شهدت الانتخابات الرئاسية التركية احتدامًا كبيرًا بين مرشح الرئاسة رجب طيب أردوغان، ومرشح المعارض كمال كليجدار أوغلو، والتي انتهت بجولة ثانية، حسمها أردوغان بنسبة 52.14%، مقابل 47.86% لمنافسه كليجدار.

صراع انتهى ببقاء الرئيس التركي على رأس السلطة لـ 5 أعوام قادمة؛ ولولاية ثالثة، إلا أن القصة لم تقتصر على حد الصندوق فقط، بل جاءت انعاكسًا لجهود الحملات الانتخابية لكلا المرشحين. فقد لجأ المرشحان ومؤيدوهما من الكتل الحزبية إلى الإعلانات عبر منصات شركة ميتا «فيسبوك وإنستجرام»، كأحد الوسائل الفعَّالة في جذب الأصوات في عدد من البلديات التركية، وهو الأمر الذي بدوره يُدلِّل على أهمية تلك المنصات في الاستحقاقات السياسية مؤخرًا.

ليبقى السؤال: كم أنفق كلا المرشحين على تلك الإعلانات؟ وكيف انعكس الإنفاق على نتائج الصناديق؟ وما موقف الكتل الحزبية منها؟ وإجمالًا كيف استفادت شركة «ميتا» من الانتخابات في تركيا؟

ملايين الليرات

وفقًا للأرقام التي تُوفِّرها شركة ميتا عبر خدمة «Meta Ad Library Report»، فإن صفحة الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، ومنافسه «كمال كليجدار أوغلو»، يتواجدان ضمن الصفحات الـ 10 الأوائل الأكثر إنفاقًا على إعلانات الشركة خلال الـ 3 شهور الماضية.

 

واحتل «أردوغان» المرتبة الخامسة في القائمة، حيث أنفق 2.39 مليون ليرة تركية «102 ألف دولار تقريبًا»، وذلك عبر 71 إعلانًا أصيلًا عبر حساباته على فيسبوك وإنستجرام، وبفارق بسيط عن «كليجدار» الذي جاء في المرتبة السادسة بـ 2.29 مليون ليرة تركية «98 ألف دولار تقريبًا»، عبر 154 إعلانًا أصيلًا.

وبالنظر لقائمة الأكثر إنفاقًا، نجد في المرتبة الأولى صفحة الحزب الحاكم في تركيا «العدالة والتنمية»،  والذي أنفق 4.63 مليون ليرة على 70 إعلانًا فقط، فيما جاءت صفحة الحزب في إسطنبول في المرتبة الثانية بـ 4.54 مليون ليرة، خلال 212 إعلانًا أصيلًا أيضًا.

كما تُظهر البيانات نشاطًا ملحوظًا لحزب «الحركة القومية»، الذي دعَّم الرئيس التركي في الانتخابات أيضًا، حيث أنفقت حسابات الحزب عبر المنصتين ما يقرب من 2.5 مليون ليرة، مُقسَّمة على 269 إعلانًا أصيلًا خلال نفس الفترة، محتلًّا المرتبة الخامسة.

 

وبالنظر لمعسكر المعارضة، الذي بدا أقل نشاطًا عبر إعلانات «ميتا»، ففي المرتبة السابعة تقع حسابات المعارض السياسي عن الحزب الجمهوري وعمدة بلدية إسطنبول «إكرام إمام أوغلو»، والذي دعَّم «كليجدار»؛ حيث كان مُرشحًا لتولي منصب نائب الرئيس في ولايته، بإنفاق بلغ 2.1 مليون ليرة عبر 260 إعلانًا.

كما تواجدت أحزاب معارضة مثل: اليسار الأخضر التركي والديمقراطية والتقدم، واللذين أعلنا دعمها لـ «كليجدار» أيضًا، بمعدلات إنفاق بلغت 1.17 مليون ليرة، و655 ألف ليرة تركية على الترتيب، وذلك خلال ما يقرب من 150 إعلانًا أصيلًا.

التوزيع الجغرافي

بتحليل التوزيع الجغرافي لحجم الإنفاق على الإعلانات بين المرشحين، نستنتج اهتمامًا قويًّا من قبل «كليجدار» ببلدية إسطنبول، إذ أنفق بها وحدها أكثر من 605 آلاف ليرة تركية، ثم بلدية إزمير بأكثر من 155 ألف ليرة، ثم العاصمة أنقرة بأكثر من 146 ألف ليرة.

بينما أظهر الإنفاق على باقي البلديات توزيعًا مُطردًا، مع مساحتها الجغرافية وكتلتها التصويتية، حيث تُظهر البيانات تقسيم تلك البلديات إلى شرائح متقاربة في الإنفاق، تتراوح بين 95 ألف ليرة وأكثر من ألف ليرة بقليل.

وتراوح حجم الإنفاق على بلديات مثل: بورصة، وأنطاليا، وأضنة، ومرسين، وكونيا، وغازي عنتاب بين 50 و95 ألف ليرة، بينما انخفض المعدل قليلًا في بلديات مثل: مانسيا، وباشا كشهير، وقيصرية، حيث وصل بين 30 و40 ألفًا، وصولًا إلى بلديات صغيرة مثل: هاكاري، وكومش خانة، وتونجلي حيث بلغ ما بين 1200 و3000 ليرة فقط.

 

على الجانب الآخر، اختلفت سياسة الرئيس التركي قليلًا عن منافسه، حيث حرص على تقارب نسبة الإنفاق بين البلديات الكبرى، وجاءت العاصمة أنقرة في المقدمة بأكثر من 137 ألف ليرة، ثم إسطنبول بـ 129 ألفًا، ثم إزمير بـ 73 ألفًا، ومن خلفهم بورصة 71 ألف ليرة.

وتراوح الإنفاق في 30 بلدية كبيرة مثل: أضنة، وكونيا، وأنطاليا، وطرابزون وغيرها بين 60 و68 ألف ليرة، بينما انخفض الإنفاق بشكل كبير في 10 بلديات من بينها: عثمانية، وسيفاس، وآق سراي إلى ما بين 1000 و2000 ليرة فقط.

ووصل حجم الإنفاق تحت حاجز الألف ليرة في 36 ولاية تركية صغيرة مثل: هاكاري، وكومش خانة، وتونجلي. وهو ما يعكس سياسة «أردوغان» في الإعلانات، والتي استهدفت بشكل مُركز البلديات الكبرى فقط، مقارنةً بنظيرتها الصغرى، بخلاف ما قام به «كليجدار» تمامًا في سياسة إعلاناته عبر «ميتا».

 

ماذا قالت الصناديق؟

وفقًا لنتائج البلديات التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات التركية عبر موقعها، فإن سياسة «كليجدار» في الإعلان عبر منصتي «ميتا»، قد ساعدته في تحقيق انتصارات قوية في ثلاث بلديات كبرى هي: «إسطنبول»، و«أنقرة»، و«إزمير»، حيث أنفق فيها مجتمعة أكثر من 900 ألف ليرة، مقابل 340 ألف ليرة فقط من قبل الرئيس التركي.

وبحسب النتائج، فإن «كليجدار» حسم الفوز في أنقرة وإسطنبول بنسبة لا تتعدى الـ 52%، وهو ما يوضح حجم الاهتمام من قبل كلا المرشحين بتلك البلدتين، بينما جاءت نسبة الفوز في إزمير 67.13%، الأمر الذي قد يُعزى أيضًا إلى العمل الميداني للمعارضة في تلك البلديات.

 

في المقابل، انعكس اهتمام أردوغان بكبرى البلديات، على انتصاراته في معظمها، واكتسح منافسه في معظمها – تظهر باللون البرتقالي في الخريطة السابقة – أبرزها «بورصة» و«قونيا» و«قيصرية»، وهو الأمر الذي ساهم بلا شك في نجاحه في تلك الانتخابات.

ولم تنجح إعلانات «ميتا» في جذب أصوات مناطق الزلزال المنكوبة مثل: «غازي عنتاب»، و«كهرمان مرعش» لصالح مرشح المعارضة، رغم تركيز الإنفاق عليهما مقارنة بالرئيس التركي، واكتفى بتحقيق الفوز ببلدية «أضنة» فقط، وهي البلدية الأقل تأثرًا بالزلزال الأخير.

أنفق «كمال كليجدار أوغلو» أكثر من 15 ألف ليرة تركية على إعلانات «ميتا» في «كهرمان مرعش»، بينما أنفق الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، 348 ليرة فقط.
بيانات شركة «ميتا»

البداية من أمريكا 

لم يكن استخدام منصات «ميتا» كأحد أدوات الحملات الانتخابية في تركيا وليد اللحظة، إذ تبلورت تلك الفكرة في الانتخابات الأمريكية الماضية، والتي شهدت صراعًا محتدمًا أيضًا بين الرئيس الأمريكي الحالي «جو بايدن»، والرئيس السابق «دونالد ترامب».

وبحسب البيانات التي طرحتها شركة «فيسبوك» – بمسماها القديم في ذلك الوقت – فإن حملة «بايدن» أنفقت 85.2 مليون دولار أمريكي، بينما أنفقت حملة منافسه «ترامب» 89.1 مليون دولار أمريكي، عبر منصات الشركة الزرقاء فقط.

وفي السياق نفسه، أنفقت حملة الرئيس الحالي، 60.4 مليون دولار على إعلانات شركة «ألفابت» متمثلة في «غوغل»، بينما أنفقت حملة «ترامب»، 56 مليون دولار فقط، ليصل مجموع الأموال المنفقة عبر إعلانات فيسبوك وغوغل ما يقرب من 300 مليون دولار في تلك الانتخابات.

بلغت قيمة الدعاية الانتخابية عبر التلفاز والراديو والمنصات الرقمية، للحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الماضية، 995.3 مليون دولار أمريكي، بينما أنفق الحزب الجمهوري 674.9 مليون دولار.
تقرير لموقع «ِAdAge».

ختامًا، قد لا تكون الإعلانات عبر منصات التواصل هي العامل المُحدِّد لنتائج الانتخابات الرئاسية في العالم، إلا أنها بلا شك تلعب دورًا حيويًّا في حسم التصويت في فئات كثيرة من المُصوِّتين في كل الاستحقاقات السياسية؛ وهو الأمر الذي أصبح مصدرًا مُربحًا لشركات التقنية، وعلى رأسها شركة «ميتا» من جهة، وإمكانية تعزيز دورها في حسم المعارك الانتخابية مستقبلًا من جهة أخرى.