في استطلاع للرأي على موقع Bookboon.com الدنماركي المتخصص في النشر الإلكتروني أجري بين ديسمبر 2012 وفبراير 2013، وشارك فيه أكثر من 40 ألف شخص من 13 دولة مختلفة، أشارت النتائج أن 75% من الأشخاص يتوقعون أن يقوموا بقراءة كتب إلكترونية في عام 2015، ونصفهم رجح أن غالبية قراءاتهم بحلول هذا الوقت ستصبح إلكترونية تماما. وعلل المشاركون أنه بمجرد حصولهم على أجهزة ذكية مثل الحواسب اللوحية والأجهزة الإلكترونية المخصصة للقراءة، سيقومون بكل تأكيد باستخدامها بشكل نشط في نمط حياتهم الثقافي.


توقعات

الآن ونحن في مطلع عام 2016 يتضح أن تلك التوقعات لم تكن مصيبة تماما، لم تتجاوز حجم مبيعات الكتب الإلكترونية عالميا حاجز الـ 50% بعد، بل لم تقترب منه أصلا، وإن كان سوق الكتب الإلكترونية في الولايات المتحدة وبريطانيا يقود هذا النمو (بنسبة مشاركة من الكتب الإلكترونية تقترب من 38% من سوق الكتب هناك)، فدول أوروبية أخرى مثل فرنسا وأسبانيا وإيطاليا وألمانيا والسويد لم تتجاوز نسبة الإقبال على الكتاب الإلكتروني بها حاجز الـ 20% بعد!

وكما يسخر نات هوفيلدر مؤسس موقع The Digital Reader المعني بالكتب الرقمية وعادات القراءة الإلكترونية، قائلا: «في عام 2012 توقعت الدراسات أن يهزم الكتاب الإلكتروني الكتاب الورقي بحلول عام 2016، وفي عام 2013 تغيرت التوقعات لتؤكد أن عام 2017 هو عام الحسم، والآن تغيرت التوقعات مرة أخرى نحو عام 2018».

وجاء تعليق هوفيلدر بعد دراسة قامت بها مؤسسة برايس ووترهاوس كوبرز ونشرت في جريدة نيويورك تايمز، أشارت إلى النمو ليس بطيئا فقط في السوق الأوربية، بل كذلك في السوق اليابانية التي يبلغ حجم سوق الكتاب الإلكتروني فيها 15%، والسوق الصيني والهندي الذي لم يتجاوز الـ 3%! وأن الأمل في السوقين الأمريكية والبريطانية، أن تدفعا المحتوى الرقمي من الكتب المكتوبة بالإنجليزية لكسر حاجز الـ 50% من سوق الكتب مع عام 2018.

وتعليقا على النمو البطئ في السوق الأوروبي تحديدا، يفسر روديجار ويسشينبارت، وهو محلل معلوماتي في مجال النشر، يدير شركة استشارات من فيينا بالنمسا، قائلا: «هناك نوع من التعلق الثقافي بالكتاب المطبوع، صعب جدا زحزحته، فعندما تقرأ كتابا فانك تعتبر نفسك ضمن نخبة ثقافية، وتلك النخبة لديها عادات محافظة جدا، ولا يريدون لمكانتهم العالية أن تضعف بسبب مجموعة من الأجهزة الإلكترونية الحديثة!».

يؤكد ذلك الشاعر والكاتب السكندري الكبير علاء خالد: «بالنسبة لاختفاء الكتاب الورقي لا أعتقد في الوقت الحالي. ربما هناك بعض الوقت لانفصام العلاقة مع القراءة، ربما تحتاج أكثر من جيل. بالتأكيد هناك وسائط جديدة شبيهة بالكتاب، وهنا أصل الفكرة في أهمية المرجع، على الأقل في شكله وفي تقاليد قراءته وفي شحنته المبثوثة داخله. لا يوجد شيء مقدس، ويمكن أن يحدث التحول عندما يستنفد هذا المقدس أغراضه الحسية والنفسية».


هل ينتهى بالفعل؟

هل يموت الكتاب الورقي؟ وجهت هذا السؤال لميساء خضير مؤسسة منصة «مشروع قلم» الأردنية للنشر، وأجابتني إجابة ذكية جدا: «الظن العام بأنه كذلك ولكن يبدو أن العكس هو ما يحدث حاليا، وإلا كيف نفسر افتتاح أمازون لمتجر للكتب الورقية؟»

وكانت تقارير قد أشارت مؤخرا عن خطة أمازون لإنشاء من 300 إلى 400 متجر حقيقي (بجانب موقع أمازون الإلكتروني الذي يضم 3.4 مليون كتاب، حيث يتم إضافة كتاب جديد كل خمسة دقائق!) تغطي الولايات المتحدة الأمريكية.

أكدت نفس التوقع مواطنتها «إيمان حيلوز» مؤسسة شبكة أبجدAbjjad الاجتماعية الموجهة للقراء والناشرين العرب، والتي تنافس Good Reads إقليميا: «لا لو بده يموت كان مات بالغرب. اللي سابقينا بـ 10 سنين بالنشر الإلكتروني، أعتقد انه الكتاب الورقي رح يستمر لكن رح يكون الإلكتروني سبب أكبر لانتشار [قراءة] الكتب لجمهور أكبر بكتير».

هل يختفي الكتاب الورقي مقابل التجربة التفاعلية التي توفرها الأجهزة الإلكترونية الحديثة أثناء القراءة؟ أخذت هذا السؤال وذهبت لإثنين من المتخصصين في صناعة الكتب المصورة، يوضح فنان الكوميكس شريف عادل صاحب سلسلة قصص مصورة ناجحة بعنوان «فوت علينا بكرة» نشرت ورقيا وإلكترونيا: «لا أظن ولا أتمنى حدوث ذلك (اختفاء الكتب الورقية). الكتب الورقية تعطي إحساسا خاصا أفتقد وجوده عند القراءة الإلكترونية وخاصة في حالة الكوميكس. ملمس الورق ورؤية الكادرات مطبوعة بحبر حقيقي أمامي يجعلني أندمج بشكل أكبر في عالم القصة. أتوقع أن تكون الكتب الرقمية خيار متاح بجانب الكتب المطبوعة، لا يستبدل أحدهما الآخر».

ومن منظور الكوميكس، يتفق معه أيضا عمرو حسين، مؤسس منصة كشك لنشر القصص المصورة: «أعتقد أن كتب الكوميكس المطبوعة لن تموت، لأنها توفر تجربة مختلفة للقراء الذين يمسكون الكتب بأيديهم، صحيح أنها تفتقر للشكل الجديد من التفاعل والثراء الذي توفره التجربة الرقمية، لكن الورق لا يزال يمتلك سحره الخاص».


سوق الكُتب المصري

وبالنظر للسوق العربي عموما والمصري خصوصا، والذي لا يزال يعاني من مشكلات في صناعة النشر التقليدي أصلا، الإنتاج العربي من الكتب لا يتجاوز 1.1% فقط من إجمالي الإنتاج العالمي رغم أن السكان العرب يمثلون 5.5% من سكان العالم، وإن كنت سعيد الحظ واستطعت ككاتب أن تقنع دار النشر بطباعة 1000 نسخة من كتابك، فالمتوسط في بريطانيا هو 85 ألف نسخة للكتاب الواحد! إجمالي صناعة النشر العربي ككل يبلغ حجمها 4 مليارات دولار (نصيب مصر منها 204 مليون دولار سنويا بحسب دراسة لمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب) مقابل 28 مليار دولار لحجم صناعة النشر الأمريكي فقط!

لكن المشهد لا يبدو قاتما تماما، هناك صحوة مؤخرا في صناعة النشر العربي، زاد عدد الناشرين المصريين المسجلين إلى 503 دار نشر، هناك بعض الكتب زادت طبعاتها عن الـ 50،000 نسخة للكتاب، معرض الكتاب يبيع أكثر من ربع مليون تذكرة دخول في السنة، 124 ناشر مصري شاركوا في معرض أبو ظبي العالمي للكتاب، وانتشرت سلاسل المكتبات وبلغ عدد أفرع مكتبة واحدة أكثر من 20 فرعا، وامتدت الفروع لتتحرر مؤخرا من نخبوية القاهرة والأسكندرية وتمتد للأقاليم.

تضاعف الإقبال على الكتاب الإلكتروني (ولو مقرصنا) ثلاثة مرات على الأقل منذ قيام الثورة تبعا لإحصائيات Google Trends. هناك موقع متخصص في قرصنة الكتب (من ضمن مئات المواقع)، بلغ عدد تحميلات كتاب واحد فقط عليه (مئة عام من العزلة) 15,000 مرة تحميل (أشك أن الكتاب المطبوع باع هذا العدد من النسخ في مصر في السنوات الثلاث الأخيرة مثلا!).

هل يترك المصريون والعرب الكتاب الورقي ويلجئون للكتاب الإلكتروني؟ هل يموت الكتاب الورقي (المريض أصلا) عربيا؟

محمد البعلي، الناشر والناشط في المشهد الثقافي المصري، ومؤسس دار صفصافة، رد على سؤالي قائلا: «لا أظن أن الكتاب الورقي يموت، ربما هو يتراجع نسبيا ولكني أظن أنه مازال أمامه عمر مديد، ولكن مع تطويرات على مستوى الشكل خاصة تجعله أقرب للتحف وأكثر صلاحية للاقتناء والتهادي».

ويرفض الرحالة عمرو بدوي -صاحب واحد من أكثر الكتب مبيعا «مسافر الكنبة» والمنشور ورقيا وإلكترونيا- الفكرة قائلا: «في اعتقادي إنه مش هيموت.. الناس عندها حب اقتناء الكتب الورقية. خصوصا إن معدل قرائتهم مش عالي اوي اصلا. ممكن يكون الورقي مات، بس للناس الي بتقرا كتب كتير جدا، لا عندها فلوس ولا مكان لاقتناء كل الكتب اللي بيقروها».

د. حاتم زغلول المصري الكندي المشارك في اختراع تكنولوجيا الواي، نشر سيرته الذاتية مطبوعة في أمريكا، ونشر النسخة العربية إلكترونيا في مصر، سألته نفس السؤال وأجاب: «الكتاب الورقي لن يموت ولكن القراءة الإلكترونية تجتذب نوعا مختلفا من القراء مع الأجيال الجديدة. مع الوقت نسبة قراء الكتاب الورقي ستقل».


من السوق العربى إلى الهندى

قد تقل نسبة قراءة الكتب الورقية مقابل الإلكترونية عربيا مع الوقت، وخصوصا مع امتلاك عدد كبير من المستخدمين العرب هواتف ذكية وأجهزة لوحية تمكنهم من الحصول على الكتب وقراءتها في أي مكان، فـ 33% من العرب يمتلكون هواتف ذكية (23% في مصر)، و 40% منهم يستخدمونها في أنشطة متعلقة بالقراءة تتضمن قراءة الكتب وأيضا مطالعة الأخبار وقراءة المقالات (وفقط 5% منهم فقط يقوم بشراء كتب إلكترونية وقرائتها على تلك الأجهزة)، إلا أن ذلك كله يمثل فرصا غير مستغلة في ظل ندرة منصات النشر الإلكتروني، ومواقع بيع الكتب الإلكترونية عربيا، ومحدودية وسائل الدفع الإلكتروني.

تلك الفرص تستدعي ابتكار نماذج جديدة مغرية للقارئ العربي أن يجرب ويرتبط بالقراءة الإلكترونية، وأن تترك شريحة كبيرة موجودة حاليا الكتب الإلكترونية المقرصنة، وتندمج في مناخ رابح-للجميع Win/Win سواء للقارئ أو للناشر أو لمنصة النشر.

وأخيرا، وبالمقارنة بأسواق ناشئة، مثل السوق الهندي الذي يمثل حجم الكتاب الإلكتروني فيه 3.4%، ويواجه تحديات مشابهة خاصة بصناعة النشر (نسبة الأمية مثلا 37%) إلا أن الدراسات تتوقع نمو 29% في حجم سوق الكتاب الإلكتروني بالهند خلال الثلاث السنوات القادمة. نمو الكتاب الإلكتروني قادم بالطبع، لكنه لا يعني إطلاقا أي أخبار سيئة تخص موت الكتاب الورقي، على الأقل في المدى المنظور.

المراجع
  1. Global eBook Survey 2013 by Bookboon
  2. In Europe, Slower Growth for e-Books
  3. Information about book production in Egypt
  4. واقع صناعة النشر العربية
  5. Amazon Plans Hundreds of Brick-and-Mortar Bookstores, Mall CEO Says
  6. There Is One New Book On Amazon Every Five Minutes
  7. ?How is the Arab world using smartphones
  8. The Mobile Economy in the Arab World
  9. Report for the Arab World Payforit Releases Comprehensive Online Payment