عثر عمال النظافة في شارع غرينديل في ضاحية جرينيتش بسيدني على جثّة متحللة، عليها طبقات من مواد التحنيط، خلال قيامهم بعملهم في تنظيف منزل بروس روبرتس بعد وفاته.واعتقدت الشرطة أن الجثة ظلت لأكثر من عشرة أعوام في المنزل الذي اكتنز صاحبه كثيرًا من الأشياء. بعد وفاته، وصف الجيران روبرتس بأنه كان يرتدي سترته البنية باستمرار ولا يغيرها. وكان غريبًا؛ لا يملك أيًا من تعبيرات الوجه العادية للبشر، ولكن إذا ما تعاملت معه وجدته طفلًا، يعيش في منزله الصغير سنوات، لكن يبدو أنه احتاج لمنزل أوسع، فأشياؤه تظهر من الشباك وأكياس القمامة تملأ الحديقة، وأجمع الجيران على أنه كان شخصًا حزينًا ووحيدًا.


لماذا يحتفظ شخص بجثة في منزله هذه المدة؟

تم تفسير حادث العثور على جثة متحللة بأن روبرتس كان يعاني من «اضطراب الاكتناز»، والمصابون بهذا الاضطراب هم أشخاص يمتنعون عن التفريط في ممتلكاتهم عديمة الفائدة بسهولة، حتى تشكل عبئًا عليهم، فهي تملأ كل أركان المنزل، في المطبخ وغرفة النوم وعلى الأرائك والأسرّة، حتى لا يصبح هناك مساحة لمد الأرجل، ورغم ذلك فإن التخلي عن أي شيء في المنزل هو من المستحيل بالنسبة إليهم، حتى وإن كان فارغًا أو فاسدًا، مما قد يشكل خطرًا يتعدى أزمة ضيق المساحات.ويجب هنا توضيح أن «الاكتناز» لا يشبه أبدًا جمع عناصر محددة، مثل الطوابع أو التحف أو أعداد نادرة من الصحف ثم تنظيمها وعرضها أو بيعها، فإن مصابي «اضطراب الاكتناز» يحتفظون بالأشياء بعشوائية، ويخزنونها بعشوائية، وفي العادة تكون هذه الأشياء ليست ذات قيمة، وليس هناك سبب لوجودها لديهم، إلا أنها في الحقيقة توفر لهم الشعور بالأمان.ويصيب «اضطراب الاكتناز» ما بين 2% و6% من الأشخاص، ويتبعه غالبًا القلق والتوتر والاكتئاب، وقد أظهرت نتائج عدة أبحاث انتشار اضطراب الاكتناز بين الذكور أكثر من الإناث، وأنه شائع في المرحلة العمرية من 55 وحتى 94 عامًا، بنسبة تزيد ثلاثة أضعاف عنه لدى البالغين من عمر 34 وحتى 44 عامًا.وبالإضافة إلى الأبعاد الأساسية لمرض «اضطراب الاكتناز»، فإن المصاب به يعاني أيضًا عدم القدرة على الانتباه، ووسواس عدم الاتساق والتشتت والتسويف، وتتضرر علاقاته الاجتماعية وعمله وحياته الطبيعية بما يعاني منه، و يتسبب في الحرائق، ومخاطر التعثر، وانتهاكات لقانون الصحة، وأذى بأفراد الأسرة التي تعيش مع المريض بنفس المنزل، وينتهي الأمر بالعزلة والوحدة، وعدم وجود فرصة لزيارة أي شخص لهذا المخزن الكبير.


من أين تأتي الرغبة في اكتناز الأشياء؟

إن سبب الإصابةبـ«اضطراب الاكتناز» ما زال مجهولًا، إلا أن بعض الأبحاث أرجعته لعوامل وراثية، وخلل في الوظائف المعرفية والدماغية، وهو أمر محتمل، لكن يصاحبه عوامل بيئية وأسرية عدة، فتبدأ أعراض «اضطراب الاكتناز» في مراحل مبكرة جدًا من العمر، فهو اضطراب مزمن وتدريجي، لذا هو أكثر شيوعًا عند كبار السن عنه في صغار السن.ويبدأ ا لاكتناز كرغبة تتولد عند الأطفال في الأوقات التي لا يكون فيها الأب والأم متاحيْن، لذا يلجأ الأطفال إلى الدُمى للشعور بالأمان. وبمرور الوقت، وعندما يصبح اللجوء إلى الدُمى والأهل ضعفًا وعجزًا وطفولية، يستبدل الشخص الراشد ذلك بشراء أشياء لا يحتاج لها ويحتفظ بالبرطمانات الفارغة والملابس البالية، والكتب سيئة الترجمة، والصحف القديمة، وأظرف الخطابات، وعلب الهدايا، والنباتات الميتة، خوفًا من أن يشعر بالفراغ من دونهم.لذلك، تفترس أعراض الاضطراب المرضى كبار السن الوحيدين في المنزل، فهناك دراسات تشير إلى أن انعدام الشعور بالأمان، والفشل في توجيه المشاعر العاطفية، وأساليب التفكير الخاطئة، من أسباب الإصابة بالاضطراب، وأشار أشخاص يعانون من اضطراب الاكتناز إلى أن جمعهم للمال يساعدهم، ويشعرهم بمزيد من الأمان، ويعوضهم عن شعورهم بالحرمان العاطفي.


كيف نتعرف على المرض؟

هناك بعض العلامات التي قد تظهر على الأطفال والمراهقين في سلوكياتهم وحبهم للاكتناز قد تبدو بسيطة، ثم تبدو غريبة بمرور العمر، وظاهرة في مرحلة الشباب، ولكن على الأسرة التدخل قبل أن يتقدم بهم العمر وقبل أن يتطور حب الاكتناز إلى اضطراب يشكل تهديدًا للحياة، ومن هذه الإشارات: 1. صعوبة في التخلص من الأشياء، برميها أو بيعها أو إعادة تدويرها.2. الشعور بضيق شديد عند التفكير بفقدان الأشياء.3. صعوبة الحركة في المنزل أو المكتب لكثرة الأشياء في أنحائه.4. تزايد مستمر في الكمية وهذا بالنسبة للدوريات كالصحف والمجلات، والعينات المجانية.5. أصبحت الأشياء تشغل حيزًا من السرير والمطبخ والحمام.6. مشكلة في التنظيم والتصنيف والاستمرار في نقل الأشياء من مكان لآخر دون ترتيب.7. مشكلة في اتخاذ القرار وتحديد المفيد وغير المفيد.8. إدمان التسوق، وجمع الأشياء المجانية من المحلات.9. تلك الفوضى التي تمنع من استخدام المنزل للغرض المقصود منه وتحوله لمثل مخزن كبير.10. التأكد من أن شيئًا معينًا مثل اللبس القديم سيكون مفيدًا على الرغم من وجود ملابس أخرى جديدة بالمنزل لم يتم استخدامها لغرضها.


كيف أساعد نفسي؟

هناك فرص لاضطراب الاكتناز لأن يتطور ويؤذي صاحبه نفسيًا بأن يصيبه بـ«الفُصام»، أو ربما يصيبه جسديًا بالأمراض والجروح وربما الموت، مع درجات الاضطراب العنيفة، والاحتفاظ بأشياء فاسدة تؤثر على نقاء الهواء وصحة القلب. وبدرجة كبيرة، يتسبب الاكتناز في الحرائق، فترتبط ثلث حالات الحرائق في أستراليا باضطراب الاكتناز، لذا يجب السعي لعلاجه فور اكتشافه، ومعرفة أن خطة العلاج قد تأخذ وقتًا طويلًا، ويحتاج لجهد من المريض ومن أحبائه.بالنسبة للمريض، فإن مجرد التفكير في التخلص من كل الأشياء القديمة يشعره بالقلق الشديد، ويعزز حاجتَه إلى ممتلكاته الاعتقادُ بأنه سيحتاجها. ولكن يمكن تحدي هذه المعتقدات بالتدرب على كيفية مقاومة التنبيه الزائف الذي سيتردد بمجرد التفكير في التخلص من بعض الأشياء، وتعلّم فرز الأشياء حسب الحاجة، وتنظيم المفيد والتخلص من التالف، وتحسين العلاقات الضعيفة مع المحيطين، والخروج من دائرة الانفصال الاجتماعي، وتحسين نوعية الحياة، وطلب المساعدة على ذلك من المقربين، واختيار مجموعة دعم، والتحدث عن المشكلة، والمواظبة على حضور جلسات العلاج الجماعي بمساعدة طبيب مختص.


كيف أساعد شخصًا أحبه؟

تدعم العلاجات الجديدة خططًا يساعد فيها أفراد الأسرة المريض، وبعد ذلك سيكون هناك أمل في العودة للحياة الطبيعية والتقليل من احتمالات العودة للاختزان والفوضى، وعلى من يرغبون في المساعدة ولكن يشعرون بالعجز تجاه من يحبون، فالخطوات الأولى في طريق العلاج هي القراءة حول اضطراب الاكتناز، والوصول لمواد علمية موثوق بها، وفهم أكثر للحالة، وتقييم مرحلة الاضطراب. بعد ذلك يمكن أن يستمعوا للمريض، ومحاولة فهم أسباب عدم قدرته على التخلص من الفوضى، سواء كان السبب عاطفيًا، أو حفظًا من أجل فائدة لاحقة في المستقبل، ومن ثم مساعدتهم على التنظيم وإعادة استخدام للأشياء. خلال القيام بهذا الدور الحسن، على الشخص الذي تطوع بالمساعدة أو أفراد أسرة المصاب، ألا ينتهكوا حقه في الدخول لمنزله وتنظيمه ورمي المهملات، لسبب أن اضطراب الاكتناز هو مرض عقلي لن يساعد في الشفاء منه مثل هذا التصرف، بل هو يحتاج لحل طويل الأمد لكي لا يعود الشخص للاكتناز مرة أخرى، فهو يحتاج لعلاج للمشكلة الأساسية، وإذا أصر أحد أفراد الأسرة على القيام بذلك فعليه معرفة أنه بذلك يفسد الروابط الأسرية ويمزق أواصر الثقة، ويؤخر علاج المريض ويعجل احتمالية إصابته بالاكتئاب أو الإقدام على الانتحار.