هل تمتلك عقلًا فضوليًا للعلم؟ هل تمتلك الشغف الكافي للمشاركة في أبحاث علمية حقيقية، ومساعدة العلماء والباحثين في أبحاثهم ودراساتهم المختلفة؟

حسنًا، إن كانت الإجابة نعم، فهناك مشروع يناسبك بالتأكيد في علم المواطن. من علم الفلك إلى علم الحيوان والدراسات الاستقصائية للحياة البرية، إلى استكشاف مذكرات الجنود في الحرب العالمية الأولى.

يتمثل المبدأ الرئيسي في علم المواطن في استخدام الجهود التعاونية للمتطوعين لإجراء الأبحاث من أجل استكشاف أو جمع مجموعات هائلة من البيانات والمعلومات. وهي التي لم يتمكن الباحثون من جمعها بأنفسهم، كما أن أجهزة الكمبيوتر ليست على هذا القدر من الكفاءة لتحليلها.

يمكنك المشاركة في هذا النوع من الأبحاث، وربما تساهم في إنجاز علمي حقيقي، قد يغير من فهمنا للعالم.


ما هو علم المواطن؟

علم المواطن، أو علم الجميع، هو العمل العلمي الذي يضطلع به الجمهور العادي، بالتعاون مع وتحت إشراف علماء محترفين ومؤسسات علمية. وتساعد البيانات التي يجمعها المواطنون العلماء المحترفين في الإجابة على أسئلة البحث العلمي حول الحيوانات والنباتات البرية، اكتشاف أجرام سماوية، وكذلك بعض الصفات البيئية مثل نقاء المياه وتغير درجات الحرارة.

مثلًا، تتغير تجمعات الأصناف البرية باستمرار، ويجب أن تُبنى جهود حفظ البيانات على مدى فترات زمنية طويلة ومن أماكن متعددة. ويعتمد العلماء حاليًا بصورة متزايدة على المواطنين ليكونوا بمثابة أعينهم وآذانهم من أجل دراسة هذه التجمعات وأماكن تواجدها.

ورغم ذلك، لا يعتبر علم المواطن أمرًا حديثًا؛ إذ كان الأشخاص العاديون، مثل المزارعين، يجمعون بيانات الطقس على مدى قرنين من الزمان. ومن المحتمل أن تكون أول مشاريع بيولوجية منظمة شارك بها المواطنون هي جمع البيانات عن توزيع الطيور وكثافتها. بالإضافة لذلك، كان هناك تاريخ طويل للاهتمام بالحشرات، فعلى سبيل المثال، ساهمت الملاحظات والتقارير الميدانية التي جُمعت في العصر الفكتوري بواسطة المواطنين في فهمنا لمدى تنوع الفراشات وكذلك سلوكها وكثافتها.


إذن، لماذا عليّ أن أشارك في علم المواطن؟

وفقًا لدراسة أجريت عام 2017، يقدم الأشخاص العاديون وقتهم للعمل التطوعي على الإنترنت مدفوعين في الأساس برغبة للتعلم. أجريت هذه الدراسة على متطوعين في مشاريع علم المواطن، وتقترح أن هذا النوع من التطوع يمكن استخدامه لزيادة المعرفة العامة بالعلوم داخل المجتمع.

وتكشف الدراسة، التي قامت بها جامعة بورتسموث، أن الرغبة في تعلم المزيد كانت الدافع الأساسي للمتطوعين، بالإضافة لاشتراكهم في المجتمع العلمي، كما كشفت أيضًا أن العديد من المتطوعين لديهم رغبة في الهروب من الواقع.

تتضمن عادةً مشاريع التطوع عبر الإنترنت والاستعانة بمصادر خارجية مساهمات من أعداد كبيرة من المواطنين الذين يعملون بشكل فردي ولكن نحو هدف مشترك. استطلعت هذه الدراسة 2000 متطوع لمشاريع علم المواطن على موقع Zooniverse، وهي مجموعة من المشاريع البحثية التي تعتمد على المتطوعين لمساعدة العلماء لمواجهة التحدي المتمثل في تحليل كميات هائلة من البيانات.

واليوم، تزدهر برامج علم المواطن التي تنظمها العديد من المؤسسات مثل ناسا، حيث يحتاج العلماء إلى تحليل البيانات الضخمة، ويسعى العديد من المواطنين لمزيد من التعلم، والمساهمة في فهم البيئة والحفاظ عليها.


كيف يمكنني أن أشارك في علم المواطن؟

الفرص المتوفرة اليوم للمشاركة في علم المواطن لا حدود لها. فيمكنك أن تجد مشروعًا علميًا يتوافق مع هواياتك، واهتماماتك، وفضولك. المشاركة سهلة للغاية، فغالبًا كل ما ستحتاج له: جهاز هاتف أو لابتوب -وبالطبع- مع اتصالك بالإنترنت، لتتمكن من جمع وتنظيم الملاحظات، ورؤية النتائج.

وإليك بعضًا من المشاريع العلمية والبحثية التي تحتاج إلى المتطوعين:

عوالم الفناء الخلفي: الكوكب التاسع

ساعد في استكشاف وفحص المملكة التي تقبع خلف كوكب نبتون، ابحث عن الأقزام البنية والكوكب التاسع في مجموعتنا الشمسية.

يحتاج العلماء للبحث عن الأجرام السماوية الجديدة على حافة نظامنا الشمسي.في هذا المشروع، سوف يُطلب منك المساعدة على تمييز وتصنيف الأجرام السماوية الحقيقية من الصور التي التقطها مستكشف الأشعة تحت الحمراء عريض المجال (WISE)، وهو التلسكوب الذي أطلقته ناسا في مهمة لاستكشاف الفضاء.

الأجرام السماوية المستهدفة هي الأقزام البنية والنجوم الصغيرة الأقرب لنجمنا الشمسي. ربما تتمكن من إيجاد جرم سماوي أقرب من بروكسيما سنتوري (Proxima Centauri) وهو أقرب نجم للشمس، أو ربما قد تكتشف الكوكب التاسع في مجموعتنا الشمسية، والذي قد يظهر في هذه الصور.

استهدف الكويكبات!

هل أنت من هواة الفلك، هل تملك تلسكوبًا خاصًا بك، وتريد الاشتراك في بحث علمي فلكي؟

حسنًا، يمكنك الانضمام إلى فريق أوزيريس-ركس (OSIRIS-REx) من خلال المشاركة في المشروع البحثي: استهداف الكويكبات!

ستساعد صور التلسكوبات للأجرام السماوية القريبة من الأرض بجانب قياس مدى سطوعها وأماكنها على إكمال الرصد المحترف، في محاولة لسد الثغرات في معرفتنا بهذه الأجرام.

إذ تمكن هذه الصور المشتركة للرصد العلماء من فهم أفضل للخصائص الفيزيائية للكويكبات التي لا نعرف عنها سوى القليل من المعلومات، ومعرفة مساراتها، وكذلك تحديد أصولها ومن أين جاءت، لنتمكن من تحويل ما يظهر كنقطة من الضوء إلى عالم حقيقي.

مراقب العالم

علم المواطن، ناسا، الطقس، البيئة
علم المواطن، ناسا، الطقس، البيئة

يدعوك مشروع مراقب العالم لأخذ ملاحظات بيئية، ليكمل الملاحظات التي تلتقطها الأقمار الصناعية الخاصة بناسا، وذلك لمساعدة العلماء على دراسة الأرض والبيئة العالمية.

وعن طريق استخدام تطبيق مراقب العالم يمكنك الانضمام إلى المشروع، والمساهمة بالبيانات العلمية الهامة لناسا والمجتمع المحلي، وكذلك للطلاب والعلماء في جميع أنحاء العالم.

كما يتضمن التطبيق تصوير السحب، وتسجيل الملاحظات الخاصة بالسماء ومقارنتها مع صور الأقمار الصناعية، ويعد هذا التطبيق الآن أكبر مصدر للمراقبة البشرية للسحب، وهو يوفر معلومات أكثر من أي نظم آلية.

وهناك مزية أخرى للتطبيق، وهي مخطط مواطن البعوض، والتي تطلب منك تحديد المواطن المحتملة لتكاثر البعوض، عينات وأعداد اليرقات، ومع استخدام بعض المعدات يمكنك فحص وتصوير العينة لتحديد جنسها.

سوف تساهم ملاحظاتك في إنشاء قاعدة بيانات عالمية، والتي سيستخدمها العلماء للتأكد من النماذج التنبؤية لتكاثر البعوض بناءً على البيانات المتوفرة من الأقمار الصناعية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لسلطات الصحة العامة الوصول إلى هذه البيانات الخاصة بالبعوض لاستخدامها في إدارة مخاطر الأمراض في المجتمعات المختلفة.

رصد خريطة التغيير

يمكنك مساعدة العلماء في استخدام عينات جُمعت على مدى أكثر من قرن من الزمان، وذلك لرصد خريطة توزيع الحيوانات والنباتات والفطريات. سوف تتيح البيانات التي تقدمها أماكن تواجد الفصائل المختلفة، بالإضافة لتوقع أين سينتهي بها المطاف في المستقبل. إذ إن مناخ كوكب الأرض آخذ في التغير الآن، ويتطلب قياس أي نوع من التغيير قاعدة أساسية من البيانات، ووصفًا للطريقة التي كانت عليها الأمور قبل تغير الظروف، أو قبل تسارع وتيرة التغيير.

وفي هذه الحالة، ستكون القاعدة الأساسية هي خريطة لأماكن تواجد الحيوانات والنباتات والفطريات في الماضي القريب. كما أن المجموعات التي تحتفظ بها متاحف التاريخ الطبيعي تعتبر مصدرًا لا يقدر بثمن لهذا النوع من قواعد البيانات الأساسية.

في الواقع، يحتوي متحف بيل في جامعة منيسوتا على أكثر من أربعة ملايين عينة من الحياة البرية، والنباتات، والفطريات من مناطق المسيسيبي وغرب البحيرات العظمى. ومع ذلك، فإن معظم المعلومات المتوفرة حول هذه العينات، بما في ذلك المواقع التي جُمعت منها، مكتوبة بخط اليد على ملصقات تتطلب نسخًا.

ومن خلال المشاركة في هذا المشروع، فإنك تساهم في توفير قاعدة البيانات الأساسية وتسهل من استخدامها. بالإضافة إلى أن أطلس التنوع البيولوجي متاح للجمهور العادي، وكذلك الباحثين، ومديري الأراضي. وكلما كانت هذه الخرائط الأساسية أكثر اكتمالًا، كلما كان بإمكاننا قياس وتفسير وتخطيط التغيرات في المناخ والتنوع البيولوجي بشكل أفضل.

سحق الجراثيم

ساهم اكتشاف المضادات الحيوية، في منتصف القرن العشرين، على خفض معدل الوفيات الناجمة عن الأمراض المعدية على مستوى العالم. ولكن لسوء الحظ، أدى استخدام المضادات الحيوية لأن تطور البكتيريا مقاومة ضده. وللمساعدة في معالجة هذا التزايد في المقاومة البكتيرية للمضادات الحيوية، من الضروري أن يعرف الأطباء أي المضادات الحيوية يمكنهم أو لا يمكنهم استخدامها لعلاج مريض مصاب بعدوى بكتيرية مثل السل.

وهذا لأن استخدام المضاد الحيوي المناسب للقضاء بسرعة على البكتيريا المسببة للأمراض يحد من فرصها في تطوير مقاومة للمضادات الحيوية.

كما أن معرفة أي المضادات الحيوية ستكون فعالة ضد عدوى بكتيرية معينة يعد أيضًا أمرًا حاسمًا لعلاج المرضى سريعًا. حاليًا، تُؤخذ عينة من المريض وتُرسل إلى المختبر، عادة في المستشفى، حيث تُزرع البكتيريا ومن ثم تستخدم عليها مضادات حيوية مختلفة لمعرفة أي منها فعال لعلاج هذه البكتيريا.

وبالنسبة لبكتيريا بطيئة النمو مثل بكتيريا السل، يمكن أن تستغرق هذه العملية حوالي شهر؛ لذا يساهم هذا المشروع في تسريع هذه العملية، لمساعدة المرضى على العلاج بصورة أسرع.

تطابق الدماغ

علم المواطن، بيولوجيا
علم المواطن، بيولوجيا

يمكنك الآن أن تساعد العلماء في تحديد الفروق بين الأدمغة البشرية المختلفة. يعتبر تصوير الدماغ تقنية قوية وهامة، تُستخدم لدراسة اضطرابات الدماغ مثل أمراض الزهايمر والفصام. ولاكتشاف الاختلافات الطفيفة بين الأدمغة، يحتاج العلماء أحيانًا للمقارنة بين آلاف الصور الدماغية.

أهم خطوات في هذا النوع من الدراسة هي محاذاة الصور للأدمغة المختلفة حتى يتطابق تشريحها. وتُسمى هذه العملية بالتوثيق، وهي مهمة معقدة، وعرضة للأخطاء. في حين أن الباحث عادةً ما يتحقق بصريًا من تطابق الأدمغة بعد التوثيق، إلا أنه لا توجد مبادئ توجيهية محددة للحكم على جودة هذا التوثيق.

يحاول هذا المشروع تقديم بيانات توجيهية بسيطة لتقييم جودة عملية التوثيق أو كيف تتطابق صور الأدمغة المختلفة. ويأمل العلماء في أن تعطي هذه المبادئ التوجيهية تقييمات ثابتة من قبل كل المتطوعين. وإذا استطاعوا توليد بيانات كافية، فقد يتمكنوا حتى من تدريب أجهزة الكمبيوتر على الحكم بشكل أفضل على جودة توثيق الأدمغة، مما سيساعدهم على معالجة كميات هائلة من البيانات؛ لذا يحتاج العلماء مساعدتك في تحسين جودة توثيق الدماغ!