في التعليم لا ينحصر دور التعلم في ساعات الصباح، بل يمتد ليشمل يومنا بأكمله. ولا ينحصر مكان التعلم في غرفة الطفل، بل يمتد ليشمل المنزل بأكمله. فالتعلم أسلوب حياة يتم بدافع الشغف و المتعة، وليس بدافع أنه مهمة واجبة النفاذ.

فعلى سبيل المثال، في الأيام القليلة الماضية سألت طفلي عن المجال الذي يحب أن ندرسه الآن فاختار علم الحيوان، فاقترحت عليه أن نقوم بمراجعة سريعة عما درسناه سابقًا قبل دراسة موضوع جديد، قدمت له أوراقًا ملونة وملصقات و أغراض مختلفة ليستخدمها في عمل مقارنة وتصنيف لأقسام الفقاريات التي درسها «ثدييات، طيور، وأسماك»، و كان نشاطًا بسيطًا لكنه بدا رائعًا وممتعًا، فتلقيت عدة تعليقات عن الوقت الذي استغرقه مني إعداد هذا النشاط.

لذلك أحببت أن أجيب عن هذه التساؤلات في هذا المقال، في الحقيقة لم يستغرق الأمر مني وقتًا على الإطلاق!

كيف هذا؟، سأطلعكم على السر، هناك عدة إستراتيجيات أتبعها في نظام تعليمنا المنزلي تجعل الأمر يتم بسهولة ومرونة تامة، ودون أي ضغط نفسي على الأم أو على الطفل، سأحاول أن أجملها لكم في النقاط التالية:


الاستعداد المسبق

في خطة التعليم المنزلي لا أضع جدولاً مفصلاً يقسم الدروس على أيام الأسبوع ولا أنشطة محددة لكل يوم كما يحدث بالمدرسة، فقط أحدد المواضيع والأنشطة التي يمكن أن نتناولها على مدار العام، وأترك المجال في تحديد وقت دراستها حسب ظروف أسرتنا، يمكننا أن ندرس عشرة مواضيع في أسبوع ما، والأسبوع التالي لا ندرس فيه شيئًا على الإطلاق، إما لظروف سفر أو مرض أو حتى ملل … لا يهم.

بعد وضع الخطة أعمل على توفير كافة الأدوات اللازمة لدراسة هذه المواضيع قدر الإمكان، بعد أن كونت لدي تصورًا عن كيفية تقديمها لطفلي، وبالتالي إذا حان موعد تقديم الدرس لن يحتاج الأمر مني وقتًا في الإعداد له من جديد.

دراستي لنهج منتسوري قد ساعدتني كثيرًا في هذا الجانب، فنهج منتسوري لا يوفر فقط أدوات تقديم الدروس، بل يعلمنا إستراتيجيات محددة لتقديم أي فكرة أو درس جديد للطفل؛ مما يجنبنا الارتباك عندما يفاجئنا الطفل بطلبه لدراسة موضوع ما لم يكن موجودًا ضمن خطتنا.


توظيف الموارد المتاحة

كثير من الأمهات يقضين ساعات على الإنترنت ليجمعوا العديد من الصور والأفكار للأنشطة التي يمكن أن تقدمها لطفلها في إطار موضوع ما، ثم تبدأ في البحث عن الخامات والأدوات اللازمة لتنفيذ النشاط، ويبقى عائق الحصول عليها هو ما يفصل بينها وبين التنفيذ الفعلي للدرس، ما بين أدوات لم تجدها وخامات باهظة الثمن.

عن نفسي أسلك هذا الطريق بالعكس، فحين أفكر في تقديم الدرس لا أبدأ بفتح الصور على الإنترنت، بل أفتح خزانة أدواتي وأبحث بداخلها عما يمكنني جمعه واستخدامه لتنفيذ فكرة ملائمة للدرس، ثم أشارك صورة فكرتي على الإنترنت مع المتابعين ربما تكون ملهمة لهم.

ليس المطلوب منكم تنفيذ هذه الأفكار بالنص، بل أن تبدأوا بما هو متوفر لديكم بالفعل وليس البحث عما هو متوفر لدى الآخرين.

وربما يفيدكم وجود خزانة متوفر بها دائمًا خامات مختلفة متعددة الاستخدامات؛ مثل الأوراق الملونة واللاصقة، ريش، أحجار، أعواد خشبية، خرز، خيوط، أشكال مختلفة من الفلين والفوم والجوخ، …إلخ، فهذا يفيد في الكثير من الأنشطة لا سيما المشاريع الفنية التي تلي تناول الدرس والتي ينفذها الطفل بنفسه تأكيدًا على استيعابه للمعلومة.


الإحلال و الاستبدال

اذا كنتِ قد وضعتِ تصورًا معينًا للنشاط الذي تريدين تقديمه، وتفاجأتِ بفقدان أحد الأدوات اللازمة له، لا تدعِ ذلك الأمر يوقفك، كوني مرنة وتعاملي معه ببساطة.

فحين اكتشفت نفاد الشمع من مسدس الشمع بحثت عن زجاجة الغراء، وحين لم أجدها أيضًا استخدمت اللاصق ذا الوجهين، على أسوأ الأحوال كان يمكنني خلط بعض الماء والنشا واستخدامهم كلاصق، وهنا تظهر أهمية وجود خزانة الأدوات مرة أخرى.

لذلك، حين تفاجئين بنقص أحد الأدوات لا تدعي الارتباك يتملكك خصوصًا أمام طفلك، اسأليه ماذا يمكننا أن نستخدم كبديل؟

يدهشني الأطفال دائمًا بأفكارهم الإبداعية و سرعة بديهتهم.

لاحظي أيضًا أن الطفل لا يبحث عن المثالية والإتقان في شكل المنتج النهائي من النشاط كما تفعل معظمنا من الأمهات، بل ينفذه بلمساته الخاصه ليجسد أفكاره وما تعلمه من الدرس في جو من المتعة والمرح.


أشركي طفلك في إعداد الدرس

أثناء تواجده معك بالمطبخ قد يفاجئك طفلك بسؤاله عن ماهية البخار المتصاعد من الأطعمة، أو من أين تأتي المعكرونة، وأثناء الاستحمام قد يسألك كيف يعمل الصنبور؟

أسئلة الأطفال لا تنتهي، وهي غير متوقعة في أغلب الأحيان، غير أنها فرصة رائعة للتعلم إذا تم الاستجابة لها على النحو الصحيح.

شيء طبيعي ألا تكون الإجابة جاهزة لديكِ على الدوام، فأنتِ لستِ العم جوجل، ولكي لا تفقدي شعلة التساؤل التي أضاءت لدى طفلك بتأجيل الإجابة عنه يمكنك ببساطة دعوة طفلك للبحث و إعداد الدرس معك.

ابحثي معه عن مقاطع توضيحية تجيب تساؤله أو عن كتاب مصور في مكتبة المنزل، ثم اصحبيه إلى خزانة الأدوات ليختار منها ما يمكن استخدامه لعمل مشروع فني يوضح الفكرة، وبذلك أنتِ لا تجيبين عن تساؤله فحسب، بل تكسبينه مهارة التعلم بنفسه، وهي مهارة لو تعلمين عظيمة!

سيفيدك كثيرًا وجود مكتبة متنوعة يلجأ إليها طفلك بين الحين والآخر، سلسلة اكتشافاتي الأولى من دار النبتة ساعدتني كثيرًا بمحتواها المتنوع والمصور و المناسب لسن طفلي، فحين فاجأني بطلبه التعلم عن الفيل شاهدنا معًا مقاطع مصورة عنه، وقرأنا سويًا كتاب الفيل من هذه السلسلة، ثم استخدم طفلي الأوراق الملونة والمقص واللاصق لصنع قناع يشبه الفيل موضحًا صفاته الجسدية وقام بتمثيل ما تعلمه عنه، وكان هذا هو درسنا ببساطة لذاك اليوم.


كانت هذه هي أهم النقاط التي يمكنكم الاعتماد عليها، الاستعداد المسبق معنويًا –بالمعرفة و التعلم- وماديًا – بتوفير الأدوات والخامات- يزيل جزءًا كبيرًا من الضغط النفسي الذي يمكن أن يصاحب التعليم المنزلي.

المرونة في إيجاد البدائل والحلول، والبساطة في التنفيذ يزيلان جزءًا أيضًا، لتصبح عملية التعلم مريحة وممتعة لكِ ولطفلك.

والآن، يمكنك أن تتبعي شغف طفلك وتكوني مستعدة له.