محتوى مترجم
المصدر
the conversation
التاريخ
2019/11/10
الكاتب
بيل لورانس: باحث بارز، جامعة جيمس كوك

يُلام التغير المناخي على أشياء كثيرة هذه الأيام، منها: غرق الجزر الصغيرة، وتأجيج الحرائق الهائلة، وزيادة الأعاصير، وتحطيم ثلج المحيط الشمالي. ولكن بحثًا شاملًا عن الحشرات وجد نتائج أخرى: أربعون بالمئة من فصائل الحشرات تنقرض، وثلث ما تبقى منها في خطر، يؤكد الأمر ما كان يشك به الكثيرون: تبدو مفصليات الأرجل التي تضم الحشرات والعناكب ومئوية الأرجل (أم أربعة وأربعين) ومثيلاتها في أستراليا وحول العالم في ورطة.

يأتي ذلك التقرير العالمي قاسيًا في أعقاب نشر البحث على نقاشات الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة، والتي تقترح وجود علاقة قوية بين موجات الحرارة المتزايدة والانهيار المذهل في الكثير من مفصليات الأرجل. وإذا كانت نتائج تلك الدراسة صحيحة – وهو شيء ما زال بعيدًا عن التأكيد – فسيكون هنالك آثار قاسية على التنوع الحيوي العالمي.

يعتمد عالمنا الطبيعي على مفصليات الأرجل

كارثة مفصليات الأرجل

في منتصف السبعينيات في بورتو ريكو، أجرت مجموعة من الباحثين دراسة واسعة النطاق لقياس الكتلة الأحيائية (كتلة الكائنات الحية) للحشرات ومفصليات الأرجل الأخرى في الغابات المطيرة البكر على الجزيرة باستخدام الشبكات والفخاخ اللزجة.

بعد أربعة عقود، عاد فريق بحثي آخر للجزيرة وكرر الدراسة باستخدام أساليب مماثلة في نفس المواقع وقد أصابتهم الدهشة؛ حيث وجدوا أن الكتلة الأحيائية لمفصليات الأرجل تمثل ما بين 1: 8 و 1 :16 مما كانت عليه في السبعينات؛ كان الأمر بمثابة انهيار كلي صادم. ولكن لم تنتهِ المذبحة عند هذا الحد، فقد وجد الفريق أن مجموعة من طائفة من مفصليات الأرجل الآكلة للسحالي والطيور والضفادع قد نقصت بكميات كبيرة أيضًا.

الحشرات أمر حيوي في شبكات الطعام للفصائل الحية مثل طير اليقمر هذا.

بالنسبة للعديد من علماء البيئة، فإن الانهيار الواسع لمفصليات الأرجل قد يكون كارثة واضحة، فمفصليات الأرجل تُلقح مجموعة من أهم الخضروات، وكذلك الآلاف من فصائل النباتات البرية، كما تقوم ببذر الحبوب، وتعيد تدوير العناصر الغذائية، وتشكل رابطة رئيسية في السلاسل الغذائية التي تعمل على استدامة شبكات الحياة بالكامل.

هذا الحضور البيئي ينشأ لأن مفصليات الأرجل كبيرة العدد ومتنوعة وتشتمل على ثلثي الفصائل المعروفة على الأرض على الأقل، في أربعينيات القرن العشرين قال أحد علماء الأحياء الثوريين J. B. S. Haldane ساخرًا: «للرب شغف جارف بالخنافس». قد يعتقد البشر أننا نحكم العالم، ولكن الكوكب ينتمي في الحقيقة إلى مفصليات الأرجل.

موجات الحرارة القاتلة

وضع الباحثون الذين وثقوا انهيار مفصليات الأرجل في بورتو ريكو في اعتبارهم مجموعة من الأسباب المحتملة منها المبيدات الحشرية والتوزيع السكاني، ولكن ظلت الأدلة تتوجه إلى أمر آخر: ارتفاع درجات الحرارة.

تشير حالة الطقس في بورتو ريكو إلى زيادة درجات الحرارة في العقود القليلة الماضية بدرجتين سليزيتين في المتوسط، ولكن الباحثين أقل قلقًا من الزيادة التدريجية في درجات الحرارة مقارنة بتكثف موجات الحرارة والتي ارتفعت بصورة ملحوظة في بورتو ريكو، وذلك لأن جميع الكائنات الحية تقريبًا لها مستويات محددة من اتحمال تغير درجات الحرارة temperature tolerance.

على سبيل المثال، أظهر أحد الأبحاث باستراليا أنه عند درجة حرارة 40 سليزيوس، تقع الثعالب الطائرة (نوع من الخفافيش) تحت ضغط حراري جسيم، وتكافح للبحث عن الظل وتظل تضرب بأجنحتها لتبقى باردة في يأس، ولكن دفعة بسيطة أخرى لأعلى حتى 42 درجة سليزيوس تؤدي للموت المفاجئ لها.

وفي نوفمبر قتلت موجات الحرارة التي زادت عن 42 درجة في كوينزلاند حوالي ثلث الثعالب الطيارة (أبو نظارة) بالمنطقة، حيث امتلأت الأراضي في مستعمرات الخفافيش بعشرات الآلاف من الحيوانات الميتة، بينما لم يتمكن المهتمون بالحيوانات إلا من إنقاذ نسبة ضئيلة.

تموت الخفافيش بكميات هائلة خلال موجة الحرارة الحالية

العلاقة مع إلنينو

تمثل أحداث El Niño جزءًا آخر من القصة، وهي عبارة عن تقلبات في درجات الحرارة على سطح المحيط الهادئ تؤدي إلى تغيرات في الطقس تستمر لسنوات عديدة عبر مساحات شاسعة في الكوكب، وقد ظهر بحث جديد يحسم الشكوك طويلة الأمد حول الإلنينو والاحتباس الحراري، إذ تفترض الأبحاث المنشورة حديثًا في Nature وأوراق بحثية جيوفيزيقية أن الاحتباس الحراري سيزيد من المناطق المتأثرة بإلنينو لتعاني بصورة أكبر من الجفاف والموجات الحرارية.

وهذا الأمر مرتبط ببورتو ريكو من ناحية أخرى، حيث يعتقد الباحثون هناك أن مجموعة من موجات إلنينو الحرارية الحادة وغير المعتادة كانت السبب في مذبحة مفصليات الأرجل، إذا كانوا على صواب فيمكن القول إن الاحتباس الحراري كان البندقية، بينما كان إل نينيو هو الزناد.

ما وراء الموجات الحرارية

بالتأكيد ليست بورتو ريكو المنطقة الوحيدة التي عانت من انهيار حاد لمفصليات الأرجل، فقد كشفت دارسات قوية في أوروبا، وأمريكا الشماليةوأستراليا وأماكن أخرى عن انهيارات في مفصليات الأرجل أيضًا، وبينما ساهمت العوامل المناخية في بعض من تلك الانهيارات، كان واضحًا أن العديد من التغيرات البيئية كالتوزيع السكاني، والمبيدات الحشرية، ومسببات الأمراض والتلوث الضوئي قد سببت خسائر ضخمة أيضًا.

فراشة ملكية
تنهار الفراشات الملكية في الولايات المتحدة والمكسيك بسبب التوزيع السكاني غالبًا

لذا تعاني مفصليات الأرجل من مجموعة واسعة من الأذى البيئي على نطاق الكوكب، وليس هناك سبب وحيد لهذا الانهيار. الخلاصة أننا نغير عالمنا بالعديد من الطرق المختلفة بالجملة، لذا يكافح عدد كبير من المخلوقات التي تلعب العديد من الأدوار الحيوية في النسيج الحيوي للنجاة من ذلك الهجوم.