عزيزي القارئ: السلام عليكم

صباح الخير/ مساء الخير، بحسب توقيت قراءتك لهذه الكلمات، وبدون مقدمات وحكايات ندخل إلى الموضوع مباشرة.

برجاء قراءة هذه الأمثال الشعبية متتالية بدون توقف لفهمها، وبعد القراءة مباشرة قم بتسجيل انطباعك الأوليّ عنها، وما هي الرسالة التي وصلتك منها، ولا ترمِ أو تنسَ ما سجلته… ستحتاجه!

مستعد؟

* اكفي القِدرة على فمها تطلع البنت لأمها. * يا مخلّفة البنات يا دايخة للممات. * البايرة لبيت أبوها. * الحلوة حلوة ولو قامت من النوم، والوحشة وحشة ولو استحمت كل يوم. * إيش تعمل الماشطة في الوش العكر. * لبّس البوصة تبقى عروسة. * لبّس الخنفسا تبقى ست النسا. * بره وردة وجوه قردة. * نار جوزي ولا جنة أبويا. * قُعاد الخزانة ولا جوازة الندامة. * اللي جوزها يقول لها يا عورة يلعبوا بيها الكورة، واللي يقول لها يا هانم يقفوا لها على السلالم. * أقول لها أنتي طالق تقول قوم بينا ننام. * ضِل راجل ولا ضِل حيط. * أقل الرجال يغني النسا. * الرجالة غابت‏ والستات سابت. * يا سوق بلا رجالة وإيش تعمل النسوان. * حرمة من غير راجل زي طربوش من غير زر.

قد تكون فهمت بعضها، وقد لا تكون فهمت البعض الآخر، لكنك أمام ثلاثة انطباعات: الأول أنك لم تفهم، وهو أمر طبيعي فلم نطلب منك الفهم، الثاني أن الأمثال ترسم صورة سيئة للمرأة، وهذا طبيعي أيضًا؛ لأنك قرأت دون فهم، أو فهمت معنى اللفظ المباشر، الثالث أنك تنتظر المطلوب بعد طلبنا بالقراءة السريعة.


الأمثال تهين المرأة؟

إذا كنت قد فهمت أن هذه الأمثال تسيء إلى المرأة وتظلمها فالحق معك؛ لأنها تُلصق بالمرأة صفات الغدر والدونية والنقصان الشخصي والأخلاقي والتبعية، وتتضمن إساءة مباشرة أو غير مباشرة للمرأة، وتكرّس النظرة الدونية للنساء، وتدعو إلى معاملة المرأة بطريقة سيئة، فالصفات السيئة للابنة تكتسبها من أمها، وإنجاب البنات دوخة وحسرة، والبنت «البايرة» جريمة وعار فتظل في بيت أبيها لا تفارقه، والجمال أو القبح صفة ملازمة للمرأة لا يمكن تغييرها، والمرأة القبيحة لن يغيرها أي تجميل، وقد تخفي قبحها ونحافتها بالملابس، وتتجمل خارج منزلها لا داخله، وترضى بعذاب زوجها على حساب نعيم أبيها وفي ذلك جحود، وهي ليست ذات قيمة إلا ما يراه ويقوله زوجها، الذي إن طلقها تبقى معه بإهانة ودون كرامة؛ لأنها تسعى لمجرد ظل يجعل لها قيمة؛ فالرجل مهما حقُر فهو أعظم منها، وهو المتحكم في أخلاقها.

هذا ما تقوله الأمثال السابقة.

الأمر لا يقتصر على هذه الأمثال فقط،فالصورة التي تقدمها الأمثال الشعبية لأخلاق المرأة وطباعها صورة ليست جيدة، وحين أنصفتها وجعلتها تتفوق على الرجل في صفة كانت صفة الكيد؛ لأن «كيد النسا غلب كيد الرجال» وهي صفة سيئة وغير مستحبة في المجتمع، وانتشرت من شيوع تفاسير مجحفة لقوله تعالى: «إن كيدهن عظيم».

وقد غالت بعض الأمثال فخالفت الشريعة التي كرّمت المرأة، ومن تلك المغالاة نذكر على سبيل المثال: «من أعطى سره لمراته… يا طول عذابه وشتاته»، فمن الطبيعي أن تكون المرأة سر زوجها؛ بسبب طبيعة العلاقة بينهما، والتي وصفها الله في القرآن بوصف بليغ يعبر عن مدى القرب، حيث قال تعالى: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن»، فقد جعل الله كلا من الرجل وزوجته غطاء للآخر، بكل ما تحمله كلمة غطاء من معاني الستر، والتي منها ستر الأسرار، ورغم ذلك نجد المثل السابق يظلم المرأة بأنها تستغل أسرار زوجها لتكون سببًا في عذابه وتشتيت حياته.

ويمكن أن نضيف إليك أمثالًا أخرى أكثر إهانة:

* آمن للحية ولا تآمن لمَرَه. * اللي مالوش مَرَه مالوش عدو. * موت البنات سترة. * تحت البراقع… سم ناقع. * اللي عجبت شاريها ما حد مثليها. * لولا الغيرة ما حبلت النسوان. * الست اللي ما بتخلفش زي الضيف. * أم الأولاد نجّابة وأم البنات نحّابة.

وبصفة عامة، فإن الأمثال الشعبية ترسم صورة سيئة للمرأة في مختلف أطوارها؛ إذ تتضمن إهانة لفظية، أو أخلاقية، أو تشتمل على ألفاظ خارجة أو مستكرهة أحيانًا. ووفقًا لإحدى الدراسات الإحصائية، فإن نسبة الأمثال الشعبية المصرية عن المرأة تبلغ حوالي 33.2% من جملة الأمثال الشعبية، وغالبية هذه الأمثال تتضمن إساءة مباشرة أو غير مباشرة للمرأة، وتكرّس النظرة الدونية لها، لتقدم فكرًا سلبيًا يتميز بالتحامل الشديد، والذي يعد انعكاسًا للصورة التي يرسمها المجتمع للمرأة في مختلف مواقف الحياة، والتي بلغت درجة كبيرة من السوء.


اقرأ الأمثال مرة أخرى

بعد ما أسلفناه فإننا نطلب منك قراءة الأمثال السابقة مرة أخرى، ولكن بعد قراءة الفقرة التالية، وسجل انطباعك مرة أخرى، وقارن بينه وبين انطباعك الأول.

هناك قراءة مختلفة لهذه الأمثال، كالتالي:

المسئولية

«اكفي القدرة على فمها تطلع البنت لأمها»، ربما هي دعوة لكي تُحسّن الأم أخلاقها وصفاتها قبل تربية بناتها؛ كي يكتسبن منها الصفات الحميدة.

«يا مخلفة البنات يا دايخة للممات»، قد يشير ذلك إلى استمرار معاناة المرأة من أجل تربية بناتها، وهو أمر صحيح؛ إذ إن تربية البنات لا تنتهي بزواجهن مثلًا، والمسئولية عن المرأة لا تنتهي حتى بعد طلاقها أو وفاة زوجها، لذا فليس أمام «اللي مخلفة بنات» إلا السعي وتحمل الأعباء حتى وفاتها.

«البايرة لبيت أبوها»، قد يُطلق لكي يحفظ الأب ابنته ويصونها لأنها لم تتزوج، لذا فمسئوليتها لم تقع من على عاتقه.

جمال المرأة

«الحلوة حلوة ولو قامت من النوم، والوحشة وحشة ولو استحمت كل يوم»، و«إيش تعمل الماشطة في الوش العكر»، قد يشيران إلى أن الجمال ليس مرتبطًا بمقاييس مادية كالوجه أو النظافة إنما هو مرتبط بمقاييس روحية كالبِشر والطلاقة وجمال الروح، وهي أمور لا تجمّلها ماشطة، ولا يزيل قبحها استحمام.

«لبّس البوصة تبقى عروسة»، و«لبّس الخنفسا تبقى ست النسا»، قد يشيران إلى أن المرأة يمكن أن تغير من شكلها وجمالها إذا أرادت، ومهما كانت قبيحة يمكن أن تتغير، فعن طريق الملابس الجميلة -فقط – تصبح «البوصة» عروسة، وتصبح الخنفساء سيدة النساء، بدون الحاجة إلى خبراء تجميل أو أدوات أو مساحيق ومستحضرات، وهي ليست دعوة لإخفاء القبح بل إظهار الجمال، وكم من امرأة لا تعرف كيف تُظهر جمالها!

«بره وردة وجوه قردة»، قد يكون تحذيرًا للمرأة من الاهتمام بجمالها خارج المنزل على حساب داخله، أو تحذيرًا من تجميلها نفسها لتظهر عكس ما تخفي أو أن يكون جمال الشكل والمنظر والهيئة والملابس ستارًا لإخفاء قبح آخر لا تخفيه مساحيق، ولا يقدر على تغييره خبراء التجميل، وهو قبح الروح والشخصية، فتكون جميلة المنظر والطباع خارج المنزل وقبيحة السوء داخله.

الرجل والمرأة

«نار جوزي ولا جنة أبويا»، يمكن أن يُعد مواساة؛ لأنها ملكة بيت زوجها وليست ملكة لبيت أبيها، مما يشير إلى رغبة الزوجة في الحفاظ على حياتها الزوجية حتى لو كانت جحيمًا.

«قُعاد الخزانة ولا جوازة الندامة»، قد يصور عقلانية المرأة قبل الزواج؛ فهي ترفض الزواج إذا كان «العريس» سيئًا، وعدم الزواج والبقاء كالخزانة أفضل لها من الزواج الذي يجلب الندم.

«اللي جوزها يقول لها يا عورة يلعبوا بيها الكورة، واللي يقول لها يا هانم يقفوا لها على السلالم»، قد لا يكون إهانة بل تحذيرًا للرجل و دعوة لحسن معاملتها، فهنا يحذر من إهانة الزوج لزوجته والتي يتبعها بالطبع إهانة الناس لها.

«أقول لها انتي طالق تقول قوم بينا ننام»، يمكن أن يفسر بحرص الزوجة على استمرار العلاقة الزوجية، ومراجعة زوجها بعقلانية ودلال للرجوع عن كلمة الطلاق التي تهدم البيت.

«ضل راجل ولا ضل حيط»، و«أقل الرجال يغني النسا»، قد يكون كل منهما نصيحة للرجل بألا يكون أقل ما تتمناه المرأة، فيكون رجلًا لا حائطًا؛ حتى لا تبقى معه لمجرد أنها لا تجد حائطًا يظلها، وقد يُرى فيه تعظيم للمرأة، فهي قنوعة ترضى بالقليل، ولا تسعى لتعجيز المتقدم للزواج منها بكثرة الطلبات وغلاء المهر.

«الرجالة غابت‏ والستات سابت»، و«يا سوق بلا رجالة وإيش تعمل النسوان»، و«حرمة من غير راجل زي طربوش من غير زر» قد تُقال هذه الأمثال لتحفيز الزوج على تحمل المسئولية بطريقة كاملة، حينها تصلح أن تكون تحذيرًا للرجل من التخلي عن مسئولية من يعولهم من النساء؛ حتى لا يفقدن الحماية والأمان، أو يشعرن بقلة الشأن بين الناس.


«أيوه… يعني عاوزين إيه؟»

ما نريد قوله هو أن «من الأمثال ما قد يتضمن معناه المباشر ما يتوهم فهمه على أنه إهانة للمرأة، لكن الأمر قد يقبل تفسيرين، تبعًا للموقف الذي يُقال فيه المثل أو يكون نابعًا من عدم فهمنا لقصة وأصل المثل، فالمثل الذي يقول: «الأب يطفّش والأم تعشّش»، قد يُفهم على أن الأم تحرص على أولادها في حين أن الأب يسعى للخلاص منهم، لكنه قد يكون مقتبسًا من حياة الطيور التي تقسّم العمل فيما بينها؛ فأنثى الطير تبني العش في حين أن الذكر يحميه من الطيور الجارحة التي تحاول خطف الصغار»، وذلك بحسب قول د. أحمد مرسي، أستاذ الأدب الشعبي والفولكلور بجامعة القاهرة.

يؤكد مرسي أن حقيقة الصورة التي ترسمها الأمثال للمرأة، ليست الأمثال ولا استعمالها، إنما المرأة نفسها؛ لأن ذكاء المرأة هو ما يجعلها تستغل الأمثال لصالحها؛ فصورة الرجل الجيدة في الأمثال في مقابل صورة المرأة السيئة تستخدمها المرأة كسلاح ذي حدين، الأول أنها تحتاج إلى رجل يقوم على رعايتها وتحمل مسئوليتها، والثاني أنها تستعملها في مواجهته إذا كان مُقصرًا، بمعنى أنه رغم كل المكانة التي أعطتها له الأمثال إلا أنه لا يقوم بدوره.

في النهاية، لك الحق أن تقتنع بالتفسير الآخر الذي قدمناه أو ترفضه وتراه غير مقنع أو ترى –بتعبير أدبي- أننا «نلوي عُنق النصوص لتوافق رأينا»، وليس ذلك بصحيح، إنما نقدم رؤية وقراءة مختلفة للأمثال، اعتمدنا فيها على تفسيرات وآراء ذات أصول وجذور أكاديمية لدى عدد من المتخصصين في التراث الشعبي، الذين يؤكدون أن مما يميز تلك النصوص التراثية أنها قابلة للتأويل والتفسير وتغيير ما لم يعد مناسبًا، مهما تغيرت الأزمنة والمعتقدات، وربما ذلك هو ما يعطيها الحياة والاستمرار.