(1)

لأن العنف ينتج العنف .. والجنون ينتج الجنون .


(2)

Antisocial Personality Disorder

ما يعرف ب ” اضطراب الشخصية اللا اجتماعي ” .. أحد أسوأ أنواع الاضطرابات الشخصية، يعادي المصاب به دائمًا المجتمع، مع ميل كامل لانتهاك حقوق الآخرين والإعتداء عليهم بكل الأشكال الممكنة، يصاحبه تضخم في الذات واحتقار من حوله .

يُسمح لضباط الشرطة باستخدام القوة قانونيًا هم ومديريهم، يتوقع العامة أن يفعلوا ذلك، مع التعامل المستمر بهذا القدر من السلطة، يتطور لدي ضباط الشرطة ومنفذو القانون عمومًا شعور بأنهم مسئولون مسئولية كاملة عن المجتمع وأوصياء عليه، مع تطور الشعور لدي بعضهم وصولًا إلي إيمانهم بأنهم فوق المسائلة والقانون

جيروم هيربرت سكولنيك – أستاذ علم الاجتماع في جامعة نيويورك والرئيس السابق للجمعية الأمريكية لعلم الجريمة


(3)

لا يمكنك أن تفهم ما يحدث إلا بالرجوع للعام الأخير، حيث تفتح غابة النظام الحاكم أبوابها لتلتهم حيواناتها الشعب ..

في فناء سجن أبو زعبل شمال شرقي القاهرة هناك عربة ترحيلات بسيطة، العربة بها 45 معتقلًا محشورين في درجة حرارة بلغت حينها 31 درجة مئوية، وهو ما يعنى ارتفاعها بالضرورة لحدود قصوي بداخل العربة مع تناقص الأكسجين وهيكل العربة المعدني الممتص للحرارة وطاقة استيعاب العربة الضيقة التي تقدر ب 24 سجينًا وهو ما أكدته النيابة المصرية حينها في تقرير لها .. بالتالي، تحولت السيارة لفرن كبير لا مكان فيه للجلوس ..

المعتقلين، بلا أي أدلة، كانوا يمتصون قطرات العرق من ملابسهم لمعالجة الجفاف الذي كان كفيلًا بقتلهم، بعد ست ساعات، ومع نظام تهوية لا يعمل بدأ المعتقلون في الإختناق، والطرق بما أوتوا من قوة على جدران العربة بينما يقهقه الضباط في الخارج رافضين أن يفتحوا لهم الباب ..

ربما تمثل حادثة عربة الترحيلات علامة فارقة دالة علي مقدار ما قد تصل إليه السلطة من تنكيل بالآخرين

استجاب أحد الضباط للتوسلات .. وقرر إطلاق قنبلة غاز مسيل للدموع بداخل السيارة، مع عوامل الإختناق، الست ساعات، الجفاف من نقص المياه، والسيارة التي تحولت لفرن مشتعل، حدثت المذبحة .. لينجو ثمانية فقط من أصل 45، ويتم نقل 37 جثة منتفخة ومشوهة بفعل إختناقات الغاز المسيل للدموع ..

بعد عام تقريبًا، سيتم إصدار حكم بمعاقبة ضابط واحد ب 10 سنوات مع الشغل والنفاذ وأحكام بالسجن ثلاثة سنوات مع وقف التنفيذ لثلاثة ضباط آخرين، وهى أحكام سيتم إلغائها فيما بعد وقبول استئناف الضباط عليها وسط ذهول أهالي الضحايا !

ربما تمثل هذه الحادثة علامة فارقة دالة علي مقدار ما قد تصل إليه السلطة من تنكيل بالآخرين، لكن هذا لا يمنع أن عصر ما بعد فض السلطة الدموي لرابعة كان مبهرًا، انطلقت فيه الشرطة المصرية من الانتهاكات المتعارف عليها لانتهاكات التتار بالمعني الحرفي للكلمة !

أحد أمناء شرطة قسم إمبابة اغتصب فتاة مصابة بإعاقة عقلية داخل القسم نفسه، أمينان آخران شاهدا فتاة وشابًا في سيارة فصرفا الشاب ثم اقتادا الفتاة لمكان غير معلوم وتناوبا على اغتصابها وهى واقعة أثبتها الطب الشرعي فيما بعد بأدلة قاطعة، لكن القضاء _ ركن النظام الحاكم الركين _ كان له رأى آخر ..

العامل المشترك في القصتين : الثلاثة أمناء شرطة ( براءة ) !!

منذ أيام قليلة، أحد ضباط شرطة الإسكندرية برتبة ” رائد ” قرر أن يسير في أحد شوارع كليوباترا عكس اتجاه السير القانوني، في المقابل، سائق تاكسي في مساره الصحيح واتجاهه القانوني، حدث التلاقي، النتيجة هي نزول الرائد من سيارته، ولأنه ضابط شرطة يحق له أن يفعل ما يشاء، قام بتقييد سائق التاكسي في منتصف الشارع، ثم إيقاف سيارته أمام التاكسي وسط توسلات الناس بفك القيود عن الرجل العجوز، مدخنًا سيجارته بكل هدوء .. وليحترق العالم.


(4)

لا أحد أبدًا ضد حقوق الإنسان، ولكننا في ظرف إستثنائي .. هل يعقل ألا تكون هناك تجاوزات؟

عبد الفتاح السيسي في كلمته التي ألقاها بمناسبة عيد الشرطة المصرية

مقرًا بتجاوزاتها ومبررًا ذلك بالظرف الاستثنائي الذى تمر به مصر الآن !!


(5)

أنا ابن الفلاحين، وأعلم تمامًا بما يحدث في القري، لهذا أردت أن أنتقم، ولا أندم علي أي شيء !

جافريلو برينسيب – بعد اغتياله لولي عهد النمسا وزوجته ليتسبب في اندلاع الحرب العالمية الأولي

إريك جارنر .. رب أسرة أمريكي تقليدي .. بوزن 350 رطلًا ” 150 كجم ” وطول 1.91 مترًا .. أب ل 6 أولاد وله ثلاثة أحفاد .. يعرف بين أصدقائه وجيرانه ب ” الجار صانع السلام ” .. ومحل إقامته في جزيرة ستاتن في ولاية نيويورك ..

في 17 يوليو من العام الماضي، أوقف ( دانيال بانتاليو ) ضابط من NYPD ” شرطة نيويورك ” جارنر بتهمة بيع السجائر المهربة بلا ضرائب، قاوم جارنر المقاومة العادية التي لا تؤدي لشىء ذي عنف والتي اعتادها ضباط الشرطة مع إخبار دانيال بجمل تقليدية عن أنه لم يفعل شيئًا، مع المقاومة، قام بانتاليو بطرح جارنر أرضًا ثم تقييده بواسطة الضغط على رقبته وعلي صدره، جارنر _ الذى يعاني من مشاكل صحية _ كرر بصعوبة و أكثر من اثنى عشرة مرة أنه لا يستطيع التنفس قبل أن يتركه بانتاليو أخيرًا ..

زملاء دانيال قاموا بقلب جارنر على جانبه ثم انتظروا الإسعاف لمدة 7 دقائق بلا فعل لأى شيء، لتأتى الإسعاف بعدها ثم تأخذ إريك للمستشفى ليتوفي عند لحظة وصوله لها !!

صدر تقرير الطب الشرعي ليؤكد أن جارنر توفي نتيجة خنقه بواسطة شخص أو أشخاص بطريقة شديدة وخاطئة، وليضع وفاة جارنر بصورة رسمية ك ” جريمة قتل ” !

بعدها، وفى ديسمبر من أواخر 2014 .. قررت هيئة المحلفين في قضية جارنر اعتبار الضابط ” دانيال بانتاليو ” غير مذنب مع عدم توجيه أي إتهامات بالقتل له .. وهو الأمر الذي كان شبيهًا بالزلزال وتسبب في مظاهرات بالآلاف إحتجاجًا على قرار هيئة المحلفين وبالتالي المحكمة ..

الآن تبدأ الحفلة !

بعد أسبوعين ونصف، سيكتب أحد الشباب ويدعي إسماعيل عبد الله برينسلي على حسابه في أنستجرام ” سأضع أجنحة للخنازير اليوم .. لقد أخذوا واحدًا مننا .. لنأخذ إذا اثنين منهم ” ..

بالطبع الخنازير هنا هم الشرطة، و ” Put wings ” تعبير أمريكي قح عن ارسال شخص ما للرفيق الأعلى !

سينزل إسماعيل إلي شوارع نيويورك في وضح النهار .. ثم يقترب من سيارة شرطة يجلس بها الضابطين ” رافائيل راموس ” و ” وينجيال ليو ” واللذان لن يريا عائلتيهما مرة أخري، ثم سيضربهما بالرصاص في الرأس مباشرة، بعدها، سيعدو إلي أقرب محطة مترو ليقتل نفسه حسب تصريح شرطة نيويورك الرسمي ..

لأن العنف طريق ذو اتجاهين دائمًا !!


(6)

يجلس السيد أيمن الدسوقي ومعه شخصين آخرين في سيارة صغيرة الحجم على إحدى الطرق الأسفلتية في غرب مدينة رفح .. بالجوار بضعة سيارات أخري في طريق يبدو حيويًا بشكل ما منها سيارة برفقة سيارة أيمن .. يقف أحد الأشخاص حاملًا قاذفًا صاروخيًا على الكتف وبضعة أشخاص آخرين بالمدافع الرشاشة .. ما يعرفه الشعب المصري بكمائن جماعة بيت المقدس الجهادية المبايعة لتنظيم الدولة الإسلامية ” داعش “

تتضح الصورة ببساطة شديدة كدرس عملي تمامًا يقدمه النظام الأمني عما ينبغي أن تفعله كمواطن لتحظى باحترام الداخلية، الدرس هو : استخدم السلاح !

يتم جر النقيب أيمن من السيارة وهو يردد في توسل ” أنا مراتي حامل ” مكررًا إياها بلا توقف .. بينما الخمسة الآخرون في السيارتين يكررون للكمين بكل الأشكال أنهم ليسوا من الشرطة وأنهم موظفون في إدارة الجمارك .. ثم خُطف أيمن لأنه أبرز بطاقته الشخصية وبها عمله كضابط شرطة .. ليتم بعدها إعدامه بالرصاص ولتنشر جماعة بيت المقدس فيديو يثبت ذلك !

فيما بعد، وفى أزهي عصور المسخرة، ستنشر اليوم السابع خبرًا يوضح الشخصيات التي كانت ترافق النقيب أيمن أثناء الحادثة، والذين أنكروا تمامًا صلتهم به عندما سألهم أنصار بيت المقدس عنه وأنهم وجدوه على الطريق وتم تثبيتهم في استسلام تام منهم، الأشخاص هم ثلاثة ضباط يعملون في المنفذ البري، ورئيس مباحث الميناء، و ” اللواء ” محمد جاد مدير إدارة شرطة منفذ رفح البري بنفسه !

وزير الداخلية ” محمد إبراهيم ” أحال الخمسة لهيئة التفتيش بالوزارة لمحاسبتهم على اتهامات أهمها عدم الدفاع عن النقيب أيمن أثناء اختطافه وإنكارهم صلتهم به، بينما تتضح الصورة ببساطة شديدة بشكل 3D كدرس عملي تمامًا يقدمه النظام الأمني عما ينبغي أن تفعله كمواطن لتحظى باحترام الداخلية ولتفعل ما تشاء بهم ..

الدرس هو : استخدم السلاح !


(7)

لا عدل إلا إن تعادلت القوي .. وتصادم الإرهاب بالإرهاب
أبو القاسم الشابي

علاقة الفرد بالسلاح في مصر شديدة البساطة والوضوح، تحتكر الدولة السلاح في مقابل بسطها للأمن بدلًا من قيام كل مواطن بهذا الدور بنفسه، طبعًا هذا هو تعريف الكتب الأكاديمية أو بتعبير الكاتب علاء الدين أبو زينة فهذه هي الدولة بصورتها المثالية ..

ثقافة إمتلاك السلاح الفردي غير منتشرة في مصر بالمرة، مع حرص شديد من النظام الحاكم منذ القدم على جعل الأمر في هذا النطاق في الدلتا وشمال مصر عمومًا، أما الصعيد فتفاهمات العائلات الكبيرة ومهارة النظام في دمجها فيه سياسيًا جعلت إمتلاكها لكم من الأسلحة يبدو غير مألوف لدي المصريين مأمون العواقب .. ومادام السلاح لا يوجه للنظام فلا داعى للخوض في مواجهات غير مبررة أو مطلوبة ..

حسنًا، هذا العصر، وهذه العلاقة على وشك الإنتهاء !!

عندما تترك لعدوك شيئًا يخاف أن يخسره فأنت تمنعه من تحويل نفسه لقنبلة موقوتة ستنفجر أول ما تنفجر في وجهك أنت

يعرف طلاب العلوم السياسية المراحل التقليدية التي تمر بها أي دولة بعد أن يتم فيها انقلاب عسكري أو تغيير للسلطة بالقوة، حيث تصبح السيطرة هوسًا ضروريًا لضمان السيطرة على الأمور، فيتم اعتقال أكبر عدد ممكن من مناصري النظام المنقلَب عليه، وقطع أذرعه الإعلامية والاقتصادية والاجتماعية، تشويهه بكل الأشكال، ومحاولة تطهير الدولة منه لصالح النظام الجديد المنقلِب ..

في هذه المرحلة، هناك حد أقصي من القوة لا ينبغي تعديه بأي شكل، التوازن المطلوب بحيث يترك النظام لمن يقمعهم شيئًا أو أشياءً ليخسروها، نمط تدركه تل أبيب نفسها في التعامل مع الفلسطينيين فلا تنتهج الغباء في كل لحظة .. عندما تترك لعدوك شيئًا يخاف أن يخسره فأنت تمنعه من تحويل نفسه لقنبلة موقوتة ستنفجر أول ما تنفجر في وجهك أنت ..

ما يحدث هنا هو الصورة المثلي من الغشامة المطلقة وهو نوع نادر من الغباء لم أقرأ عنه في أي إنقلاب عسكري، مجموعة من أفيال الماموث التي تركت لتعيث فسادًا في الأرض، أي شخص الآن يرتدي شارة من أي نوع يستطيع أن يفعل ما يشاء وأن يأمن العقاب لأنه لا عقاب، الشرطة تغتصب وتقتل والقضاء يبرئ والإعلام يغض البصر ورأس النظام يخرج مبررًا ما يحدث بظروف استثنائية .. لأن الظروف الاستثنائية تتطلب انتهاكات استثنائية بالطبع !!

بالتالي، طرف يمتلك كل القوة، كل الأسلحة، القانون، ويدفع في اتجاه العنف بكل قوته وغبائه، ولا محاسبة، طرف يصنع ما يطلق هو عليه ” الإرهاب ” صنعًا بمنتهي الكفاءة .. من يمكنه اللوم على ما تفعله الضحية قبل الذبح ؟!!

لأن الدماء طريق ذو اتجاهين، ولأن لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في المقدار .. ومساوٍ له في العنف !

هذه المرة، وبكل هذه المتغيرات في المنطقة، لن تكون هناك إعادة لعصر التسعينات حيث الجماعة الإسلامية ضد نظام حسني مبارك، سيصبح الأمر أوسع من ذلك، مع التغيرات المثيرة للتأمل التي تصيب التيار الجهادي حاليًا .. النظام، بعبقرية نادرة، يخلق بؤرة جهادية هو نفسه يروج طوال الوقت من خلال إعلامه أنه ما أتي إلا ليخلص مصر منها، عندما تغتصب فتاة وتعتقل والدها وتعذبه لن يقابلك أخوها بالورود بالتأكيد ..

منذ عام تقريبًا، كنت أسير مع صديق في أحد شوارع القاهرة نتكلم فيما يحدث، كنت أقول له أن ما يحدث من هولوكوست لفصيل معين سيفضي في النهاية لعصر جهادي جديد، حيث يكفر الجميع بالسلمية وأي مرادف لها، يتجاوز أغلب الناس التوتر والموروثات الاجتماعية بينهم وبين اقتناء وحمل السلاح الشخصي، ثم سيبدأ حينها العصر المبهر الذي دفع النظام الناس إليه دفعًا ..

عصر المقاومة المسلحة للنظام الحاكم لجمهورية مصر العربية !

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.