أوشك الموسم الرمضاني على الانتهاء، وقاربت كل المسلسلات التي تابعناها أو تابعها غيرنا على أن تنتهي أخيراً، وينتهي معها موسم من أضعف المواسم الدرامية، ليس بسبب الأزمة العالمية التي سيطرت على كل شيء وأثرت بالتبعية على صناعة الدراما، ولكن لأن حتى الأعمال التي استطاعت أن تصمد أمام الجائحة وتصل للشاشة كان مستوى معظمها ضعيفاً، سواء على مستوى الكتابة أو الإخراج أو الأداء، ولم يفلت من سخرية المشاهدين سوى أعمال قليلة جداً، فلتت من السخرية ولكنها لم تخل أيضاً من العيوب بشكل كامل، ومع تفرغ المشاهدين بشكل كامل هذا العام بسبب الأحداث العالمية فإن الأخطاء والاستسهال كانا أوضح وأكبر من أي وقت مضى.

مآسٍ إغريقية VS دراما رمضانية

ياسمين صبري عقب حادثة مهددة للحياة ضمن أحداث مسلسل «فرصة تانية»

عرض هذا الموسم نحو عشرة أعمال درامية جديدة، يدور معظمها حول المآسي والخيانات والقتل والانتقام، الكثير من الصراخ والعويل على كل القنوات، وكأن الدراما لا تكون دراما إلا لو كانت تراجيدية مأساوية، بها ناس يقتلون وآخرون يدفنون أحباءهم، هذا عادي ولا مشكلة فيه، فالتراجيديا والبكاء بضاعة رائجة في سوق الدراما المصرية ويشتريها المشاهد بسهولة، رغم ما يثيره هذا من سخرية لدى المشاهدين الذين يرفعون شعار «كل المآسي طلعت مقاسي» هذا الموسم، ولكنهم يشاهدون الأعمال على أي حال.

المشكلة أن اعتماد صناع الدراما على التراجيديا حول الأمر لمآس إغريقية حقيقية كما يعرفها متخصصو الدراما، فالمأساة الإغريقية غالباً ما تدور حول إثم عظيم وخطيئة كبيرة تدور الدوائر حتى يتلقى مرتكبها عقابه العادل، أو تدور حول طريق وعر محفوف بالمهالك يردي البطل نفسه فيه نتيجة أفعاله ويلاقي الكثير من الأهوال حتى ينقذ نفسه أو تنقذه الآلهة من المصير المظلم، أو يلقى عقاباً يليق بأفعاله ويقتص منه القدر بالعدالة الشعرية.

ألا يذكرك هذا بأي شيء؟ هل شاهدت مسلسل خيانة عهد مثلاً؟ أو مسلسل البرنس؟ أو حتى فرصة ثانية؟ ألم تقع أمامك أي حلقة لمسلسل سلطانة المعز؟ حسناً بإمكانك أن تمسك بالريموت حالاً وتقلب بين قنوات المسلسلات وقف على أي مشهد وسوف ترى مأساة إغريقية كاملة أمامك، لا يجب أن تتابع المسلسل من بدايته، فالمأساة مستمرة منذ أول حلقة وتتجدد تلقائياً، يجب أن يحصل المشاهد على أكبر جرعة من التراجيديا قبل أن ينتهي الشهر الكريم.

الإله من الآلة VS فقدان الذاكرة

دينا الشربيني تفقد الذاكرة من مسلسل لعبة النسيان

ما زلنا مع الدراما الإغريقية، وبعد أن تحدثنا عن المأساة نتحدث الآن عن تكنيك استخدمته تلك المآسي، وهو تكنيك الإله من الآلة، كان المسرح الإغريقي قديماً يستخدم هذا التكنيك لينهي صراع البطل، بعد أن يدور في دائرة مفرغة من الأحداث الملهية، فيظهر فجأة على المسرح إله يخرج من آلة على المسرح ليقر القول الفصل في المأساة ويعطي الحكمة من كل الأحداث التي دارت خلال المسرحية.

ويستخدم هذا التعبير «الإله من الآلة» في الدراما لوصف حدث أو شخص يظهر فجأة ظهوراً غير مبرر ليحل مشكلة درامية في الحبكة غير قابلة للحل، فبدلاً من أن يتعب المؤلف أو المخرج في إيجاد مخرج للأحداث يستخدم هذا التكنيك لينهي المشكلة وليتمكن من استكمال الأحداث بسلاسة.

هذا الموسم خرج الإله من الآلة في معظم المسلسلات، فمثلاً هناك خمسة مسلسلات يفقد فيها أحد الأبطال الذاكرة، عقدة بلا حل تواجه المؤلف فيقرر أن تفقد الشخصية ذاكرتها، رغم أنه وطبقاً لكلام د. حسام فهمي الطبيب بتخصص الأمراض العصبية والنفسية فإن فقدان الذاكرة ليس شائعاً لهذا الحد، وأنه يحدث في حالات محددة جداً، وفاقد الذاكرة لا يغادر فراش المرض ليعيش حياته بطريقة عادية خاصة إذا كان الضرر الذي لحق بالدماغ عميقاً، أيضاً عندما يواجه المريض ألغازاً في حياته التي لا يتذكرها أصلاً يصاب أحياناً بتشوش وبارانويا تمنعه من أن يعيش حياته بطبيعية.

لذلك فإن الإله الذي خرج من الآلة في مسلسل لعبة النسيان كان إلهاً مزيفاً في الغالب، فكل الخطط والمؤامرات التي تحدث على مدار الحلقات غير مستساغة مع طبيعة المرض، أما في باقي المسلسلات التي اكتشفنا فيها أن فقدان الذاكرة نفسه مزيفاً فكان هذا حيلة أسوأ، فقد جعل المؤلفون شخصياتهم تزيف فقدان الذاكرة، وجعل الجميع يصدقون حتى يحلوا عقدة لم تجد لها الشخصيات حلاً مرضياً، وفي الحقيقة لا يحدث هذا في الحياة الواقعية، نحن لا نواجه مشاكلنا بأن نمثل أننا فقدنا الذاكرة، والمفترض أن هذه المسلسلات هي دراما رومانسية، فالشخصيات في «نحب تاني ليه» و«فرصة ثانية» من المفترض أنها تمثلنا جميعاً، ولكننا لا نستخدم هذا التكنيك الساذج في الحياة الواقعية.

ظهر أيضاً تكنيك الإله من الآلة بفجاجة في المسلسل المعجزة فرصة ثانية، عندما أفاق فجأة رجل من غيبوبة ليخبر الشرطة أنه رأي الجريمة التي لم يرتكبها زياد ويحصل زياد على البراءة وتعم السعادة أرجاء المسلسل، أيضاً في مسلسل خيانة عهد يخرج الإله من الآلة في مواضع كثيرة، منها مثلاً أن تتحول المرأة المدمنة الشريرة عبدة المال لشخص متعاون يرضخ لكل طلبات عهد دون أي منطق سوى أنها كانت تحب هشام، المرأة التي من المفترض أنها بلا ضمير أصلاً، أيضاً مسلسل البرنس، يخرج الإله من الآلة ليجعل أحمد زاهر يلقي بطفلة في موقف سيارات لتتوه، مع أنه لم يتورع من قبل عن قتل أمها وأخيها، ولكن إمعاناً في الشر ولكي نبرر الانتقام لا بد أن يحدث حدث كبير جداً غير مبرر درامياً يثير موجة من التراجيديا التي تثري المأساة وتغذيها.

لماذا؟

شريف منير يتظاهر بفقدان الذاكرة من مسلسل ونحب تاني ليه

والآن موعدنا مع السؤال الأهم، لماذا؟ لماذا تنجرف الأعمال الدرامية لهذه الهوة السحيقة من الاستسهال و«الكروتة»؟ هل يراهن صناع الدراما على وعي المشاهد؟ في الحقيقة فإنه رهان خاسر لأنه يعتبر المشاهدين حفنة من الأطفال التي سوف تبتلع أي هراء يقدم وسوف يصدقون أنها دراما جيدة ويحتفون بها، رهان خاسر لأننا في عصر نيتفلكس وآبل بلس وإتش بي أوه، في عصر المحتوى المتعوب في صناعته والمحتفى بتفاصيله.

المشكلة أن المشاهد والناقد في وادٍ والنجوم في وادٍ آخر تماماً، فتجد النجمة ياسمين صبري مثلاً ومخرجها مرقص عادل يحتفلان بكون مسلسلهما تريند رقم واحد على السوشيال ميديا ويهنئان بعضهما ويتوجهان بأسمى آيات الشكر والعرفان لكل من أسهم في العمل، رغم أن المسلسل تريند من فرط السخرية التي يتعرض لها من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، ولذلك فإن مقالاً مثل هذا ليس له أهمية على الإطلاق، ونحن نعتذر عن تضييع وقتك في قراءته.