة يبدو أنها تتعرض لآلام شديدة؛ صوتًا خافتًا ضعيفًا يكاد يشبه الأنين. خرج موبابا من مكتبه ليرى امرأة ضعيفة البنيان وفي مرحلة بداية الولادة وتبدو عليها أعراض مشاكل تنفسية، حيث إنها تتنفس بصعوبة بالغة، وجّه بعض السباب لمناجم الكوبالت القريبة من القرية، يعلم أنها سبب كل الأمراض التي يتعرض لها الأهالي هنا، تمنى في سره أن يكون الجنين على ما يرام وأن تتحمل المرأة الولادة. بدأ موبابا عمله بعد أن طلب الممرضة وجهز منضدة الولادة، بعد حوالي ربع ساعة تصاعد صراخ طفل مع تنهيدة ارتياح، هذه روح جديدة تنتزع من بين يدي الموت. يبدو على الطفل بعض المرض، هذا لا يهم الآن.

الكوبالت، عمالة أطفال، حقوق إنسان، بيئة، أبل، سامسونج، أمنستي، الكترونيات، بطاريات، هواتف ذكية
غسل وتنظيف الخام في البحيرات والأنهار المحلية يعرض البيئة كاملة للتلوث مما يؤثر أيضًا على غير العاملين بالتنجيم

رغم أهمية الكوبالت لجسم الإنسان كونه عنصرًا في مركب فيتامين B12، إلا أن ما يحتاجه الجسم من الكوبالت كم محدود للغاية. والتعرض لتسمم الكوبالت يحتاج للتعرض له لفترة طويلة «أسابيع وحتى شهور» أو العمل في نشاط متعلق بالكوبالت، كالتنجيم أو تصنيع منتجات تحتوي الكوبالت، أو أن تسكن في قرية بجانب مناجم الكوبالت البدائية، حيث تختلط مخلفات التنجيم بماء النهر القريب، ويمتلئ الهواء بأتربة ملوثة بالكوبالت.

تنفّس الكوبالت يسبب أعراضًا تنفسية دائمة تشبه الربو، وقصر النفس، مع تليف في الرئة، وتدهور في القدرات البدنية. ربما يتسبب كذلك في أمراض القلب المزمنة، الصمم، مشاكل في الأعصاب والدم وأورام بالغدة الدرقية. كما أن العمل بشكل مباشر في ظروف تعرضك لملامسة الكوبالت قد تسبب حساسية والتهابات في الجلد.

تاجر صيني

يجلس شوان يونج على مقعده في مكان غير معروف للسلطات بالقرب من مناجم الكوبالت. بعد قليل سيبدأ أصحاب المناجم المحلية في التوافد عليه هنا، كلهم يريدون بيع الكوبالت الخام ويتنافسون عليه في خفض السعر. يعرف يونج أن هنالك العشرات من التجار مثله يشترون الكوبالت، وعليه الخروج اليوم بصفقة رابحة له دون أن يخسر مزودوه في نفس الوقت لصالح صيني آخر أو ربما هندي.

يعرض أصحاب المناجم بضاعتهم ويدور كثير من النقاش حول السعر. في جميع الأحوال هو الرابح، لا مقارنة بين السعر الذي يشتري به والسعر الذي يبيع به لشركات الاستيراد الصينية العملاقة، ولا أوراق تثبت أي شيء، عملية البيع والشراء بدائية تمامًا، كأننا عدنا للقرون الوسطى، في الواقع، كل ما حوله يجعله يؤمن بالفعل أن هناك آلة زمنية ما تنقله للقرون الوسطى، بالتأكيد لم تتجاوز المنطقة التي يتاجر فيها الآن القرن السادس عشر.

الكوبالت، عمالة أطفال، حقوق إنسان، بيئة، أبل، سامسونج، أمنستي، الكترونيات، بطاريات، هواتف ذكية
أحد الأسواق

شبكة تجارة الكوبالت شبكة معقدة لا يسهل تتبعها، حيث ينتشر في الكونغو الديموقراطية مجموعة من صغار التجار من جنوب شرق آسيا، أغلبهم صينيون أو قليل من الهنود. يقوم التجار بشراء الكوبالت بأرخص سعر ممكن من المناجم المحلية، ثم يعيدون بيعه لشركات كوبالت صينية عملاقة مثل Zhejiang Huayou Cobalt والتي تعد أحد أكبر الشركات العاملة في المجال، والمزود الأهم لصناع البطاريات والشركات التقنية بالخام المهم.

تتغافل الشركات الصينية ويليها الشركات التقنية عن مصدر الكوبالت الأصلي، حيث لا شيء موثق، لا يمكن إثبات أي تجاوزات في العقود والصفقات بشكل رسمي. وبهذا تربح الشركات مليارات الدولارات من مبيعات منتج نهائي استخرج أحد مواده الخام طفل مقابل ثمانية سنتات لكل اثنتي عشرة ساعة عمل، ولن يستطيع بهذا الدخل أن يشتري أو يستخدم طوال عمره أي منتج ساهم بعرقه وصحته وعمره في صناعته.


عمال حرفيون Artisanal Miners

هكذا يطلق على عمال مناجم الكوبالت اليدوية، أو على الأقل هذا ما أطلقته عليهم منظمة منظمة العفو الدولية في تقريرها التفصيلي في أكثر من 90 صفحة والصادر في 2016، وهو الذي تقول المنظمة إنه أول محاولة جادة لدراسة وضع منجمي الكوبالت بالكونغو الديموقراطية، أحد أفقر الدول الأفريقية، وأكثرها حروبًا ومعارك داخلية وفسادًا سياسيًّا، كما أنه أول محاولة لدراسة الشبكة التجارية القائمة على تصديره وتصنيعه، حتى يصل للمنتج النهائي ليظهر بين يدي المستخدم في بطاريات الأجهزة الإلكترونية كلها بلا استثناء.

حسب تقديرات الحكومة الرسمية، حوالي 110-150 ألفًا من العمال يُنتجون 20% من الكوبالت الذي تصدره الدولة هم في قطاع «العمال الحرفيين»، يعملون في بيئات عمل سيئة بدون أي أدوات، أو أدوات بدائية للغاية، بدون أي وسائل حماية أو أمان صناعي أو حتى تنظيم هندسي آمن للمناجم والأنفاق تحت الأرض، والتي تحفر يدويًّا وتصل أحيانًا لعشرات الأمتار بدون أمان أو تهوية. نسبة غير محددة رسميًّا من العمال الحرفيين هم من الأطفال والنساء، يعملون في التنجيم عن الخام، ثم غسله وتنقيته من الشوائب، وتصنيفه حسب الجودة قبل نقله.

تنتشر ظاهرة العمال الحرفيين في الجنوب تحديدًا، حيث الأراضي غير صالحة للتنجيم الصناعي المتطور، وحيث تسيطر شركات أجنبية. وتنظم الحكومة الأمر بقبضة متراخية في مناطق تسمى Artisanal Mining Zones بدون وجود ضوابط حقيقية تضمن اشتراطات الأمان الصحي والصناعي للعمالة. وبدون سيطرة حقيقية للحكومة، يخرج أغلب العمالة بشكل غير رسمي من المناطق المحددة كذلك ليعملوا بالتنجيم في الخفاء في مناطق خارج إطار التصريح المتاح أو تحت سيطرة الشركات الأجنبية كذلك، تحت مرأى ومسمع من مراقبين فاسدين ورجال أمن يفرضون عليهم مقابلًا غير شرعي للتغاضي عنهم.

دروسون مرة أخرى

يحكي تقرير منظمة العفو الدولية القصص البائسة للأطفال العاملين بالتنجيم، 40 ألف طفل تقريبًا حسب تقدير اليونيسيف. يعمل أغلب الأطفال في ظروف غير مناسبة لعمل البالغين، فما بالك بالأطفال؟ ولمدة 10 وحتى 12 ساعة يوميًّا، بمقابل يتراوح بين بضعة سنتات وحتى دولارين يوميًّا حسب المكان، وربما يتعرضون للمضايقات الأمنية أو حتى الضرب من قبل حراس المناجم الصناعية التي يتسللون لها كثيرًا. وحتى الأطفال المنتظمون في المدارس يعملون في إجازاتهم الأسبوعية والسنوية بسبب الفقر والعوز. يقول بول -طفل بسن 14 عامًا- للباحثين: «أحيانًا أدخل الممر تحت الأرض صباحًا لأخرج في الصباح التالي، أعمل لمدة 24 ساعة».

لن نتحدث هنا عن جهود الحكومة الرسمية في مكافحة العمالة غير الرسمية للأطفال، أو حتى توفير بيئة عمل أكثر صحية لهم، فمن صفحات كثيرة في التقرير، وجدت أنه لا شيء حقيقي تقوم به الحكومة من أجل تحسين الوضع.

مصالح معقدة

يصل الكوبالت إلى مخازن الشركة الأكبر في الكونغو الديموقراطية عادة بعد أن يمر بمراحل البيع المختلفة، المنجم، النقل، التاجر الصيني، تاجر أكبر، ثم شركة Congo Dongfang Mining International والمملوكة بالكامل للشركة الصينية Huayou Cobalt Company Ltd، إحدى كبرى الشركات العاملة في مجال الكوبالت. تقوم الشركة بتنقية الخام ثم نقله للصين ليمر بمرحلة تقنية جديدة قبل بيعه لشركات صناعة البطاريات في جنوب شرق آسيا.

الكوبالت، عمالة أطفال، حقوق إنسان، بيئة، أبل، سامسونج، أمنستي، الكترونيات، بطاريات، هواتف ذكية
خط سير الكوبالت من المنجم للمستهلك

قام الباحثون في منظمة العفو الدولية بتتبع الخيوط عبر البيانات الرسمية والعقود المعلنة للشركات، لتصل في النهاية لكيفية وصول الكوبالت لأيدي المستخدمين. رصد التقرير العلاقات بين شركات تصنيع البطاريات وبين كبرى الشركات التقنية في مختلف أنحاء العالم، ووصل لأن الكوبالت يصل في النهاية لمنتجات شركات عملاقة مثل أبل وسامسونج و LG ومايكروسوفت و HP ولينوفو وHuawei وDell وسوني وكذلك بعض شركات تصنيع السيارات الكهربية. على من تقع المسئولية هنا؟

مازلنا نتحدث هنا من خلال واقع تقرير منظمة العفو الدولية، والذي يستعرض قوانين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين فيما يخص مسئولية الشركات عن خطوط الإمداد بالمواد الخام، وعلى من تقع المسئولية القانونية، وواجب كل شركة في خط الإمداد والإنتاج.

القوانين في مختلف الدول والأسواق تتشابه هنا، وكلها تؤكد أن الشركة على قمة الإنتاج والتي توفر المنتج النهائي مسئولة تمامًا عن تتبع خطوط الإمداد الخاصة بها والتأكد من تطبيقها لكل شروط حقوق الإنسان والعمال والأمان الصناعي، حسب كل دولة. عندما قام الباحثون بالتواصل مع الشركات محل التساؤل، كان الرد من أغلب الشركات أنها تتبع القانون، لكن دون دليل كافٍ على أنها تقوم بإجراءات حقيقية بالفعل، وأنكر البعض وجود علاقة بينهم وبين الكوبالت المشئوم رغم أن العلاقات رسمية معلنة.

لكن، لم يجد الباحثون أي دليل حقيقي واقعي يؤكد أن الشركات تهتم بالفعل بما خلف المزود الرئيسي للكوبالت الخام، وهو شركة كبرى كذلك، أما ما هو أسفل ذلك لا تعيره جميع الشركات تقريبًا أدنى اهتمام، رغم أن ما يحدث من عمالة الأطفال وعدم توافر شروط الأمان وكذلك المقابل المادي غير المجزي بتاتًا ليس بأمر خفي على أحد. طالبت منظمة العفو الدولية الشركات أن تغير هذا الوضع السيئ بشكل عاجل!


هل تغير الأمر؟

تابعت منظمة العفو العمل على تقرير جديد بعد التواصل مع كل الشركات التي وصل إليها تقرير 2016 مع إضافة شركات جديدة كذلك، وأصدرت تقريرًا جديدًا قرب نهاية 2017 يحكي عن التطور «الذي لم يحدث».

الكوبالت، عمالة أطفال، حقوق إنسان، بيئة، أبل، سامسونج، أمنستي، الكترونيات، بطاريات، هواتف ذكية
خريطة تجارة الكوبالت عالميًّا

الأم الصينية HUAYOU COBALT

اتخذت الشركة الصينية أولى الخطوات اللازمة لتحسين الأوضاع، وهو ما لم يكن كافيًا بالطبع، حيث قامت بالاعتراف بمسئوليتها عن الوضع مع محاولة جادة لوضع خريطة عامة لشبكة إمداد الكوبالت خاصتها في الكونغو الديموقراطية، لكنها خطوة تقول منظمة العفو إنها غير كافية.

لم توضح الشركة ماضي الأمر بل وضحت ما ستحاول فعله مستقبلًا، كما لم تكشف عن مصادر حصولها على الكوبالت ولا عن وجود أطفال فيما سبق. لكنها أعلنت أنها ستصبح مسئولة وستحاول تغيير الوضع عبر إستراتيجية responsible [artisanal and small scale] mining أو التعدين الحرفي المسئول، تحاول فيه تغيير وضع العمالة لكن دون التوقف عن الشراء منها، وذلك بسبب احتياجهم المادي للعمل مهما كانت الظروف. هذا عن الشركة الصينية، ماذا عن شركات التقنية، صاحبة الفائدة الرئيسية من تعدين الكوبالت؟

لا أظن أنك ستتفاجأ لو قلت لك إن النتيجة كانت محبطة للغاية.

درجات متفاوتة

قام الباحثون بتقييم الشركات المستهلكة للكوبالت بخصوص القضية المطروحة حسب أدائهم في 5 محاور أساسية بعد مرور حوالي عامين، وهي أسئلة تتعلق بمدى اهتمامهم بمعرفة مصدر الكوبالت، وسياساتهم في حال تأكدهم من وجود انتهاك لحقوق العمالة، وهل قاموا بإجراءات حقيقية لإيقاف التعامل مع الشركات المعتمدة على عمالة حرفية كمصدر للكوبالت الخام، وكذلك شفافية الشركات فيما يخص الأمر بالكامل. نتذكر هنا أن هذه الشركات هي من بين الشركات الأغنى على مستوى العالم. التقييم كان من 4 درجات، لم تحصل أي شركة على التقييم الكامل.

تقدمت أبل على الجميع بين الشركات المنتجة للأجهزة الإلكترونية، بينما نالت مايكروسوفت صفرًا كبيرًا في التقييم، ومعها هاويوي ولينوفو مع أداء متوسط لـ Dell وHP. أما عن الشركات المنتجة للسيارات الكهربية فكان أداؤها مخيبًا للآمال بدون استثناء واحد، مع تقدم بسيط لـ BMW لا يحدث فارقًا حقيقيًّا.

نالت سامسونج أعلى درجة فيما يخص الأقسام المنتجة للبطاريات بالشركة، ويليها LG، بينما لم تقم باقي الشركات التي تواصل معها الباحثون بالرد، فنالت صفرًا كبيرًا كذلك. أما عن الشركات المنتجة لبعض مكونات البطاريات الداخلية والمحتوية على الكوبالت، فلم تقم بالرد كذلك. المحصلة النهائية كانت تفوقًا كبيرًا، لكنه ما زال غير كافٍ ولا يغير من واقع الأمر شيئًا، لأبل وسامسونج وHP وLG، مع فشل كبير لعمالقة مثل مايكروسوفت ولينوفو وشركات السيارات بأكملها.


أبل وسامسونج: الخطوات القادمة دائمًا للأمام

تضاعف سعر خام الكوبالت بضعة أضعاف خلال الأعوام الأخيرة، ولم يكن ذلك فقط بسبب تقرير منظمة العفو وبداية التحرك تجاه الاهتمام بحقوق العمالة، لكن أيضًا بسبب تضاعف الطلب عليه من مصنعي السيارات الكهربية، مع اتجاه كبرى شركات السيارات للطاقة «النظيفة» وتوقع ازدياد الطلب عليها مستقبلًا، مما أدى لأن تعتبره الكونغو الديموقراطية خامًا ثمينًا وتفرض عليه ضرائب جديدة.

ودافع رئيسي وحيد قد يدفع شركة عملاقة لأن تهتم بشراء الخام بنفسها في مجال عملها؛ النقص الحاد وارتفاع السعر، وبالنسبة لـ «أبل»، نضيف أيضًا حقوق الإنسان. هذا ما يعرضه تقرير حديث من بلومبرج حسب مصادرها الخاصة، يقول إن «أبل» في مفاوضات منذ عام تقريبًا مع مزودي خام الكوبالت مع تضارب حول التأكيد على الوصول لاتفاقات نهائية.

فبعد أن نشرت أبل في 2017 قائمة كاملة بكل مزوّدي الكوبالت الرسميين لها ردًّا على تقرير منظمة العفو الدولية، أعلنت الشركة أنها ستتوقف تمامًا عن التعامل مع أي مزود كوبالت يثبُت أنه يشتري من مناجم العمالة الحرفية بالكونغو الديموقراطية دون التيقن التام من عدم وجود أي تجاوزات تخص أمان العمل وحقوق العمالة والأطفال.

من رد أبل على تساؤلات cbsnews

الآن ستذهب الشركة بنفسها للسوق لضمان استمرار تدفق الكوبالت حسب شروطها وسط منافسين شرسين وطلب عملاق على الخام الذي ارتفع ثمنه أضعافًا في بضع سنوات فقط. نتذكر سويًا قصة أبل مع مصانع فوكس كون وأجور العاملين المنتجين لأجهزة آيباد منذ سنوات، وهي التي أدت أحيانًا لانتحار بعض العمال من ضغط العمل وشظف العيش، هل اتخذت الشركة نفس الإجراءات؟

اقرأ أيضا: أبل: صمم في أمريكا، صنع في الصين

قررت سامسونج أن تتبع خطوات أبل، حيث دخلت في مفاوضات مع شركة Somika SPRL لشراء الكوبالت من مناجمها مباشرة، وضمان ألا يكون الخام المستخدم في أجهزتها مختلطًا بخام من مناجم العمال الحرفيين، مع عقود طويلة ممتدة تضمن أن يظل الخام مستمرًا بأسعار مناسبة كذلك. ستقوم سامسونج أيضًا بإعادة استخدام الكوبالت في الهواتف والأجهزة القديمة، وتعتقد الشركة أن هذا سيوفر الكثير من الخام خصوصًا بعد محاولات تطوير مستمرة لبطاريات أقل احتياجًا للكوبالت في معاملها.


المستقبل

في العام السابق توقفنا عن شراء الكوبالت المنجم عنه في مناجم الحرفيين من Huayou، ولن نشتري منها مرة أخرى قبل أن نتوثق بواسطة محققين مستقلين أن التنجيم يتم بشكل منتظم.

تتوقع كثير من التنبؤات نمو الطلب على الكوبالت أضعافًا مضاعفة خلال العقود القادمة بسبب توجه الدول الرسمي لاستخدام الطاقة النظيفة ومنع استخدام الوقود الأحفوري في السيارات تمامًا انطلاقًا من اهتمامات بيئية، مع تضاعف نمو سوق السيارات الكهربية، واتجاه الشركات الصينية لتصنيع سيارات كهربية منخفضة السعر، مما سيضاعف من حجم المستهلكين المتوقعين لها، وبالتالي لبطارياتها العملاقة. كذلك فالطلب يتضاعف على الأجهزة الإلكترونية الذكية ذات البطاريات القابلة للشحن.

سيعني هذا بالتأكيد أن الضغوط ستتزايد على دولة الكونغو الديموقراطية وعلى العمالة وعلى الأطفال وعلى النساء وعلى الأسر في المناطق المحيطة بالمناجم. وفي ظل عدم اهتمام أغلب الشركات بالتقارير الحقوقية في ظل عالم نيوليبرالي لا يضع أي اعتبار إلا للمال، لا يبدو أن الوضع سيتحسن بالنسبة لهؤلاء قريبًا!

لست مطالبًا على المستوى الشخصي بشيء، فقط التذكر، في ظل عالم تسطير عليه معايير رأسمالية نيوليبرالية، واقتصاد حر، وقوانين حاكمة لكل شيء، عليك التذكر بأن هاتفك هذا ثمنه لم يكن المال فقط، والأهم من ذلك، تذكر أنك لست فقط من دفع ذلك الثمن، ربما يغير هذا من الأمر شيئًا مع الوقت.