اتبعوا مع النشء الطريقة العكسية؛ وهي أن يشعر النشء بأنه هو صاحب الاختيار، فلا توجد استجابة وتكريس إلا بالشعور بأن المرء حر فيما يتعلمه، هذا هو التكريس الحقيقي.
جان جاك روسو

نجد صعوبة في تربية أولادنا خصوصًا مع تطور الحياة وتعقيدها؛ مما يؤثر على أطفالنا ويُصعب مهمة تربيتنا لهم. ذلك الكائن البيولجي الذي نعمل على تحويله لشخص اجتماعي يؤثر في المجتمع ويتأثر به بالتربية.

كل ما حولنا يتدخل في تربية الأبناء من أول ثقافة الوالدين وإلمامهم بالتربية وما يجب فعله نحو أطفالهم مرورًا بالبيئة التي حولهم ومكوناتها وصولاً بتعليمهم ومدارسهم. يرى روسو أن التربية وما يجب فعله من قبل الآباء نحو أبنائهم هو تركهم للطبيعة على أن يكون الآباء الرئيس الفعلي في عملية التربية.

فلا شك أن البيئة حول الطفل تعمل على تربيته، ولكن لا نقدر إغفال دور الآباء في تربية أبنائهم. لذلك في هذا المقال نعرض لكم زيتونة التربية بطريقة سهلة تساعدك على تربية طفلك.


تهيئة البيئة المحيطة للطفل

ألحّ روسو باعتباره عالمًا في التربية بوجوب اتباع الطبيعة في تربية الأطفال، فقال: «كل شيء حسن طالما هو في يد الطبيعة، ولكن كل شيء يلحقة الفساد إذا مسته يد الإنسان». ولأن الطبيعة بعدما تطرقت لها يد الإنسان أصبحت غير مؤهلة لترك الأطفال تقوم بتربيتهم؛ لذلك يجب علينا أن نُهيئها لهم. ولا يقصد روسو بالطبيعة الأشجار والجبال والبحار، ولكن يعني كل شيء حول الطفل، لذلك استشهدت بمقولته كي ندرك مدى أهمية الطبيعة والبيئة المحيطة في تربية الطفل. ولهذا السبب وجب علينا أن نهيئ البيئة حول الطفل ثم نتركه فيها مع الاحتفاظ بحق الرئيس الفعلي في عملية التربية بالتوجيه غير المباشر.

وفري لطفلك مساحة خاصة يستمتع فيها بحرية الإكتشاف لإشباع فضوله

يولد الطفل بدافع الفضول، يريد أن يكتشف كل شيء حوله، فلا يصح بعد معرفتنا ذلك أن نضعه في غرفة مليئة بأشياء قابلة للكسر ثم نستوقفه عن لمسها أو نعاقبه على كسرها، فنجعله كارهًا للاكتشاف. بل يجب بتوفير مساحة للطفل يستمتع فيها بحرية الاكتشاف. على سبيل المثال، نضع في غرفته ألعابًا مختلفة وأشياء تعمل على تنمية حواسه غير القابلة للكسر وآمنة له، فيمسك ويلمس ما نريد نحن أن يفعله.

أما إذا أراد الطفل أن يمارس هوايته بطريقة ترينها خاطئة فلا تمنعيه؛ بل هيئي له ما يساعده على ممارستها. فإذا أراد الطفل أن يرسم على حائط غرفته لا تمنعيه وتعاقبيه على فعل هذا الأمر، فقط قومي بتغطية الحائط بورق فيمارس هوايته ويرسم على الحائط كما يريد هو، ولكن على الورقة كما تريدين أنتِ.


اعرفي شخصية طفلك كي يسهل عليكِ التعامل معه

هناك شخصيات عديده للأطفال عادةً تكون واضحة التحديد من خلال أفعاله وتعاملاته، فمعرفة شخصية الطفل تسهل عليكِ التعامل معه.

(1) الطفل العنيد

العند عند الأطفال سلوك بريء، لا يريد من خلاله سوى إثبات نفسه وأن يُظهر لكل من حوله أنه أصبح كائنًا مستقلًا له آراؤه المعاكسة للآراء التي تُفرض عليه. فلا تتعاملي معه بعصبية ولا تعندي أنتِ أيضًا أمامه. لاىتنسي أنه يتعلم منك حتى وإن كان يعاندك، فقط لا تفرضي عليه آراءك ولكن قدمي له اختيارات جميعها مناسبة لكِ بطريقة غير مباشرة، وبهذة الطريقة تثبتين له أنه يختار وفي حقيقة الأمر فهي اختياراتك.

(2) الطفل الحساس الخجول

إذا كان طفلك مرهف الشعور والاحساس، يخاف دائمًا ولديه رهبة من الأشخاص الغرباء، ويبكي من أبسط المواقف، فطفلك حساس لذلك لا تصرخي في وجهه مهما كبر خطؤه، ولا ترغميه على التجمعات الكبيرة فجأة. ابدئي معه بالتجمعات الصغيرة المحببة له أولًا، واعملي دائمًا على إكسابه الثقة بنفسه خصوصًا أمام الغرباء.

(3) الطفل الأناني

إذا كان طفلك أنانيًا وكنتِ تدللينه كثيرًا فهذا أكبر سبب لكونه أنانيًا، و إذا كان العكس وإهمالك له سيد الموقف فتوقفي عن فعل هذا. فإذا شعر الطفل بالإهمال يكون أنانيًا في جلب مشاعر كل من حوله، فيجب عليكِ أن تعززي لديه ثقته في نفسه وحب الغير.

(4) الطفل السلبي

لم نتردد في تصنيف السلبية بأنها سلوك غير مرغوب فيه؛ لذلك إذا كان طفلك سلبيًا لا يكترث بما يحدث حوله لا تهملي هذه الظاهرة. فسلوك الطفل لا يتعدل بمفرده، أشركيه في كل شيء معك، اجعليه يساعدك في مهام المنزل بطريقة مقبولة، شاركيه أفعاله واتخاذ قراراته لكي يفعل ذلك معك.


تبادل المشاركة بينك وبين الطفل

من الأفعال البسيطة المحببة لكل من الطرفين في العلاقات هي تبادل المشاركة، ولا تخلو هذه العلاقات من علاقة تربية بين الآباء والأبناء. شاركي طفلك لعبه ورسوماته وقراءاته ومناقشتها.

تحدثي معه عن أخباره وأصدقائه في المدرسة والنادي؛ لكي يشاركك في مهامك أيضًا، فمنها تقوين علاقتك بطفلك و تساعدينه على الاعتماد على نفسه عن طريق مشاركته لكِ في بعض الأفعال المنزلية البسيطة، مثلما يضع الملابس في الغسالة ويرتب سريره وألعابه و يساعدك في شراء المشتريات وعندما يعود يضعها في أماكنها المخصصة لها.

مشاركته في عمل بعض الوجبات الخفيفة في الإفطار التي لا تعتمد على البوتجاز بدون إشرافك، فكل هذا يزيد العلاقة بينك وبين طفلك ويعود الطفل للاعتماد على نفسه أيضًا.


سطّحي علاقته بالتليفزيون

أبعدي طفلك في أول سنتين عن التلفاز تمامًا، حيث أثبتت الأبحاث أن الطفل لا يستفيد بالتليفزيون. وإذا كانت المادة الإعلامية التي يشاهدها برامج تعليمية فهي تؤخر بمعدل ثمان كلمات عن الأطفال الذين يقضون هذا الوقت في الألعاب.

يجعل التعليم عن طريق التلفزيون الطفل شخص سلبي حيث يستقبل المعلومة دون أن يتفاعل معها مما يؤدي إلى الكسل الدماغي

فعقل الطفل يستفيد بهذه الألعاب والحركة فيها والأنشطة الإبداعيه عن التلفاز. فالتعليم عن طريق التلفاز تعليم غير تفاعلي يجعل الطفل سلبيًّا يستقبل المعلومة دون أن يتفاعل معها؛ مما يؤدي إلى الكسل الدماغي وعدم النمو.

على العكس في الأنشطة الإبداعية التي تعتمد على التفاعل بين عقل الطفل وما يتلقاه. كما أثبتت الدراسات أن الاطفال الذين يشاهدون التلفاز في الخامسة من عمرهم لثلاث ساعات أو أكثر في السابعة من عمرهم يكونون أكثر من غيرهم في اكتساب عادات غير مرغوبة؛ كالشجار والعراك والكذب والغش والسرقة؛ وذلك لأن العنف في برامج الأطفال أضعف من العنف في برامج الكبار.

وتحتوي الرسوم المتحركة على 80 مشهد عنف لكل ساعة، فمشاهد العنف تؤدي إلى التبلد تجاه العنف وسهولة ممارسته، وأيضًا الإعلانات التجارية تعمل على زيادة الطمع والإلحاح لدى الأطفال لاقتناء ما يعلنون عنه. ولا تنسي أن هناك علاقة طردية بين ساعات مشاهدة التلفاز والسمنة؛ لذلك لا تتركي طفلك للتلفاز لأكثر من ساعتين يوميًا.


تحديد مهام طفلك بالورقة والقلم

من أكثر الخطوات المهمة التي يهملها الآباء هي تشجيع الطفل على تحديد مهامه وما يجب فعله وإنجازه بالورقة والقلم، والتحديد أمام ما قام بفعله وما لا ينجزه، فهذا يساعده على تحديد أهدافه أولاً بأول.

فالأهداف التي لا تُكتب لا تتحقق، كما تعوّده على أهمية الوقت وأهمية تخطيط حياته من صغره؛ مما يساعده في الكبر على الإنجاز.

لذلك شجعي طفلك على تحديد وكتابة ما يريد تحقيقه في وقت محدد، وشاركيه في تحقيقها وانتظري نتيجة مبهرة تجعله يزداد ثقة في نفسه، ويزيد إبداعه وحماسه على إنجاز الأكثر.


اهتمي بلعب طفلك

الألعاب من الأشياء المحببة للطفل والمنبوذة من قِبل الآباء؛ فهم يرونها مضيعة للوقت.

دعيني أصدمك. فهناك علاقة قوية بين اللعب وتربية الطفل وتنميته، فيعد اللعب وسيلة الطفل في إدراك ذاته وقدراته أولاً واكتشاف العالم من حوله أخيرًا.

فيدفع اللعب إلى تطوير الطفل تطورًا شاملاً من خلال تنمية مهاراته الحسية والحركية والاجتماعية واللغوية والمعرفية والانفعالية وقدراته على الإبداع والابتكار. كما يساعد اللعب على تكوين شخصية الطفل من خلال اللعب الجماعي وتنمية صفات مرغوب فيها؛ كالتعاون والمنافسة وتقبل الغير والروح الرياضية.

ليس فقط ذلك بل هناك مناهج تعليمية كاملة تعتمد في أساسها على اللعب فقط؛ مثل منهج منتسوري التعليمي، فالطفل بإمكانه تعليم اللغات والرياضيات والموازين والمكاييل والأطوال والأحجام، كل هذا عن طريق اللعب.


تنمية مواهب طفلك

يساعد اللعب على تطوير الطفل من خلال تنمية مهاراته الحسية والحركية والاجتماعية واللغوية والمعرفية والانفعالية.

عادةً لا يهمل الآباء مواهب أبنائهم، ولكن يتكاسلون عن تنميتها. لذلك اكتشفي موهبة طفلك إذا كانت ظاهرة، واعملي على تنميتها، وإذا لم تكن الموهبة واضحة حاولي اكتشافها.

فكثير من الموهوبين لم يعرفوا في بادئ الامر أنهم موهوبون ولكن اكتشفوا مواهبهم بعد ممارستهم. فاجعليه يمارس كل المواهب والرياضات إذا كانت سباحة، أو كاراتيه، أو جمباز، أو مواهب إبداعية كالفن والموسيقى.

ولا تتكاسلي أبدًا عن تنمية موهبة طفلك؛ فهي تعمل على تنمية الجانب الاجتماعي لدى الطفل، كما تنمي لديه الروح الغنية وتساعده على تقبل ذاته وتدعم ثقته في نفسه.

المراجع
  1. الإتجاهات الحديثة في تربية طفل ما قبل المدرسة
  2. تأثير مشاهدة التلفزيون على الأطفال وسلوكهم
  3. كتاب برامج ومناهج