يعتبر محمد علاء الدين أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية الشاذلية، من أكثر المشايخ الصوفية المثيرين للجدل والذي له خصوم داخل وخارج الساحة الصوفية. يأتي على رأس قائمة خصومه من داخل الصوفية عبد الهادي أحمد عبد الهادي القصبي، شيخ الطريقة القصبية الخِلْوَتِيّة – نسبة للخلوة الصوفية -.

خصومة بدأت من نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2008، اختلفت أسباب وأشكال هذه الخصومة وتعددت تصريحات الاتهام من كلا الطرفين.


ما هي الطريقة العزمية والطريقة القصبية؟

العزمية هي طريقة تفرعت عن الشاذلية نسبة لأبي الحسن الشاذلي، ولفهم خريطة التصوف بشكل عام فإن هناك أقطاب كبار للتصوف كالجنيد والرفاعي والدسوقي والبدوي والخلوتي. لكل إمام منهم طريقة، وتتفرع عن كل طريقة طرق فرعية. وتعد الشاذلية من أكبر الطرق الرئيسية في مصر، وتتفرع عنها نحو خمس عشر طريقة، من أهمها العزمية التي تنسب للعالم الأزهري محمد ماضي أبو العزائم، والتي شاركت في ثورة 1919 وناهضت الاحتلال الإنجليزي وذلك بحسب د/ عمار علي حسن.

أما عن الطريقة القصبية؛ فهي تتفرع عن الطريقة الخلوتية التي تنسب لمحمد بن أحمد بن محمد كريم الدين الخلوتي، وتتفرع عن الخلوتية أكثر من عشرين طريقة.

والقصبية نسبةً لمؤسسها الشيخ حسن القصبي الشهير بأبي حامد الأزهري الخلوتي، ويرجع نسبه للحسن بن علي رضي الله عنه. أخذ الشيخ حسن القصبي عهد الطريقة الخلوتية عن العالم الأزهري عبد الله الشرقاوي واشترك معه في الجهاد ضد الفرنسيين.


كرسي المشيخة وبداية الخصومة

أنشىء المجلس الأعلى للطرق الصوفية بناءً على قانون رقم 118 لسنة 1976؛ لـ«ضبط» الطرق الصوفية في شكل رسمي بتعيين رئيس الجمهورية لشيخ مشايخ الطرق الصوفية وهو رئيس المجلس الأعلى للطرق. هذا التعيين كما في كثير من المناصب الدينية في مصر، يأتي بعد وفاق أعضاء المجلس على شيخ معين ثم في النهاية يأتي قرار التعيين من رئيس الجمهورية كإجراء معتاد.

هذا الوفاق لم يحدث بعد وفاة الشريف أحمد كمال ياسين شيخ مشايخ الصوفية. تم اختيار أبي العزائم – 67 عامًا وقتها، العضو الأكبر سنًا في المجلس – خلفًا لياسين بشكل مؤقت، وفقًا لقانون 118 لسنة 1976 القاضي باختيار العضو الأكبر سنًا حتى يتم الانتخاب والتعيين. فوجىء أبو العزائم بانتخاب القصبي 46 عامًا وقتها والذي كان عضوًا في مجلس الشوري عن الحزب الوطني.

على إثر هذا الانتخاب بدأت خصومة أبي العزائم مع القصبي. من المفيد لفهم المغزى من وراء اختيار القيادة السياسية وقتها للقصبي بدلًا من أبي العزائم الرجوع للوراء قليلًا، زمن اختيار الشريف أحمد كمال ياسين شيخًا للصوفية، بهذا الاختيار استطاعت القيادة السياسية وقتها «الضبط» التام للصوفية؛ فياسين لم يكن شيخًا صوفيًا بالشكل التقليدي المعروف فهو لواء بالقوات المسلحة، وإنما ثقله يأتي فقط من كونه شيخًا للطريقة الرفاعية، وأيضًا رجل الحزب الوطني المنحل أحمد عز هو صهره قبل أن ينفصل عز عن زوجته الأولى خديجة أحمد كمال ياسين.

ياسين إذا كان قريبًا من دوائر القيادة السياسية ويحظى باحترامها لكونه لواءً بالقوات المسلحة وهو أيضًا مضمون الولاء، ولن يشكل إزعاجًا بعلاقة ما مع إيران يكثر بعدها الكلام عن خطر الشيعة القادم عبر الطرق الصوفية!

فالرجل كان خصمًا كبيرًا للقيادي الشيعي رئيس ما يسمى بالمجلس الأعلى لرعاية آل البيت، محمد الدريني.

لم يدم ياسين في منصبه كثيرًا (يونيو/حزيران – نوفمبر/تشرين الثاني) كان من المتوقع أن يخلف أبو العزائم ياسين في رئاسة المجلس، لكن القيادة السياسية وقتها – 2008 – قد تكون رأت في أبي العزائم ردةً لما أحرزته من تقدم في عملية «الضبط» للطرق الصوفية، وفي المقابل وجدت تشابهًا كبيرًا بين القصبي وبين ياسين؛ فالقصبي كان وقتئذٍ عضوًا في مجلس الشورى عن الحزب الوطني وعضوًا في المجلس المحلي وهيئة المكتب السياسي بالأمانة العامة بالغربية، بالإضافة لسمعة والده؛ فقد كان محافظًا للغربية وأيضًا شيخًا للطرق الصوفية من 1994 إلى وفاته في 1997. بالإضافة لذلك فالقصبي لا تجمعه علاقة ما مع الشيعة أو إيران ولن يسبب إزعاجًا أو جدلًا غير مرغوب فيه.

على النقيض من ذلك تمامًا أبو العزائم؛ فالرجل كثير السفر لإيران وعمل كثيرًا للتقارب بين السنة والشيعة، الأمر الذي أزعج منه الكثير على رأسهم السلفيون.

تجلت هذه الخصومة بشكل فج بعد الثورة. اعتصم مشايخ نحو ثلاثين طريقة، المناصرون لأبي العزائم، في مقر المجلس الأعلى للطرق الصوفية؛ مطالبين المجلس العسكري بحل المجلس لبطلان ولاية القصبي شرعًا – لأنها بيعة بعد/فوق بيعة أبي العزائم – وقانونًا.


فضاء آخر

أبو العزائم والذي له من اسمه نصيب؛ لم ينثنِ عزمه عن تمثيل الصوفية؛ فبعد الثورة وانفتاح المجال السياسي أنشأ حزبًا أعلن أن أهم مسؤولياته هي تنشئة السياسي المسلم الذي يتحلى بالآداب الصوفية الإسلامية، وحماية التصوف والمتصوفة ممن أسماهم المتطرفين.

في مقابل ذلك رفض القصبي إنشاء حزب صوفي، لأن الصوفية لها جهة واحدة تتحدث باسمها وهي المجلس الأعلى.

بالإضافة للحزب أنشأ أبو العزائم (الاتحاد العالمي للطرق الصوفية)، كجهة عالمية متحدثة باسم التصوف، ودعى مشايخ الطرق الصوفية في مصر والعالم للانضمام إلى الاتحاد.

أما عن القصبي فقد نعت اتحاد أبي العزائم بـ (محاولة لهدم المؤسسات الدينية للدولة، ونشر الأفكار الشاذة والمتطرفة التي تثير الفتنة والبلبلة داخل المجتمع)!


تعديل القانون المُنَظِّم

دعى القصبي لتعديل قانون 118 لسنة 1976 بشأن عمل الطرق الصوفية. أثارت هذه الدعوة قلق مشايخ الطرق، خاصة من أنصار أبي العزائم. بعدها تم توضيح الأمر والتخفيف من حدته، حيث قال شيخ الطريقة الفيضية محمود أبو الفيض أن كلام شيخ مشايخ الطرق الصوفية عبد الهادي القصبي فُهم خطأ حينما نشر في وسائل الإعلام٬ مشيرًا إلى أن شيخ المشايخ لم يقصد التعديل الكامل لقانون الطرق الصوفية٬ ولكنه يقصد التفعيل٬ وإضافة بعض النقاط البسيطة).

من أهم هذه النقاط البسيطة هي وضع مدة محددة لمنصب شيخ المشايخ، يسقط عنه المنصب بانتهاء المدة وليس بوفاته. النقطة الثانية هي وضع شروط علمية مؤهلة لتنصيب شيخ الطريقة. هذه النقطة بالتحديد أثارت قلقًا داخل بعض الطرق للتغيير الذي سيحدث في بنيتها المعتمدة على وراثة المشيخة وليس اختيار الأفضل عبر شروط علمية أو أيًا كانت.


صنيعة أمن دولة وناشر للتشيع

لم تخلوُ تصريحات كلٍّ من أبي العزائم والقصبي من كيل الاتهامات للطرف الآخر، فالقصبي بحسب أبي العزائم هو «صنيعة أمن دولة» وفي حوار آخر نعته بالفاشل وأنه أعاد التصوف للوراء.

في المقابل فإن القصبي يتهم أبا العزائم بأنه ناشر للتشيع في مصر، ويجب إيقاف نشاطاته في مجال التقارب بين السنة والشيعة. وفي هذا السياق أحال القصبي أبا العزائم للتحقيق هو وأحد عشر شيخًا بسبب سفرهم لإيران.

تحول التصوف قديمًا من تجربة روحانية شخصية إلى طريقة وكيان اجتماعي، وتسعى الدولة في مصر لـ «ضبط» هذا الكيان الاجتماعي عبر مجلسٍ أعلى، من صلاحياته الإحالة للتحقيق والتأديب والعزل، مثله مثل أي جهاز مهمته الضبط وليس والتربية. هكذا يبدو نزاع أبي العزائم والقصبي منطقيًا أو غير مستغرب، فالصراع ليس على من يتولى التربية ويرشد المريد وإنما الصراع على من يملك جهاز الضبط المقنن.

المراجع
  1. ناس بوك: الطرق الصوفية في مصر و الحياة السياسية
  2. مشيخة الطرق الصوفية في مصر .. صراع بنكهة سياسية
  3. متابعات .. قراءة في أوراق شيخ مشايخ الطرق الصوفية الجديد
  4. انقلاب داخل مشيخة الطرق الصوفية
  5. خلافات تهدد بفرض الحراسة على مشيخة الطرق الصوفية بمصر
  6. الشيخ عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية
  7. تشريعات مصر عن الصوفية
  8. علاء أبو العزائم – شيخ الطريقة العزمية: عبد الهادى القصبي فاشل وصنيعة "أمن الدولة"
  9. أبو العزائم: القصبى أعاد الصوفية للوراء وإسقاط اﻹخوان في مصلحتنا
  10. أبو العزائم: القصبى أعاد الصوفية للوراء وإسقاط اﻹخوان في مصلحتنا
  11. بعد تحويله للتحقيق.. أبو العزائم: لو السفر لإيران تهمة فكذلك السعودية