كل شئ يبدأ بمؤتمر صحفي لمدرب: المؤتمر يعني أن تدخل الشائعات الحيز الرسمي، أن يتوقف الهمس أمام يقين التصريح والخبر، يتأسس عالم جديد تتجاوز أبعاده الأطراف الحاضرة، ومستقبل تشرق شمسه على نادٍ يأمل بتجربة جديدة مع مدرب خصوصًا إذا كان «كلوب» أو «بيب»!

الهدوء الذي مزقه «كلوب» بمؤتمر إعلان انتهاء علاقته بدورتموند يخفي لترات من التوتر المتراكمة بسبب نتائج الفريق المخزية، بجواره «هانس يوخايم » رئيس النادي ينظر بامتنان للمدرب الشجاع الذي رجّح كفة بورسيا فوق مصلحته الشخصية، «ميشيل زورك» المدير الرياضي يتحين اللحظة المناسبة ليمطر «يورجن» بجمل المديح والشكر على درعي الدوري والواجهة الأوربية، لكن الأخير أكد أن الفريق بات يستحق مدربًا أفضل.

أما إدارة «بايرن ميونخ» فألقت على عاتق «جوارديولا» إدارة حلم الزعامة الأوربية، تأكدنا جميعًا من ضرورة الأمر بعد انطلاق الدعوات الجماهيرية «لا نريد 2012 ثانية». المفاجأة أن 2014 لم تقل قسوة عن 2012 برباعية مدريد، لكن مراوغة «ميسي» وانطلاقة «جريزمان» كان لهما النصيب الأكبر من اغتيال مشروع بيب ميونخ.

«جوارديولا» ظهر هادئًا مستغرقًا بعمله خلال مؤتمر يناير 2016 الذي أكد رحيله عن ألمانيا، مشيرًا لسعادته بوجوده خلال الفترة الماضية كما سعيه لتقديم الأفضل خلال الـ 6 أشهر التالية ليمنح «أنشيلوتي» أفضل فريق أوروبي.

مذاق من الوداع الحزين بألمانيا: إنجلترا على الجانب الآخر استعدت لإضافة الاسمين بموسم وُصف قبل بدايته بالاستثنائي، «كلوب» انحاز مبكرًا لليفربول و«بيب» اختار أزرق مانشستر، وبدأت المراهنات المتوقعة عن مدى نجاح الاسمين بالبطولة.

يناقش المقال كيف ارتفعت اسهم الثنائي كما بصمتهم مع الفريقين خلال الأسابيع الأولى من الموسم الحالي للدوري الإنجليزي.


لا وقت للغد

التعادل، فالتعادل، وأخيرًا المزيد من التعادل؛ بهذا الحال أقيل «رودجرز» بعد أن غامر ببداية الموسم بقائمة لاعبين منحت حارسًا كـ«مينيوليه» مركزًا أساسيًا، أخيرًا أدركت الإدارة ضرورة التدخل لبداية جديدة بدون «رودجرز»، البدايات عمومًا تحمل دفعة معنوية ويقين جماهيري أن أشياء سيئة عديدة ستتغير، يتضاعف الأمر بالتأكيد بحضور «كلوب»!

لكن الألماني سرعان أن فطن لحقيقة دخوله المتأخر بعد مرور أسابيع من الدوري كما إمكانيات وأداء الفريق على حاله آنذاك، والذي يحتاج لفترة من العمل التدريبي للتطوير بعد التقييم، لذلك فإن المنافسة على دوري 2015/2016م بدا مستبعدًا حتى في ظل تدهور مستوى الكبار.

«كلوب» يؤمن بقوة التدريب وتطوير مستوى خطوط فريقه، يفضل اللعب الجماعي الذي تذوب فيه الأخطاء الفردية عن الانتظار للميركاتو الشتوي للإحلال والتجديد.

باغت الجميع بتركيزه على بطولتي الكأس والدوري الأوربي، خطوة عبقرية تطير بالريدز لمنصات الزعامة الأوربية إن تحققت بعد عشر سنوات من معجزة إسطنبول، خسر الكأس الأولى بضربات الجزاء أمام السيتي، أما الثانية فكان قد أزاح عمالقة كاليونايتد وفياريال ودورتموند قبل عرقلة العبور للذهب بأخطاء تحكيمية فاضحة بالنهائي.

مغامرة رومانسية لم تكتمل، تطور خلالها أداء الفريق ككل لكن بات ضروريًا التخلص من البعض، صحيح أن أوريجي تحوّل لمهاجم خطير وفيرمينيو اكتسب مرونة تكتيكية لكن مشكلات خط الظهر وحدها كفيلة بتحطيم ذلك التطور.

http://gty.im/498180364

أما «بيليجريني» أصابه إحباط وفقد شغف المواصلة مع السيتي عقب إبلاغه برحيله لصالح «جوارديولا» نهاية الموسم الماضي، غياب المساندة الجماهيرية انعكس على الرجل الذي لم يهتم حتى لفرص تأهل فريقه لدوري أبطال هذا الموسم، هذه أمور باتت تخص الفيلسوف فليتولى أمرها قبل حتى أن يصل إنجلترا!

«بيب» تابع انحدار مستويات لاعبين دفعت إدارة السيتي عشرات الملايين لأجل ضمهم، حتى أن «بيكنباور» حذره من مجرد التخطيط لإقناع نجوم البايرن بالرحيل لوجهته القادمة.

بدأت فترة الإعداد فكانت ثلاث مهام صوب المدرب الجديد؛ التقييم الفني الذي سيمنحه قائمة الباقين والراحلين، تحضير قائمة أخرى بصفقات يستهدفها لا تخضع لسقف مالي، وأخيرًا تضييق المساحة الزمنية لفرض أسلوب لعبه ليكتسب الأزرق شخصية فقدها بالملعب كثيرًا، تعرف «جوارديولا» لا يتنازل عن أفكاره.

نجح بالفعل في إنجاز المهمتين الأوليين، ظهر خلال مبارياته الودية التمهيدية اعتماده على أدوار عدد من اللاعبين وبقي فقط تحدي استيعاب اللاعبين لطريقة لعبه بأقل وقت متاح، الالتفات للتطور الذي أحرزه دي بروين وستيرلنج مع بيب بالوقت الذي يؤكد فيه الأخير أن الفريق لم يصل للحالة التي يسعى إليها مثالًا رائعًا.

http://gty.im/544384704

الخلاصة، كان المدربان حريصين على دفع لاعبيهما لرؤية الملعب من زاويتهم الفنية بأقل وقت متاح، المضي نحو الإعداد والوصول لأفضل تشكيلة بالتوازي مع تحقيق النتائج وتطور الأداء.


زاوية الملعب

مدرب ليفربول vs فريق كلوب

لو كان لأحد أن يصف موسم «كلوب» الأول فلن يجد أفضل من جملة «عظيم بالمواجهات الكبرى، مشتت حين يواجه الصغار»، فمثلًا الريدز قدم أداءً جيدًا أمام فياريال بأسبانيا لكنه عاد للخسارة من سوانزي ثم سحق فياريال بمباراة العودة، ينتصر على مان يونايتد لكنه قد يتعثر أمام نيوكاسل أو كريستال بالاس!،هذه المعضلة تعود لضعف دفاع ليفربول بالتعامل مع المرتدات وتغييرات خاطئة لكلوب أحيانًا.

المعضلة وجدت سبيلها للحل منذ مباراة ليستر سيتي قبل 3 أسابيع مضت، «كلوب» صنع فريقه بالفعل وخلق 17 محاولة بفضل التجانس بين الثلاثي الهجومي، «ساديو ماني» حقق أداءً متميزًا بسرعته وقدرته على الاختراق والتمركز وحصل على أعلى تقييم «9.6» بحسب موقع «هوسكورد»، أما «فيرمينيو» فظهر بأفضل مبارياته مستغلًا إمكانياته لصناعة الفرص، خط الوسط أقام الحواجز الدفاعية ضد بناء الهجمات وانطلق «لالانا» أكثر من مرة للعمق الهجومي حتى سجّل، أما خط الدفاع فباستثناء خطأ «لوكاس ليفا» فقد نجح بالاشتراك مع «ماتيب» والآخرين في 7 عرقلات، 30 تدخلًا على الأرض و23 آخرين بالهواء مما أدى لترويض «فاردي» و«محرز».

ليفربول أخيرًا امتلك استحواذًا ملحوظًا على الكرة تجاوز 62% وبالوقت نفسه حقق انتصارًا كبيرًا متصديًا لمرتدات الخصم.

نجاح أسلوب لعب «جيجن بريسنج» بليفربول كان بحاجة لاختبار أكبر، ملاقاة تشيلسي كونتي على ستامفورد بريدج كافية، صحيح؟

تقييم «هوسكورد» لأداء الفريقين عبر الـ 90 دقيقة يخبرنا بأمر شديد الأهمية؛ أداء «ليفربول» يتصاعد بمرور الوقت بينما العكس تمامًا مع البلوز الذي لا يكاد يخرج استحواذه أغلب الوقت عن نطاق السلبية، «كانتي» مثلًا قام بمجهود خيالي كعادته لكنك لن تشعر بمدى تأثيره بسبب الاستحواذ السلبي، بينما «فينالدوم» و«كوتينهو» يقومان بدور ممتاز كالقطعة الأهم ب4/3/3 ليفربول لذلك تمريراتهم تبدو مهمة طوال الوقت، الأمر نفسه مع «هندرسون» الذي لعب أفضل مبارياته بسبب قيادة خط الوسط للضغط وتدمير هجمات تشيلسي، «كلوب» فرض أسلوبه محققًا 13 محاولة فأجبر «كونتي» على الحركة بخانة رد الفعل.

تشيلسي - ليفربول
تقييمات موقع «هووسكورد» للفريقين.

ماذا فعل كلوب؟ تخلص من لاعبين لن يضيفوا للفريق واضعًا حدًا لمأساة بالوتيلي، حدد ببراعة احتياجاته باستثناء الظهير الأيسر، طوّر مفاتيح لعب الفريق واكتسب ثقتهم للدرجة التي دفعت فيرمينيو للاعتقاد أن مدربه سيصنع منه نيمار جديدًا!،

استفاد من أخطاء، صفر أهداف بمرماه تسبب بها الظهير الأيسر خلال آخر مواجهتين. أخيرًا، التمركز الجيد دفاعيًا قبل هجوميًا يمنح جيجن بريسنج ليفربول قوة ضاربة.

هوس جوارديولا الأزرق

الإشارة الأولى التي أطلقها لاعبو السيتي عن استيعابهم لأسلوب «بيب» القائم على محاور اللعب مع الزميل، الاستحواذ، والتمركز ظهرت خلال المباراة الودية مع «بايرن ميونخ» قبل بداية الموسم، السيتي الذي غابت الشخصية عن ملعبه خلال أسابيع «بليجريني» الأخيرة ظهر كفريق متماسك متجانسة خطوطه.

لكن تأكيد تغول أفكار «بيب» المبتكرة بالفريق ظهر واضحًا بل صادمًا خلال مباراته الرسمية الأول، الكتلوني يلعب بالدوري بخطة 4/1/4/1 لكنها سرعان ما تتبدل بسلاسة نحو 3/2/4/1 بانطلاق الظهيرين «سانيا» و«كليتشي» لاحتلال وسط الملعب مع سقوط لاعب الوسط «فيرناندنيو» بين قلبي الدفاع، ووجود دائم لخمسة لاعبين في عمق ملعب الخصم، «جوارديولا» سعى كعادته لتعريض الملعب على الخصم لخلق المساحات؛ لذلك يتحرك «أجويرو» كثيرًا أفقيًا وأحيانًا خارج منطقة الجزاء مما أدى إلى تخفيف الضغط على الأجنحة «نوليتو» و«ستيرلنج» بل منحهم ذلك مواجهات واحد لواحد كهدية أكثر من مرة.

أما الدور الأهم الذي يتطور عبر مباريات الفريق السماوي من نصيب «سيلفا» و«دي بروين»، اللاعبان يشكلان محور أداء الفريق كله حيث يشغلان المساحة بين خط ظهر الخصم ووسط ملعبه بمزيد من أدوار صناعة اللعب وبناء الهجمة لـــــ«سيلفا» الذي يتحرك في مدار الماسة «دايموند»، أما «دي بروين» فإنه يعيش أفضل أيامه على الإطلاق بفضل انطلاقاته لاختراق دفاعات الخصم وانسجامه المفاجئ مع «ستيرلنج» وقدرة «سيلفا» على تحريره من المهام الدفاعية كثيرًا، البلجيكي قد يكون أكثر لاعبي «جوارديولا» حرية بالملعب، أحيانًا موجود على الطرف وأحيانًا بمنطقة الجزاء كمهاجم متأخر.

منذ اللحظة الأولى سعى الكتلوني لاستقطاب مدافع من الطراز الأول لفريقه، تعثرت المفاوضات مع «بونوتشي» لكنه وجد ما يريد في «ستونز» مع «أوتماندي»، خط الظهر ظهر مفاجئًا بسبب صلابته وقدرته على الحد من خطورة المهاجمين سواء بالاختراقات الأرضية أو الكرات العرضية؛ الأمر الذي يعد تطورًا هائلًا للسيتي مقارنة بنهايات الموسم الماضي حين تسبب بخسارة نقاط أكثر من مرة.

أسلوب الاستحواذ على الكرة يتطلب تماسك الفريق ككتلة واحدة وتجنب الانعزال الدفاعي أو الهجومي، ستونز وأتوماندي يحرصان على الارتكاز والمساحات فيما بينهما أو مع الأظهرة كما التحرك المنضبط أفقيًا حين «سقوط فرناندينيو» بينهما.

تتطلب أساليب لعب جوارديولا الكثير من المرونة في تحركات اللاعبين وتعدد أدوارهم.


كيف تشبع نهم الشغوفين بحركة واحدة؟

مانشستر سيتي - جوارديولا
مانشستر سيتي – جوارديولا

عقب مباراة «تشيلسي» انطلق «كلوب» ليعانق كل لاعبي فريقه، ثم دخل المؤتمر الصحفي مجيبًا عن الأسئلة بصيغة الجمع «معًا سنحقق الأفضل»، وأخيرًا عبّر عن سعادته لجودة الكرة التي يؤديها ليفربول الذي أصبح «فريقه الآن».

قبل أسابيع بتصريح رسمي قال الألماني إن على جماهير «ليفربول» أن تبدأ بمحاسبته خلال هذا الدوري فقد حصل على ما يريد من البطولات، قبل هذا التصريح وأثناء معسكر «أمريكا» سألته فتاة صغيرة: «ماذا يعني لك أن تفوز بالدوري مع الريدز؟» فأجاب «كل شيء بالدنيا».

«كلوب» يعرف كيف يفوز بالألقاب بأقل كلفة، تاريخه يؤكد لك ذلك حتى وإن راودتك بعض الشكوك التي تبددها قدرته على التعلم من الأخطاء.

لكن يظل الفوز بالألقاب هو الضمانة الأساسية أن مشروعه يسير بالطريق الصحيح.

http://gty.im/491269825

في خطوة تنطوي تحت الفانتازيا، أقدمت إدارة السيتي على تحضير لقاء يجمع جوارديولا بشكل مفاجئ مع بعض جماهير السيتي، اتفق الجميع على شيء واحد بالرغم من تفاوت أعمارهم أخبروا به مدربهم الجديد في فرصة تتخلى عن الرسميات.

البطولات، فز لنا بالبطولات.

افعل أي شيء، أي شيء في سبيل أن نحصل على الدوري والتشامبيونز ليج، تعاقد مع كروس وإيسكو أو اكتفِ بكلٍ من دي بروين وجوندوجان أو حتى حاول إقناع رونالدو البرازيلي بالعودة للملاعب، المهم أن ننطلق نحو البطولات!

جوارديولا لم ينهزم قط حتى الآن، لم يتعادل حتى، أغلب الصفقات باتت إضافة أساسية لطريقة لعبه، ربما يواجه مشكلات أمام مدربين لا يخسرون بضغطهم الهجومي الكاسح كـمثل كلوب، لكنه وعد من التقاهم بأفضل ما عنده.

المراجع
  1. أرقام وإحصاءيات مباراة ليفربول وليستر سيتي
  2. أرقام إحصاءيات مباراة ليفربول وتشيلسيم