في كتابه «المسائل الكبرى في القرآن» يحدد «فضل الرحمن مالك» ثلاث مسائل رئيسة تعتبر في نظره مسائل كبرى تحدد ما يمكن تسميته استعارة من «عادل ضاهر»، بـنواة ابستيمية للدين الإسلامي، هذه المسائل هي «التوحيد» و «البعث» و «الحساب».والقول بأن هذه المفاهيم العقدية الثلاثة هي نواة ابستيمية للقرآن، لا يعني أنها وحدها تمثل النظام العقدي للإسلام، بل يعني فحسب أنها مركز لحقل متعدد من المفاهيم تدور حول هذه النواة المفاهيمية مشكلة بذلك النظام العقدي للإسلام.

و«فضل الرحمن» يتوصل لتحديد هذه المسائل على أنها مسائل كبرى/جوهرية/نواة ابستيمية للإسلام، عن طريق قراءة القرآن عبر تقنية مزدوجة، ينضاف فيها للتحليل المفهومي لخصائص الإسلام كدين توحيدي إبراهيمي، المعرفة بالسياق التاريخي لنزول القرآن، وسياق تشكله في مواجهة النظام العقدي الجاهلي.

خصوصية النظام العقدي الإسلامي لا تقتصر على مركزية مفاهيم أخرى إلى جانب «التوحيد الإبراهيمي»، بل لتشكيل مفهوم التوحيد الإسلامي نفسه.

من خلال التحليل المفهومي للتوحيد الإبراهيمي يتوصل فضل لمركزية مفهوم «التوحيد» في نظام الإسلام العقدي وخصوصًا كـ«توحيد مفارقة». ومن خلال المعرفة بالسياق التاريخي لنزول القرآن، ومواجهته النظام العقدي الجاهلي؛ يتوصل «فضل» لمركزية مفاهيم «توحيد العبادة، «البعث، الحساب» في هذا النظام، باعتبار أن هذه المفاهيم العقدية الثلاثة كانت محور النزاع مع النظام العقدي الجاهلي، مما أكسبها مركزية رئيسة في نظام الإسلام العقدي. إذن، فهذا التنبه للسياق التاريخي يعطي لتقنية فضل أهمية كبيرة، حيث تستطيع عبر هذا التنبه ملاحظة خصوصية النظام العقدي الإسلامي وتمييزه حتى داخل النظام العقدي الإبراهيمي. هذه الخصوصية لا تقتصر على مركزية مفاهيم أخرى إلى جانب «التوحيد الإبراهيمي، توحيد المفارقة» في نظام الإسلام العقدي، بل تتعدى ذلك لتشكيل مفهوم التوحيد الإسلامي نفسه كمفهوم مركب من عدة مفاهيم، منها ما تعود مركزيته للإبراهيمية مثل «توحيد المفارقة»، ومنها ما تعود مركزيته للسياق التاريخي، مثل «توحيد العبادة». إذن يتحول التوحيد عبر هذه التقنية المزدوجة من مجرد مفهوم إلى حقل مفاهيمي شديد التركيب تحتاج قراءته، والوعي به لتتبع متأن لتشكله شديد الخصوصية. ونحن نفضل أن نتحدث عن هذه النواة التي بلورها «فضل الرحمن» كنواة ابستيمية على أنها «خطاطة» رئيسة. نقصد بهذا أنها تستخدم هي نفسها كمدخل مفهومي «أوَّلي» لقراءة القرآن، يحاول عبر مفاهيمه المركزية الثلاثة تنظيم الفضاء القرآني لإبراز النظام العقدي، الذي يكونه القرآن في مقابل النظام العقدي الجاهلي، كذا في مقابل النظام العقدي في المدونة العلمية الإسلامية[1]، لكن هذه الخطاطة لا تستوعب القرآن كله. بمعنى أن مفاهيمها الثلاثة قد لا تكون قادرة على تنظيم كل الفضاء القرآني، وبالتالي قد لا تكون قادرة على تحديد مسألة ما على أنها مسألة كبرى، أو استخراج القول القرآني في مسألة كبرى ما. فعلى ما وضحنا في مقال سابق فإن بعض القضايا مثل قضية الجبر والاختيار تفلت عند فضل الرحمن نفسه من تحديد كهذا، أي من كون الأفكار الثلاثة قادرة على تنظيم توترها وإبراز القول القرآني النهائي فيها. اقرأ أيضًا: أجوبة القرآن على الأسئلة الكبرى مما يعني إمكان وجود مناطق معتمة في الفضاء القرآني إما للحاجة لتعديل الخطاطة عبر تعديل التقنية المزدوجة، أو الحاجة لخطاطات أخرى، أو ربما لأنها مناطق معتمة داخل النص نفسه، بمعنى أن عتمتها موضوعية.

في هذه البحث نحن نحاول التساؤل عن موضع الشيطان في النظام العقدي الإسلامي، بمعنى: هل يمثل الشيطان مسألة كبرى في الإسلام؟ ما هو موضع الشيطان وفقا للنواة الابستيمية للإسلام؟ هل الشيطان مفهوم فرعي في النظام العقدي الإسلامي؟ أم إنه على العكس مفهوم محوري متعالق بأحد مفاهيم النواة الابستيمية لهذا النظام؟

ومحاولتنا التوصل لإجابة على هذه الأسئلة ستكون عبر تشغيل خطاطة فضل نفسها، غير أننا في تشغلينا خطاطة «فضل الرحمن» فوق فضاء النص القرآني، سنعتبرها كما قلنا خطاطة أولية قابلة للتعديل في ضوء التقنية المزدوجة المنتجة لها، وكذا في ضوء قدرتها على تنظيم الفضاء القرآني. أيضًا سنطعمها بـكرونولوجية غائبة عنها، لكنها مفيدة لنا جدًا -في موضوعنا هنا على الأقل-، حيث نفترض أن مفهوم الشيطان تطور داخل النص القرآني، لا بمعنى أن للقرآن أكثر من قول فيه[2]، لكن بمعنى أن القول التوحيدي النهائي في الشيطان بلعنه ورجمه، أو لو استعرنا من دريدا، بـأرشفته -أي تحويله لكائن براني مطرود خارج الكون التوحيدي يرسمل ما يعارضه ويتمرد عليه أي الإله التوحيدي[4]- هو قول انبنى على مراحل وعبر تقنيات متعددة.

بالإضافة لتقنية «فضل الرحمن مالك» سنستخدم هنا الأعياد والشعائر كمصادر لتحديد موقع الشيطان في نظام الإسلام العقدي.

تتواءم هذه المراحل مع تعددية مفهوم الشيطاني نفسه -حيث يتحول هو أيضا لحقل مفاهيمي كما سيتبين لنا- وتتوازى مع مسيرة الإله التوحيدي الظافرة بكل تعددية وتركيب مفهوم التوحيد –الذي يجعله حقل مفاهيمي كما ذكرنا- لذا فإن قراءة كرونولوجية لحضور الشيطان في القرآن هي التي ستتيح لنا تتبع مراحل هذه الأرشفة أي مراحل إخراج الشيطان من الكون التوحيدي[5]. ولأن ما يتم أرشفته، كما يقول دريدا، لا ينسى «فالأرشيف طيفي، غائب في اللحم»[6]، فإن إجابة سؤال ما الشيطان وما موضعه في النواة الابستيمية للنظام العقدي الإسلامي تمر عبر تتبع فعل أرشفته. هذا الفعل الذي يطلعنا أيضًا على مراحل تشكل التوحيد الإسلامي كحقل مفاهيمي مركب.

أيضًا سنتيح لأنفسنا في بحثنا هذا عن موضع الشيطان في النظام العقدي الإسلامي، أن نتجاوز كون القرآن مصدرًا وحيدًا لهذا التحديد على ما صنع ايزوتسو [الباحث الياباني صاحب (الله والإنسان في القرآن) و«فضل، ونصر» [حامد أبو زيد] قبل هذا في تحديدهم للمفاهيم/المسائل/المقاصد العليا للإسلام[7].

بدلًا عن هذا سنتجه لإضافة الأعياد والشعائر كمصادر لتحديد موقع الشيطان في نظام الإسلام العقدي، وهذا انطلاقًا من الصلة الكبيرة بين الأعياد، والشعائر من جهة وبين النظام العقدي لدين ما من جهة أخرى. فالطقس أو الشعيرة شديد الارتباط بالإلهي من حيث هو المقدس معيشًا[8].

أما العيد فهو، وكما يقول كايو، يوم المقدس بامتياز، إنه يوم مكرس للإلهي، وهذا من وجهين شديدي الارتباط، فمن ناحية يمثل العيد لحظة طقس الانتهاك كما يسميه أوجيه كايو، أي اللحظة التي يتم فيها مؤقتا تدمير العالم والعودة إلى ما قبل العالم المؤسس عبر تعليق العمل بالشرائع والأخلاق، أو عبر محاكاة لحظة سديم كوني، أو لحظة براءة بشرية سابقة على السقوط والتكليف، مما يجعل العيد لحظة متميزة تمامًا عن الزمان العادي، فهو أقرب للزمن البدئي القدسي العمائي السابق، على التحدد الكوني أو الأخلاقي أو التشريعي.

يتلاقى هذا الوجه مع الوجه الثاني لعلاقة العيد بالإلهي، حيث أن استدارة الزمن في يوم العيد وقدسيته وانتهاكيته، هي مجرد مقدمة لإعادة تأسيس العالم عبر تحيين فعل الآلهة الخالقة للعالم المخرجة له من عمائه «في الأديان الكوزمية»، أو عبر تجديد العهد الأخلاقي والديني معها «في أديان الكلمة مثل الإبراهيمية».

فطقس الانتهاك في العيد هو مقدمة لطقس تجديد العهد، هذا الارتباط بين العيد والطقوس «انتهاك و عهد» يجعلنا نصف العيد بأنه في ذاته شعيرة، يكون الاحتفال بها أمرًا دينيًا مرتبطًا من كل وجه بالإلهي، بل يجعل العيد في الحقيقة شعيرة مركزية.

هذا الارتباط بالإلهي والمركزية في المجال الشعائري التي ينطوي عليها العيد هو ما يجعل قراءة العيد/الشعيرة وسيلة ناجعة تمامًا لتحديد طبيعة الإلهي -الإله التوحيدي كمفهوم مركب في حالتنا- ومن ثم تحديد علاقة المفاهيم الأخرى داخل النظام العقدي به (في حالتنا محاولة تحديد موقع الشيطان من النواة المركزية لنظام الإسلام العقدي).

من أجل هذا سنقوم هنا بقراءة عيد/شعيرة الأضحى في محاولة تحديد حقل التوحيد المفاهيمي -أو الإله التوحيدي كحقل مفاهيمي-، وتحديد موقع الشيطان بالنسبة إليه. وسنبرر اختيارنا هذا للأضحى بالذات في حينه، مفصلين في مركزية الأضحى في مجال الإسلام الشعائري، وقدرته على تحديد أدق لحقل التوحيد.

أيضًا علينا أن نوضح في هذا المدخل أن اعتمادنا على القرآن لتحديد موقع الشيطان من نظام الإسلام العقدي سينصب بصورة كبيرة على القصص القرآني؛ خصوصا هذا الذي يماثل ما يعتبره إلياد قصص النشأة.هذا لأن من ضمن المداخل الهامة لقراءة دين ما، وكشف نواة مجاله العقدي، هو تحليل ما يطلق عليه إلياد الأساطير النشكونية، وهي الأساطير الخاصة بخلق الكون، حيث هذه الأساطير هي الأساطير المركزية التي تدور حولها بقية الأساطير -كأنها نواة لمجالها تنظم فضاءها الأسطوري-، وهي التي تتضمن تصورات أهل دين ما عن الكون، وهي تصورات لا تعتقد فحسب بل يتم تحيينها باستمرار في تأكيد للعهد مع الإلهة واستمرار الصلة بهم في الزمن البدئي.

لكن الحديث عن أساطير نشكونية في الإسلام يتضمن مخاطر عديدة. فالإسلام كدين توحيدي يرفض الأسطورة ويجعلها محض اختلاق، ويتحدث بدلا عنها عن قصص حق. كذلك فالتوحيد ليس دينا كونيا من الأساس؛ بمعنى أنه دين لا يتمحور حول لحظة خلق الكون، بل يتمحور حول إله خارج عن الكون مفارق له.

بالتالي لا نجد داخله أساطير/قصص تتعلق بنشأة الكون، فأساطيره/قصصه المركزية تدور حول نشأة الإنسان وعهد الله له. وفقا لرؤية وضحناها بالتفصيل سابقا حول الأسطورة في القرآن

اقرأ أيضًا:الأسطورة.. محاولة في فهم النبوة والقرآن

سنستخدم هنا مصطلح الأساطير في وصف هذا القصص؛ لكن رغبة في عدم تضييع معقولية القرآن الخاصة كنص لدين توحيدي سنعطف عليها كلمة القصة، لنجعلها أساطير/قصص.

التوحيد ليس دينًا كونيًا من الأساس؛ بمعنى أنه دين لا يتمحور حول لحظة خلق الكون، بل يتمحور حول إله خارج عن الكون مفارق له.

وانطلاقا من كون الدين التوحيدي يتمحور حول خلق الإنسان خليفة الله لا خلق الكون، فإن هذه الأساطير/القصص الخاصة بخلق الإنسان والعهد إليه، هي التي ستمثل الأساطير النشكونية لهذا الدين التي تصلح كمدخل لكشف نواة المجال العقدي له -كذلك كمركز لتنظيم فضائه القصصي-.

من هنا يقع اختيارنا على قصة خلق آدم وتعليمه وسجود إبليس له، المنتهية برجم «أرشفة» أبليس لإنجاز مهمة كشف المجال العقدي الإسلامي وموقع الشيطان منه.

كذلك فإن لبعض هذا القصص ميزة الانطواء على ما يشبه الشخصية المفهومية بتعبير دولوز شديدة التمثيل للنظام العقدي ومفاهيمه المركزية، مما يضاعف أهميتها في فهم النظام العقدي للإسلام. نذكر مثلا قصة موسى وإدانة السحر.

ففي هذه القصة كما سنوضح، يبدو لنا موسى أكثر من شخصية تاريخية ليصبح شخصية مفهومية تجسد أحد المفاهيم المركزية في نظام الإسلام العقدي «التصريف كمفهوم متعالق بالتوحيد»، وأحد التمفصلات الهامة في طريق أرشفة الشيطاني -الذي هو طريق تشكيل صورة الإله التوحيدي أو مفهوم التوحيد كحقل مفاهيمي كما قلنا- مما يحتم علينا الاهتمام بها في بحثنا هنا.

كذلك لبعض هذا القصص، مثل قصة تسمع الجان للقرآن، علاقة بمفاهيم مركزية نود اختبار علاقتها بالنواة الابتسيمية الثلاثية لفضل، ونود اختبار صلتها كذلك بمفهوم الشيطان، مثل مفهوم الوحي «كطريق الإخبار الوحيد عن الواحد».

وأخيرًا لبعض هذا القصص ارتباط رئيس بالأضحى كعيد/شعيرة؛ نقصد قصة إبراهيم وابنه. لذا فهذه القصص الأربعة، قصة آدم وإبليس، وقصة إبراهيم وابنه، وقصة موسى والسحرة، وقصة تسمع الجن للقرآن، هي القصص التي سننطلق منها في محاولة الإجابة على أسئلة بحثنا.

اقتصرنا في هذا المدخل على تحديد موضوعنا، وتحديد الأسئلة التي ننطلق منها وطرقنا في محاولة حلها، ونتمنى أن تستطيع المقالات التالية أن توضح مدى خصوبة مفهوم «الشيطان»، وكيف تمثل محاولة تحديد موضع هذا المفهوم من النواة الابستيمية لنظام الإسلام العقدي.كذلك كشف التعددية التي يحملها هذا المفهوم مدخلًا جيدًا لإعادة النظر في هذه النواة الابستيمية نفسها نحو معرفة أدق بالنظام العقدي الإسلامي، وما يشكله من مفاهيم -أو حقول مفاهيمية-، بل والوصول لتحديد أكثر دقة لأهم مفاهيم هذا النظام (أي مفهوم التوحيد، أو بكلمة أخرى صورة الإله التوحيدي مركز هذا النظام العقدي).


الهوامش:

[1] في كتابه «الله والإنسان في القرآن» قام ايزوتسو، ومن أجل تحديد المفاهيم المركزية في القرآن، بتحديد المفاهيم الأكثر تكرارًا في القرآن، ثم تتبع التطور الدلالي الذي أصاب هذه المفاهيم عبر ثلاثة سطوح دلالية هي؛ السطح الدلالي الجاهلي، السطح الدلالي القرآني، والسطح الدلالي اللاحق للقرآن، والمتمثل في مرحلة تشكل العلوم الإسلامية بأنظمتها المعرفية والدلالية بدءًا من عصر التدوين خصيصًا. استفاد فضل هذا التحديد الثلاثي من ايزوتسو لكن بعد نقله من المدخل الدلالي الطامح لتحديد المفاهيم، ونظرها للمدخل العقدي الطامح لتحديد مسائل القرآن العقدية الكبرى.[2] نتفق هنا مع جعيط في رفضه هذه النزعة الاستشراقية التي ترى أن أفكارًا أساسية في القرآن، لم تنبلج إلا شيئًا فشيئًا، وكأن الظروف أملتها، أو أن النبي لم يتفظن إليها من قبل. فكما يقول جعيط فإن الأمر هو تكشف مستمر لأفكار أساسية لم تتغير طول تاريخ الدعوة المحمدية «انظر تاريخية الدعوة المحمدية ص194»، بلغة مقالنا نقول أن المفاهيم العقدية التوحيدية الإبراهيمية لم تتغير طول تاريخ الدعوة، لكنها فحسب تكشفت و أخذت تشكلاتها من خلال الانبناء في مواجهة النظام العقدي الجاهلي.[3] دريدا: حمى الأرشيف، صـ25.[4] نفسه، صـ23[5] نفسه،صـ139.[6] قدم نصر دراسة عن الجن والشياطين في كتابه «نقد الخطاب الديني» المنشور عام 1990، اعتبر فيها أن المقصود بالتحريم القرآني للسحر، وأنسنة الجان، والتغيير الدلالي الذي أصاب مفهوم الحسد هو إلغاء الإيمان بكل هذه الظواهر الخرافية، ونقل الثقافة من مرحلة «الأسطورة» إلى بوابات العقل, لكن لأن السياق الجاهلي لا يستطيع تقبل فكرة عدم وجود هذه الظواهر التي تمثل جزءًا من الذهنية القرشية، فقد كان على القرآن لإحداث هذا الانتقال في الثقافة أن يتداخل مع السياق الثقافي الجاهلي -من حيث كونه نصًا منتَجًا (بالفتح)- وأن يعمل فحسب على تحجيم دور هذه الظواهر، وزحزحة دلالتها في الذهنية القرشية -من حيث كونه نصًا منتِجًا (بالكسر)- على أن يقوم المؤمنون بعد ذلك بمهمة تفكيك هذا السياق التاريخي للوصول لـ«مغزى» القرآن بنفي هذه الخرافات.ويعتبر نصر أن تأويله هذا، وعلى خلاف تفسير الجن والشياطين والملائكة بالقوى النفسية -الذي يعد في رأيه تلفقيا قدمه دعاة التوفيق بين الدين والعلم-، هو تأويل من داخل النص وغير مفروض عليه من خارجه و لا يعد تلوينا له ص212، 213.ونحن حين نتأمل تأويل نصر نجده يصادر على معنى معين للعقل، وهو العقل مضاد الخرافة. هذا المعنى شديد الظرفية حتى في السياق الغربي يتحول مع نصر هنا لـ «مغزى» قائم في عقل الله حين تكلم بالنص، وفي هذا إسقاط لهموم معاصرة على النص وجره لصراعات ظرفية خارجة عنه، وتضييع لمعقوليته الخاصة التي تحكم علاقته بالمفاهيم الجاهلية. الغريب أننا نجد في كتاب نصر «مفهوم النص» المنشور عام 1987 التفاتا واضحا لهذه المعقولية الخاصة، حيث نجده يربط التعامل القرآني مع الشياطين والجن وظواهر الكهانة والتسمع، ببناء القرآن للوحي كمحور للنظام العقدي الجديد.[7] نور الدين الزاهي، المقدس الإسلامي صـ8.