عندما بدأنا، كان يُنظر إلى لعبة الفيديو كهواية، وأحد إنجازاتنا هو النجاح في صنع كيان ثقافي مثل الموسيقى والسينما.
جيم ريان، الرئيس التنفيذي لسوني

«أنا حاجز نيكست يا كابتن»… «مفيش لعب بوازيك»… «أنا بلعب ببرشلونة واشتريت أبو تريكة»… ربما هذه بعض العبارات التي تحتضننا حالة من النوستالجيا والحنين، المرتبطين بجهاز ألعاب ارتبطنا به كثيرًا، وعاصر معنا سنوات ومواقف مهمة في حياتنا… إنه البلايستيشن PlayStation، الذي نحتفل بمرور خمسة وعشرين عامًا من عمرنا معه.


تاريخ البلايستيشن

مثّلت التسعينيات العقد الثوري لألعاب الفيديو، حيث انتقلت من الرموز المتحركة إلى الرسومات ثنائية الأبعاد ثم ثلاثية الأبعاد، وأصبحت أجهزة الألعاب أكثر شعبية، في ظل التنافس بين إصدارات Atari 2600 وSega Saturn وNintendo family، حتى دخلت Sony هذا السوق بقيادة المهندس «كين كوتارجي» الأب الروحي لـ PlayStation، والذي بدأ مسيرته بتصميم رقاقة صوت لـ Super Nintendo، ليقود بشركته تغيير الصناعة.

في أوائل التسعينيات، رفضت Sega مشاركة Sony في تطوير جهاز ألعاب، فكشفت Sony عام 1991 أنها تعمل مع Nintendo على إصدار جهاز جديد، إلا أن Nintendo انسحبت من الشراكة، وواصلت Sony العمل ليتم الإعلان عن PlayStation من Sony، بمحرك أقراص CD-ROM، ووحدة تحكم ذات تصميم ثلاثي الأبعاد، يتناسب مع الصور ثلاثية الأبعاد للألعاب.

وفي 3 ديسمبر/كانون الأول 1994، أطلقت Sony أول جهاز PlayStation في اليابان، وبعد 11 شهرًا سافر إلى جميع أنحاء العالم، مدفوعًا بنجاح كبير في اليابان، وسعر أقل من 300 دولار، وهو ما أدى إلى تضاعف المبيعات، ليصبح الجهاز الأكثر مبيعًا، بأكثر من 100 مليون وحدة، لتهيمن «الملكة Sony» على عرش Nintendo، ذلك الملك المتوّج منذ الثمانينيات على سوق الألعاب.

لقد غيّر PlayStation عالم الألعاب برسومات ثورية، وطريقة لعب حيوية، وعوالم افتراضية أمتع،فكان بمثابة صندوق صغير رمادي اللون، يحمل حيلاً إلكترونية يابانية، أدى إلى ولادة ظاهرة الألعاب العالمية التي غيرت عالم الترفيه. كما حظي الجهاز بشعبية كبيرة؛ ربما لأنه أعاد انتشار فكرة الألعاب الجماعية ذات الشعبية، مثل «الكوتشينة»، وبنك الحظ، والشطرنج، والسبع طوبات، و«الاستغماية»، والحجلة، والكرة الشراب، والبلي، والقطة العامية، والنحلة (الدبور)، والطائرات الورقية، وكلها ألعاب كانت تجمعنا، وتنمي مهاراتنا، وتزيد التواصل والتفاعل والألفة بيننا، ليحل PlayStation محلها بتطوره ومؤثراته الصوتية والحركية.


تطوير الصناعة

بخلاف الخراطيش (16 بت) والتي كانت تعمل بها أنظمة Nintendo، فإن Sony اختارت أقراص CD-ROM التي تميزت برخص الثمن، وسعة التخزين، وسهولة وحدة التحكم، فاستقطبت مُطوري الألعاب واللاعبين، ودفعت المبيعات إلى ملايين الدولارات بجهازها الأول، وعام 2000، ظهر PlayStation 2، بسعة أقراص DVD، وصار الأكثر مبيعًا بحوالي 150 مليون وحدة عالميًا، وفي 2004 ظهر PSP محمول.

هيمنت اليابان على عقد التسعينيات، حيث كانت تُصنّع وتمتلك أفضل الأجهزة، وأكثر وحدات التحكم تطورًا، وأمهر المطورين، وأكبر الألعاب، وفي عام 2002 شكّلت اليابان 50٪ من سوق ألعاب الفيديو العالمية.

بعدها بدأت الأذواق تتغير، وازدادت شعبية الألعاب الحربية الأمريكية، ومن هنا بدأ الخطر، في ظل ركود سوق الألعاب المحلية، وضعف قدرة الشركات على المنافسة، وارتفاع تكاليف التطوير إلى ملايين الدولارات، فبرزت التقنيات الأمريكية كمنافس قوي لهيمنة العمالقة اليابانيين، مما أدى إلى تدمير Sega، وصعود الشركات الأمريكية ذات الميزانيات الضخمة، وفرص العمل المغرية للمطورين، وعلى رأسها Electronic Arts.

وفي 2010 ظهر PS3 ، بنظام Blu-ray يتصل بالإنترنت، لتثبت Sony قدرتها على مواكبة الأجيال وتحقيق الابتكار، ويثبت اليابانيون أنهم ملوك الألعاب، من خلال مبيعات PS3، وهيمنة Nintendo Wii، وكفاح الشركات الأخرى، مثل Konami.

بعدها بسنوات قليلة ازدهرت الهواتف الذكية، والألعاب الجماعية عبر الإنترنت، لتقف مبيعات PS3 عند ما يقارب 5 ملايين وحدة فقط، لكن Sony عادت من جديد عام 2013 بعملاقها PS4 فائق القوة والذاكرة والمعالجة، والمزود بقدرة تشغيل الألعاب من التخزين السحابي، ليكون جزءًا من عالم يشمل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، ل يبيع 10 مليون وحدة قبل مرور عام على إطلاقه، لتعلن Sony أنها منافس قوي لسوق الهواتف والتابلت، وتؤكد أن اللعبة لا تزال يابانية؛ وذلك بفضل التطوير الملفت، والطرح في جميع الأسواق العالمية في التوقيت نفسه، مستفيدة من عدم نجاح Xbox One من Microsoft، وتراجع مبيعات Wii U من Nintendo.

وفي 3 ديسمبر/كانون الأول 2018 أطلقتSony جهاز PlayStation classic، بـ الشكل الخارجي لأول جهاز، وجميع ألعابه قابلة للعب بشكلها وتفاصيلها الأصلية القديمة؛ لإعطاء الشعور القديم نفسه، وما يصاحبه من نوستالجيا.


اقتصاد البلايستيشن

أكد تقرير صناعة ألعاب الفيديو لعام 2018 أن أكثر من 150 مليون أمريكي يمارسون ألعاب الفيديو، واعتبر التقرير أن ألعاب الفيديو تُعد محركًا قويًا للنمو الاقتصادي. ففي عام 2016، باعت الصناعة أكثر من 24.5 مليار لعبة، بعائدات أكثر من 30.4 مليار دولار، كما توفر شركات الألعاب فرص عمل لأكثر من 220 ألف شخص في الولايات المتحدة فقط.

وعلى مستوى الألعاب هناك ألعاب وصلت إلى مبيعات حوالي 100 مليون نسخة، وقدمت إرثًا دائمًا لهذه الصناعة. وقد أعلنت Sony عن وصول مبيعات PS4 نهاية 2018 إلى 91.6 مليون جهاز، وبلغت عمليات شراء الألعاب 876 مليون لعبة، لـ يتفوق على منافسيه Microsoft Xbox وNintendo switch.

كذلك أحدثت المنافسة الثلاثية بين الياباني PlayStation، ومواطنه Wii والأمريكي Xbox، رواجًا للمتاجر الإلكترونية، ورواجًا كبيرًا للشاشات وأجهزة الصوت، واستحدثت الألعاب فرص عمل مربحة، من خلال قنوات اليوتيوب والإنفلونسرز والجيمرز الذين يختبرون الألعاب ويعلقون عليها كمصدر دعاية رئيس للألعاب.


جيل البلايستيشن

في منتصف التسعينيات، ظهرت محال PlayStation كأندية شبابية مختلفة المساحة، حوائطها سوداء غالبًا، تحتضن صفًا من الشاشات، وتنبعث منها أصوات وأضواء، يدخلها الشباب والأطفال، والكل «حاجز نِكِست»، وصاحب المحل يخرج ويدخل منتبهًا «لبتوع المصنفات».

من هنا تسلل PlayStation إلى ثقافة الشباب، لينشأ جيل صارت ألعاب الفيديو بالنسبة له كالكتب والأفلام، وبحلول عام 2000 صارت جزءًا من ثقافة الشباب، لدرجة وصلت إلى أن أظهر استطلاع أُجري في كندا عام 2007 أن الكنديين استطاعوا التعرف على صورة Mario (اللعبة) أكثر من صورة رئيس الوزراء الكندي حينها.

اعتمدت Sony على فكر الشباب وقيادتهم للتطوير، والتسويق في مجتمعاتهم ونواديهم، وحتى فعاليات الشوارع الخاصة بهم، وبحلول عام 1997 كان هناك 52 ناديًا في بريطانيا وحدها لجهاز PlayStation.

لم تهتم Sega وNintendo بأوروبا، ولكن Sony كانت أكثر شمولية. ففي عام 1994، قام مسئولو Sony بجولة في أوروبا وأمريكا؛ لعرض الجهاز وإغراء المطورين، وبناء مجتمع عالمي؛ لتكوّن إرثًا لصناعة الألعاب، فصارت الألعاب جزءًا من ثقافة توسعت قاعدتها، حتى بلغ متوسط ​​عمر لاعبي ألعاب الفيديو 35 عامًا، وأصبحت أجهزة الألعاب شكلاً شائعًا من وسائل الترفيه، وليست مجرد ظاهرة سائدة، وأدى تعميم ألعاب الفيديو إلى قبول الخيال والعوالم الافتراضية، وهو ما اتضح من شعبية سلسلة أفلام وكتب «سيد الخواتم» و«هاري بوتر»، وقد وسّعت الألعاب من فكرة العوالم الافتراضية، وصارت من الطرق الجديدة للتفاعل.

سينمائيًا، حققت الأفلام المأخوذة عن ألعاب نسب مشاهدة مرتفعة، فـ حقق فيلم Mortal Kombat أكثر من 70 مليون دولار، كذلك تصدر فيلم Lara Croft: Tomb Raider، عام 2001، بإيرادات بلغت 274 مليون دولار، وتضخّم حجم إنتاج الألعاب؛ لما تتضمنه من تصميم وموسيقى وتصوير وإخراج، فقد تكلف إنتاج Grand Theft Auto IV حوالي 100 مليون دولار.

واقتربت موسيقى الألعاب من جودة موسيقى الأفلام، وجذبت أسماء كبيرة في عالم الصوت والألحان والغناء، واعتمدت على أوركسترا وموسيقى صوتية كاملة، وتحولت موسيقى الألعاب إلى عمل مربح، كما أدت جودة التقنيات ودقة الرسومات وتطوير المحتوى إلى زيادة أحجام الشاشات، ورواج أنظمة الصوت المحيطية؛ من أجل توفير تجربة لعب أكثر واقعية، وأكثر تفاعلية.

تلفزيونيًا،أظهرت تقييمات شركة Nielsen لتصنيفات التلفزيون عام 2010، أن ألعاب الفيديو يمكن اعتبارها شبكة خامسة تنافس شبكات التلفزيون NBC وABC وCBS وFox.

كذلك كثرت المؤسسات التي تعتمد على الألعاب التعليمية لتكوين الكلمات والأرقام، وتطوير المهارات التحليلية والبصرية للأطفال، وبعد بداية الألفية الثالثة تبنت الجيوش ألعاب الفيديو كمحاكيات تدريب للجنود الجدد، وفنيًا استُخدمت ألعاب الفيديو لتعليم الفنون ومهاراتها.

وبسبب هذا التأثير الكبير على ثقافتنا يرى الكثيرون أن ألعاب الفيديو التي ساهم PlayStation في تطوير صناعتها صارت ثقافة مستقلة بذاتها.


البلايستيشن والعنف

ساهم PlayStation في نمو صناعة الألعاب بشكل كبير، حتى صار الجهاز عند بعض المراهقين ضرورة وليس مجرد رفاهية، وهو ما أثارته دراسة بريطانية عن تأثير ألعاب الفيديو على المجتمع، في ظل أن أكثر الألعاب مبيعًا هي التي تتميز بالمشاهد العنيفة والجنسية.

وخلصت الدراسة إلى أن الأمر مُختَلفٌ عليه، بين أن الألعاب هي تسلية لا صلة لها بالعنف، وبين أنها وسائل تُروِّج للعدوان والعنف، وأنه رغم الارتباطات السلبية لا يوجد ربط واضح يؤكد أن ألعاب الفيديو لها صلة بالعنف.

ففي حين تشير بعض الأبحاث المحدودة إلى تحسين ألعاب الفيديو لأنواع معينة من الإدراك والتفاعل والجماعية، تخلص العديد من الدراسات العلمية إلى أن ممارسة ألعاب الفيديو العنيفة تزيد من خطر السلوك العدواني الذي يظهر في صورة الاعتداء الجسدي، وإساءة معاملة الزوجين، والتنمر.

كما أن الأثر التراكمي لتكرار مشاهد الدم والقتل والعنف يخلق مجتمعًا أكثر عنفًا، في ظل ارتباط ممارسة ألعاب العنف كثيرًا بحوادث إطلاق رصاص وعنف بالمدارس الثانوية البريطانية والأمريكية، كما أن ربط العنف بالمتعة والتسلية يُقوّض الحساسية الأخلاقية، فضلاً عن تلاشي الخط الفاصل بين الواقع والخيال عند البعض من خلال إدمانهم للعوالم الافتراضية في الألعاب، فيسيطر العالم الافتراضي على حياتهم، ويجعلهم يعيشون تناقضًا مع حياتهم الاجتماعية المعتادة، لذا دعت بعض الأصوات إلى تجريم أو منع تداول مثل هذه الألعاب، في ظل عدم تحذير أو توضيح الشركات أو الموزعين لهذه الأمور.

ربع قرن مضى بين «كراش» و«تيكن» و«بيبسي مان» و«مورتال كومبات» و«سوبر مايرو»، وغيرها من الأسماء التي نتذكر معها الأصدقاء ولهو الطفولة، تلك الأزرار الدائرية التي حفظت بصماتنا، وحفرت في أنفسنا أشياء لا تُعد ولا تُحصى، لكننا نظل نحياها كلما نظرنا إلى هذا الصندوق العجيب، الذي فاق الصندوق السحري ومصباح علاء الدين.