يقطعنَ آلاف الكيلومترات، يتعلَّمن العربية، يتدربن على القتال، يحملن السلاح، يشتد بهن الأزر في المعارك القتالية. ما الدافع وراء كل ذلك؟ حلم الخلافة حقًا؟

عُرف عن تنظيم الدولة الإسلامية أنه ضمَّ ما يقرب من 30 ألف مقاتل أجنبي من الرجال بحسب تقارير أممّية، وهاجر إليه بضع مئات من النساء من بلدان عربية وغربية عونًا له لإقامة وتثبيت الدولة الإسلامية التي أعلنها.

عرّف النظام السوري والعراقي هؤلاء النساء بأنهن «عرائس البغدادي» يأتين تحت راية «جهاد النكاح» مدفوعات بإيديولوجية الشهوة والمتعة. وهنّ عرفن أنفسهن بأنهن نساء تصدرن العمل ضمن ما يمكن أن نسمّيه «نسوية جهادية» بمنهجية سلفية وطابع أنثوي، أو انتحاريات عاشقات للشهادة حالمات بدولة الخلافة الإسلامية.

انهار التنظيم، وبقيت نساؤه، فأين ذهبن، إلى أي مصير، وكيف استقبلتهن بلادهن؟


جهاد المرأة

اقتصر دور المرأة المسلمة عند بزوغ عصر الإسلام على تعلم القرآن وأحكام الإسلام وآدابه من أجل تربية رجال الإسلام. وفي أوقات الغزوات، كانت القاعدة الأساسية لهن هي المساعدة بعدة وسائل كالمؤازرة لأبنائهِن وأزواجهن، وإعداد الطعام للجيش، ونقل السلاح إن لزم الأمر، وحراسة الأسرى ومعالجة الجرحى، وكان خروجهن للقتال الاستثناء لا قاعدة؛ والاستثناء قتال الدفع لا قتال الهجوم والغزو.

في الحجاز، ومع إحياء السلفية من جديد على يد محمد بن عبدالوهاب عند مشاركته ابن سعود في إقامة الدولة السعودية الأولى، لم تكن حالات الاستثناء في أدبيات الوهابية محل دراسة، فكان منهاج الوهابية تجاه المرأة هو أن واجبها التربية ولزوم البيت وعدم تقليد نساء الغرب في السفور، ولم تشِر الوهابية إلى جهاد المرأة ضد العدو. وقد انتقلت تلك المبادئ من الدولة السعودية الأولى إلى الثانية والثالثة، حيث ذكر ابن عثيمين، من أعلام الوهابية المعاصرة، في كتابه «رسالة الحجاب»(ص81) أن احتجاب المرأة عن الأجانب وتغطية وجهها ولزومها البيت لتربية أولادِها ورعاية زوجها لهو أمرٌ واجب عليها ورد في كتاب الله، عزو وجل.

ومن أرض الحجاز إلى مصر، حيث نشأة الإسلام السياسي متمثلا في جماعة «الإخوان المسلمين»، اختلفت النظرة للمرأة ودورها في الإسلام، حيث ألّف المؤسس كتابًا عنوانه «المرأة المسلمة» حصّن فيه حقوقها الشخصية كامرأة في بيتها، وحقوقها السياسية والمدنية أثناء انخراطها في المجتمع، وأكّد أن القرآن والسنة قد حرصا على مشاركة المرأة في كافة جوانب الحياة (ص7-11). كما اتخذ البنا خطوة حركية بتأسيسه فرعًا داخل الجماعة خاصًا بالنساء، وهو ما عرف باسم «الأخوات المسلمات»، الذي قادته عدة «أخوات» أشهرهن زينب الغزالي وفاطمة عبدالهادي اللتان اعتقلتا في سجون عبدالناصر، وقد كتبت كلتاهما مذكرات.

تسرد الثانية [فاطمة] في مذكراتها التي عنونتها «رحلتي مع الإخوان المسلمين من حسن البنا إلى سجون عبد الناصر» منهجية البنَا، ومنها عدم اعتبار واجب الجهاد في حق المرأة، حيث تكتفي الأخت المسلمة بالبيت والتربية والدعوة للأقارب على المستوى الأسري والعائلي، وتذكر أن الأخوات، عندما دخل الرجال من الإخوان السجن، قمنَ بدورهن في جمع التبرعات ونفقة بيوت المعتقلين (ص5).

لم تكن أدبيات البنا والهضيبي الأب الإصلاحية تدفع الأخوات المسلمات نحو الانخراط في الجهاد، لكن الأمر تغيّر مع صاحب الظلال سيد قطب. في كتابه الأشهر «معالم في الطريق» استفاض قطب في الحديث عن المجتمعات الجاهلية التي لم تتعرف على مدلول العقيدة الحقيقي الذي يقوم على إفراد الله بالحاكمية، بينما تتبنى تلك المجتمعات دساتير بشرية وضعية تخالف الشريعة الإلهية. لم تكن رؤية قطب باغتراب الإسلام في المعالم، رسالة إلى الرجال فحسب، فقد لمست كلماته عقول نساء الإخوان وغيرهن.

عبّرت بعد ذلك زينب الغزالي في كتابها «أيام من حياتي» عن تأييدها أفكار المعالم القطبية حينما أوجبت على الجماعة المسلمة الجهاد لكي يقوم شرع الله في الأرض، وتكون الشريعة واقعًا عمليًا لا شعارات، وأشارت إلى أن المرأة يجب أن تحدد وقتئذ أولوياتها هل ستكون في المطبخ أم تكون في ساحة المعركة (ص78-86).

زينب الغزالي
زينب الغزالي

لم تترجم كلمات زينب الغزالي إلى واقع تحمل فيه النساء قنبلة أو بندقية على الرغم من انفصال الجماعات الموصوفة بـ«القطبية» التي كفّرت الأنظمة التي لا تحكم بالقرآن وفَاصلت المجتمع «الجاهلي»، مثل جماعة شكري مصطفي التي عرفت بجماعة «التكفير والهجرة»، وكتائب صالح سرية التي سميت «شباب محمد». ولم تذكر تلك الجماعات في أدبياتها دورًا للمرأة في الجهاد، بل اقتصرت على العفة وعدم السفور والحفاظ على الهوية الإسلامية في مقابلة التغريب العلماني.

أما في شبه القارة الهندية، فإن المودودي، وإن لم يختلف عن قطب في نظرته للحاكمية أو جاهلية المجتمع وحتى في دور المرأة الجهادي، كان أكثر تحفظًا، فشَرح المودودي في كتابه «دستور الإسلام» أن للمرأة دورًا كبيرًا في الحفاظ على الهوية والثقافة الإسلامية من لباس شرعي وتربية فضيلة للأبناء، ولم يتجه المودودي للمرأة في مسألة الجهاد، بل ذهب على العكس إلى أن السياسة والحكم خارجان عن دائرة أعمال المرأة (ص69-76).

خلا ما عُرف بالجهاد الأفغاني أواخر سبعينيات القرن الماضي، بدأت تطلعات المرأة الأفغانية إلى الجهاد بالسلاح لمواجهة العدو. وهكذا، أكّد الشيخ عبدالله عزام في كتابه «الدفاع عن أراضي المسلمين» أن الجهاد من أهم فروض الأعيان حتى على المرأة، مستندًا إلى ما أقره فقهاء السلف الأصوليون أنه إذا اعُتديَّ على شبر من أراضي المسلمين، أصبح الجهاد فرض عين على أهل تلك البقعة، فيسمح للمرأة أن تخرج دون إذن من زوجها (ص19). وقد اتفق الشيخ عبدالقادر بن عبدالعزيز (الدكتور فضل)، منظّر جماعة الجهاد المصرية، مع عزام في كتابه «العمدة في إعداد العدة» على وجوب الجهاد في حالة الدفع عندما يحتل العدو الأرض على المرأة، وأضاف أن بإمكانها الخروج في حالة الغزو، أي الهجوم على العدو، ولكن بإذن من أمير الجيش (ص33).

ومع كثرة المنظرين الشرعيين في أفغانستان وقتها، اكتفى الشيخان عزام وعبدالقادر بالتحفظ نحو جهاد المرأة إلا في حالة الدفع. لكن ذلك لم يمنع ظهور قصص لمجاهدات قمن بأدوار غير تقليدية في المعارك كقصة أم عمر المكية، وهي امراة سعودية عجوز زارت أفغانستان إبان الحرب، وأقسمت ألا تعود إلا وقد شاركت في إحدى المعارك، وبالفعل قد سمح لها أن تقصف العدو بعدة قذائف صاروخية، وقد أصابت هدفها. كما نشرت مجلة عربية مجموعة قصص تحت عنوان: «حفيدات صفية» (نسبة إلى صفية بنت عبدالمطلب قاطعة رأس اليهودي في خيبر)، تحكي عن دور المرأة الأفغانية الاستراتيجي والاستخباراتي ضد الحكومة الأفغانية الموالية للسوفييت.

لم يمنع ذلك أسامة بن لادن من التزام الموقف المحافظ الأميل لتجاهل خروج المرأة للجهاد، وقد نشرت مؤسسة السحاب عام 2015 تصريحات زوجته أميمة حسن أحمد، كانت بمثابة رسالة إلى المسلمات كافة بأن يحافظن على هويتهن وحجابهن وبيوتهن، وأن يطعن أزواجهن، وأن يساعدن المجاهدين في العمليات اللوجستية؛ ولكنها أشارت أيضًا إلى دورهن في تحرير الأسيرات المسلمات حول العالم، وأنه لا مانع من قيامهنّ بعمليات استشهادية كما يحدث في العراق وفلسطين والشيشان ضد الحملات الصليبية واليهودية التي احتلت البلاد وخربتها.


البداية عند الزرقاوي

في العراق، جاء الدور إلى السلفية الجهادية بعد سقوط نظام صدام حسين والغزو الأمريكي 2003. واجه العراقيون السنة بوجه عام اضطهادًا من قوتين خارجية تمثلتا في الاحتلال الأمريكي، والأيادي الإيرانية عبر ميليشياتها الطائفية في العراق. ظهرت السلفية الجهادية على أرض العراق باسم «جماعة التوحيد والجهاد» تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي الذي سرعان ما أعلن بيعته لأسامة بن لادن لتصبح جماعة التوحيد فرع «القاعدة في بلاد الرافدين» كما أطلقوا على أنفسهم.

أبو مصعب الزرقاوي, داعش, العراق, الشام
أبو مصعب الزرقاوي

كان أبو مصعب الزرقاوي أكثر من شجّع على انخراط المرأة في جهاد العدو. ففي خطبة شهيرة له بعنوان: «أينقص الدين وأنا حي»[1]، وجه الزرقاوي حديثه صراحة للمرأة يسألها أين هي «من ذلك الجهاد المبارك؟»، و«ماذا قدمت لأمة الإسلام؟». وقد رجع الزرقاوي في خطبته إلى غزوة أحد، وسرد أن نساء المشركين كن يقفن بجانب أزواجهن يمدّهنّ ويحرضهنّ على القتال، وسأل نساء المسلمين ماذا يفعلن؟ وذكرهن بأنهن حفيدات أم عمارة، قاصدًا نسيبة بنت كعب الأنصاري التي قاتلت يوم أحد دفاعًا عن رسول الله حتى جرحت وقطع ذراعها. ونوَّه بأنه تأتيه الرسائل من الأخوات العفيفات يطلبن منه الإذن بالجهاد مع الرجال في سبيل التحرير.

ومع ازدياد اضطهاد نساء السنة في العراق من خلال تعرضهنّ للاعتقال والتعذيب والاغتصاب في معتقلات أشهرها أبو غريب، بدأت النساء المشاركة في عمليات انتحارية فردية حتى تشكّلت «كتيبة الخنساء» عام 2007، وهي التي قامت بتنظيم العمليات الجهادية للانتحاريات. وقُدرت حجم العمليات الانتحارية للنساء بما يقرب من 90 عملية طبقًا لتقرير نشرته شبكة أريج عام 2011.


كتيبة الخنساء

بعد أن سيطر «تنظيم الدولة الإسلامية» على مدينتي الموصل في العراق والرقة في سوريا، واتخاذهما عاصمتين لدولته، وأُعلن قيام الخلافة الإسلامية بإمارة أبو بكر البغدادي عام 2014، أصدر التنظيم دستوره الذي سماه «وثيقة المدينة» إشارة إلى دستورِ المدينة الذي أقامه الرسول.

قام قسم الإعلام بكتيبة الخنساء بإصدار أول وثيقة منهجية حركية له، وعنونها: «المرأة في الدولة الإسلامية». هاجمت الوثيقة المرأة الغربية، وهاجمت أيضًا ما يعرف بحركات النسوية الإسلامية، وشددت في عدة نقاط على دور المرأة الفطري الذي خُلقت من أجله، ألا وهو عبادة الله – عز وجل – والعمل في البيت وطاعة الزوج وتربية الأبناء، لكن الوثيقة حرصت أيضًا على تشجيع المرأة على تعلم العلوم الدنيوية بما ينفعها في عمارة الأرض وتوحيد الله – عز وجل. وهاجمت الوثيقة سياسات الدولة السعودية تجاه المرأة من سجن وتعذيب وفتح السبل أمامهن نحو الليبرالية والعلمانية. وتركت الوثيقة في نهايتها توصية للنساء في الدولة الإسلامية بأن يتعففن ويتقينَ الله ويكن مربيات النشأة من المجاهدين، وأن يساعدوهم بكل ما أوتينَ من قوة مباشرة وغير مباشرة.

بعد تأسيس الدواوين لإدارة الدولة الجديدة، لم يغفل البغدادي عن تأسيس ديوان الحسبة ليقوم بمراقبة المرافق العامة والسلوكيات والآداب في الطرق وغير ذلك. وقد قامت كتيبة الخنساء بالدور الأكبر بالديوان، وتوسعت لتقوم بتنفيذ الحدود، وتعليم الدروس الشرعية، والعمل على الدعاية بكافة سبلها من أجل الاستقطاب والتجنيد وغير ذلك من الدعم القتالي المباشر وغير المباشر.

ووفقًا لحوار أجرته مجلة «الجمهورية» مع إحدى المشاركات في الكتيبة قبل انشقاقها، قالت إن الكتيبة بدأت بـ35 امرأة: 3 سوريات، 2 يمنيات، 4 سعوديات، كويتية واحدة،7 تونسيات، 3 ليبيات، 9 شيشانيات، 3 مصريات، 3 عراقيات. وقد تأسست الكتيبة عشية تفجيرات راح ضحيتها عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة غرب مدينة الرقة، كان منفذوها رجال كرديون يلبسون النقاب؛ فكان ولا بد من تأسيس كتيبة نسائية تلعب دورًا أمنيًا واستخباراتيًا لكشف تلك المخططات التي يعمل عليها أعداء التنظيم.


طبيبات ولكن جهاديات

لم تكن الفتاة الأردنية التي ذاع صيتها بأنها الأولى التي هاجرت من الأردن إلى الرقة السورية عبر تركيا، وأجابت على سؤال دافع التحاقها بتنظيم داعش بأنه الملل والبطالة والإغراءات بالعمل والمال، فهي نموذج عام يعبّر عن دوافع غيرها من المهاجرات العربيات إلى التنظيم.

وقد أدت ظاهرة التحاق الطبيبات السودانيات بالتنظيم إلى دحض الشائعات التي زعمت أن دوافع الهجرة هي: الفقر والتعليم المتوسط وانعدام الثقافة، فقد هاجرت 12 طالبة وخريجة بالطبِ من جامعات مرموقة بالسودان أشهرها جامعة مأمون حميدة، وهي جامعة خاصة يملكها وزير الصحة السوداني، وهن: ندى سامر خضر، لينا مأمون عبدالقادر، روان زين العابدين، تسنيم سليمان حسين، لجين أحمد أبو سبح، زبيدة عماد الدين الحاج، سجى محمد عثمان (وهي تحمل الجنسية الأمريكية)، صافيناز علي الصادق (وهي تبلغ من العمر 18 عامًا، وتدرس الطب، وابنة نائب وزير الخارجية السوداني)، التوأم منار وأبرار عبد السلام، آية الليثي الحاج، ثريا صلاح محمد.

ووفق شهادة ذوي المهاجرات، فجميعهن قد بدا عليهن مظاهر التغيير السريع في فترات متلاحقة. كانت المظاهر متشابهة إلى حد كبير كالملبس الفضفاض وارتداء الحجاب والنقاب، واتباع الفتاوى المتشددة بشأن الأغاني والموسيقى ومشاهدة التلفزيون وحملات التغريب وغير ذلك.

وقد روت والدة ندى خضر، وهي من أوائل الطالبات اللواتي هاجرن إلى التنظيم، وكانت طبيبة تعيش في بريطانيا، أنها [الوالدة] لاحظت في أثناء العطلة الصيفية التي تقضيها ندى مع والديها في بريطانيا، تغيرًا في بعض أفكار ندى التي باتت أكثر التزامًا، وانعكس هذا على ملابسها الفضفاضة التي اشترتها، مؤخرًا، قبل أن تعود إلى السودان للدراسة، ومن السودان إلى سوريا. وأمّا عن صافيناز، ابنة السفير السوداني، فقد لاحظ والدها التزامها السريع؛ فقد ارتدت النقاب، وأصبحت ملابسها فضفاضة، فأخذ يبحث عن من يرافقها، ولكنها قد سافرت في يوليو/تموز من نفس العام إلى تركيا لتستقر بها البوصلة نحو سوريا.

واتجهت بعد ذلك سرديات الدوافع إلى شخص يدعى محمد فخري الخباص، وهو شاب قضى حياته في لندن والتحق بكلية الطب بنفس الجامعة في السودان، وقيل عنه إنه هو الذي قام بدسّ أفكار السلفية الجهادية التي يتبناها تنظيم الدولة في عقول الطالبات. وقد هاجر الخباص إلى سوريا واستقر في معقل تنظيم الدولة بالرقة.


الجهادية المنظّرة

لم تكن السعوديات كالسودانيات من حيث حداثة التعرف على أفكار السلفية الجهادية. فكثير من السعوديات لديهن قرابة بأفراد تنظيم القاعدة فرع الجزيرة العربية، وقد لعبن دورًا لوجستيًا في عمليات القاعدة على أرض الجزيرة العربية في أوائل الألفينات. وقد هاجرت بعضهن إلى سوريا والعراق بعد إعلان تنظيم الدولة قيام خلافتهم هناك.

كانت ندى القحطاني من أبرز الوجوه التي تصدرت العمل النسائي التابع للتنظيم في سوريا، وهي امرأة سعودية كُنّيت بـ«أخت جليبيب» نسبة لأخيها عبد الهادي القحطاني الذي هاجر إلى سوريا وبايع التنظيم وعُرف باسم جليبيب. وقد عُرف عن ندى القحطاني أنها فتاة جامعية، وكانت تنعم بحياة راقية، كما عرف عن أخت جليبيب أنها قيادية نسائية مهمة في تنظيم الدولة، فهي تتولى قيادة كتيبة الخنساء الذي يعتمد عليها التنظيم بشكل كبير في أعمال لوجستية وقتَالية وأمنية، وعُرف أيضًا عنها تجذر الفكر السلفي الجهادي بها وشراستها وعداؤها للطائفة الشيعية. وقد هددت ندى في تغريدة لها كانت ترد بها على قناة «العربية» بأنها تتمنى أن يرزقها الله عملية استشهادية لتخليص الأمة من الكذب والتدليس الذي تقوم به القناة السعودية.

كان حال المهاجرات السعوديات وغالبية العربيات أكثر تماهيًا مع الاقتناع الكلي بأفكار تنظيم الدولة، فمنهنّ من برع في التأصيل الشرعي لأُسس ومنهجيات التنظيم كالدكتورة إيمان البغا، وهي امرأة سورية درّست الدراسات الإسلامية في جامعة الدمام بالسعودية، وقد هاجرت إلى العراق وسوريا لتصبح المنظرة النسائية الأولى والمدافعة عن أفكار التنظيم.

كذلك كان الحال مع المهاجرة الفلسطينية السيدة إيمان كنجو، أستاذة الشريعة الإسلامية التي سافرت إلى تركيا لتعبر إلى سوريا وتنضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية قبل أن يتم تسليمها من الجانب التركي إلى الحكومة الإسرائيلية لتلاقي تهمًا ومحاكمات بسبب الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية وتقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

ولم تكتفِ نساء الدولة بالأدوار القتالية والاستخباراتية والشرعية كإعداد المقالات والأبحاث، بل توجّهن إلى الشعر والنثر، فقد برعت الشاعرة أحلام النصر − يقال إنها ابنة إيمان البغا − في الشعر، ولقبت بـ«شاعرة الدولة الإسلامية»، وأصدرت عدة دواوين سميت بـ«أوار الحق» وأخرى بـ«سلاح الخلافة الإسلامية الاستراتيجي».

إعلان ديوان «أوار الحق» لأحلام نصر


مهاجرات من أوروبا

لم يكن فشل الربيع العربي في الشرق الأوسط وازدياد قمع الأنظمة للأفكار الثورية والإسلامية، السبب الأساسي لالتحاق النساء في الدول العربية بتنظيم الدولة؛ ففي بريطانيا أيضًا،قُدّر عدد المهاجرات إلى تنظيم الدولة بنحو 100 فتاة بريطانية، وسط مئات الأوروبيات من بلدان عدة كفرنسا وبلجيكا وألمانيا.

هاجرت ثلاث فتيات بريطانيات في سن المراهقة إلى رقة الخلافة في سوريا عام 2015، برفقة بعضهن البعض، وهن خديجة سلطانة وأميرة عباسي وشميما بيغوم، وترواحت أعمارهن عند الهجرة بين 15 و16 عامًا. بدأت التغييرات الواضحة في أفكار خديجة تظهر جليًا على ملابسها وحجابها وحديثها وسط عائلتها بما يشبه تحوّلات طالبات الطب في الجامعة السودانية. وبعد نجاحهنّ في الهجرة إلى سوريا، تزوجت خديجة هناك، ثم قُتلت إثر غارة روسية عام 2016.

تعددت أسماء الشابات البريطانيات اللواتي غادرن أوطانهن سعيًا للاستقرار على أرض التنظيم، مثل المهاجرة الأولى أقصى محمود التي غادرت سوريا لتكنّى هناك «أم الليث»، وقيل بعد ذلك إنها أصبحت المسؤولة عن زواج المهاجرات اللواتي جئن إلى الرقة، والشقيقتان سلمى وزهرة حَلاني، والعازفة البريطانية سالي جونز التي اعتنقت الإسلام وهاجرت إلى سوريا، وجراس داري الفتاة الكاثوليكية التي اعتنقت الإسلام وهاجرت إلى سوريا لتعيش هناك. تلك الأسماء وغيرها لمعت في صحف بريطانيا و تقارير لجان مكافحة الإرهاب البريطانية التي رصدت عشرات البريطانيات من المهاجرات إلى تنظيم الدولة الإسلامية ساعينَ نحو ما سموه حلم الخلافة.

وفي فرنسا، تأثرت حياة بومدين بزوجها الفرنسي من أصلٍ سنغالي،وهو كوليبالي الذي حمل أفكار السلفية الجهادية وقتلته الشرطة الفرنسية أثناء احتجازه رهائن في متجر يهودي بعد أن قتل شرطية فرنسية. بعد هذا الحادث، اتهمت الشرطة الفرنسية حياة بالاشتراك مع زوجها لتخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية، ولكن سرعان ما غادرت حياة باريس فرنسا متجهة إلى رقة سوريا.

لم تكن حياة بومدين قبل الزواج متدينة، بالعكس كانت متحررة للغاية، ولكنها بعد الزواج من كوليبالي بدأت تندمج معه في أجواء الالتزام وارتداء الحجاب والتعرف على الإسلام وتعاليمه، وعندما وصلت بومدين إلى أرض الخلافة رحب بها التنظيم، و أُجري معها حوار نشر في مجلة «دار الإسلام» التابع لتنظيم الدولة تتحدث فيها عن قصة حياتها وهجرتها، وعن زوجها وما قام به في أرض باريس، وقالت إنه كان يتوق إلى أرض الخلافة.

كما اشتهرت حسناء أبو الحسن، الفرنسية من أصولٍ مغربية التي قتلتها الشرطة الفرنسية أثناء مداهمتها إحدى الشقق التي يقبع بها عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية في فرنسا بعد حادث سانت دينيس.

وواقعيًا، تصدرت فرنسا قائمة الدول الخائفة من استقطاب تنظيم الدولة لأفرادها سواء للهجرة إلى سوريا أو تنفيذ عمليات على أرض فرنسا، وقد حدث ما توجست منه الدولة الفرنسية حيث أشارت تقارير دولية إلى ازياد أعداد المهاجرين الفرنسيين إلى أكثر من 220 امرأة فرنسية هاجرن إلى التنظيم، بينما كان العدد في بريطانيا 100 امرأة، وفي بلجيكا وألمانيا ما يقرب من 140 امرأة.

وفي دراسة بعنوان «حتى في الشهادة اجعلونا شركاء: الجندر وتنظيم الدولة الإسلامية» للباحثين سِلتمان وميلينا سميث، نُشرت في مايو/آيار عام 2015، أحصى الباحثان أعداد المهاجرات من أوروبا وماهية الدوافع الإيديولوجية والنفسية لهجرتهن إلى سوريا والعراق. وقد أوضح الباحثان أن ما يقرب من 90% من المهاجرات كنّ دون 30 عامًا، وكثيرات منهن دون 25 عامًا، وأن من أسباب هجرتهن الرئيسية الشعور بالاغتراب وفقدان الهوية وسط مجتمعات حداثية علمانية لا يشعر المسلم فيها بالدفء بل يشعر بالاغتراب.

هذا أيضًا ما استنتجه الباحثان ويليام مكانتس وكريستوفر ميرسول في معهد بروكنجز الأمريكي عندما نشرَا دراسة يوضحان فيها أن من أسباب جذب المواطنين في فرنسا إلى التنظيمات الأكثر راديكالية سياسة الدولة الفرنسية نفسها تجاه المسلمين والدين الإسلامي، وصعود اليمين الشعبوي وخطابه الذي يتهجم على المهاجرين ودياناتهم وأعرافهم ومجتمعاتهم وشعائرهم، ممّا ينمي شعور الاغتراب، بالإضافة إلى قصص الحب والزواج والصديقات وزملاء الجامعات التي تساعد كثيرات على التأثُر بأفكار المحيط، وسرعان ما ينخرطون في تنفيذ ما تأثروا به تاركين كل شيء وراءهم؛ ناهيك عن الشعور الإنساني تجاه الكوارث والحرب والدمار التي حدثت في بلدان مثل سوريا والعراق.

كانت تلك الأسباب التي ذكرت وغيرها كافية لاستقطاب المهاجرات إلى أرض التنظيم لاسيما في أعوام 2014 و2015 و2016. ولكن سرعان ما تبخر حلم الدولة القائمة وهُدمت أعمدتها عندما هاجم التحالف الدولي بقيادة واشنطن مع القوى الكردية والشيعية والروسية والنظامية السورية والعراقية كافة معاقل التنظيم بسوريا والعراق، ليأتي فبراير/شباط من عام 2019 ولم يبقَ لتنظيم الدولة الإسلامية سوى 700 متر من قرية الباغوز المحاصرة شمال سوريا.

اختفى آلاف المقاتلين والمهاجرين ما بين قتيل ومطارد وسجين في السجون العراقية والكردية والسورية؛ وتحول حلم الخلافة لدى المهاجرات إلى تمني العودة إلى سجون بلدانهم!


موقف الأنظمة من العودة

أجرت صحيفة «التايم» البريطانية وقناة «سكاي نيوز»حوارًا مع الفتاة البريطانية شميما بيغوم وهي محتجزة في مخيمات تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وشَميما هي من النماذج الشابة البريطانية التي سلف ذكرها من المهاجرات. وقالت شميما إنه بعد وصولها إلى الرقة بنحو 10 أيام، تزوجت من هولندي وأنجبت منه طفلين. وقد مات زوجها في القتال، كما مات طفلاها بسبب سوء المعيشة، ولكنها كانت قد أنجبت طفلًا ثالثًا. وقالت الفتاة إنها تريد العودة إلى بريطانيا لتربي طفلها بسلام. وعند سؤالها عن الندم حيال هجرتها، أجابت بأنها ربما تكون قد اقترفت خطأ، ولكنها لم تندم لأنها أصبحت أقوى بعد هجرتها.

وحث دونالد ترامب حكومات الدول الأوروبية للسعي لاستعادة المهاجرين الأجانب الذين تحتجزهم قوات قسد الكردية، وقدرتهم بنحو 800 مقاتل بالإضافة إلى عائلاتهم من نساء وأطفال. وقد هدّدت قسد بإطلاق سراحهم إن لم يعودوا إلى بلدانهم.

في الوقت نفسه الذي صدر فيه تصريح ترامب، ظهرت الفتاة الأمريكية هدى مثنى في مخيمات النساء لدى الأكراد في حوار أجرته معها قناة «abc نيوز» الأمريكية، طالبت فيه هدى بالعودة إلى أمريكا، وأعلنت أنها نادمة لالتحاقها بتنظيم الدولة الإسلامية؛ فجاء رد دونالد ترامب بتغريدة له على موقع تويتر بأنه أعطى التعليمات لوزير خارجيته بومبيو بعدم السماح لهدى مثنى بالعودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وأبدت ردود فعل الدول الأوروبية تجاه المقاتلين قلقًا كبيرًا، حيث صرح رئيس الحكومة البلجيكية شارل ميشال بأنه يأمل أن تتم محاكمة الجهاديين الأجانب المحتجزين في سوريا «على أبعد تقدير» في المنطقة التي عاثوا فيها فسادًا. واستاءَت نيكول بيلوبيه، وزيرة العدل الفرنسية، من تهديدات ترامب، وقالت إن فرنسا أعدت نفسها في حال كان هناك جديد، لكنها لا ترد على هذه التعليمات (من قبل ترامب) وتحتفظ بحقها في التعاطي مع كل حالة على حدة. وأشار هايكو ماس، وزير الخارجية الألماني، إلى ندرة المعلومات الواردة من سوريا التي تتيح إجراء ملاحقات قضائية في ألمانيا، مضيفًا أن برلين «تريد التشاور مع فرنسا وبريطانيا حول كيفية التحرك».

ومن المتوقع أن نساء التنظيم الأجنبيات اللاتي تحتجزهن القوات الكردية ستطول إقامتهن شيئًا ما بالمخيمات في سوريا لخوف حكوماتهن من استعادتهن لعدم ضمانها تشكيل بؤر إرهابية والقيام بعمليات تفجيرية كما حدث من ذي قبل في فرنسا وبريطانيا وبلجيكا.


خلاصة

داعش, مقاتلات
داعش, مقاتلات

ظلَّ تجاهل دور المرأة المسلمة في رفع السلاح قائمًا في أدبيات الحركة الوهابية في الحجاز والإخوانية في مصر، وكان التركيز الأساسي في أدبياتهما هو على لزوم البيت والتعفف وتربية رجال الإسلام. وقد شجعت أفكار قُطب أذهان الأخوات المسلمات بنسبة ولو قليلة نحو التفكير في الجهاد وشرعيته للمرأة مع ازدياد حالة القمع التي عاشتها النساء في المعتقلات وأحكام السجن التي طالتهن كما حدث في مصر في عهد عبدالناصر.

وقد شكّلت الحرب في أفغانستان ضد القوات السوفيتية واقعًا عمليًا يدفع المرأة المسلمة لكي تشارك في عمليات قتال العدو الخارجي. وقد أفتى عبدالله عزام والدكتور فضل بشأن جهاد دفع المرأة تجاه العدو دون استئذان زوجها. وقد عاشت المرأة الأفغانية واقعًا عمليًا أقل ممّا حدث بعد ذلك في العراق بعد دخول الولايات المتحدة، حيث شهدت العراق عمليات انتحارية بالعشرات لنساء بهدف تحرير الأسيرات المسلمات وكبح جماح العدو الخارجي؛ وهكذا بدأت التحولات الفكرية العملية نحو فكرة جهاد المرأة التي وصلت إلى ذروتها في سوريا على شريعة تنظيم الدولة.

أصبح تنظيم الدولة ملاذًا كبيرًا لدوافع كثيرة عند كل من هاجرت إليه من النساء؛ فهو واقع عملي لتجزر أفكار السلفية الوهابية والقطبية في نساء القاعدة وغيرهن، فهو في نظرهنّ دولة بل ويوتوبيا الإسلام والمسلمين الذين تنطرح رفاتهم في كل مكان. كان التنظيم حلمًا للساعين إلى القوة والحماية. كما أن تفتت حلم الثورات الربيعية في المنطقة، شكّل عقيدة قوية أن الحق لا يُأخذ إلا بالقوة التي وجدها أفراد التنظيم في نظيمهم الذي أقام الحدود على الجواسيس بلا رحمة. كذلك كان التنظيم ملاذًا شعوريًا بالأمان لمن تربوا وعاشوا بالمجتمعات الغربية العلمانية، مثل فرنسا وألمانيا وغيرهما. هذا كله فضلًا عن الآلة الإعلامية والدعائية التي بناها التنظيم من عشرات المجلات والإِذاعات والمطبوعات والوثائق التي تطبع وتوزع ورقيًا وإلكترونيًا ببضع لغات، والبيانات والأفلام والفيديوهات العالية الجودة على وسائل التواصل الاجتماعي.

بعد انهيار التنظيم وشتات أفراده، شعرت النساء اللواتي انضممن إليه بخيبة أملهن. فالعربياتِ منهن سَتتولى حكوماتهنّ مصيرهن المعروف، ألا وهو السجن. وأما الأوروبيات، فهن عبء على حكوماتهنّ التي تترد حيال رجوعهنّ، وتسعى لمحاكمتهنّ في المناطق اللواتي عسين بها فسادًا.

المراجع
  1. أبـو مصعـب الزرقـاوي، أينقـص الديـن وأنا حـي؟، بتاريـخ 7 يوليـو 2005، الأرشيف الجامع لخطابات أبو مصعب الزرقاوي – شبكة الرباق الإسلامية، ص299.