من المفترض أن نزيل الأصفار من الريال لمنحه قيمته الحقيقية.
محمود أحمدي نجاد، الرئيس الإيراني السابق في حديث عام 2010.

في العشرين من يناير/كانون الثاني عام 2010، العاصمة طهران-إيران، خرج الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد للشعب الإيراني، مُعلنًا اعتزام إيران حذف ثلاثة أصفار من عملتها الوطنية بعد طرح الفكرة قبل ذلك بعامين.

جاء بذلك القرار وسط انتقادات صاحبت إعادة انتخابه في يونيو/حزيران من عام 2009، ووسط الدعوات المتلاحقة للتظاهر ضده بحجة فشله في كبح جماح التضخم المتزايد في الدولة الإيرانية.

لم تكن تلك المرة الأولى التي فكرت فيها السلطات الإيرانية في خطة إعادة تسمية العملة الإيرانية لتجميل صورة الاقتصاد الإيراني، بل طُرحت من قبل في عام 1994 حين بلغ معدل التضخم نسبة 49% وسط مخاوف جمة من تفاقم معدل التضخم.

لكن كلا المحاولتين باءتا بالفشل وحاوطتهما العديد من الشكوك التي منعت المسؤولين من التوصل لاتفاق حول كيفية تنفيذ الخطة.

غير أن الفكرة عادت للطرح مرة أخرى في ظل أوضاع معيشية قاسية، واقتصاد يئن وأزمة اقتصادية طاحنة وخسارة الريال لأكثر من 60% من قيمته بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات الأمريكية في عام2018.

ومع تعمق المعاناة التي يكابدها الشعب الإيراني يومًا بعد يوم خاصة بعد تفشي فيروس كورونا وإجراءات الإغلاق العالمية التي تسببت في شلل شبه كلي للأنشطة الاقتصادية في الدولة، كان الدافع قويًّا أمام البرلمان الإيراني للموافقة على قرار الحكومة بحذف أربعة أصفار من العملة الوطنية وتسميتها باسم تومان، في الرابع من مايو/آيار الماضي.

لماذا تلجأ الحكومات لإلغاء الأصفار في أوقات الأزمات؟

تعتمد قيمة العملة الوطنية لأي بلد على عدد لا يحصى من العوامل، والتي يقف على رأسها الوضع الاقتصادي للدولة وكفاءة الحكومة في إدارة الأزمات الاقتصادية.

فضلاً عن مدى الاستقرار السياسي والقانوني والقضائي الذي يمثل عامل جذب هام للاستثمارات الأجنبية، ومراعاة القانون الدولي ومدى القدرة على التوافق مع التغيرات العالمية، وفي حال المساس بأي من تلك العوامل، تنخفض قيمة العملة بالتبعية.

وتحدث ظاهرة «استبدال العملة» حين يُظهر الأشخاص- بالتوازي مع انخفاض قيمة العملة الوطنية- ميلاً إلى استخدام العملات الأجنبية في تبادلهم اليومي.

ولعل اللجوء إلى حذف الأصفار في الاقتصاد يستهدف بالمقام الأول تحسين قيمة العملة الوطنية. فإزالة الأصفار من العملة الوطنية هو إجراء سياسي تلجأ إليه الحكومات، كجزء لا يتجزأ من حزمة الإصلاحات الاقتصادية. كما أنها أداة في يد الحكومات تهدف بها لدعم قوة العملة، وتعزيز ثقة الجمهور فيها.

جدير بالذكر، أن ذلك النوع من السياسات لم تلجأ إليه إيران فحسب، بل سبقتها في ذلك العديد من الدول.

فخلال العقود القليلة الماضية، اتجهت العديد من البلدان لإعادة تسمية عملتها الوطنية بهدف محاربة التضخم الجامح دون ترك أي تأثير كبير على الوضع الاقتصادي العالمي، باستثناء بعض الاقتصادات التي فشلت في تفادي الأثر السلبي لذلك القرار.

تعد زيمبابوي مثالاً على تلك الاستثناءات التي كان القرار فيها شكليًّا، ولم يكن مصحوبًا بأي محاولات جدية لمعالجة المشاكل الاقتصادية الكامنة. ففي عام 2009، شطبت زيمبابوي اثني عشر صفرًا من الدولار الزيمبابوي بعد موجة من التضخم الجامح، الذي بلغ 79 % مع تضاعف الأسعار كل 24 ساعة.

حينها كانت أعلى قيمة نقدية للدولار الزيمبابوي هي 100 تريليون، ذلك الرقم لم يكن كافيًا لشراء رغيف خبز. لكن قرار حذف الأصفار لم يكن حلًّا جذريًّا، فلا تزال المشاكل الاقتصادية في الدولة موجودة في ظل ارتفاع أسعار السلع لديها بنسبة 670%.

كذلك، فإن الأرجنتين والبرازيل ونيجيريا من بين الدول التي لجأت إلى إعادة تسمية عملتها الوطنية في أعقاب التضخم الجامح الذي شهدته، بعد سنوات من الصراع مع ارتفاع معدلات التضخم.

كذلك قررت تركيا في عام 2005 إزالة الأصفار من أوراق الليرة التركية، لكن تلك الخطوة أعقبتها إصلاحات اقتصادية واجتماعية. فبعد مواجهة الأزمة المالية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي العشرين، حررت أنقرة السوق واتجهت لخصخصة الشركات التي تديرها الدولة وقلصت الضوابط على رأس المال مما شجع على زيادة الاستثمار الأجنبي.

كما أصلحت النظام المصرفي وحسنت العلاقات مع جيرانها الأوروبيين وخفضت التضخم إلى أدنى مستوى له منذ 30 عامًا. كل تلك الإجراءات سهلت على رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان آنذاك اتخاذ قرار شطب الأصفار من الأوراق النهائية. واحتفالاً بذلك، قال أردوغان في ذلك الوقت:

نحن سعداء للغاية بتخليص تركيا من هذا العار، من الأوراق النقدية متعددة الأصفار. نحن سعداء لإعادة كرامة الليرة التركية

تهاوي قيمة العملة الإيرانية ليس جديدًا

منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979 إلى السلطة، واجهت إيران انخفاضًا مطردًا في قيمة عملتها الوطنية.

بدأت القصة مع انهيار حكومة الشاه المتحالف مع الغرب في أعقاب قيام الثورة الإسلامية، وترك عدد من رجال الأعمال الإيرانيين بلادهم، خشية التعرض للاضطهاد، ومعهم ثرواتهم.

وفي أعقاب انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1989، حاولت الحكومة الإيرانية إعادة بناء اقتصادها الذي أنهكته الحرب، وهو ما استغرق نحو ثماني سنوات. وأثناء تلك الفترة، خسر الريال ما يقرب من 100% من قيمته مقارنة بالدولار الأمريكي بسبب التضخم الجامح والطباعة غير المقيدة للعملة.

لكن التهاوي الأكثر سوءًا وانخفاضًا في قيمة العملة، جاء خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الإيراني السابق محمود أحمد نجاد. فقبل مغادرته للسلطة في عام 2013، خضعت إيران لعقوبات دولية صارمة كانت السبب في هبوط قيمة الريال الإيراني بنسبة 400% تقريبًا في أسواق العملات العالمية.

في ذلك الوقت، كان الاقتصاد الإيراني قد أوشك على الانهيار، إلى أن أجبرت الأزمة الاقتصادية القادة الإيرانيين على إعادة النظر في رفضهم الشديد للتفاوض حول البرنامج النووي الإيراني. وتحت ضغط شديد، استجابت إيران للضغوط الدولية ووافقت على الاتفاق النووي الإيراني.

لكن مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، تأثرت كافة جوانب الاقتصاد الإيراني سلبًا. فاستمر تراجع الريال، حتى بات أضعف بنسبة 600% تقريبًا في مقابل الدولار الأمريكي مقارنة بما كان عليه قبل الثورة الإسلامية.

فقد حدت العقوبات من قدرة إيران على بيع النفط، ومن ثم انحصر مصدر دخلها الأساسي. ومع تطبيق الحكومة أيضًا قواعد صارمة بشأن الوصول للعملات الأجنبية، ازدهرت السوق السوداء للنقد غير الإيراني داخل البلاد، مما تسبب في زيادة تآكل قيمة العملة الوطنية.

أثر جائحة كورونا

أدى الوباء العالمي إلى زيادة الضغط على حياة المواطنين الإيرانيين، في الوقت الذي بلغ فيه الصبر مداه عن الأوضاع الاقتصادية المخزية، التي سببتها سياسة الضغط القصوى الأمريكية على إيران.

إذ ينال فيروس كورونا بدوره من صادرات إيران النفطية، التي كانت قد شهدت بالفعل تراجعًا خلال العام الماضي بفعل العقوبات الأمريكية. ومع توالي الأزمات الاقتصادية، تصبح قدرة قطاع النفط الإيراني-في ظل تراجع الأسعار -على الصمود شديدة الضعف.

كما يضر تفشي الفيروس التاجي بصادرات إيران غير النفطية في ظل تراجع أسعار النفط العالمية، إذ تشكل صادرات البتروكيماويات والسوائل الغازية ما يقدر بنحو 43% من إجمالي الصادرات غير النفطية في إيران، أي أن ما يقرب من نصف الصادرات غير النفطية في عرضة لتراجع قيمتها نتيجة لتراجع أسعار النفط.

ومع تراجع استيراد مدخلات الإنتاج نتيجة لتعطل حركة التجارة بفعل الإغلاق العالمي، واجهت وحدات الإنتاج في إيران تراجع في نشاطها وتعطل في إنتاجيتها.

كذلك تضررت علاقات إيران التجارية والاقتصادية مع دول الجوار المباشر المتمثلة في العراق وتركيا ودول القوقاز وآسيا الوسطى، والتي كانت تضعها طهران ضمن أولوياتها للتغلب على الآثار السلبية الناجمة عن العقوبات الاقتصادية.

لكن تفشي الفيروس التاجي من المتوقع أن يؤثر سلبًا على جهود الاندماج الاقتصادي في ظل إغلاق الحدود بين إيران ودول الجوار.

ليس ذلك فحسب، فمنذ فرض العقوبات الأمريكية في نهاية 2018، عمدت إيران إلى تنشيط قطاع السياحة لجذب العملة الصعبة. حتى إنه زار إيران خلال العشرة الأشهر الأولى من العام المالي 2019-2020 نحو ثمانية ملايين سائح أجنبي، أنفقوا في إيران حوالي 4.1 مليار دولار خلال ذلك العام. لكن نتيجة لتفشي الفيروس التاجي، وسياسات الحمائية والإغلاق التي تتبعها دول العالم، يصبح قطاع السياحة في إيران مهددًا.

هل تحل إعادة تسمية العملة المشاكل الاقتصادية لإيران؟

سيكون له تأثير نفسي أكثر لأنه بدلاً من دفع 250 ألف ريال مقابل علبة بيض، ستدفع 25 تومان فقط.
صحفي مقيم في إيران لـ «تي آر تي وورلد»

كان الهدف الرئيسي من الموافقة في مشروع القرار في ذلك الوقت تحديدًا، دون ربطه بأي إجراءات وقائية، تحقيق أهداف نفسية أكثر منها اقتصادية. فتلك الخطوة هي بمثابة جهد يائس من قبل القيادة الإيرانية ترجو منه طمأنة شعبها وتهدئة الغضب المشتعل بين الناس والذي يزداد كلما زادت الظروف المعيشية تدهورًا وقسوة في ظل ارتفاع الأسعار.

بيد أن تنفيذ سياسة إعادة التسمية هذه، لا يزال يتطلب موافقة هيئة من رجال الدين تتولى فحص القوانين قبل أن تصبح سارية، وفترة تمهيدية لمدة عامين أمام البنك المركزي الإيراني لتطبيق السياسة بالكامل.

إلا أنه بالعودة إلى الأثر النفسي لذلك القرار، فإن إزالة الأصفار من شأنه أن يقلل من الصعوبة الحالية في المعاملات المالية وعبء حمل كميات هائلة من الأوراق النقدية حتى لوحدات شرائية صغيرة. فمثلاً يكلف كيلو جرام واحد من الطماطم فقط نحو 64 ألف ريال إيراني، وبالتالي فإن ذلك القرار له تأثير عاطفي ونفسي إيجابي، إذ ستصبح أسعار السلع الاستهلاكية – على الأقل – اسميًّا، أرخص من ذي قبل.

كما أن القيادة الإيرانية تأمل من ذلك القرار إقناع الشعب الإيراني بأن قيمة العملة أصبحت أقوى، وأنه من الممكن استخدامها الآن لشراء المزيد من المنتجات.

الأمر الذي قد يقلل من تخلي الإيرانيين عن العملة الوطنية ولجؤوهم للتعامل بالعملات الأجنبية التي باتت شحيحة وتتزايد أسعارها في السوق السوداء يوميًّا. كما يروج داعمو تلك السياسة لأن القرار يستهدف تعزيز قيمة العملة الوطنية وخفض معدل التضخم.

لكن على الجانب الآخر، فإن تعزيز الإنتاج المحلي والطلب على العملة الوطنية لا يكون إلا من خلال زيادة الصادرات. فمن أجل زيادة قيمة العملة الوطنية لأي بلد، يجب أن يكون الاقتصاد موجهًا نحو زيادة الإنتاج.

لذا تحتاج الحكومة إلى خلق بيئة محلية تساعدها على زيادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية وتشجيع المنافسة الحرة وتقوية القطاع الخاص. كما يتوجب عليها الحد من السيولة واعتماد سياسات أخرى لتعزيز اقتصاد البلاد بما يتماشى مع متطلبات الوضع الداخلي. الأمر الذي تعيقه العقوبات الأمريكية على إيران، فضلاً عن أزمة تفشي فيروس كورونا الذي زاد الأوضاع الاقتصادية سوءًا.

ختامًا، إذا اتجهت الحكومة الإيرانية لتطبيق إصلاحات اقتصادية وهيكلية جادة قبل تطبيق سياسة إعادة التسمية وحذف الأصفار، فإن إزالة الأصفار من العملة الوطنية يمكن أن يحقق بعض الفوائد الاقتصادية المرجوة. وإذا لم تفعل ذلك، فسيكون محض قرار تجميلي لا قيمة له في الواقع.