محتوى مترجم
المصدر
openDemocracy
التاريخ
2020/4/18
الكاتب
Lydia Namubiru
«ساعد عمي في تطوير أدوية الإيدز المنقذة للحياة، ثم مات لما لم يستطع تحمل تكلفتها. لا يمكن لهذا أن يتكرر».
ليديا ناموبيرو

في السنة التي بلغتُ فيها الحادية عشرة، دخل عمي يوشيا سيسانغا إلى مستشفى بأوغندا مصابًا بالتهاب السحايا. كان ذلك في العام 1994 بعد الحرب، كان مصابًا بفيروس نقص المناعة البشرية، ويحول بينه وبين الموت نظام صحي متهالك.

كانت علاجات فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز موجودة في أماكن أخرى من العالم، لكنها في أوغندا اقتصرت في الغالب على هؤلاء الخاضعين للتجارب السريرية. كان هناك دواء يسمى فلوكونازول لعدوى عمي (التهاب السحايا الفطري)، لكنه لم يكن يعلم بوجوده. وعلى أية حال، لم يكن ليتمكن من تحمل تكلفتها، ومن بين المرضى الذين تناولوها، عاش منهم 12٪ فقط أكثر من ستة أشهر.

تتذكر زوجة عمي، أنه في اليوم التالي لدخوله المستشفى، وصل «أناس من مشروع أمريكي» مع جبل من الأوراق، كانوا يقومون بتجارب سريرية لاختبار مركبات أكثر فعالية.

تقول زوجة عمي: «كان هناك حوالي ثلاث صفحات عن الآثار الجانبية المحتملة للدواء، كما تم تحذيرنا من أنه سيحتاج إلى الاستمرار في تناول الأدوية حتى بعد انتهاء المشروع. لكن بالنسبة إلى معظمنا، في تلك الساعة، كانت إجابتنا بالموافقة! كنا لنرحب بأي شيء لوقف هذا الألم. كنا يائسين».

يسبب التهاب السحايا الفطري صداع شديد للغاية، وقد تسبب هذا الصداع في إفقاد العم سيسانغا صوابه، وغالبًا ما كان بحاجة إلى أن تقيد حركته.

في مرة خلال التجربة، تلقى عمي مزيجًا من عقارين سريعي المفعول، وفي أقل من أسبوعين خرج من الرعاية الطبية الداخلية. في الأشهر اللاحقة، أكمل شهادته الجامعية وأصبح مفتشًا مدرسيًا. كان عليه أن يعود إلى المستشفى لمقابلة الباحثين وتحمل عمليات البزل القطني [عملية تدخل فيها إبرة عبر المنطقة القطنية في الظهر لسحب سائل يُسمى السائل الدماغي الشوكي] المؤلمة لتتبع مدى شفائه.

مع ذلك، منحته التجربة السريرية بضعة أشهر فقط من العلاج بعد مرحلة التحقيق الأولية للباحثين. بعدها، طلب من عمي البدء في دفع ثمن حبوبه. يتكلف عرض الأسبوع الواحد أكثر مما يكسبه في الشهر! فأوقف العلاج دون إحداث جلبة.

بعد نحو عام، جاءت إحدى الباحثات للسؤال عنه، وناشدت أقاربي لإعادته للعلاج، لكن لم يكن هناك ما يكفي من المال. بعدها بعامين، أصيب بمرض خطير وتوفي بالطريقة المروعة التي يعاني منها كل مريض بالإيدز دون الحصول على العلاج المضاد للفيروسات القهقرية.

عائلتي، اليوم، فخورة بمساهمة عمي في تطوير العلاج الذي أعاد الأمل والكرامة للعديد من مرضى الإيدز على مستوى العالم، لكننا ما زلنا نشعر بالأسى لأنه بالنسبة له وللعديد من المرضى الأفارقة الآخرين، كانت مساهمتهم في هذا التقدم مجهولة وغير مشكورة.

الآن أخشى أن نعيد هذا السيناريو المؤلم مرة أخرى بينما نواجه جائحة فيروس كورونا المستجد.

مؤخرًا، اقترح طبيبان فرنسيان إجراء تجارب اللقاحات ضد فيروس كورونا المستجد في أفريقيا؛ القارة التي لديها أقل عدد من الحالات المؤكدة حتى الآن. وقال أحد المتحدثين على شاشة التلفزيون الفرنسي: «إن سمحتم لي بالتحدث بصورة استفزازية بعض الشيء، فسأقول هلا أجرينا هذه الدراسة في أفريقيا، حيث لا توجد أقنعة ولا علاجات ولا إنعاش؟»

نظرًا إلى التاريخ الطويل للعنصرية الطبية والتجارب المؤلمة المماثلة التي مرت بها عائلتي، كان انزعاج بعض الأفارقة مفهومًا، ووصفوا هذه التعليقات بأنها عنصرية وتشبه معاملة الناس على طريقة «فئران تجارب بشرية».

ووصف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس تعليقات الأطباء بأنها مخلفات من «العقلية الاستعمارية» وقال إن «إفريقيا لا يمكن أن تكون ولن تكون ساحة اختبار لأي لقاح».

مع ذلك -كما حدث مع جائحة الإيدز- ستكون أفريقيا بالتأكيد سرير اختبار لبعض علاجات أو لقاحات أو إجراءات تحجيم عدوى فيروس كورونا المستجد. على سبيل المثال، قامت ﺷـراﻛﺔ البلدان اﻷوروﺑﻳـﺔ والبلدان النامية ﻓـﻲ ﻣﺟـﺎﻝ اﻟﺗﺟـﺎرب اﻟﺳـرﻳرﻳﺔ (EDCTP)، بتوجيه دعوة مبكرة بقيمة 4.75 مليون يورو لتقديم مقترحات بحثية حول استجابات كوفيد 19 في أفريقيا، وهو في الواقع شيء جيد.

إن استبعاد القارة من أبحاث الجائحة المستمرة ليس هو الحل. يمكن إجراء التجارب السريرية بشكل أخلاقي، ولدى العديد من البلدان والمؤسسات الأفريقية الآن مجالس مراجعة للمسائل الأخلاقية قادرة عى الإشراف على هذه الأبحاث.

يكمن الظلم في اختلال توازن القوة الجيوسياسية، من خلال قانون براءات الاختراع، وحصص الوصول إلى الأدوية الناتجة عن التجارب الناجحة.

تعليق براءات الاختراع، بدلاً من تعليق التجارب السريرية في أفريقيا، هو حل كان من شأنه إنقاذ حياة عمي.

في العام 1996، بدأت الولايات المتحدة في الموافقة على مجموعة العلاجات القوية لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز التي خرجت من دراسات كتلك التي كان عمي جزءًا منها. كانت لحظة فاصلة بالنسبة للناشطين الأمريكيين، ولا ينبغي أن تكون لهم فقط. وقد أعطى المرضى في جميع أنحاء العالم النامي دمهم وسوائل الدماغ الشوكي وأعصابهم إما لاختبار هذه العلاجات أو لجعلها علاجات مستقرة.

لسنوات، ومع دعم قوانين براءات الاختراع الغربية، قامت شركات الأدوية بتسعير الأدوية بعيدًا عن متناول أيدينا. وبحلول عام 2000، حين تحدت شركة سيبلا الهندية هذه براءات الاختراع لإنتاج عقاقير الإيدز العامة التي يمكن لدول الجنوب العالمي شراؤها لمواطنيها، كان عمي قد مات منذ فترة طويلة.

إعلان منظمة الصحة العالمية بأن أفريقيا لن تكون ساحة اختبار لقاحات الفيروس التاجي يتجاهل في نهاية المطاف مشكلة أكبر بكثير. ما نحتاجه حقًا هو ضمان حصول أفريقيا على أي لقاح أو علاج في نفس الوقت مقارنة بأي منطقة أخرى، وبشروط يمكننا تحملها.

ذكرت منظمة أطباء بلا حدود (MSF) أن على الحكومات «الاستعداد لتعليق البراءات وتجاوزها». وفي تحذير منه من أن الشركات قد تحاول «الاستفادة» من كوفيد 19، حث مستشار الأمراض المعدية لدى منظمة أطباء بلا حدود، الحكومات على «وضع خطة لتجاوز احتكارات [براءات الاختراع]، حتى تتمكن من ضمان توريد الأدوية بأسعار معقولة وإنقاذ المزيد من الأرواح».

بدلاً من حظر التجارب السريرية في أفريقيا واستبعاد القارة من البحث، هذا هو الحل الذي كان من شأنه إنقاذ حياة عمي.