قراءة في التغيير الوزاري الجديد في السعودية

لم يكد الوزراء الذين عينهم الملك عبد الله قبيل دخوله الأخير إلى المشفى يستقرون على مقاعدهم في وزاراتهم الجديدة إلا وباغتهم الملك سلمان بالتغيير الوزاري الواسع الذي أجراه الليلة الماضية ..

أتى التغيير الجديد – الذي تضمن أيضا تغييرا في إمارات المناطق وتعيينات جديدة في الديوان الملكي – استكمالا لخط تغيير رجال الملك عبد الله وإحلال شخصيات مقربة من الملك سلمان محلها ..


توازن القوى .. لا تغيير

أبقى التشكيل الوزاري الجديد على توازن القوى التقليدي – والحساس للغاية – في الوزارات العسكرية (الداخلية والدفاع والحرس الوطني) كما هو. فاستمر محمد بن نايف وزيرا للداخلية مكان أبيه إضافة إلى منصبه الجديد والأهم كولي لولي العهد مستهلا بهذا دور جيل الأحفاد في تسلسل العرش السعودي. كذلك وزير الدفاع الجديد هو محمد بن سلمان الذي حل محل والده (الملك سلمان) في الوزارة جامعا إليها منصبه الحيوي الجديد كرئيس للديوان الملكي ، المنصبان معا يجعلان محمد بن سلمان أحد أهم عناوين الحكم في السعودية في المرحلة المقبلة.

جدير بالذكر أن الملك سلمان كان قد تولى بدوره وزارة الدفاع إبان عهد الملك عبد الله إثر وفاة أخيه الشقيق الأمير سلطان ، الرجل الذي استمر وزيرا للدفاع خمسين عاما متصلة !!

بهذا بقيت وزارتي الداخلية والدفاع في قبضة السديريين بينما احتفظ ابن الملك عبد الله (متعب) بالحرس الوطني الذي تحول إلى وزارة في عهد أبيه الملك عبد الله .

أبقى التشكيل الوزاري الجديد على توازن القوى التقليدي – والحساس للغاية – في الوزارات العسكرية كما هو

كذلك بقي سعود الفيصل وزير الخارجية المخضرم في منصبه قاطعا بذلك تكهنات باحتمال إقالته (لأسباب صحية) لاسيما بعد بيان الديوان الملكي الأخير حول العملية التي أجراها في الولايات المتحدة، ليعاصر بهذا أربعة ملوك هم خالد وفهد وعبد الله والآن سلمان.

إضافة للوزارات السيادية المذكورة جدد الملك سلمان ثقته بوزيري آل سعود البيروقراطيين العتيدين : العساف – وزير المالية – والنعيمي – وزير البترول والثروة المعدنية – في رئاسة وزارتيهما الحيويتين حيث سيواجه الوزيران تحديات حقيقية في ظل واقع أسعار النفط الجديدة التي هوت إلى أقل من النصف في عام واحد بعد ما يربو على عقد من الازدهار.


رجال سلمان الجدد

التشكيل الوزاري الأخير الذي أصدره الملك عبد الله قبيل وفاته بأسابيع قليلة كان الأول من نوعه منذ أكثر من خمسين عاما في خلوه من أي شخصية تنتمي لعائلة آل الشيخ (أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب) النافذة في المؤسستين الدينية والقضائية. هذه الظاهرة لم تستمر طويلا إذ سرعان ما أعاد الملك سلمان صالح آل الشيخ إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف مقيلا بذلك سليمان أبا الخيل الرجل الذي شغل سابقا رئاسة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية واشتهر بالضجة التي أثارها بتنظيمه مؤتمرا خاصا في الجامعة للهجوم على تركيا وأردوغان واصفا تركيا بأنها “دولة فاسقة فاسدة فاجرة … من أبعد الدول عن دين الله ومن أشد الدول عداوة للعقيدة السلفية الصحيحة” الأمر الذي تلاه تعيين الملك عبد الله لأبا الخيل وزيرا.

تعد هذه التغييرات بالإضافة إلى التغيير في رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كنوع من المصالحة للتيار المحافظ بعد النهج الذي اشتهر به الملك عبد الله – ورئيس ديوانه خالد التويجري – من تقريب تيار الليبراليين الجدد على حساب المحافظين.

أتت إقالة خالد الفيصل الذي يعد الأب الروحي لتيار الليبراليين الجدد والداعم الأساسي لهم من وزارة التربية التعليم وإلغاء (اللجنة العليا لسياسة التعليم) لتصبان في هذا الاتجاه أيضا. خالد الفيصل الأمير الذي دأب – مباشرة أو من خلال الكتاب ذوي الميول العلمانية في صحيفة الوطن التي يمتلكها – على استثارة التيار المحافظ بمهاجمة المخيمات الصيفية والجمعيات الخيرية والدعوية في المملكة ، وإعلانه إبان توليه للوزارة عزمه تغيير المناهج في السعودية من خلال (اللجنة العليا لسياسة التعليم) واصفا مناهج التعليم الحالية بأنها “تحمل فكرا متطرفا خفيا” معزيا ذلك إلى أن “المتطرفين تغلغلوا في وزارة التربية والتعليم” بحسب وصفه.

من الجدير بالذكر أيضا أن لمسات يد محمد بن سلمان في التغيير الوزاري الأخير بدت واضحة لا سيما مع تجليها في دمج وزارتي التعليم والتعليم العالي وإسنادهما لعزام الدخيل الرجل الذي كان يشغل رئاسة مؤسسة الأمير محمد بن سلمان “مسك الخيرية” وعمل سابقا كرئيس تنفيذي للمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق والتي تعد مملوكة لأبناء الملك سلمان.

كذلك وزير الإعلام الجديد عادل الطريفي – المدير العام السابق لقناة العربية المقربة من النظام السعودي- كان قد سبق له العمل في عدد من الصحف منها عمله رئيسا لتحرير صحيفة الشرق الأوسط المملوكة للمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق.

تضمنت التغييرات أيضا إقالة الأمير منصور بن متعب من وزارة الشؤون البلدية والقروية وتعيينه كمستشار للملك سلمان بمرتبة وزير ، وليس معلوما بالتحديد إن كان هذا تقريبا لمنصور بن متعب من دائرة صنع القرار ، أم أنه مجرد صورة لطيفة للإطاحة به من الوزارة التي تولاها خلفا لأبيه متعب بن عبد العزيز والذي كان يشغل رئاستها بدوره لأكثر من ربع قرن.

الأمير عبد العزيز بن سطام بن عبد العزيز أيضا تم تعيينه كمستشار للملك سلمان بمرتبة وزير ويعد هذا إدماجا لجيل الأحفاد في مركز القرار المحيط بالملك خاصة وأن والده سطام بن عبد العزيز كان من الأمراء المقربين للغاية للملك سلمان وعمل نائبا له لما يزيد على نصف قرن.


الإطاحة برجال عبد الله

التشكيل الوزاري الأخير الذي أصدره الملك عبد الله قبيل وفاته بأسابيع قليلة كان الأول من نوعه منذ أكثر من خمسين عاما في خلوه من أي شخصية تنتمي لعائلة آل الشيخ

لم تقتصر التغييرات التي أصدرها الملك سلمان على التشكيل الوزاري فحسب، بل تضمن أيضا عزل اثنين من أبناء الملك عبد الله من إمارة منطقتي الرياض ومكة المكرمة (اثنان من أهم المناطق في المملكة بالطبع) اللتين أسندتا للأميرين فيصل بن بندر و خالد الفيصل الأمر الذي يبدو كترضية للأخير إثر إقالته من وزارة التعليم ، لاسيما وأنه يمثل صوت أبناء الملك فيصل في هيئة البيعة.

شملت التغييرات كذلك إقالة رجلي الملك عبد الله المقربين في المخابرات ومجلس الأمن الوطني خالد بن بندر و بندر بن سلطان. الأخير اشتهر بأنه المشرف على تنفيذ سياسات الملك عبد الله في الخارج خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية وأحداث “الربيع العربي” و”الثورات المضادة”.

تم اتخاذ هذه التغييرات بسرعة وبشكل عاجل قبل حتى أن تبرد جثة الملك عبد الله في قبره ، الأمر الذي يشير إلى استهلال مرحلة جديدة في تاريخ المملكة

التعيينات والتغييرات التي شملت كذلك إقالة المقربين من خالد التويجري – حاجب الملك عبد الله ومستشاره الأمين – في الهيئات والوزارات المختلفة ، كعبد العزيز التويجري الذي كان يعمل رئيسا لمؤسسة الموانئ، وإلغاء عدد من الهيئات واللجان العليا تأتي في السياق المستمر لإعادة توزيع مراكز السلطة وسحب البساط من تحت أقدام رجال الملك عبد الله وخالد التويجري لصالح المقربين من جناح الملك سلمان وأشقاؤه السديريين.

الملاحظ أن هذه التغييرات تم اتخاذها بسرعة وبشكل عاجل قبل حتى أن تبرد جثة الملك عبد الله في قبره ، الأمر الذي يشير إلى استهلال مرحلة جديدة في تاريخ المملكة المحاطة بالأزمات جراء أسعار النفط التي انخفضت إلى مستويات متدنية للغاية مما سيسبب عجزا كبيرا في ميزانية المملكة لأول مرة منذ سنوات طويلة – بعد إخفاقها في الاستفادة بشكل حقيقي من طفرة أسعار النفط إبان عهد الملك عبد الله – بالإضافة إلى التعقيدات الإقليمية في ظل الأزمة السورية واستيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن والحرب على الإرهاب.