محتوى مترجم
المصدر
the conversation
التاريخ
2019/06/27
الكاتب
بيتس غيل

تولى الرئيس الصيني شي جين بينغ الحكم كرئيس للحزب الشيوعي الصيني – المنصب الأهم في الصين – أواخر عام 2012، واليوم بعد ما يقرب من سبعة أعوام، أصبح أحد أكثر الشخصيات المعروفة على الساحة العالمية. يتحكم شي جين في مصير 1.4 مليار مواطن صيني، ويسعى – حسب قوله – إلى تشكيل «مستقبل مشترك للبشرية»، لكنه رغم ذلك لا يزال رئيسًا غامضًا. ثبّت شي جين عرشه في فترة قصيرة، ولعب دورًا مؤثرًا لم يسبق له مثيل بين القادة الصينيين منذ 1949. ومع ذلك، يبدو شي جين هشًا في ذروة قوته، إذ واجه تحديات هائلة على أكبر المقاييس؛ حربًا تجارية مشحونة مع الولايات المتحدة، و تباطؤًا للنمو الاقتصادي، وقلقًا متزايدًا بين جيرانه حول استخدامه الأكثر حزمًا للقوة الاقتصادية والعسكرية للدولة. بالنظر إلى هذه التحديات الداخلية والخارجية الهائلة، التحدي الأكبر لشي جين هو كيفية الحفاظ على قبضته المطبقة على السلطة والشرعية في نظر الشعب الصيني، إذ وعدهم بحياة أفضل في صين أقوى وأكثر رخاءً، وقطع شوطًا كبيرًا في هذه الوعود، لكن العديد من التحديات ما زالت تلوح في الأفق.


من «أمير» إلى زعيم حزب

الرئيس الصيني «شي جين بينج»

بلغ عمر جمهورية الصين الشعبية 70 عامًا، وأكمل قائدها الأعلى شي جين 66 عامًا الشهر الماضي، لم توازِ حياة أي رئيس صيني آخر حياة جمهورية الصين الشعبية، مما يفسر الكثير حول عقلية شي جين وطموحه حول مستقبل الصين. بصفته نجلًا لرئيس مجلس وزراء وبطل ثوري، وُلد شي جين في يونيو (حزيران) 1953 وكانت رياحه لحظتها مواتية، كان «أميرًا»، وهو مصطلح يطلق على أبناء النخب الأقوى في الدولة. في شبابه، التحق بمدرسة الأول من أغسطس لأطفال الكوادر رفيعة المستوى في بكين، وقضى وقتًا بين جدران تشونغنانهاي، مقر الحزب الشيوعي، فكانت الزعامة قدره. تحطم كل هذا عام 1962، عندما طرد ماو تسي تونغ والد شي من الحزب، بتهمة تبني آراء «يمينية» خطيرة. عندما سقطت الثورة الثقافية في الصين أواخر الستينيات، أُرسل شي جين إلى الريف، وأمضى سبع سنوات – من عمر 15 إلى 22 سنة – في مقاطعة شنشي الريفية، يعمل مع الفلاحين المحليين.بحلول عام 1979، عندما شرع دينغ شاو بينغ في مسيرة الإصلاح التاريخية في الصين، بدأ شي جين طريقه السريع نحو القمة. على مدار الثلاثين عامًا التالية، صعد في صفوف الحزب والحكومة، وخدم في مناصب عليا، معظمها في المقاطعات الشرقية النامية في الصين. في أوائل عام 2007، أصبح رئيسًا لحزب شنغهاي، وظل في هذا المنصب سبعة أشهر قبل ترقيته عضوًا في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، مما جعله واحدًا من أقوى تسعة رجال في الصين، وبعد خمسة أعوام، نُصّب أمينًا عامًا للحزب الشيوعي الصيني، وأصبح رئيسًا للصين في العام التالي.في تلك السنوات الستين، عايش شي تقدُّم الصين، منذ صراعها المبكر لبناء الأمة، إلى أعماق الماويّة المفرطة، إلى صعودها المذهل لمكانة قوية. شكّلت هذه التجربة الحياتية ما هو عليه الآن؛ مغامر واثق، لا يزال مصرًّا على دور الحزب الشيوعي الذي لا غنى عنه في نجاح الدولة، ويركز بشدة على تحقيق طموحات الصين الوطنية الكبيرة.

الرقابة والقمع والسلطة المطلقة

بوصوله إلى الحكم، بدأ شي في تدعيم منصبه، إذ رأى ضعفًا في قلب الحزب، بسبب تراخي الانضباط الأيديولوجي والفساد المتفشي، فبدأ باستهداف كليهما. تنامى جزء كبير من شعبيته المبكرة بين شعبه من حملته البارزة لمكافحة فساد النخبة في الدولة، إذ لم تبعث هذه الحملة الخوف في صفوف الحزب وجيش التحرير الشعبي وفقط، بل ساعدت شي أيضًا على إزالة المنافسين والعوائق أمام خططه الكبرى للنهضة الوطنية. كما استخدم مؤيدو شي آلية دعاية الحزب استخدامًا قويًا لخلق هالة من الحكمة واللطف حوله، لم يُشاهد له مثيل منذ عهد «القائد العظيم» الرئيس ماو. حدد شي أهدافًا عظيمة تتركز حول «الحلم الصيني» و«التجديد العظيم للأمة الصينية»، والتي استخدمها مكمنًا عميقًا للفخر الوطني وتعزيز شعبيته. بحلول عام 2015، أصبح قادرًا على بدء عملية إعادة تنظيم شاملة لجيش التحرير الشعبي، لتحويله من جيش فاسد ودون خبرة ومنغلق، إلى جيش أكثر قدرة على إبراز قوة الصين في الخارج، وأكثر ولاءً إلى شي والحزب. في الوقت نفسه، أشرف على الحملة القمعية الأكثر شمولية على المعارضة منذ احتجاجات تيانانمن عام 1989، حيث طرح كل أشكال الرقابة وغيرها من التدخلات في حياة المواطنين، لضمان النظام والطاعة لسلطة الحزب. كذلك جعل شي سلطة صنع القرار بين يديه، متفوقًا على سلطة رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ، وأصبح شي الآن مسؤولًا عن جميع الهيئات الرئيسية التي تشرف على الإصلاح الاقتصادي والشؤون الخارجية والأمن الداخلي والابتكار والتكنولوجيا وغيرها. وللتأكد من فهم الجميع لمكانة الرئيس، فعّل شي مفهوم «فكر شي جين بينغ» في دستور الحزب لتوجيه الدولة إلى «عصر جديد» من التجديد الوطني، و ألغى القيود المفروضة على فترة رئاسته، مما يسمح له بالبقاء في السلطة مدى الحياة. كان شي جريئًا كزعيم على الساحة الدولية، إذ وضع أجندة سياسية خارجية طموحة للغاية. تتضمن أجندته إنشاء بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية، وتأكيد المطالبات الصينية في بحر الصين الجنوبي، عبر مشاريع استصلاح الأراضي الضخمة وتوسيع نطاق التأثير العسكري، والمشروع الأجرأ، مبادرة الحزام والطريق، وهي مناورة جيوسياسية تربط الصين من خلال التجارة والاستثمار والبنية التحتية بجميع أنحاء أوراسيا وما بعدها.

شي الذي يجب أن يطاع؟

شي جين بينغ، الصين
شي جين بينغ، الصين
يبدو أنه كان لدى شي جين جولات رائعة، لكن الغريب أن تصرفاته تجعل الأمر يبدو غير ذلك، إذ تشير قائمة مراجعة سريعة لتحركات شي في السبعة أعوام الماضية إلى قائد مضطرب بشكل متزايد:
  1. تدعيم سلطته بشكل متزايد.
  2. فرض الطاعة على الحزب والشعب.
  3. إعادة تأكيد سيطرة الحزب على جيش التحرير الشعبي.
  4. تغطية البلاد بأنظمة مراقبة تدخلية.
  5. مساءلة وسائل الإعلام الخاضعة والموالية.
  6. سجن مئات الآلاف من الأويغور المسلمين في معسكرات «إعادة التثقيف».
لديه بالتأكيد الكثير مما يدعو للقلق، إذ خلقت إصلاحاته وقمعه العديد من الأعداء، والكثير من الاستياء لا سيما بين النخب. زاد تفاوت الدخل وأصبحت الثروة تتركز في أيدي أقلية، وتباطأت وتيرة النمو الاقتصادي في الصين، وشاعت الاضطرابات المحلية. يقول المحللون إن هناك حاجة لإصلاح اقتصادي أكثر جرأة لتجنب ركود «مصيدة الدخل المتوسط»، كما تواجه الصين أيضًا مستقبلًا ديموغرافيًا محفوفًا بالمخاطر، نظرًا لأعمار السكان وقلة الأطفال، وتزايد طموحات شي في الداخل والخارج – على الأقل من الولايات المتحدة – مما دفع البعض في الصين إلى التساؤل عمّا إذا تعدى شي الحدود. لكن التحدي الأكبر هو كيفية الاستمرار في الحفاظ على النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي دون فقد السيطرة السياسية المطلقة للحزب، وهو ذات التحدي الذي يواجهه كل رئيس صيني منذ حكم دينغ. من شأن الشروع في إصلاحات سياسية واقتصادية أن يساعد في ضمان مستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا وعدلًا للدولة، لكن سيؤدي ذلك بالتأكيد إلى تقويض حكم الحزب الواحد للحزب الشيوعي. من ناحية أخرى، فإن ما سبق هذه التغييرات لصالح تشديد الرقابة يخاطر بالركود في المستقبل وربما عدم الاستقرار. اختار شي أن يخاطر في الدورة الأخيرة، ومن الواضح أنه يرى أن النظام الواسع للأيديولوجيا والدعاية والرقابة والسيطرة في الحزب، ضروري جدًا لتحقيق الحلم الصيني، وهو عودة ظهور الدولة كقوة عظمى قوية وغنية ومحترمة. من هذا المنظور، من المحتمل أن نرى تشديدًا مستمرًا لقبضة الحزب على السلطة طالما شي في السلطة، والتي قد تستمر حتى أواخر 2020 أو بعدها. سواء كان العالم الخارجي يحترم في النهاية نهج شي الاستبدادي في السلطة أو الرئاسة أو لا، فهو مقتنع بأنه الأفضل للصين، وبالتالي يفيد العالم.