محتوى مترجم
المصدر
واشنطن بوست
التاريخ
2016/02/09
الكاتب
إيشان ثارور

على مدار الأسبوع الماضي، أطبقت القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد شبه حصارٍ كاملٍ على مدينة حلب، التي مثلت المركز الحضري الأعلى كثافة سكانية بالبلاد التي مزقتها الحرب. نتيجة لذلك، نجحت قوات الأسد بفاعلية في قطع جميع طرق الإمداد الحيوية الواصلة من تركيا إلى مناطق سيطرة المتمردين بالمدينة.سيطرت القوات الحكومية السورية يوم الاثنين على بلدة كفين الشمالية، غير البعيدة عن الحدود التركية. ليثير الهجوم مخاوف حول تحرك موجة جديدة من اللاجئين، بالإضافة إلى الخطر الحقيقي المنطوي على أن حلب، العاصمة التجارية لسوريا قبل إندلاع الحرب، ستسقط، ما يمثل ربما الانتصار الأكبر للأسد منذ بدء التمرد ضد حكمه عام 2011.

عُزز تقدم قوات الأسد بواسطة المسلحين المدعومين من إيران على الأرض، إلى جانب القصف الجوي الروسي الذي استمر لأشهر. بينما تابعت قوى أخرى، بينها الولايات المتحدة، الوضع متحلية بدرجة من العجز مع تحويل التدخل الروسي لمسار الأحداث في المعارك السورية بقوة لصالح النظام. إلا أن ما سيحدث خلال الأسابيع القادمة سيكون له توابع ضخمة على مستقبل الصراع السوري والشبكة المعقدة من الأجندات والعداوات الإقليمية المحيطة به.


أزمة لاجئين جديدة

يعتقد بعض المراقبين أن الحكومة السورية ستسعى لتجويع المتمردين في حلب، بدلًا من المخاطرة ببدء حرب برية ممتدة ومكلفة داخل المدينة. وقد أدى ذلك، حسبما أوردت زميلتي ليز سلاي الأسبوع الماضي، إلى تدفق موجة جديدة من اللاجئين الساعين للوصول إلى ملاذٍ يؤيهم. وبالفعل، احتشد حوالي 35،000 سوري عند المعبر الواصل بين الحدود السورية والتركية قرب بلدة كيليس، الذي أغلق لليوم الرابع على التوالي يوم الاثنين.حذر مسؤولون أتراك من أنهم قد قاربوا على تحقيق التشبع من اللاجئين. حيث تقول أنقرة إن حوالي 2,2 مليون لاجئ سوري قد وصلوا وتمت استضافتهم في تركيا منذ بدء الصراع، ما يكلف ميزانية الدولة مليارات الدولارات.حذر رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، الذي دعت بلاده لسنوات للإطاحة بالأسد وقدمت دعمًا ضمنيًا لبعض فصائل المعارضة، يوم الاثنين من أن حلب «واقعة تحت الحصار. نحن على مشارف مأساة إنسانية جديدة». حيث حضر الوزير اجتماعًا مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميراكل، التي قامت بزيارة مقتضبة إلى أنقرة لمناقشة سبل تعزيز التعاون بين أنقرة وحلفائها الأوروبيين بصدد معالجة أزمة اللاجئين.يحرص العديد من القادة الأوروبيين، بمن فيهم ميراكل، على تخفيف تدفق اللاجئين المنتقلين إلى الغرب في مواجهة المعارضة الشعبية ببلادهم، ويتفاوضون على منح تركيا حزمة مساعدات لتحفيزها على إحكام سيطرتها. وبالنسبة للجانبين، يمثل تدفق اللاجئين مأزقًا أخلاقيًا وسياسيًا، ويفاقم التوترات الدبلوماسية.«من جانب، يطلبون منّا فتح حدودنا واستقبال الجميع»، حسبما تذمر نائب رئيس الوزراء التركي، يالجين أكدوغان، في إشارة إلى الاتحاد الأوروبي. «وعلى الجانب الآخر، يطلبون منّا إغلاق حدودنا وعدم السماح بدخول أيًا كان».وفي ذات الأثناء، يصبح مأزق النازحين وضحايا الحرب السورية أكثر إثارة للإحباط. فالمخاوف المتعلقة بتدشين تركيا لهجوم تشير إلى أعدادٍ متزايدةٍ من اللاجئين والمهاجرين تُقدم على المحاولة الخطرة لعبور البحر إلى اليونان. ففي يناير، تعرض أكثر من 250 مهاجر للغرق أثناء قيامهم بتلك الرحلة – ما يمثل حوالي ثلث العدد الإجمالي لعام 2015.يعتبر الوضع أليمًا بشكل مشابه بالنسبة لمن يهربون حاليًا من حلب ومحيطها، مع معاناة المنظمات الإنسانية لتوفير المساعدات الإنسانية الكافية.«لقد قُطع الطريق الرئيسي الواصل من الشمال إلى حلب»، وفق كريستي ديلافيلد، مسؤول اتصال بارز بمؤسسة «ميرسي كوربس»، في رسالة بريد إلكتروني من مدينة غازي عنتاب التركية ليلة الاثنين. وتابع: “تستطيع المؤسسة أن تستمر في توزرع الغذاء والإمدادت الأخرى المحددة مسبقًا. ولكننا لا نستطيع تقدير إلى متى ستستمر تلك الإمدادات ومتى سنحصل على الشحنة التالية. وتظل طرق أخرى مفتوحة، ولكنها غير مضمونة وخطيرة”.


كارثة بالسياسات الغربية

سلطت المعاناة البطيئة والوحشية للحرب – بالإضافة إلى المكاسب المستمرة التي يحرزها الأسد وحلفائه خلال الأشهر الأخيرة – الضوء على التحديات الاستراتيجية التي يمثلها النزاع السوري بالنسبة للعديد من الحكومات الغربية، خصوصًا بالنسبة لإدارة أوباما. فقد راهن البيت الأبيض بالكثير من رأس ماله السياسي على تقدم محادثات السلام الجارية بوساطة من الأمم المتحدة، وهي المفاوضات التي ولدت بالفعل الكثير من الضغائن بدلًا من التفاؤل.وفي غضون ذلك، يستحوذ نظام الأسد، بدعم موسكو وإيران، بخطى ثابتة على نطاق سيطرة المعارضة السورية وداعميها – المُشكلة من مزيج من الفصائل المتنافسة عادةً، بمن فيها أحد الفصائل المرتبطة بتنظيم القاعدة.«سيحدد الواقع على أرض المعركة الشروط النهائية لتسوية إنهاء الحرب الأهلية السورية، وليس سياسات القوى العظمى»، حسبما علق معهد دراسات الحرب، ومقره بواشنطن العاصمة، في مذكرة نشرها يوم الجمعة. وتابعت المذكرة: «أبطن الأسد وحلفائؤه في روسيا وإيران هذا المبدأ الأساسي، حتى مع تعليق واشنطن والعواصم الغربية الأخرى لآمالها على محادثات جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة، التي تعثرت بعد يومين فقط من بدأها».برز صوت منتقدي التقاعس النسبي لإدارة أوباما، متهمين البيت الأبيض، بعد فوات الأوان، بعدم اتخاذ إجراءات حازمة مبكرًا لدعم العناصر المعتدلة من المتمردين ولإعاقة حملات القصف عديمة الشفقة التي نفذها نظام الأسد ضد شعبه.«قد تثبت حلب كونها سراييفو سوريا»، وفق تعليق كاتب العمود بصحيفة نيويورك تايمز، روجر كوهين، في إشارة إلى مدينة أخرى غرقت وسط مجموعة من الصراعات الطائفية بينما وقف العالم متفرجًا.

تحمل سوريا الآن عار إدارة أوباما، فهزيمة بذلك الحجم قد تغطي على إنجازات الرئيس الداخلية
روجر كوهين

أشار البيت الأبيض وأصوات أخرى في واشنطن إلى أن مهمة موسكو في سوريا قد تتحول قريبًا إلى مستنقعٍ لها. كما زعموا، بشكل مبرر، أن التاريخ الأخير للتوسع والتعثرات الأمريكية في الشرق الأوسط، يجب أن يمثل درسًا للاعتبار بالنسبة للتدخل في سوريا.ولكن الروسيون هم من يصنعون الدرس حاليًا، وفق كوهين، ويدعمون حاكمًا سوريًا، أصر الرئيس أوباما مسبقًا على ضرورة رحيله.«من المبرر بالنسبة للولايات المتحدة أن تعتمد على عملية سياسية، وأن تدعو المعارضة السورية للإنضمام إلى ذلك الحوار بحسن نية»، حسبما كتب اميل الحكيم، الباحث بشؤون الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. ويضيف: «لكن لتحقيق ذلك مع تعرض المتمردين للهجوم المشترك للأسد، روسيا، وإيران، ودون خطة للطوارئ يعتبر ببساطة شائنًا».


فوضى جيوسياسية مستمرة

في حال سقطت حلب في يد النظام، سيمثل ذلك نقطة تحول حقيقية في الصراع. فكما أوضحت سلاي الأسبوع الماضي، جاءت سيطرة المتمردين على المدينة عام 2012 في لحظة كان فيها العديد من المراقبين واثقين من أن سقوط الأسد أصبح حتميًا. والآن، على التمرد الممزق أن يتحد ويتقدم رغم الخلافات، على الأرجح مع قيادة الفصائل الإسلامية، الأكثر تشددًا، للقتال.علاوة على ذلك، ستستمر رغبة القوى العالمية – وعلى نحو محتمل، نظام الأسد أيضًا – في هزم تنظيم الدولة الإسلامية، التنظيم المتشدد الذي احتل عناوين الصحف العالمية منذ صعوده السريع منذ عامين، ويسيطر على أراضيٍ واسعةٍ في العراق وسوريا.علق باتريك ميجاهان، المحلل بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، لموقع بلومبيرج: «لا يمثل ذلك نهاية الحرب، ولكنه قد يمثل بداية النهاية، مع خروج الأسد، روسيا، حزب الله وإيران أكبر المنتصرين». جدير بالذكر أن حزب الله يمثل منظمة لبنانية شيعية مسلحة لديها آلاف المقاتلين الملتزمين بالدفاع عن نظام الأسد، وهي وكيلة لإيران. ويتابع ميجاهان: «يرجح أن يستمر العديد من التنظيمات المتشددة في القتال حتى مع خسارة المعارضة للكثير من أراضيها».وبينما تحقق روسيا وإيران المزيد من المكاسب، يتعثر لاعبان إقليميان بارزان. أولهما، المملكة السعودية، التي لعبت دورًا بارزًا خاصًا بها عبر دعم التمرد، وأعلنت الأسبوع الماضي إنها تدرس إرسال قوات برية إلى سوريا – وهو السيناريو الذي سيمثل التصعيد الأعلى حدة حتى الآن في صراعها على النفوذ الإقليمي ضد إيران.قوبل الاقتراح السعودي بسخرية قائد الحرس الثوري الإيراني خلال نهاية الأسبوع. حيث صرح الجنرال علي جعفري للمراسلين في طهران: «يزعمون أنهم سيرسلون قوات، ولكنني لا أظن أنهم يتحلون بالجرأة الكافية»، وفق وكالة أنباء «فارس» الإيرانية شبه الرسمية. وتابع: «لديهم جيش تقليدي، ويخبرنا التاريخ أن الجيوش من ذلك النوع ليس لديها فرصة في قتال قوات المقاومة غير النظامية».والثانية، تركيا، التي تواجه عدة مشكلات أخرى. فقد مثلت التحركات الروسية في سوريا كارثة على أنقرة؛ حيث سحقت الحرب الجوية التي دشنتها موسكو أي آمال تركية مبهمة لتأسيس منطقة حظر جوي على الجانب الآخر من الحدود السورية، وأعطت كذلك دفعة للفصائل الكردية السورية، التي سيطرت على المزيد من الأراضي في الشمال السوري.تعد الدويلة الكردية السورية حلًا فاشلًا بالنسبة لتركيا، التي بدأت من جديد هجومًا لمكافحة التمرد ضد الحركات الكردية في منطقة جنوب الشرق المضطربة بالبلاد. كما طُرحت احتمالية تدشين تركيا لتوغل بري، ولكنه تحرك محفوف بالمخاطر وقد يغذي صراع مميت بالفعل.من جانبه، اعتبر الأسد طويلًا حربه عمليةً ضد الإرهابيين – رغم الأدلة الوفيرة المشيرة إلى عكس ذلك. وبسقوط حلب في يديه، وتحول فكرة التمرد المعتدل إلى كونها فكرة خيالية على نحو أكبر، قد ينال الأسد ما يرجوه.يكتب دانيال سيروير، من معهد الشرق الأوسط: «أراد الأسد طويلًا للصراع في سوريا أن يُرى كمعركة بين نظامه والمتطرفين»، ويتابع: «وقد اقترب من اقتياد المعتدلين نسبيًا إلى خارج أرض المعركة، ما يحقق نبوءته. ولكن العواقب بالنسبة للعديد من السوريين وتركيا، وبالنسبة لآفاق السلام، ستكون كارثية».