في التربية الصبورة بعض الدقائق البسيطة توفر عليك شهورًا من الصراخ والبكاء والشد والجذب والإلحاح والعناد، فبعض وسائل التربية لن تستغرق إلا صبرك وبعض الدقائق لكنها ستُجنبك كثيرًا من الصخب والانزعاج.

في هذا المقال نتعرف على طريقة بسيطة لتعويد أطفالنا على عدم الانزعاج من الأجهزة الصاخبة (المكنسة، الخلاط، السشوار/ الأجهزة التي تحتوي مواتير صاخبة الصوت بأنواعها)، وأيضًا ماذا نفعل أمام عادة الأطفال السيئة في وضع الأحذية في أفواههم.

جربت هذه الطرق مع ابنتي ونجح الأمر، ونقلته للآخرين ونجح أيضًا، لذا علينا فقط أن نعرف ماذا نفعل وكيف نفعله للتواصل بصورة سليمة مع أطفالنا.

الأجهزة الصاخبة

بوجه عام ينزعج الأطفال في أعوامهم الأولى والثانية من أصوات الأجهزة الصاخبة، فكلما حاول الوالدان تشغيل أي منها قابلهم الأطفال بالبكاء والصراخ، وهذا مفهوم كون الأطفال يتعرفون على الأشياء من حولهم للمرة الأولى، ولا يعرفون ماهية الأشياء أمامهم وفيما تستخدم ولماذا هذا الصوت المُرعب!.

الخطوة الأولى: تعريف الطفل على الجهاز وإتاحته له

احملي الطفل ودلليه، اقتربي من الخلاط وأشيري له مُستخدمة عبارات الاستحسان الواضحة. أمسكي يد الطفل وقربيها من مفاتيح التشغيل واضغطي بها على زر أبطأ درجة وأقل صوتًا، سيخرج الصوت عاليًا، أطفئي الخلاط فورًا وأظهري استحسانك وترحيبك، ربما تصفقين بيديك مبتسمة قائلة عبارات الاستحسان التي تعتادونها سويًا: (برافو – الله) أو كيفما ترحبين وتستحسنين.

أعيدي التجربة مرة ثانية لكن أثناء صدور الصوت الصاخب تواصلي بالعين مع طفلك وأنت تبتسمين منبهرة مُرحبة، لن ينزعج طفلك لفترة قليلة، لكنه سيعاود الانزعاج سريعًا، أطفئي الجهاز قبلها وصفقي بيديك مرة أخرى وربما نزيد عليها هدهدة للطفل وقذفه عاليًا، أظهري فرحك بالطريقة التي تعتادون عليها.

لاحظي في هذه المرة تواصلنا مع الطفل أثناء استمرار الصوت، ولم يمنعه الصوت من متابعتك كما كان يحدث من قبل.

بعد هذه التجربة، فكي الخلاط (الماتور) من الكهرباء واحذفي أي قطعة حادة من الإبريق، وأعطي كليهما للطفل (لو لم يمكن نزع سلاح الخلاط من الإبريق فاتركي له الماتور فقط)، وضعيه في لعب الطفل لساعات قليلة، الطفل سيلعب به، الآن يعتاد الطفل هذه الأداة وينكسر حاجز الخوف والرهبة تدريجيًا بينهما.

لا تقلقي لن يحدث شيء للخلاط فهذه الآلات ذات الجهد العالي والاستخدام المتكرر تُصنع لتحتمل الاستخدام القوي، ولن تضرها هذه الأصابع الصغيرة المستكشفة، وليكن الاستخدام تحت ملاحظتك بالطبع. بعد ساعتين ارفعي الخلاط من أمام الطفل، انتهى تدريب اليوم.

في اليوم الثاني احمليه وكرري التجربة مرة أخرى، هذه المرة سنتدرج في سرعات الخلاط حتى نصل لأعلى سرعة، لا تنسي أن تتعاملي مع زرائر الخلاط كأنها لُعبة تفرجين طفلك عليها: “انظر، هذا يفعل كذا.. (تضغطين الزر ويصدر الصوت الصاخب، نُطفئ)، وانظر (ننتقل لدرجة أعلى) هذا يفعل كذا، ثم نصفق ونفرح بالإنجاز الذي فعلناه.

ستصلين لأقصى سرعة من الخلاط ولن ينزعج طفلك، لكن لا تزيدي في الوقت واقفلي كل شيء عند أي بادرة بكاء من الطفل، أعيدي في كل مرة عبارات الاستحسان والتعبير عن الفرح المختلف، مرتين أو ثلاث وانتهى التدريب نهائيًا.

طفلك الآن يعرف أننا الذين نقوم بالتحكم في هذا الصوت، وبات مؤهلاً لهذا الجهاز الصاخب، ويمكنكِ الدخول إلى المطبخ بحرية -لا يفرق أين يوجد طفلك- دون أن تخرجي على صراخه.

كم دقيقة استغرق هذا التمرين على مدار اليومين؟، ليس أكثر من عشر دقائق. لكنكِ سترتاحين لشهور وشهور من ملاحقة كل الأشياء في كل الوقت، فقط بالتربية الصبورة.

المكنسة الكهربائية

نفس التدريب بالضبط، ونزيد عليها أن نُجلس الطفل فوق المكنسة كأنها عربة وندفعهما سويا، نحمله، نمسك يديه، نُشغل المكنسة، نطفئها مباشرة، نعاود الانبهار والمدح، نُعيد التجربة…إلخ. عندما جربتُ هذا، ابنتي كانت تصرخ بالأمس وبعد يومين باتت تحتضن المكنسة أثناء التشغيل وتحاول اعتلاءها لعبًا وعندما أتحرك أنا أو والدتها بها، تطاردها وهي تضحك. جرب هذا واحكِ لنا.

كذلك السشوار، فقط تذكري أن يكون هواؤه باردًا أثناء التدريب كي لا ينزعج الطفل من الحرارة التي ستضايقه بالتأكيد، ونفشل في تدريبه على تقبل صوته، أيضا سنترك هذه القطعة في لعبة قليلاً من الوقت؛ نفس تجربة الخلاط.


هوس التهام الأحذية

لعب الأطفال بالأحذية فعلان: مسك الحذاء ووضعه في الفم.

في البداية لماذا يضع الطفل كل شيء في فمه؟

في المرحلة الفموية والمراحل العُمرية الأولى تكون الرؤية غير مطورة بشكل كافٍ كما في البالغين، كذلك حاسة اللمس لم تتطور كفاية بعد، وفي المقابل تكون حاسة التذوق لدى الطفل ضعف قوتها عند البالغين، فلسانه يحمل ضعف الحليمات الذوقية عن الكبار، فهمي إذًا بما يكفي لمساعدته في التعرف على الأشياء من حوله، لذلك قبل انتهاء المرحلة الفموية وتطور حواسه كما البالغين، يكون فم الطفل هو سبيله للتعرف على الوجود من حوله، ولهذا يضع كل ما تطوله يداه في فمه أولاً، للتعرف عليها.

بداية: أحذية الشارع لا يجب أن تكون في متناول يد الطفل، بل لها مكانها الخاص. يتبقى لنا أحذية المنزل العادية (الشباشب) التي يتجول بها أفراد المنزل داخله، ومن المفترض توافر قدر من النظافة فيها لا يجعلها كارثية في يد الطفل، ولا ننسى أن العناية الفائقة بالطفل بالتطهير الدائم لكل ما حوله ومنعه عن مسك هذا وذاك تضره ولا تفيده، فهي تخلق له جهاز مناعة هشًا، فالبكتيريا الضعيفة سبيل مهم جدًا لتقوية جهاز مناعة الطفل وزيادة شراسته، وكذا تقول دراسات كثيرة منها دراسة جامعة هارفاد الأمريكية حيث يقول الباحث د.ريتشارد بلومبرغ: «الدراسات تُظهر الأهمية الحاسمة للباكتيريا في فترات الحياة الأولى في تأسيس جهاز مناعة قوي».

وهناك درزينة من الأمراض تأتي للأطفال المرفهين (أطفال المطهرات الصناعية الدائمة)، يكون أطفال الريف أو أطفال التعامل المباشر مع البيئة من حولهم (الذين يلهون في الجنائن والنوادي ويتعاملون مع أنواع الحيوانات الأليفة) في منأى عنها بسبب اكتساب جهاز مناعتهم قوة مُطورة، فأطفال العناية الفائقة أكثر عرضة للمرض من أطفال التعامل المباشر.

لذلك لا مشكلة صحية في لعب الطفل بـ(شباشب) المنزل التي لم تتعرض للخارج، المشكلة في وضعها في فمه واكتسابه هذه العادة مع هذه الأداة، لذلك نحن لن نحرم الطفل من مسكها، بل سنمنعه من وضعها في فمه، هكذا نأخذ ما لنا من تقويم، ونعطيه ما له من لهو ومعرفة.

يمسك الطفل الـ(شبشب)، نتركه دون ردة فعل، عند محاولته الاقتراب بالحذاء من فمه، نقوم بالنهي بالكلمة الواحدة المعتاد استخدامها معه: “لأ”. سيتوقف الطفل لبرهة ثم يستمر بالحذاء في اتجاه فمه، سنضع يدنا حائلاً في المسافة بين الحذاء وفم الطفل مانعين، ثم نسحب يدنا مرة أخرى، سيعترض الطفل ويرفض وربما يبدأ في الصراخ، لكنه سيتوقف فور أن يتذكر أن الحذاء لا زال في يده، سيحاول تكرار الفعل، كرر أنت أيضًا المنع ووضع يدك. سيعترض الطفل مرة أخرى، لكن هذه المرة عند سحب يدك من أمامه سيتذكر أن الحذاء لا زال في يده، وحينها سيدرك مقصدك، وسيفهم جيدًا أنه مسموح له بمسك باللعب بالحذاء وغير مسموح له بوضعه في فمه.

سريعًا ستصلان لتسوية مناسبة لن يخرقها إلا بعض المحاولات النادرة على مر الأيام لوضع الحذاء في فمه، وهذا أمر طبيعي فالطفل دائم اختبار القواعد من حوله ومدى صرامتها، لكنه في الإجمال سينتهي عن هذه العادة ببساطة، بل قريبًا سيُحول اهتمامه عن الأحذية أصلا بعد أن يتعرف عليها مرة وعشرة ويمل وجودها متاحة، فالإتاحة تؤتي ثمارها في صرف الطفل عن الشيء أكثر مما يؤتي المنع.

وكذا على كل ما يمكننا السماح للطفل بمسكه لكنه لا يصلح للفم، اتركه يمسكه وامنع العملية الفموية، هذا أسهل علينا في تطبيق القواعد التي تُعبد الصغير عن الأضرار، وأسهل عليه في تطوير وعيه سريعًا بالتعرف على ما حوله وتكوين صورته الخاصة عن العالم.

المراجع
  1. The Difference Between the Taste Buds of Adults & Kids
  2. 5 tips for building good gut bacteria in kids
  3. How keeping children too clean can wreck their immune systems Read more: http://www.dailymail.co.uk/health/article-2118871/How-keeping-children-clean-wreck-immune-systems.html#ixzz4eoJS9Rqr Follow us: @MailOnline on Twitter | DailyMail on Facebook