محتوى مترجم
المصدر
Ancient.eu
التاريخ
2014/02/28
الكاتب
جوشا مارك

في يونيو عام 323 قبل الميلاد، مات «الإسكندر الأكبر» وقُسّمت إمبراطوريته الواسعة بين جنرالاته. وكان من بينهم بطليموس الأول «سوتر»؛ المقدوني الذي أوجد سلالة البطالمة في مصر القديمة. وقد واصل البطالمة ذوو الأصول المقدونية اليونانية حكم مصر حتى ظهور الإمبراطورية الرومانية وموت الملكة المصرية الأخيرة «كليوباترا السابعة».


الشباب والصعود

ولدت كليوباترا السابعة «فيلوباتور» عام 69 قبل الميلاد، وحَكمت مع والدها بطليموس الثاني عشر «أوليتس»؛ والذي تُوفي وهي في الثامنة عشرة من عمرها، تاركًا لها العرش. ولأن التقاليد المصرية ترى أن المرأة تحتاج إلى ذكر يشاركها الحكم، تزوجت شقيقها «بطليموس الثالث عشر» البالغ من العمر 12 عاما رسميا. وهكذا وضعت اسمه على جميع الوثائق الرسمية، ومع ذلك فقد حكمت وحدها.

وبينما أصرّ البطالمة على أفضلية المقدونيين اليونانيين، فقد حكموا مصر لعدة قرون دون أن يتعلموا لغة المصريين أبدا أو يتبنوا عاداتهم. كانت «كليوباترا» تجيد اللغة المصرية، وبليغة في لغتها الأم اليونانية، وتُتقن عدة لغات أخرى أيضا. ولهذا السبب؛ تمكنت -عدا فترة وجيزة من تَوليها الحكم، ودون إزعاج نفسها بسماع آراء مستشاريها بشأن مسائل الدولة- من التواصل بسهولة مع دبلوماسيين من بلدان أخرى دون الحاجة إلى مترجم.

كتب المؤرخ «بلوتارك»:

الفيلسوف والمؤرخ اليوناني «بلوتارك» عن كليوباترا

أزعجت عادتها تلك باتخاذ القرارات وتنفيذها دون استشارة أفراد البلاط الملكي بعض كبار المسؤولين. على سبيل المثال؛ عندما أمرت بقتل أبناء ملك سوريا بعدما جاءوا إلى البلاط يطلبون مساعدتها. وفي عام 48 قبل الميلاد؛ أطاح بها كبير مستشاريها «بوثينوس» بمعاونة «ثيودوتوس شيوس»، والجنرال «أشيلاس»، ونصّبوا «بطليموس الثالث عشر» على العرش حاكمًا لمصر، معتقدين أن السيطرة عليه ستكون أسهل من شقيقته. وفرّت «كليوباترا» وأختها غير الشقيقة «أرسينو» إلى «ثبيد».


بومبي وقيصر والغزو الروماني

في نفس الوقت تقريبا، هُزِمَ الجنرال الروماني والسياسي «بومبي العظيم» من قِبل «يوليوس قيصر» في معركة «فارسالوس». وكان «بومبي» الوصيّ الذي عينته الدولة على أطفال «بطليموس» الأصغر سنا وحملاته كذلك، لذا فقد قضى وقتا طويلًا في مصر. واعتقادا منه أنه سيرحب به من قبل الأصدقاء؛ هرب «بومبي» من «فارسالوس» لمصر، ولكن بدلا من عثوره على مأوى؛فقد قُتل عندما وصل إلى شاطئ الإسكندرية تحت نظر «بطليموس الثالث عشر».

كان جيش «قيصر» أقل عددًا من جيش «بومبي»، لذا اعتُقِدَ أن انتصار «قيصر» المذهل يعني تفضيل الآلهة له على «بومبي». وعلاوة على ذلك، بدا لمستشار «بطليموس الثالث عشر» «بوثينوس» أن انحياز الملك الشاب لمستقبل روما بدلا من الماضي أمر أكثر منطقية. ولدى وصوله إلى مصر مع جحافله، متعقبًا «بومبي»، قيل إن «قيصر» غضب لقتل «بومبي»، وأعلن الأحكام العرفية، ونصّب نفسه في القصر الملكي.

فرّ «بطليموس الثالث عشر» إلى «بيلوسيوم» مع حاشيته. لكن قيصر لم يكن ليترك الملك الشاب يذهب لإثارة المتاعب وأعاده إلى الإسكندرية. كانت «كليوباترا» لا تزال في المنفى وعرفت أنها لا تستطيع الذهاب إلى القصر ببساطة دون أن يتعرض لها أحد. مدركة أن «قيصر» هو فرصتها لاستعادة السلطة، فلفّت نفسها في بساط زعمًا أنها هدية للجنرال الروماني، وأُرسلت عبر خطوط العدو إلى القصر لتُقَدّم إلى «قيصر». ويبدو أنهما تقربا من بعضهما بسرعة، ففي صباح اليوم التالي عندما وصل «بطليموس الثالث عشر» لمقابلة «قيصر»، كانا يحبان بعضهما بالفعل.. مما أثار الغضب في نفس الفرعون الشاب.


كليوباترا وقيصر

اتجه «بطليموس الثالث عشر» إلى جنراله «أخيلاس» ليحصل على دعمه، واندلعت الحرب في الإسكندرية بين جحافل «قيصر» والجيش المصري. حوصر «قيصر» و«كليوباترا» في القصر الملكي لمدة ستة أشهر حتى تمكنت التعزيزات الرومانية من الوصول وكسر الخطوط المصرية. ولكن قبل الانتصار، فرّت «أرسينو» أخت «كليوباترا» غير الشقيقة -التي كانت قد عادت معها- من القصر إلى معسكر «أخيلاس» وأعلنت نفسها ملكة بدلًا من «كليوباترا».

غرق «بطليموس الثالث عشر» في النيل في محاولته للهرب بعد المعركة، وقُتِل بقية قادة الانقلاب على «كليوباترا» في المعركة أو بعدها بوقت قصير. تم القبض على «أرسينو» وأرسلت إلى روما مهزومة ولكنها نجت بحياتها بفضل «قيصر» الذي نفاها للعيش في معبد «أرتميس» في «أفسس»، حيث عاشت حتى عام 41 قبل الميلاد حيث أعدمها «مارك أنطوني» بإيعاز من كليوباترا.

سافرت «كليوباترا» عبر مصر مع «قيصر» في موكب عظيم ورُحب بها من رعاياها بصفتها الفرعون. أنجبت صبيا سُمّى «بطليموس قيصر» -المعروف بـ «قيصريون»- في يونيو عام 47 قبل الميلاد وأُعلن وريثها. وقد اكتفى «قيصر» بـ «كليوباترا» في حكم مصر، حيث وجدا في بعضهما نفس النوع من الحيلة والذكاء، فجمعهما معًا احترام متبادل.

في عام 46 قبل الميلاد، عاد «قيصر» إلى روما، وبعد فترة وجيزة، لحقت به «كليوباترا» مع ابنهما وجميع حاشيتها للعيش هناك. واعترف «قيصر» صراحة بابنه «قيصريون» -وإن لم يكن وريثه- وكليوباترا كرفيقته.إذ كان متزوجًا بالفعل من «كالبورنيا» في هذا الوقت، والقوانين الرومانية تمنع تعدد الزوجات بشكل صارم، فاستاء العديد من أعضاء مجلس الشيوخ، فضلا عن الشعب، من أفعاله.


مارك أنطوني وكليوباترا

عندما اغتيل «قيصر» عام 44 قبل الميلاد، فرّت كليوباترا من روما مع «قيصريون» وعادت إلى الإسكندرية. انضم «مارك أنطوني» اليد اليمنى لـ «قيصر»، مع حفيده «أوكتافيان» وصديقه «ليبيدوس» لملاحقة وهزيمة المتآمرين الذين قتلوا «قيصر». وبعد معركة «فيليبي»؛ التي انتصرت فيها قوات «أنطوني» و«أوكتافيان» على قوات «بروتوس» و«كاسيوس»، أصبح «أنطوني» حاكمًا للمقاطعات الشرقية، بما فيها مصر، في حين حكم «أوكتافيان» الغرب.

وفي عام 41 قبل الميلاد، استُدعيت «كليوباترا» لتمثل أمام «أنطوني» في «طرسوس» للرد على الاتهامات التي وجهها لها بمساعدتها لـ «بروتوس» و«كاسيوس». تأخرت كليوباترا في المجيء ومن ثم تأخرت أكثر في الامتثال لاستدعاء «أنطوني»، لتوضح أنها كملكة لمصر، ستأتي في الوقت الذي تراه مناسبًا لها. في ذات الوقت كانت مصر تتأرجح على حافة الفوضى الاقتصادية وانهيار اقتصادي، ولكن حتى مع ذلك، تأكدت «كليوباترا» من أن تُقدم نفسها كحاكمة حقيقية، تظهر في كامل زينتها على سفينتها، وترتدي كـ «أفروديت»، إلهة الحب والجمال.

يقول «بلوتارك»:

لقد جاءت عبر نهر «سيدنوس» في قارب مؤخرته مذهبة وأشرعته أرجوانية مشرعة، قادت المجاديف الفضية موسيقى المزامير والنايات والقيثارات. في حين جلست هي متكئة تحت مظلة من قماش من الذهب، وترتدي مثل الإله «فينوس» في صورة، وأولاد صغار جميلون، مثل «كيوبيد» مرسومين في لوحة يقفون على كلا جانبيها يروّحون لها. أما وصيفاتها فارتديّن كحوريات البحر والجمال، بعضهن يوجهن الدفة، والبعض يعملن على الحبال. تنتشر روائح العطور من السفينة إلى الشاطئ المغطى بالجماهير، بعضهم يتبع السفينة إلى مرفق النهر، والبعض يخرج من المدينة للمشاهدة. فَرُغَ السوق تماما، في النهاية تُرك «أنطوني» وحده يجلس في المحكمة، حين انتشرت بين الجموع إشاعة أن «فينوس» جاءت إلى وليمة مع «باخوس» من أجل الصالح العام لآسيا.

وقع «مارك أنطوني» و«كليوباترا» في الحب على الفور وظلّا كذلك على مدى سنوات عشر أخرى. وحملت له في ثلاثة أطفال واعتبرها زوجته، على الرغم من أنه كان متزوجا، أولا، من «فولفيا»، ثم من «أوكتافيا» شقيقة أوكتافيان. إلا أنه في النهاية طلّق «أوكتافيا» ليتزوج «كليوباترا» قانونيًا.


مصرع كليوباترا

كان من دواعي سروري أن أسمع نغمة صوتها، التي تنتقل من لغة لأخرى مثل آلة موسيقية لها عدة أوتار. حتى أنها لم تحتج إلى مترجم سوى مع عدد قليل من الدول البربرية.

خلال هذه السنوات، استمرت علاقة «أنطوني» و«أوكتافيان» في التفكك. حتى اندلعت الحرب الأهلية بينهما. هُزِمت قوات «كليوباترا» و«أنطوني» أمام «أوكتافيان» في معركة «أكتيوم» عام 31 قبل الميلاد، وبعد عام واحد، انتحر الاثنان. حيث قام «أنطوني» بطعن نفسه بعدما وصله خبر كاذب عن وفاة «كليوباترا». وعلم بعد فوات الأوان أنها لا تزال على قيد الحياة، وسمح له «أوكتافيان» أن يذهب إليها حيث مات بين ذراعيها.

ثم طالب «أوكتافيان» بمقابلة الملكة. لم تكن الشروط مواتية، وفهمت «كليوباترا» أنها ستقدم إلى روما أسيرة لتُزيّن انتصار «أوكتافيان». وأدركت أنها لن تكون قادرة على التلاعب به كما فعلت مع «قيصر» و«أنطوني»، فطلبت -ومُنِحت- وقتا لإعداد نفسها. ومن ثم سممت نفسها بلدغة ثعبان -يشاع أنها حية، مع هذا فإن معظم الباحثين اليوم يعتقدون أنها كانت كوبرا مصرية-. قتل «أوكتافيان» ابنها «قيصريون» ونقل أطفالها من «أنطوني» إلى روما حيث ربتهم «أوكتافيا». وهكذا انتهت سلالة البطالمة من الحكام المصريين.

على الرغم من أن الشائع أنها تمثل الجمال العظيم، أثنى الكُتّاب القدامى جميعا على ذكائها وسحر صفات جسدها. كتب «بلوتارك»:

إن جمالها -كما قيل لنا
لم يكن من هذا النوع الذي لا يضاهى أو يأسر الناظر على الفور. ولكن سحر وجودها كان لا يقاوم وكان هناك جاذبية في شخصها وحديثها، إلى جانب قوة غريبة في شخصيتها في كل كلمة وفعل، وضعت كل من ارتبط بها تحت سحرها.

وقد استمرت كليوباترا في أداء ذات السحر على مر القرون منذ وفاتها، ولا تزال الملكة الأشهر في مصر القديمة. وتم إنتاج أفلام وكتب وبرامج تلفزيونية ومسرحيات عن حياتها، كما صورت في أعمال فنية في كل قرن حتى يومنا هذا. على الرغم من أنها كانت مقدونية-يونانية وليست مصرية، فقد أصبحت رمزا لمصر القديمة في الفلكلور الشعبي أكثر من أي ملك مصري آخر.