قد نشهد حالات إفلاس إذا لم تتدخل الدولة لإنقاذ الصناعة.

هذا ما قالته مديرة شعبة الأسمنت نهى بكر في حوار لها، يناير الماضي، متحدثة عن أن الأزمة التي تواجه صناعة الأسمنت حاليًا قد تؤدي إلى إعلان بعض الشركات إفلاسها، كما قد تتحول الأزمة إلى فزاعة لطرد الاستثمار الأجنبي الذي وصلت نسبته إلى 52% من حجم استثمارات صناعة الأسمنت في مصر.

عن أسباب عدم تنافسية أسعار الأسمنت المصري مقارنة بالدول الأخرى، قالت نهى بكر، إن سعر الأسمنت المصري أغلى من نظيره في الدول المنافسة، بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج في مصر، ومن أبرز أسباب ارتفاعه، ارتفاع أسعار الطاقة، فضلًا عن فرض ضريبة على الطفلة المستخدمة في تصنيع الأسمنت تسببت في رفع أسعارها بنسبة 35%، وضريبة عقارية على المصانع، وارتفاع ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى 14% خلال السنوات الأخيرة، وزيادة رسوم الطرق، وارتفاع أسعار الفحم بنسبة 200% بسبب تحرير سعر الجنيه أمام الدولار وبسبب ارتفاع سعره بالسوق العالمي.


إغلاق شركات الأسمنت

وفقًا لبيانات 5 شركات أسمنت، فإن مبيعاتها تراجعت خلال الربع الأول من العام الجاري، بسبب زيادة المعروض وانخفاض الطلب المحلي على الأسمنت، مما يعد إنذار خطر على صناعة الأسمنت في مصر. لعل هذا الخطر قد يتضح مداه بعد أن أعلن وزير قطاع الأعمال العام المصري هشام توفيق، إغلاق الشركة القومية للأسمنت بسبب خسائرها السنوية المستمرة والتي تقدر بمليار جنيه مصري. قال الوزير في تصريحات إعلامية إن صافي حقوق المساهمين في الشركة 2.5 مليار جنيه، متمنيًا أن تكفي بيع أصول الشركة لسداد المديونات المستحقة عليها. وأشار إلى أن المصنع مديون لشركة الغاز بمبلغ 4.4 مليار جنيه، و700 مليون جنيه لشركة الكهرباء، وبالتالي لا مجال لإعادة تشغيله. معنى ذلك أن الشركة التى تأسست في عام 1956، انتهت في عام 2018.

لم تكن القومية للأسمنت هي الشركة الأخيرة التي أغلقت بسبب الخسائر؛ فبعدها بشهور قليلة وتحديدًا في 19 مايو،قالت شركة السويس للأسمنت، إن مجلس الإدارة وافق على إيقاف نشاط مصنع أسمنت بورتلاند طره، مؤقتًا، بسبب الخسائر؛ وأن القرار جاء بناء على تدهور النتائج المالية لشركة أسمنت بورتلاند طره المصرية المملوكة بنسبة 66.12% لصالح شركة السويس للأسمنت، حيث تجاوزت خسائرها قيمة حقوق المساهمين. وقالت شركة أسمنت بورتلاند طرة، في بيان منفصل للبورصة، إنها سجلت قيمة سلبية لحقوق المساهمين في 2018 بلغت 196 مليون جنيه، بينما حقق نشاط الأسمنت منفصلاً خسائر بقيمة 37 مليون جنيه في 2018، و72 مليون جنيه خلال الربع الأول من العام الجاري. وتحولت شركة أسمنت السويس للخسارة خلال الربع الأول من العام الجاري، بقيمة 26.4 مليون جنيه، مقابل أرباح بقيمة 243.3 مليون جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي، بحسب البيان.

وأشارت شركة السويس للأسمنت ببيانها، إلى أن سوق الأسمنت يشهد حاليًا زيادة هائلة في العرض تتجاوز 30 مليون طن سنويًا، في مقابل انخفاض الطلب، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار إلى مستويات لا تغطي تكلفة الإنتاج. وذكر تقرير حديث لوحدة الأبحاث في بنك استثمار فاروس أن شركات الأسمنت تواجه ضغوطًا كبيرة في ظل زيادة المعروض وانخفاض الطلب المحلي والصادرات، حيث تراجع الطلب بنسبة 9% ليسجل 12.3 مليون طن في الربع الأول من 2019، مما تسبب في تراجع أسعار المبيعات في الربع الأول بنسبة 5.3%.


تراجع جماعي

ارتفعت خسائر شركة الإسكندرية لأسمنت بورتلاند، بنسبة 123% لتسجل خسائر بقيمة 77.6 مليون جنيه مقابل خسائر بقيمة 34.8 مليون جنيه. كما تظهر نتائج أعمال الشركات المدرجة في البورصة، أن شركة مصر للأسمنت – قنا، حققت تراجعًا في أرباح الربع الأول من العام الجاري بنسبة 80.9%، حيث سجلت صافي ربح 12.05 مليون جنيه مقابل 63.1 مليون جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي. وتراجع ربح شركة العربية للأسمنت، خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 96.3%، وسجلت صافي ربح بقيمة 5.97 مليون جنيه مقابل 162.01 مليون جنيه أرباح خلال نفس الفترة من العام الماضي.

وكذلك تراجعت أرباح شركة مصر بني سويف للأسمنت، بنسبة 76.5% خلال الربع الأول من العام، فسجلت صافي ربح بقيمة 29.53 مليون جنيه مقابل 125.9 مليون جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي.


هل ينقذ التصدير صناعة الأسمنت؟

تحدث بنك استثمار «شعاع» في مذكرة بحثية حديثة، عن ضرورة توسع شركات الأسمنت المصرية، في التصدير لأفريقيا، من أجل تصريف جزء من الفائض الكبير في السوق المحلي، وأن صادرات الأسمنت مثلت ما نسبته 1.2% من إجمالي الكميات المنتجة في الربع الأول من 2019، وما يعادل 0.8% فقط من الطاقات التشغيلية. وتابع: «نلاحظ أن أسواق التصدير التقليدية المحتملة مثل اليمن وسوريا والعراق وفلسطين لم يتم العمل على التواجد بها بعد، ومع ذلك لا تتمتع مصر حاليًا بميزة نسبية في هذه الأسواق مقارنة بتركيا وإيران والسعودية نظرًا للتكلفة والأسعار الحالية في السوق المحلية».

وذكر تقرير شعاع أن «التصدير أمر لا بد منه»، مؤكدًا ضرورة أن يجد مصدر والأسمنت مكانـًا لهم في أفريقيا، حيث هناك فرصة في شرق أفريقيا مع وصول معدل الاستهلاك إلى 33.9 مليون طن في عام 2018، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 37.6 مليون طن في 2020، بينما بلغ إجمالي الطاقة الإنتاجية هناك 21 مليون طن سنويًا، بفجوة 13 مليون طن في عام 2018.

في المقابل يرى أحمد سليمان، محلل قطاع الصناعات ببنك استثمار سي آي كابيتال، أن التصدير ليس حلًا لأزمة قطاع الأسمنت المصري، في ظل وجود فائض إنتاجي كبير في المنطقة المحيطة بمصر، واصفًا سوق وسعر التصدير بأنه «غير واعد».


هل تتحرك الحكومة؟

عقد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، اجتماعا في 21 يوليو الجاري، لبحث مقترحات دعم صناعة الأسمنت فى مصر، بحضور وزير التجارة والصناعة، ومدحت إسطفانوس، رئيس شعبة صناعة الأسمنت، وعدد من المسئولين. وانتهى الاجتماع إلى الاتفاق على تشجيع عقد الاتفاقيات الثنائية مع دول أفريقيا، لتصدير الأسمنت إليها، كما أكد مسئولو البنك المركزى خلال الاجتماع أن هناك توجيهًا لجميع البنوك لدعم شركات ومصانع الأسمنت، بحيث يتم إعادة جدولة مديونيات هذه الشركات والمصانع.

لكن مع تراجع أسهم قطاع الأسمنت بنسبة 12% في شهر واحد، ومع توقعات بارتفاع أسعار العقارات بنسبة قد تصل إلى 30% نهاية العام الجاري، يبدو أن تحرك الحكومة لتصدير الأسمنت لن يكون الحل الأمثل لإنقاذ صناعة الأسمنت في مصر.