لن أثق في أي شخص مرة أخرى!

جملة نقولها نحن الكبار عندما نعطي ثقتنا أحدهم ثم يخذلنا، ماذا ينتج عن الخذلان؟ فقدان الثقة في قدرتنا على الاختيار والحُكم، وبالتالي فقدان الثقة في أنفسنا ومن حولنا، هذا عنّا نحن الكبار، فماذا عن الأطفال الصغار الذين لا حول لهم ولا قوة؟

لنتفق في البداية أن الأم هي عالم الطفل، بوابته الأولى لهذا العالم المجهول، هي الشخص الوحيد الذي يعرفه الطفل جيدًا وينتمي له بقوة، هل تعرفين أن طفلك في شهره الأول لا يُدرك أنكما شخصان منفصلان بل شخص واحد؟ نعم هذا هو الحد الذي ينتمي به طفلك، فالترابط والتعلق بالأم أمر فطريّ، لكن الثقة أمر مختلف، فهي تحتاج إلى مجهود حتى يكتسبها الطفل ويتبادلها معكِ ومع المُحيطين به، بل إجابة سؤال «هل يثق فيكِ طفلك؟» هو الذي يتحدد عليه هل سيثق طفلك في العالم من حوله أم لا يثق، فمعظم مشاكل البالغين تنشأ منذ الطفولة، وذلك لأن جزءًا أساسيًا من شخصية الإنسان يتكون في سنوات عمره الأولى.

فكيف يمكنك تنشئة طفل سوي في هذا العالم، يثق فيكِ وفيه نفسه وفي العالم من حوله؟ لنجيب هذا السؤال..

في البداية، لا شك أن حبك لطفلك سيساعده على الثقة بنفسه وبالعالم من حوله ويعطيه الإحساس الكافي بالأمان. فهمك لإشارات طفلك وطلباته التي يعبر عنها عبر بكائه -تلك اللغة التي لا يتقن غيرها في التعبير- هو الوسيلة المؤسسة لعلاقة وطيدة سليمة مع طفلك، فالأطفال الذين يثقون في ذويهم مبكرا يتقبلون أنفسهم ويثقون فيها ويثقون في نتائج اختياراتهم، وهم بالتالي ناجحون في حياتهم فيما بعد، ولديهم قدرة على التواصل جيدًا والتعبير عن أنفسهم، ورغبتم في اكتشاف العالم من حولهم محفوفة بالأمان، لذا يقدمون عليها بكل قوة.. يُعبرون عن مشاعرهم بسهولة ويستطيعون التعافي من خيبات الأمل والفقدان ويطلبون الدعم إذا تطلب الأمر، لذا هم يستطيعون الحفاظ على توازانهم العاطفي وسلامهم النفسي فهم أسوياء في المستقبل.

من جهة أخرى يشعر الطفل بعدم الأمان عندما تخذله أمه مبكرا بعدم تلبية احتياجاته الأساسية وإهمالها له، وتركه يبكي مدة طويلة دون محاولة تهدئته أو حتى البحث فيما يُبكيه، وهناك بعض الأمهات تعاني آلاما عندما تبدأ برضاعة طفلها، فتصرخ أو تبين تأففها من الطفل، فيصل للطفل شعور بعدم الأمان وأنه غير مرغوب فيه، كل تلك علامات تهدم الثقة بين الطفل والأم، وتُنتج أطفالا يشعرون دومًا بالخوف من اكتشاف العالم ويفضلون البقاء منعزلين عن الآخرين، ويفقدون الثقة في أنفسهم وفي الآخرين، ويحدث خلل في إيمانهم بمن حولهم لصعوبة إعطائهم الثقة لأي من حولهم. فقد وثقوا في أمهم في البداية، وخذلتهم.


كيف أزرع الثقة في طفلي؟

– لاحظي الطفل جيدًا وحاولي ترجمة سبب بكائه واحرصي على تلبية احتياجاته سريعًا، فإذا لم يكن بحاجة إلى طعام أو نظافة فربما يريدك أن تحمليه قليلا أو تحتضنيه أو ربما تربتين عليه فقط، وربما يريدك أن تتحدثي معه أو تُغني له أغنيته الخاصة بصوتك الذي يُحبه ويطمئن عليه، أو ربما يريد أن يبتعد عن الضوضاء ويستمتع بلحظات هادئة.

  • عند استجابتك لنداء طفلك تعاملي بهدوء وحب وحنان ولا تنسي أن تنظري في عينيه فهذا مهم جدًا في توصيل مشاعر الأمان والفهم والحب لطفلك، وحديثك الناعم المُطمئن له مفعول السحر في تهدئته.
  • اجعلي الطفل محاطًا ببيئة آمنة ومستقرة تساعده على الاكتشاف والنمو، اتركيه يخوض التجارب بمفرده دون تدخل منك، لكن أمام عينيك ومراقبتك، سيثق في نفسه وقدرتها على الفعل، وفي نفس الوقت يعرف أنه آمن بوجودك، هذا مفتاح سحري لتوثيق الثقة.
  • احرصي على أن يحدث تلامس جسدي بينك وبين رضيعك قدر المستطاع، يمكنك بعض الوقت حمله داخل حمالة من القماش أثناء قيامك بمهامك المنزلية، فالتلامس الجسدي يساعد على خلق مشاعر الاسترخاء والراحة والسعادة للطفل ووالديه، كما يخفف من الألم ويتضح ذلك عندما يتعرض الطفل لوخز (الحقنة) مثلا، فإن بكاءهم يكون أقل كثيرًا إذا كان هناك تلامس مباشر بينهم وبين أمهاتهم.

كل هذا لن يتحقق لأم مُتعبة مُجهدة طوال الأيام والليالي، فالاهتمام بحالتك النفسية وراحتك، هي البوابة الحقيقية للتعامل الأمثل مع طفلك، لذا عليكِ الاعتناء بنفسك جيدًا فقدرتك على تربية طفلك هي مهمة ليست بالسهلة وأحيانا كثيرا تنسى الأمهات أنفسهن بمجرد إنجابهن لأطفالهن، فهم يهملن أنفسهن ومتطلباتهن، وهذا لا يُمكن، فطفلك يتأثر بحالتك النفسية والصحية لذلك عليكِ الاعتناء بنفسك جدًا لتستطيعي الاعتناء به جيدًا.


كيف يمكنك أن تعتني بنفسك وراحتك وتستعيدي جزءًا من نشاطك؟ إليكِ بعض النصائح:

  • حاولي الحصول على قسط كافٍ من النوم.
  • اطلبي المساعدة من زوجك. لا تتحملي مسئولية طفلك كاملة بمفردك، طفلك ليس مسئوليتك بمفردك فالأب له دور مهم في العناية وتربية الطفل أيضا، أشركيه معكِ في تربية طفلك وتقسيم الوقت بينكما بما يوافق عمله.
  • اتركي طفلك مع والدتك بعض الوقت واخرجي مع أصدقائك.
  • إذا شعرت أنك ستفقدين أعصابك فتنفسي بعمق قبل أن تحملي طفلك وتحاولي تهدئته.
  • اذهبي بطفلك لأماكن مفتوحة وتمشوا سويًا، سيكون ذلك مفيدا لكِ ولطفلك، وإن كنتِ في المنزل واشتدت عليكِ الأمور، بضع دقائق في الشرفة أمام الهواء الطلق، سيغير حالتك كثيرًا.
  • اقتطعي وقتا تمارسين فيه هواية تحبيها ولو لمدة قليلة يوميًا، هذا مهم جدًا، ويعيد الحيوية لكل شيء.
  • إذا استطعت ممارسة الرياضة في المنزل، أو على الأقل الرقص أمام المرآة فهذا سيخلصك من الضغوط بطريقة صحية وفي نفس الوقت تعتنين بصحتك.
  • تذكري أنك أهم شخص وأفضل مُعلم في الكون بالنسبة لطفلك وعليكِ الاهتمام بنفسك جيدا لتستطيعي الاعتناء به.

في النهاية ليس معنى أنكِ إذ اكتشفتِ أن أسلوبك في التعامل يفتقد لزرع الثقة، وأنه لا توجد فرصة لإصلاح ما حدث، بالعكس تمامًا، الفرصة لازالت لديك لتبدئي بهدوء إعادة بناء الثقة بينك وبين حبيبك الصغير مجددًا، مهما كان عمر طفلك فالوقت ليس متأخرا بعد، فقط بعض التركيز والصبر في البداية حتى يَحصل على ثقتك مُجددًا وبالتالي تعود ثقته في نفسه والعالم من حوله.

وتذكري أن الرعاية الطبيعية النابعة من حب الوالدين هي أهم ما يحتاجه الطفل، وفي كل مرحلة تحملين فيها طفلك وتقومين فيها بتغيير ملابسه أو إعطائه حمامًا أو إطعامه أو حتى الابتسام في وجهه أو مداعبته، فإنه يشعر بأنه ينتمي إليك وأنك تنتمين له.