محتوى مترجم
المصدر
فورين بوليسي
التاريخ
2016/02/29
الكاتب
باتريك مالون، آر جيفيري سميث
يبدو أن التنظيم الجهادي قد سعى للحصول على مواد نووية في بلجيكا

خلال العام الماضي سجلت كاميرا صغيرة مخبأة وسط مجموعة من الأشجار في صمتٍ رحلاتِ الذهاب والإياب لعائلة رجل من منطقة بروكسل لديه تاريخ علمي هام، فوفرت تسلسلًا زمنيًا مفصلًا لتحركات العائلة. وفي مرحلة ما، جاء رجلان تحت جنح الظلام لاسترداد الكاميرا، قبل أن يستقلا سيارتهما مطفئة الأنوار الأمامية ويرحلا بعيدًا، حسبما أظهرت لاحقًا كاميرا مراقبة أخرى مزروعة في المنطقة.اكتشفت الشرطة البلجيكية الفيلم السري الذي التقطته الكامير في يوم 30 نوفمبر أثناء تفتيشها لمنزل ببلدة أوفيلايس خاص برجل له صلات بتنظيم الدولة الإسلامية. ولكن الشرطة أصبحت أكثر ذعرًا بكثير عندما اكتشفت أن الهدف كان باحثًا بارزًا بالمركز النووي البلجيكي الذي أنتج جزءًا كبيرًا من إمدادات العالم من النظائر المشعة.سريعًا ما اجتذب ذلك التحقيق انتباه خبراء العالم في مكافحة الإرهاب.تمثل النظائر المشعة أداة تشخيصية تستخدمها المستشفيات والمصانع حول العالم، وتستطيع أيضًا أن تتسبب في التسمم الإشعاعي والمرض، ما يجعلها أداة محتملة الاستخدام بالنسبة للإرهابيين الذين يسعون لبناء ما يطلق عليه قنبلة «قذرة»، التي يمكنها تلويث وسط مدينة كبيرة، ما يزرع الذعر ويتسبب في خسائر مالية بقيمة مليارات الدولارات.تكهنت السلطات البلجيكية منذ ذلك الحين بأن التنظيم كان يحاول التوصل إلى طريقة للحصول على مثل تلك المواد من المركز النووي، ربما عبر اختطاف الباحث أو أحد أفراد عائلته، كخطوة أولى على طريق بناء القنبلة.يعتبر العديد من الخبراء الأمريكيين –ومنهم لورا هولجيت، المديرة البارزة لقسم إرهاب أسلحة الدمار الشامل بمجلس الأمن القومي– الأمر حتميًا، أن يفجر الإرهابيون في النهاية قنبلة قذرة تحتوي على مواد مشعة. «يمثل الأمر مفاجأة بالنسبة لي أنه لم يحدث حتى الآن»، حسبما صرحت هولجيت في ندوة منذ ثلاثة أعوام، لأن آليات عمل مثل تلك الأجهزة بسيطة ومعروفة على نطاق واسع.«نحن ندرك أن الأمر لن يتطلب وجود فريق من متخصصي الفيزياء النووية، أو حتى شبكة إجرامية متقدمة بشكل خاص لتحول المواد الأولية إلى سلاح قاتل»، حسبما علق تقرير داخلي لوزارة الطاقة صدر في شهر مايو 2013 بصدد التهديد، والذي حمل وصف «للاستخدام الرسمي فقط». وتابع التقرير: «في العديد من الحالات، لا يتطلب الأمر أكثر من مهاجم وحيد عازم على تنفيذ العملية، أو موظف داخلي ساخط».ولكن حتى الآن، لم يظهر دليل معلن وملموس على أن تنظيمًا إرهابيًا محددًا يسعى بقوة للحصول على أحجار بناء مشعة للقنبلة القذرة. كما أشار الخبراء إلى أن مثل تلك المواد متوافرة بشكل يصعِّب حصرها بشكل دقيق، ولكن التقدير التقريبي أنها موجودة ضمن أكثر من 70,000 جهاز، وتوجد تلك الأجهزة داخل 13,000 مبنى على الأقل في أنحاء العالم – ولا يتمتع الكثير من تلك المباني بحراسة أمنية خاصة.«هناك احتمالية كبيرة لتولد نتيجة سيئة عندما يكون تنظيم الدولة الإسلامية في خضم البحث عن أشخاص متخصصين في المجال النووي»، وفق وليم إتش توبي، نائب مدير سابق بقسم الدفاع عن منع الانتشار النووي بالإدارة الوطنية للأمن النووي. وأوضح عدة خبراء آخرين أنهم قلقون بشكل خاص لأن الواقعة قد جرت في بلجيكا، التي يقولون إن لديها سجل مضطرب لمشكلات الأمان النووي، وتفتقد الحراس المسلحين عند منشآتها النووية.ألقي القبض على محمد البقالي، الذي أجر المنزل الذي صودرت منه الأفلام أثناء مداهمته، في يوم 26 نوفمبر وتم اتهامه بالمشاركة في نشاط إرهابي والقتل، بناء على تورطه المزعوم في هجمات 13 نوفمبر في باريس التي أودت بحياة 130 شخصًا وجرحت المئات.قال مسؤولون بلجيكيون إنهم لا يزالون يجرون تحقيقاتهم بشأن ما خطط له البقالي ورفاقه تحديدًا، ولكن الخيارات المطروحة غير مطمئنة. «يمكننا تصور أن الإرهابيين ربما أرادو اختطاف أحد ما أو اختطاف عائلته»، حتى يجبروا هدفهم على تسليم الأجزاء الداخلية لمثل ذلك الجهاز بعد إزالة المواد المشعة بشكل سري، وفق نيلي شيرلينك، المتحدثة باسم الوكالة الاتحادية للرقابة النووية، المسؤولة عن تنظيم النشاط النووي في بلجيكا.تمتع الباحث محل التحقيق، الذي لم تُكشف هويته، بمكانة كبيرة كفاية ليحظى بقدرة واسعة على الولوج إلى مواقع حساسة في أنحاء مركز الأبحاث. بينما رفض المسؤولون إيضاح إن كان خاضعًا حاليًا لحماية الشرطة أم لا.أضافت شيرلينك أنه من وجهة نظر زملائها، أيًا كانت طبيعة المخطط فإنه كان سيفشل، لأن المواد المشعة بالبلاد تخضع لمراقبة صارمة. على الجانب الآخر، يعد الخبراء الغربيين الآخرين غير متأكدين بذلك الصدد، في ضوء اعتقادهم بأن السلطات النووية البلجيكية على مر التاريخ كانت متساهلة للغاية بشأن المخاطر الأمنية.


الشكاوى الأمريكية بشأن الإجراءات الأمنية البلجيكية

تعد المنشأة التي يعمل بها الباحث المستهدف – المعروفة باسم «المركز البلجيكي للأبحاث النووية»، واختصارًا باسم (SCK-CEN)، والموجودة قرب قناة بوخولت هيرينتلس، على بعد 53 ميلًا شمال شرق بروكسل – ضمن موقعٍ خاصٍ بمفاعل كبير للأبحاث النووية، والذي بدأ تشغيله عام 1961، والذي ذكرته إدارة جورج دبليو بوش عام 2004 بوصفه غير متمتعٍ بالاحتياطات الأمنية الكافية على نحو خطر.تستقبل المنشأة بشكل منتظم شحنات أمريكية من اليورانيوم عالي التخصيب –الذي يمثل شمعة الاحتراق الرئيسية بالنسبة للأسلحة النووية– حتى تنتج النظائر الطبية. ولكن المسؤولين الأمريكيين قرروا في عام 2004 عدم إرسال المزيد، حتى تعزيز الإجراءات الأمنية في الموقع بشكل كبير، وفق مسؤول أمريكي بارز سابق مطلع على الخلاف. فقد كانت واشنطن قلقة بشأن عدم كفاية” استجابة البلجيكيين لصد الهجوم المحتمل من قبل داعمي القاعدة على مركز الأبحاث، كذلك في ضوء أن بلجيكا تمنع الحرس الأمني الخاص من حمل الأسلحة النارية، وفق المسؤول السابق.أُثيرت تلك المخاوف جزئيًا بفعل إدانة لاعب كرة القدم البلجيكي السابق عام 2003، نزار الطرابلسي، لتآمره لزرع قنبلة بقاعدة جوية بكلين بروجيل، على بعد 18 ميلا من مركز الأبحاث النووية. وتستضيف تلك القاعدة الجوية ما يقدر بين 10 و20 من الأسلحة النووية التكتيكية الأمريكية، المخزنة قرب سرب من طائرات إف-16 المقاتلة. «سُلم الطرابلسي، وهو مواطن تونسي اعترف بلقاء أسامة بن لادن، من قبل بلجيكا إلى الولايات المتحدة عام 2013». كما تم اختراق الحواجز الأمنية للمنشأة عام 2010 من قبل مجموعة من النشطاء الداعمين للسلام، الذين ظلوا يتجولون لمدة حوالي ساعة، والتقطوا مقاطع فيديو ونشروها على الإنترنت، وسجلوا رسائل مناهضة للأنشطة النووية عند بعض المباني.في عام 2004، أثار وزير الخارجية الأمريكي في حينها، كولن باول، مشكلة أمان المفاعل النووي مع وزير الخارجية البلجيكي، لويس ميشيل، وفق برقية دبلوماسية أمريكية بتاريخ فبراير 2005 أصدرها موقع «ويكيليكس». كذلك طلبت السلطات النووية الأمريكية من نظيراتها في فرنسا –التي تسلح الحراس المتمركزين لدى مواقعها النووية– المساعدة في إقناع البلجيكيين باتخاذ المشكلة على محملٍ أكثر جدية.وبعد ثلاثة أعوام، استمر عدم تطبيق التحديثات الأمنية العديدة التي طالبت بها واشنطن، بسبب ما وصفه مسؤولون بلجيكيون بـ”مشكلات إدارية وفنية مالية غير متوقعة”، وفق برقية أمريكية بتاريخ مارس 2007 أصدرها «ويكيليكس». ولكن بحلول نهاية عام 2009، أكملت السلطات البلجيكية بعض تلك الخطوات ودعت المسؤولين الأمريكيين ليشهدوا تدريبًا أمنيًا هناك.خلال التدريب الأمني، استجابت 13 وحدة شرطية مسلحة من المنطقة المحيطة لهجوم زائف على موقع المفاعل من قبل خمسة أشخاص يفترض أنهم إرهابيون، وحملوا بنادق ومتفجرات صغيرة، وتظاهروا بتنفيذ محاولةٍ للوصول إلى المواد المشعة الخطيرة. بينما اعتبر المسؤولون الأمريكيون، الذين شهدوا التدريب، أنه علامة على التقدم، ولكنهم عبروا عن أهمية تقديم المزيد، وحثوا البلجيكيين على التعلم من تدريبات القوة الأكثر صلابة التي تُجرى لدى المنشآت المشابهة في الولايات المتحدة.لم يحدث حتى العام 2013، أي بعد 9 سنوات من شكوى باول، أن سنّت بلجيكا قوانين لتعزيز الإجراءات الأمنية، ولكنها فرضت عقوبات جنائية جادة على سوء التعامل مع النظائر المشعة ومحاولات اختراق المناطق شديدة التأمين داخل المواقع النووية. وقد خلُصت بعثة تفتيش أرسلت إلى المنشأة البلجيكية وإلى مواقع نووية أخرى من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ديسمبر 2014 إلى أن :نظام الحماية المادية قوي، لكنها أوصت أيضًا بفرض المزيد من الإجراءات لتحسين التأمين.يرى مات بون، الخبير في الأمن النووي والمسؤول السابق بالبيت الأبيض والذي يعمل حاليًا بجامعة هارفارد، إن بلجيكا في حاجة إلى اتخاذ المزيد من الخطوات.«جميع الدول، مهما كانت درجة الأمان التي تظن أنها متمتعة بها، تحتاج إلى حماية الأسلحة النووية والمواد التي يمكن استخدامها لخدمة التهديدات المتوقعة. وأينما توافرت المواد اللازمة لصنع قنبلة نووية، يتعين توفير حراس مسلحين»، وفق بون.أظهرت الدراسات الحكومية أنه في العديد من الحالات، حسبما أوضح بون، يستطيع المهاجمون الوصول إلى مناطق حساسة في المواقعا لنووية بسرعة، وأنه من الصعب جدًا تصميم أنظمة قادرة على تعطيل الهجوم المنسق إلى حد كبير. لذلك تعين بريطانيا، كندا، فرنسا، ألمانيا، والولايات المتحدة حراسًا مسلحين في المواقع النووية الحساسة.ردت شيرلينك، المتحدثة باسم هيئة تنظيم النشاط النووي، بأنه رغم قرار الحكومة مؤخرًا بتشكيل فريق للاستجابة السريعة لشؤون النشاط النووي ضمن صفوف الشرطة الاتحادية، لا تفكر الحكومة بشأن تسليح الحراس المتمركزين بالمواقع النووية حاليًا. ففعل ذلك سيقدم للشعب شعورًا زائفًا بالأمن، فالأسلحة يتعين استخدامها فقط من قبل الأشخاص المدربين على نحو ملائم للتعامل مع نوع المواقف التي تتطلب تدخلًا مسلحًا -أي، الشرطة والجيش- وفق تعليقها عبر البريد الإلكتروني.حتى بعد اتخاذ بعض الإجراءات الأمنية التي طالبت بها واشنطن، شعرت بلجيكا –التي لديها 7 مفاعلات نووية نشطة– بالحرج بسبب عدة وقائع جرت خلال عام 2014، والتي أشارت إلى استمرار وجود بعض الثغرات. حدثت إحدى تلك الوقائع في أغسطس من ذات العام عندما تم اكتشاف أن أحدًا ما قد فتح بشكل خاطئ حنفية لتصريف زيوت التشحيم الخاصة بأحد التوربينات بمفاعل «دويل»النووي، الذي يقع على بعد 56 ميلًا غرب مركز أبحاث SCK-CEN. فتمت السيطرة على المفاعل وإيقاف نشاطه، ما تكلف ملايين الدولارات في صورة أضرار مباشرة وأرباح مفقودة.وصف خبراء أمريكيون وبلجيكيون تلك الحادثة بأنها واحدة من الأعمار التخريبية للمواقع النووية الأعلى تكلفة على الإطلاق. ولم تتوصل التحقيقات إلى هوية المخرب، ولكن وفق شيرلينك، تشير الشكوك إلى العاملين بالمحطة. حيث قالت: يشير الأمر بشكل واضح إلى تهديداتٍ من الداخل.يظل الدافع وراء تلك العملية التخريبية مجهولًا. «لم يتم استبعاد الدافع الإرهابي، ولكن التحقيق لم يؤكد عليه»، وفق إريك فان دير سيجبت، المتحدث باسم مكتب المدعي العام الاتحادي البلجيكي، عبر البريد الإلكتروني.


انضمام أحد العاملين بالمواقع النووية البلجيكية إلى داعش

عُززت المخاوف بشأن التهديدات من الداخل بالمواقع النووية البلجيكية في أكتوبر 2014، عندما اكتشف المسؤولون أن رجلًا مغربيًا عمره 26 عامًا، والذي كان قد عمل مسبقًا بمناطق حساسة بمحطة «دويل» للطاقة، واسمه إلياس بوغلاب، قد مات خلال ربيع العام أثناء قتاله ضمن صفوف داعش بسوريا.خلال فترة موته، كانت الاتهامات في بلجيكا قد نالت بو غلاب بالفعل لمشاركته في أنشطة لتنظيم معروف باسم «الشريعة لبلجيكا»، وهي حركة راديكالية تسعى إلى تحويل بلجيكا إلى دولة إسلامية مستقلة، ولكن أمرها قد انتهى حاليًا، حسبما أوضح فان دار سيجبت.نجح بو غلاب في تجاوز الفحص الأمني البلجيكي لخلفيته في عام 2009، عندما عُين من قبل متعاقد لتفقد اللحامات في مناطق عالية الحساسية والخطورة بالمفاعل. ومنذ موته في سوريا، «رُفض دخول العديد من الأشخاص إلى المنشآت النووية، أو تم استبعادهم من المواقع النووية لأنهم أظهروا علامات للتطرف»، حسبما علقت شيرلينك.ذكرت مجموعات مستقلة أن عدد المقاتلين الإسلاميين المتطرفين الذين يأتون من بلجيكا يفوق نظيره لأي دولة أوروبية أخرى، وهو زعم يجادل المسؤولون البلجيكيون بشأنه. «هناك بشكل عام مخاوف حول قدرة السلطات البلجيكية على تنفيذ خطوات لمكافحة الإرهاب بشكل منهجي ووطني بالتنسيق مع الدول الأخرى»، وفق مسؤول أمريكي سابق.وأضاف: «في ضوء ما حدث قبل وبعد هجمات باريس، يمكننا أن نرى السبب» لشعور البعض بمثل تلك المخاوف. حيث يشير المسؤول السابق إلى حقيقة أن أحد المشتبه في تورطهم في الهجوم تم تعقبه حتى منزل قريب من بروكسل بعد يومين، ولكن لم يتم إلقاء القبض عليه بسبب قانونٍ بلجيكي يمنع العمليات الشرطية الليلية. وبحلول النهار، كان الرجل قد هرب.بينما تبنت فرنسا المجاورة الكثير من الإجراءات خلال العقد الماضي لتعزيز تأمين موادها النووية، واتخذت بلجيكا بعض الخطوات المفيدة، “نجد صعوبة في إيجاد قائمة مماثلة من النجاحات” من قبل البلجيكيين، حسبما أضاف المسؤول السابق.علق ديدييه فاندراسل، المتحدث باسم الخارجية البلجيكية، بأن أمن «مواقعنا النووية يمثل أولوية عليا»، وأن خبراء مكافحة الإرهاب البلجيكيين كانوا “يراقبون بشكل مستمر وضع الأهداف الحساسة المحتملة، بما في ذلك المواقع النووية”. كما أضاف أنه «إلى حد علمنا، كنا نطبق نفس التدابير التي طبقها الفرنسيون خلال السنوات القليلة الأخيرة»، وأن التدابير الأمنية البلجيكية توافق معايير الهيئة الدولة للطاقة الذرية.