إنت ايه اللي جايبك معانا؟ إيه دا؟ .. إنتي شكلك وحش أوي، إنتي مالك مسلوعة كدا ليه؟ إنت دمك تقيل، إنت ودانك مطرطقة.

كانت هذه الكلمات الأولى للممثل المصري أحمد حلمي أثناء مشاركته بفيديو دعائي لحملة «أنا ضد التنمر» أول حملة قومية لحماية الأطفال من التنمر يتم إطلاقها بمصر؛ وذلك من أجل الحد وإنهاء العنف بين الأطفال.

وفي لقاء تلفزيوني سابق مع الإعلامي المصري عمرو أديب، صرحت هالة أبو خطوة مدير قسم الإعلام بمكتب اليونيسيف مصر التابع للمنظمة العالمية للأمم المتحدة للطفولة بأن مصر تمتلك نسبة عالية من التنمر مقارنة بالنسب العالمية. وأوضحت أن البيانات التحليلية -رغم محدودية الأبحاث الحديثة- وصول هذه النسبة إلى 70% في السن من ثلاثة عشر إلى خمسة عشر عامًا في المدارس وما حولها؛ ما يشكل خطرًا جسيمًا على الأجيال الناشئة في مصر.

تتعدد أشكال التنمر التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال، بعضها قد يكون واضحًا للعيان، ومن الممكن أن يكون التنمر بشكل غير مرئي وواضح.

وهناك أشكال كثيرة للتنمر نذكر منها:

  • تنمر بدني: الضرب، أو اللكم، أو سرقة الأغراض الخاصة وإتلافها مما يسبب ضررًا على المدى القصير أو البعيد.
  • تنمر لفظي: السب والشتم، أو الإغاظة والتخويف، أو الإهانة الشخصية وإطلاق الألقاب.
  • تنمر اجتماعي، ويُعرف أيضًا بالتنمر بالسري مثل: الإضرار بالسمعة الاجتماعية للطفل، أو إهماله واستبعاده، تقليد غريب الأطوار للطفل المتنمر عليه، أو إلقاء نكات سيئة لإحراج الشخص وإهانته.
  • تنمر نفسي مثل: النظرات السيئة، والتلاعب بمشاعر الفرد وإرباكه نفسيًا، وكذلك التربص.
  • وكذلك، التنمر الإلكتروني.

ما هو التنمر الإلكتروني/ الرقمي؟

فتاةبالثانية عشر من عمرها، ولاية إلينوي الأمريكية

التنمر الإلكتروني أو الرقمي هو التنمر الذي يستخدم مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي مثل موقعي فيسبوك وتويتر، وتطبيقات ماسنجر و واتساب وإنستجرام، وغرف الدردشة المدمجة بمواقع الألعاب، والتي يتم استغلالها في إرسال الرسائل أو الصور أو مقاطع الفيديو المسيئة، أو يتم عبر الهواتف الذكية من خلال الاتصالات والرسائل النصية.

يمكن أن يحدث التنمر الرقمي في أي وقت على مدار أربع وعشرين ساعة، وبأي مكان علنًا على العالم الرقمي، أو بشكل خاص بين الفرد المتنمر والمتنمر عليه دون شعور من حولهم بذلك.

وفي استطلاع للرأي بالمملكة المتحدة، أظهرت النتائج أن 56% من المراهقين والشباب يتعرضون للتنمر عبر الإنترنت، ونسبة 42% ممن شاركوا في هذا الاستطلاع يشعرون بعدم الأمان على الإنترنت خوفًا من التنمر والازدراء من الآخرين. وأوضحت دراسة بدأت عام 2004 حتى عام 2016 أجراها مركز أبحاث التنمر الرقمي الأمريكي على ما يزيد عن عشرين ألفًا من الطلاب، أن 28% منالطلاب تعرضوا للتنمر الرقمي، واعترف 16%منهم بممارستهم التنمر الرقمي على الآخرين كذلك.

فهل من أسباب تبرر انتشار التنمر عمومًا، والتنمر الرقمي كذلك؟


لماذا التنمر؟

تكثر الأسباب التي تدفع الأطفال والمراهقين لممارسة التنمر ضد زملائهم،ففي دراسة نُشرت عام 2010، ظهر أن نسبة 40% من الطلاب يقولون إنهم لا يشعرون بأي نوع من الذنب أو الضيق نتيجة لممارستهم التنمر ضد آخرين. كما أفاد بعض الطلاب أن التنمر جعلهم يشعرون بالتحسن والمرح والقوة كنتيجة لأفعالهم، ونسبة 16% فقط أقروا بشعورهم بالذنب حيال أفعالهم.

وهذه بعض الدوافع الأكثر انتشارًا لحدوث ذلك:

الانتقام كوسيلة لرد الاعتبار

عندما يتعرض بعض الأطفال للتنمر فإنهم يبحثون برد ذلك بدافع الانتقام دون التعامل مع الموقف بطرق أكثر صحة، يبررون تصرفاتهم كنتيجة لتعرضهم مسبقًا لذلك، فهم يريدون أن يشعر الآخرون بما شعروا به ويملكون ما يبرر لهم فعل ذلك.

البعض يرى أن الآخرين يستحقون ذلك

يتمحور التنمر الرقمي هنا حول الوضع الاجتماعي للطفل المتنمر عليه داخل المدرسة؛ فقد تشعر فتاة بالغيرة تجاه أخرى نتيجة أنها أفضل منها أكاديميًا، أو لأنها سرقت منها صديقتها؛ فتبدأ بممارسة التنمر تجاهها عبر رسائل نصية على الهاتف المحمول، أو السخرية من بعض صورها على مواقع التواصل الاجتماعي.

الشعور بالملل والفراغ

يتجه بعض الأطفال إلى التنمر الرقمي نتيجة لشعورهم بالملل مما يدفعهم للقيام بذلك لإضافة بعض الإثارة إلى حياتهم. يبرز ذلك كنتيجة لنقص الاهتمام بالطفل من قبل الأهل وافتقادهم لذلك، فيصبح الإنترنت الوسيلة الأسرع للترفيه وخلق دراما رقمية في حياته بدلًا من قضاء وقته بطريقة إيجابية.

الإيمان بأن الجميع يفعل ذلك

يعتقد مجموعة كبيرة من الأطفال أن الكثير من الناس يتنمرون عبر الإنترنت؛ وبالتالي لا يوجد مانع لمشاركتهم في مثل هذا السلوك خاصة إحساسهم بتقبل الآخرين لذلك.

الرغبة في زيادة قوتهم ووضعهم الاجتماعي

يلجأ الأطفال الذين يتمتعون بشعبية كبيرة داخل أرجاء المدرسة وخارجها إلى السخرية والتنمر من الأشخاص الآخرين كدليل للسيطرة والقوة. وأيضًا إذا رغب بعض الأطفال في اكتساب القوة والتحسين من وضعهم الاجتماعي يلجأون إلى التنمر الرقمي داخل مجتمعاتهم وذلك لجذب الانتباه، والحد من قوة الأفراد الأخرى.


أشكال التنمر الرقمي

يظهر التنمر الرقمي بأشكال متعددة تختلف طبقًا للهدف المطلوب من ورائها، وبالنسبة للبعض يمكن أن تتشكل بأي طريقة،هذهبعض منها:

المضايقة

يتيح العالم الرقمي الحالي سهولة الوصول لأي شخص على المواقع المختلفة، كما يتيح استخدام حسابات مزيفة والتواصل مع أي شخص من خلالها. يمكن استغلال ذلك من قبل الأطفال في إرسال رسائل مسيئة ومهينة وتحمل أغراضًا سيئة، أو من خلال التعليق السيئ على المنشورات والصور.

تشويه السمعة

يستخدم الأطفال هذا الأسلوب عن طريق نشر معلومات خطأ ومزيفة وضارة عن شخص آخر، ومشاركة صور الشخص المراد التنمر به والتعديل عليها لتحقيق مبدأ السخرية منه ونشر شائعات وهمية عنه.

انتحال الشخصية

يحدث ذلك عند طريق سرقة حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بشخص ما، واستخدام شخصيته على الإنترنت في نشر وإرسال مواد محرجة إلى الآخرين، وبعث رسائل مهينة لمن هم على علاقة به.

الإقصاء

يتضح ذلك عندما يترك الآخرون عمدًا الفرد المتنَمر به خارج مجموعة الدردشة الخاصة بهم أو المجتمعات الافتراضية المغلقة، واضطهاده بشكل جماعي وتوجيه رسائل مسيئة له عن سبب إقصائهم له.

المطاردة

يتم ذلك عن طريق إرسال رسائل بشكل متكرر تضمن تهديدات بالضرر من أجل تخويفه، أو المشاركة في بعض الأنشطة التي تجعل الشخص متخوفًا من وجوده على الإنترنت.


كيف يؤثر التنمر الرقمي على طفلك؟

يعاني الأطفال الذين يتعرضون للتنمر بشكل عام من صعوبات عاطفية ونفسية تصل بهم إلى مراحل الاكتئاب، والقلق، والخوف، وتدني احترام الذات. كما يظهر ذلك في شكل أعراض جسدية نتيجة للصعوبات النفسية التي يتعرضون لها، ويؤثر كل ذلك بدوره على تحصيلهم الأكاديمي.

يؤثر التنمر الرقمي خصيصًا على النحو الآتي:

الشعور بالضعف والإرهاق

غالبًا ما يواجه المعرضون للتنمر الرقمي صعوبة في الشعور بالأمان؛ لأنهم يدركون أن المتنمرين يستطيعون الوصول لهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها في أي وقت من اليوم، ويستطيعون كتابة ما يشاؤون من رسائل مسيئة أغلب الأوقات دون تردد أو خوف لضعف آليات الرقابة على هذه المواقع. بالنسبة للطفل الضحية، يشعر أن التنمر حوله في كل مكان ولا يستطيع الهروب منه إطلاقًا. ما يزيد الأمر سوءًا، هو أن يكون المتنمرون مجهولي الهوية مما يزيد من الخوف بداخلهم لعدم معرفتهم أي جهة أو شخص يسبب لهم هذا القدر من الألم.

وعلى صعيد آخر، شعور الضحية بكونه مستهدفًا وخاصة إن كان من مجموعة من المتنمرين، يجعله يشعر أحيانًا بأن العالم كله يعرف ما يحدث معه مما يزيد من الضغط الناجم عليه، وإحساسه بأن الموقف أكبر من أن يتعامل معه.

الشعور بالإهانة وعدم الرضا والوحدة

كنتيجة لتعرض الطفل الضحية للتنمر في عالم رقمي يصعب فيه التخلص مما يحدث عليه؛ يتوهم الطفل أن أي شيء ممكن أن يحدث فسيظل موجودًا دائمًا خاصة عند مشاركته مع العديد من الأشخاص ومعرفة آخرين به. يؤدي ذلك لشعور الطفل الضحية بالإذلال والمهانة وعدم الرضا مما يجعله يتشكك في قيمته وشخصيته، وقد يستجيب لذلك عن طريق إيذاء نفسه بطريقة ما في متناوله.

قد يهرب الطفل من ذلك عن طريق إغلاق هاتفه المحمول أو الابتعاد عن مواقع التواصل، لكن ذلك يجعله بمعزل عن عالمه، ويزيد من شعوره بالوحدة والانعزال.

الشعور بالانتقام وعدم الرغبة في الحياة

في بعض الأحيان، يسعى الطفل المتنمر به إلى الانتقام، ويقوم بالتخطيط لإلحاق الضرر بالأشخاص الذين قاموا بإيذائه، مما يجعله يعيش في دائرة الطفل الضحية – المتنمر؛ والتي تؤثر بشكل سلبي على شخصيته وأسلوبه وكذلك أفكاره. الأمر لا يتوقف عند ذلك، التنمر يفقده أي معنى حقيقي للحياة، ويشعر أن الحياة بمجملها ميؤوس منها ليفقد الاهتمام بالأشياء والأماكن التي كان يحبها، مما يجعله يقضي وقتًا أقل مع العائلة والأصدقاء، الأمر الذي قد يصل به إلى مراحل الاكتئاب، وربما يصل لمرحلة الانتحار.


علامات قد توضح تعرض طفلك للتنمر الرقمي

كيف يمكنك التعامل مع أبنائك ومساعدتهم في مواجهة التنمر الرقمي؟

كنت ولا زلت أتعرض للتنمر الرقمي من خلال مجموعة من الفتيات كانوا يومًا من أعز صديقاتي، يقومون بإغاظتي ومناداتي دائمًا بأسماء غير لطيفة، كما أنهم يستمرون في إرسال رسائل مختلفة عبر الفيسبوك لمضايقتي. يوم أمس، سمعت قصة هذا الصبي صاحب الثلاثة عشر عامًا الذي أقدم على الانتحار كنتيجة للتنمر، مما ذكرني بنفسي وجعلني أبكي بسبب ما يحدث لي. أريد فقط أن يكفوا عن ذلك، وبكل مرة أحاول أن أخبر فيها عما يحدث معي .. لا يستمعون، إنه أمر صعب للغاية ولكني أتعامل معه.

تشارك منظمة اليونسيف خمس نقاط يجب على الآباء والأمهات العمل بها لمواجهة التنمر الرقمي مع أطفالهم:

  • التعلم عن كيفية الأمان في العالم الرقمي وأدواته، وعن الأخطار المحتمل وقوعها من خلال هذا العالم، ونقل هذه المعرفة والمعلومات إلى أولادك، والتأكد من استخدامهم الأمثل لإعدادات الخصوصية على مواقع التواصل الاجتماعي بما يتناسب معهم.
  • تشجيع أطفالك دومًا للقدوم إليهم لطلب المساعدة والنصيحة.
  • توعية أطفالك بالأنواع المختلفة للتنمر وأضراره، مما يجعلهم على دراية به والتحدث عنه والوقوف ضده إن حدث أمامهم بالشكل المناسب.
  • احترام أطفالك، وتعليمهم كيفية احترامهم وتقديرهم لذاتهم مما يجعلهم أقل عرضة للتعرض للتنمر بأنواعه المختلفة.
  • إذا وقع أحد أطفالك في فخ التنمر الرقمي، فيجب عليك عدم المبالغة في رد الفعل، أو إلقاء اللوم عليه. بل يجب عليك إظهار تعاطفك معه وتفهمك للأمر والاستماع إليه؛ فالاستماع يحسن من الحالة النفسية للطفل ويجعله يتعامل بشكل أفضل مع هذه الحالات من التنمر.

وعلى جانب آخر، لا تلجأ إلى سلب جهازه المحمول الشخصي، أو قطع وقته على الإنترنت مما يشعره أن هذا عقاب له؛ فيتجه إلى إخفاء ما يحدث معه مستقبلًا عنك. كما يجب التبليغ عن حدث التنمر إن كان على أحد مواقع التواصل الاجتماعي لحظر المتنمر. وإذا كان النشاط من أحد زملائه بالمدرسة، يمكنك أن تبلغ إدارة المدرسة بذلك، وإن كان هناك إيذاء جسدي فيمكنك أن تفكر بأن تبلغ الشرطة كذلك.

يجب على الأطفال إدراك امتلاكهم المقدرة على حذف أو حظر المتنمرين من قائمة أصدقائهم على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة. وقبل أن ينشر أي شيء يجب أن يعلم هل هو على يقين بأن ذلك لن يؤذي أي أحد عند نشره أم لا، وأن يدرك أهمية بياناته الشخصية وعدم مشاركتها مع أي أحد، وألا يقبل أي طلبات صداقة من غرباء.

وختامًا يجب على الآباء والأمهات عدم التردد في استشارة أخصائي نفسي للأطفال في حالة تعذر التعامل مع أطفالهم ضحايا التنمر، حتى يتسنى لهم الحصول على أفضل مساعدة للخروج بأولادهم من أضرار التنمر وتبعاته.