يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم.
المادة 63 من الدستور المصري.

استيقظت مصر نهاية فبراير 2017 على خبر النزوح القسري للعشرات من الأسر من مدينة العريش المصرية، وذلك في أعقاب عدد من عمليات القتل التي استهدفت أقباط العريش لإجبارهم على النزوح.ورغم حالة الغضب التي اجتاحت الشعب المصري جراء التهجير، إلا أن المؤكد أن تنظيم «داعش» لم يكن الأول في إجبار المسيحيين في مصر على النزوح القسري، بل سبقه إلى ذلك جلسات الصلح العرفي التي كانت تجرى عقب كل فتنة طائفية، وينتج عنها في الأغلب الحكم بتهجير الأقباط وذلك برعاية قوات الأمن التي تعرف بأمر الجلسات وتبلغ بالأحكام، هذا إذا لم يحضر ممثل لها الجلسة.


المنيا 2011: الفيسبوك سبب للتهجير

في أكتوبر/تشرين الأول 2011،كانت قرية «عزبة شاكر» بمحافظة المنيا على موعد مع فتنة طائفية، سببها صورة مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم على حساب أحد أبناء أقباط القرية العاملين بالغردقة ويدعى نور عماد صليب، ورغم أن «نور» لم يكن ناشر الصورة بل أحد أصدقائه، وقام بالإشارة له فيها فقط، إلا أن هذا لم يكن كافيًا لدى أهل قريته.انتفضت القرية بالكامل ضد عائلة الشاب التي ما زالت مقيمة في القرية، وذلك بعد ثلاثة أيام من نشر الصورة، وقام أهل القرية الغاضبين بمهاجمة منزل عماد صليب والد نور، وعقب سيطرة الأمن على الوضع دعا مأمور مركز مطاي إلى جلسة صلح عرفية، انتهت بتغريم عماد مائة ألف جنيه، إلا أن هذا الحكم لم يُرضِ أهل القرية الغاضبين فتم تعديله بتهجير العائلة المكونة من 21 فردًا من القرية.ما حدث مع عماد وعائلته تكرر أيضًا في مايو/ أيار 2015 بقرية «كفر درويش» بجنوب بني سويف، حيث انتشرت شائعة مفادها أن أيمن يوسف مقار، أحد أبناء القرية المسافر للأردن، نشر صور مسيئة للإسلام على حسابه عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك؛ مما تسبب في أحداث عنف طالت المسيحيين الموجودين بالقرية؛ ليتم عقد جلسة عرفية كان حكمها الأول هو غرامة 50 ألف جنيه على عائلة مقار.الحكم الاول لم يُرضِ شباب القرية الغاضبين الذين أعلنوا غضبهم من الحكم وقاموا بمهاجمة منزل عائلة مقار، بعدها تم الحكم بتهجير 5 عائلات مسيحية من القرية، وبعد أن التقط الإعلام الخبر وتحدث بعض أفراد العائلة في مداخلات هاتفية -دافعوا فيها عن أنفسهم- تجددت موجة جديدة من التخريب طالت هذه المرة الأراضي الزراعية، وتسببت في اهتمام الرأي العام بما يجري في القرية، لتعقد جلسة صلح رابعة عادت فيها عائلة مقار من مغاغة بالمنيا لقريتهم، وإن التزموا الصمت حتى لا تعود النار للاشتعال من جديد.


الإسكندرية 2013: خطأ فرد يدفع ثمنه الجميع

ومن الصعيد إلى الاسكندرية، حيث وقعت إحدى أبرز الفتن الطائفية التي حظيت بالتغطية الإعلامية بقرية شربات بمركز العامرية في شباط 2013، وذلك بعد انتشار فيديو لشاب مسيحي، مراد سامي جرجس ويعمل خياطًا، في وضع مخل مع امرأة مسلمة متزوجة، وعلى إثر ذلك انتشرت أحداث العنف في القرية لتطول عددًا من الأقباط، حيث تم إحراق منزل الترزي وعدد من المحلات المملوكة للأقباط. وتحت رعاية رئيس المباحث الجنائية بالإسكندرية، تشكلت الجلسة العرفية لتنتهي إلى تهجير 8 عائلات مسيحية، وتشكيل لجنة لبيع ممتلكات العائلات الثمانية، وذلك رغم القبض على مراد وتحويل ملف القضية للنيابة.وتسبب الحكم العرفي الذي تم نشره في الصحف إلى حالة من الجدل حول سيادة القانون، وتم مناقشته بالبرلمان المصري حينها خاصة مع حضور نائب بالبرلمان الجلسة العرفية.


المطرية 2014: التهجير في قلب القاهرة

وفي المطرية بقلب العاصمة المصرية القاهرة، وقعت مشادة كان طرفاها شاب من عائلة مسلمة تدعى عائلة الصمدية، والطرف الثاني شاب من عائلة قبطية تدعى عائلة هتلر؛ بسبب خلافات الجيرة العادية.تطورت المشاجرة إلى استنفار ديني بين الأقباط والمسلمين، وتسببت في إطلاق عائلة هتلر الرصاص عشوائيًا ليقتل مسلم ويصاب 8 آخرون، وذلك في فبراير/شباط 2014.عقب هذه الأحداث ألقت قوات الأمن القبض على 13 شخصًا من عائلة هتلر وعائلة قبطية أخرى، وطلبت من باقي أفراد العائلة إغلاق محلاتهم ومنازلهم وترك المنطقة، وبعد 4 شهور في يونيو/حزيران تم عقد جلسة صلح عرفية كان حكمها تقديم الدية وهي مائة ناقة، و5 عجول، والتبرع بقطعة أرض تزيد عن 240 مترًا ومليون جنيه لإنشاء مسجد ودار أيتام، على أن تقدم عائلة هتلر 5 أكفان للعائلة المسلمة، وترك المطرية وتصفية ممتلكاتهم خلال 6 أشهر.ورغم الحكم بقبول الدية فلم يتم الحكم بتنازل العائلة المسلمة عن القضية المنظورة أمام المحاكم.


طامية 2015: تهجير مقترن بجريمة قتل

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، شهدت مدينة طامية بالفيوم حالة تهجير اقترنت بجريمة قتل، والسبب علاقة بين شاب وفتاة.وبدأت القصة بهروب سيدة متزوجة من أهلها واعتناقها المسيحية للزواج من جار لها، وبعد 3 سنوات عاد الشاب لزيارة أهله ومعه زوجته التي خلعت الحجاب، فشاهدتها ابنتها التي أبلغت جدها بأنها رأت أمها بمنزل الجيران، فقام والدها بإخفائها عند شقيقها في الخصوص في محافظة القليوبية خوفًا عليها من أعمامها وأبنائهم، الذين أصروا على قتلها، وظلت مختبئة عند شقيقها لمدة 10 أيام إلى أن ذهب عمها ونجلاه وأحضروها بالقوة وذبحوها في اليوم التالي.وتحت رعاية المحافظ خرجت أسرة الشاب المسيحي من القرية، بعد جلسة صلح عرفي انتهت إلى تهجير الأسرة وبيع بيتهم خلال أسبوعين وعدم العودة إلى القرية مرة أخرى، وهو ما وافقت عليه الأسرة خوفًا، خاصة مع هروب الزوج بنجليه من زوجته المقتولة.


الأمن يختار التهجير كحل أمثل

حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة. ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال المبينة في القانون.
المادة 62 من الدستور المصري

وفي دراسة تحت عنوان «في عرف من؟» رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الجلسات العرفية ودورها في انتهاك الحقوق الأساسية للطرف الأضعف في الخصومة، وكذلك دورها في النزاعات الطائفية ودور الأمن في تكريس الجلسات العرفية كبديل قبلي للنظام القضائي.

ورصدت الدراسة أحكام الجلسات العرفية في 45 حالة اعتداء طائفي منذ 25 يناير 2011 وحتى آخر 2014، ليس بينها الاعتداءات التي أعقبت فض رابعة، وكان حكم التهجير هو الأغلب.وقالت المبادرة المصرية في دراستها إن ضعف مؤسسات الدولة وعجزها عن القيام بوظيفتها في حماية السلم الاجتماعي وحياة وممتلكات المواطنين يؤدي إلى لجوء قطاع من المواطنين إلى هذه الجلسات كأسلوب لحل النزاعات وتسوية الخلافات، خوفًا من تفاقمها وتداعياتها، خصوصًا في ظل مظاهر وأشكال التوتر الطائفي والديني المنتشرة في عديد من محافظات الجمهورية.وأضافت المبادرة المصرية أن الأجهزة الأمنية لعبت أدوارًا مختلفة، بداية من المشاركة الشرفية، ومرورًا بعقد الجلسات بمقار أقسام الشرطة أو مديريات الأمن، انتهاءً بالرعاية الكاملة والمشاركة في صنع قرارات الجلسات. وفي بعض الجلسات صدرت قرارات مخالفة للقانون، تتضمن انتهاكات واضحة لحقوق الطرف الأضعف. من جانبه قال الباحث بشئون الأقليات بالمفوضية للحقوق والحريات، مينا ثابت، إن هناك أوجه للتشابه بين التهجير القسري لأسر العريش وبين التهجير الناتج عن الجلسات العرفية، أهمها هو عدم وجود بيئة آمنة للأقباط، ولكن الاختلاف يكمن في مصدر الخطر ودرجته، فالأول كان نوع الخطر استهداف الأقباط من قبل الجماعات الإرهابية وتعدد حالات القتل في فترة قصيرة، بينما في حالات الفتنة الطائفية والجلسات العرفية فالبيئة غير الآمنة متمثلة في العنف المجتمعي.وأضاف ثابت أن حالات التهجير الناتجة عن الجلسات العرفية يوجد بها إدارة للعنف، فهو عنف تحت السيطرة. كما أن الجلسات العرفية تمثل أداة لإدارته وتوجيهه لأشخاص بعينهم بدلاً من أن يطال الجميع، رغم أن الأشخاص الذين يقع عليهم العنف وتوجهه تجاههم هم في الأغلب ضحايا.وأشار ثابت أن الأمن كان يرعى الجلسات العرفية ويتم تنحية القانون، وبدلاً من أن يحمي الأمن الضحايا أصبح يطلب منهم الرحيل حتى لا يتم إيذاؤهم.