جلست «شجر الدر» على عرش مصر، سنة 648هـ، بعد وفاة زوجها الملك الصالح «نجم الدين أيوب»، ومقتل ابنه «توران شاه»، بمساعدة المماليك، ونتيجة لرفض رجال الدين في مصر وأهل السياسة في الشام وبغداد من تسلطن امرأة، وللخروج من هذا المأزق تزوجت عز الدين أيبك وتنازلت له عن الحكم، ليبدأ عهد الدولة المملوكية في مصر.

رغم حصر المماليك المُلك في جنسهم، فإنهم لم يعتنوا بأبناء السلاطين، فنجد إذا مات سلطان وورث ابنه العرش وهو طفل، فإن وصيه يخلعه ليجلس مكانه، أو أحد الأمراء، فكان العرش لمن يقدر عليه.

لذا سوف نتعرف على أشهر السلاطين الأطفال وما حدث لهم خلال السطور التالية، ولكن قبلها يجب أن تعرف على مراسم تولية السلطان في عهد المماليك سواء كان طفلًا أو رجلًا.

مظاهر ومراسم تقليد السلطان

يحكي ابن تغري بردي، في كتابه «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة»، عن مراسم تقليد الملك الناصر بن قلاوون، للمرة الثانية، سنة 698 هـ، وعُمره 14 سنة، قائلًا:

زينت القاهرة ومصر بأفخر زينة، وقابل الناس موكب الناصر بالفرح والسرور، ثم صعد إلى القلعة وحضر الخليفة بأمر الله أبو العباس أحمد والقضاة، وأعيد إلى السلطنة وجلس على تخت الملك، ثم أنعم على الأمير سيف الدين سلار بنيابة السلطنة، وعلى الأمير حسام الدين لاچين بالأستادارية.

وبعدها بأيام فرق الناصر محمد الهدايا والخلع على أعيان الدولة، وخرج في موكب حافل ليطوف شوارع القاهرة، وهو يرتدي الخلعة الخليفتية وأبهة السلطان وشعار الملك، ثم عاد إلى القلعة مرة أخرى، وترجّل في خدمته جميع الأمراء والأكابر وقبلوا الأرض بين يديه، واستقرت سلطنته وتم أمره، وتم تكرار تلك المراسم مع كل سلطان جديد.

الخليفة والسلطان: شرعية الحكم

انتهت الدولة العباسية فعليًا على يد التتار، سنة 656هـ، لكن مع بداية دولة المماليك بالقاهرة ولإضفاء صفة الشرعية على حكمهم أمام الناس ومعظم العالم الإسلامي، سعى الظاهر بيبرس (658-676هـ) إلى إحياء الخلافة العباسية، فظل يبحث عن أحد أبناء الدولة العباسية حتى عثر على الأمير أبو القاسم أحمد بن الظاهر بن الناصر العباسي.

فلما جاء إلى مصر عقد له الظاهر بيبرس مجلسًا في القلعة بحضور القضاة والعلماء والأمراء، وبايعوه بالخلافة، وهكذا أصبح أبو القاسم أول خليفة عباسي بالقاهرة، وألزم الأمراء أنفسهم بوجود الخليفة العباسي وحضوره مراسم الاحتفال والتنصيب لأي سلطان جديد.

سلاطين أطفال

علي بن عز الدين أيبك: صبي لا يحسن التدبير

بعد نحو سبع سنوات قضاها عز الدين أيبك على عرش مصر، قتل سنة 655 هـ، كما ذكر ابن تغري بردي، في كتابه.

وحفاظًا للمماليك المعزية على مكانتهم، أجلسوا ابنه المنصور نور الدين على، وهو ابن 15سنة على عرش مصر، وخطب له على المنابر، وخرج موكب الاحتفال من القلعة إلى قبة النصر، ثم عاد ودخل القاهرة من باب النصر، وترجل الأمراء ومشوا بين يديه، ثم عاد إلى القلعة وجلس بدار السلطنة ومد السماط للأمراء فأكلوا.

وبحسب «ابن تغري بردي» لم تخلُ تلك الفترة من الصراع بين الأمراء، حتى استقر الأمر لسيف الدين قطز فأصبح نائب السلطان، والرجل الأكثر قوة بمصر، لذلك قرر أن يخلع السلطان المنصور نور الدين، وهذا بعد أن تحقق له وصول التتار إلى الديار الشامية، فجمع كبار الأعيان والأمراء، وأخبرهم: «أن الملك المنصور هذا صبّى لا يحسن التدبير في مثل هذا الوقت الصعب، ولا بد أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه كل أحد، وينتصب للجهاد في التتار، فأجابه الجميع».

هكذا تسلطن قطز على عرش مصر، واعتقل الملك المنصور ووالدته بالدور السلطانية من قلعة الجبل.

وأوضح «ابن تغري بردي»، أن قطز أول مملوك خلع ابن أستاذه وتسلطن مكانه، وهو ما تكرر من أمراء آخرين، وبهذه الواقعة فسدت أحوال مصر.

بدر الدين سلامش: سلطان بإجماع الأمراء

في سنة 678هـ، ذكر المقريزي في كتابه «السلوك لمعرفة دول الملوك» وابن تغري بردي في كتابه، أن الأمراء الظاهرية- نسبة للظاهر بيبرس- حاصروا الملك السعيد بن الظاهر بيبرس، وطالبوا بخلعه وجلوس أخيه بدر الدين سلامش على عرض السلطنة، وهو ابن سبع سنوات.

ويشير المقريزي في كتابه، أن الملك السعيد لما طال حصاره في القلعة أرسل إلى الخليفة العباسي بالقاهرة الحاكم بأمر الله أحمد، فأخبره أن الأمراء يريدون خلعه ورحيله إلى الكرك، فرحل، ورغب الأمراء أن يتسلطن الأمير سيف الدين قلاوون، ولكنه رفض، قائلًا: أنا ما خلعت الملك السعيد طمعًا في السلطنة والأولى ألا يخرج الأمر عن ذرية الملك الظاهر، وقد كان العرش لبدر الدين، لكن إدارة شؤون البلاد كانت لقلاوون، فضربت السكة على أحد الوجهين باسم الملك العادل سلامش، وعلى الوجه الآخر اسم الأمير قلاوون، كما خطب باسمه على المنابر، وأصبح هو المتصرف في الممالك والعساكر والخزائن، كما ذكر ابن تغري بردي في كتابه.

وبحسب المقريزي، بدأ قلاوون في عزل بعض الأمراء، وتقوية البعض الآخر، فلما أحكم قبضته على الديار المصرية، جمع الأمراء والقضاة والأعيان بقلعة الجبل، قائلًا لهم: إن المملكة لا تقوم إلا برجل كامل، فاتفقوا على خلع سلامش، وتسلطن سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي النجمي. 

الناصر محمد بن قلاوون: نجا ليحكم

سنة 693هـ، تسلطن للمرة الأولى ثم خلع، ثم عاد مرة أخرى وخلع، ثم عاد للمرة الثالثة وظل على عرش مصر حتى وفاته.

وهو بذلك يعد الطفل الأكثر حظًا من بين السلاطين الأطفال، فهو تسلطن صغيرًا وكبيرًا، أما تسلطنه في المرة الأولى وهو طفل فكان عمره تسع سنين بعد مقتل أخيه السلطان الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون، كما ذكر المقريزي، وأجلسه على عرش مصر الأمير زين الدين كتبغا والأمير علم الدين سنجر الشجاعي، وبينهما دار صراع على من يحكم قبضته على السلطان.

وبحسب المقريزي، استطاع الأمير كتبغا أن يمهد لنفسه الطريق إلى عرش مصر من خلال قتله الأمير الشجاعي، مما أضعف جنده، كما قرب منه الأمير حسام الدين لاجين، الذي شارك في قتل السلطان الأشرف خليل، وهو ما أزعج المماليك الأشرفية، فثاروا وفتحوا أسواق السلاح وسرقوا خيول السلطان الناصر محمد، وهذا ما شجع الأمير كتبغا لمحاربتهم فتمكن منهم، فأصبح هو الرجل الأقوى في البلاد فاستدعى الخليفة والقضاة والأمراء، للتكلم معهم في عدم أهلية الناصر محمد للسلطنة لصغر سنه، وأن الحكم يلزمه رجل مؤهل تهابه الجند والرعية، فخلع الناصر محمد وتسلطن.

علاء الدين كجك: عمره 5 سنوات ومدة حكمه 5 أشهر

سنة 742هـ، تسلطن الأشرف علاء الدين كجك، وعُمره خمس سنين، بعد خلع أخيه أبي بكر بن الملك الناصر محمد، كما أقر الأمراء على تعيين الأمير قوصون في نيابة السلطانة، كما ذكر ابن تغري بردي في كتابه.

وبحسب «ابن تغري بردي»، تصرف الأمير قوصون في أمور الدولة كما يريد، وأصبح السلطان آلة في يده، وعن هذه الفترة قال الشعراء:

سلطاننا اليوم طفل والأكابر في .. خلف وبينهم الشيطان قد نزغا
فكيف يطمع من تغشيه مظلمة .. أن يبلغ السّؤل والسلطان ما بلغا

لصغر سن السلطان، طمع كل أمير في أن يجلس على عرش مصر، فدار صراع بين فريقين من الأمراء، فريق الأمير قوصون وفريق الأمير أيدغمش، انتهى بأن أجبر الأخير الأمير قوصون على الرحيل من القاهرة إلى الإسكندرية وسجنه فيها، وخلع السلطان علاء الدين كجك بعد نحو 5 أشهر من جلوسه على عرش مصر وأجلس مكانه أخاه السلطان أحمد بن محمد، وأصبح الأمير أيدغمش مدبر الديار المصرية.

الناصر حسن: لعبة الأمراء

سنة 748هـ، تسلطن الناصر حسن بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون، على عرش مصر، وهو ابن إحدى عشر سنة، أما أمر المشورة في الدولة والتدبير فكان لـ9 أمراء، منهم القاسمي والمظفري والعمري، كما ذكر ابن تغري بردي في كتابه.

وخلال ثلاث سنوات وتسعة أشهر هي مدة حكمه الأولي، شهدت الديار المصرية صراعًا ما بين المماليك البحرية والمماليك البرجية، وظهور الطاعون، هذا بجانب سوء الأوضاع الاقتصادية، ما سبق دفع بعض الأمراء ومنهم الأمير طاز والأمير منكلي ومن معهم إلى خلع السلطان حسن، وأجلسوا مكانه أخاه الملك الصالح صلاح الدين صالح، وعمره 14 سنة، كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية.

لم يكن هؤلاء فقط السلاطين الأطفال الذين جلسوا على عرش مصر، فهناك الملك الأشرف شعبان الذي تولى حكم مصر، وعمره 10 سنوات، بعد عزل ابن عمه الملك المنصور محمد، سنة 764هـ، بعد اتفاق الأمير يلبغا العمري وطبيغا الطويل مع الأمراء.

الخلاصة، أن دولة المماليك اتسمت بالقوة والمنافسة والنزاع على الحكم طيلة عهدها، كما أنها لم تراعِ حق أبناء السلاطين في الحكم، بل سعى كل أمير لتمكين ابن السلطان المتوفى، حتى يدبر أمره ليخلعه ويجلس مكانه على عرش مصر.