ماذا لو أخبرك أحدا أن شخصين عملا بالتتابع في مهنة معينة بنفس السن،ثم قضى كل منهما نفس المدَّة بنفس محطات العمل؟ بل واعتمدا علي أدوات/خطط متقاربة وأحبا أسلوب عمل واحد؟

لا حدود للمقاربات بين الخطوات التدريبية لتوخيل وسلفه الأبرز «يورجن كلوب»، بل قبل حتي الاتجاه نحو التدريب. فلم يحظ كلاهما بمهارة استثنائية كلاعب أوصاحب علامة مميزة مع فريقه، فعجل ذلك الأداء الفني المتدني لحاقهما السريع بالتدريب في سن مبكر. كلوب بدأ مع ماينز وهو في الرابعة والثلاثين، توخيل قاد الفريق الثاني لأوسبيرج في نفس السن، قبل أن يلحق بالطبع لماينز لسد فراغ رحيل الأول ثم يكرر الأمر ثانية لـ«إنقاذ» دورتموند بعد أسوء مواسم كلوب!

قائمة أخري من المقاربات لا يهدف ذلك المقال إلى سردها، بل يهدف لتسليط الضوء علي سمتيْ اختلاف ملحوظة بينهما، الأولي هي التي نشهدها خلال سوق الانتقالات الحالي حيث حقق توخيل أعلي قيمة شرائية في تاريخ النادي بعكس كلوب، والثانية هي مركز ثقل الكاريزما بالفريق التي في طريقها للتحول.


أولوية البطولة

فلسفة كلوب المعروفة تقوم علي تدعيم صفوفه بلاعبين من العدم أو متوسطين علي أفضل تقدير، ثم العمل الفريد علي تطوير مستواهم، ودمجهم سريعًا بأسلوب لعبه الذي يقوم علي الجماعية بالضغط وإنهاء الهجمات، ومن ثم يبرز نجومًا ساطعين لا يجد مشكلة في السماح لهم بالمغادرة حين يفشل بالتتويج الأوربي.

المثالان الأبرز في رأيي تعبيرًا عن الأمر هما : ليفاندوفسكي، ربما يكفي الإشارة إلي أن منافس دورتموند علي الصفقة كان بولتون الذي يصارع حاليًا دون الدرجة الأولى.

الآخر: أوبميانج الذي أنقذه من سلسلة إعارات فرنسية غير ناجحة.

نجح في صناعة مهاجمين ذي شأن كبير منهما، لكن الأول رحل مع أول عرض من النادي صاحب الفرص الأوفر والثاني سيكون عامل محفز للرحيل عند وصول عرض قوي من مدريد.

إنجاز كلوب مع النادي واللاعبين تاريخي، ولكن فلسفته تنطوي علي مثالية ضارة وهي: منح اللاعب التطوير والنجومية ثم السماح له بالرحيل لفرق تلعب علي اللقب الأوربي.

توخيل ذكي، يعرف كيف يتحدث للاعبيه، يفكر بكرة القدم طوال يومه. بالطبع ليس مثيرًا للإعجاب ككلوب، عمومًا لا أحد ككلوب.
المحلل جيرارد بارتر

توخيل لم يمل من التطوير، لكنه يريد البطولة الأوربية، ويساعده أنه تابع مشروع كلوب راصدًا تفاصيله، وشهد لحظات مجده وأتيحت له فرصة معالجة انكساره، وبالتالي يمتلك قدرة كافية علي الحكم المبني علي التحليل باتخاذ خطواته. فرأى ضرورة تدعيم مراكز معينة بأسماء ذي شأن، الأمر بدأ بانتداب مدرب الأحمال الكبير راينر شيري قبل موسمه الأول وحقق له ما أراد، يمكنك مقارنة مستويات اللياقة البدنية المتدنية في أخر مواسم كلوب بنظيرتها الفائقة في أولي مواسم توخيل، بل إنها كانت عاملًا رئيسًا في مجاراة بايرن ميونخ للأسابيع الأخيرة بالبوندسليجا!

التفوق الفني الهائل الذي حققه خلال عام توليه دورتموند والعودة المطمئنة من المركز السابع نحو الثاني كما المنافسة الشرسة علي الكأس، أشياء عظيمة لكن هل تكفي؟ بدون شك لا، هي إنجازات فريق لا يتجاوز طموحه لعب دور المنافس أحيانًا وضحية التوحش المالي في أحيان أخري وبالتالي فقدان أوبميانج وفيجل وأخرون سيتكرر كما ليفا وجوتزه وجندوجان. مشروع توخيل يمتلك رؤي فنية وقدرة علي التطور وبذل الجهد، لكن ينقصه تتويج يمنح لجماهيره ولاعبيه ثقة، فكان موسم الصفقات التاريخي للأصفر والأسود أداة توخيل.


هرم مقلوب

توماس توخيل

بتعاون مثمر مع مهندس صفقات دورتموند ميشيل زورك قاد ناديه الذي يمتلك رؤية كشفية متميزة لإبرام 8 تعاقدات كلها لنجوم لم تتجاوز 25عام يمتلكون دوافع التألق.

تعويض رحيل نجوم كل موسم ليس جديدًا في دورتموند، الجديد هو التعاقد مع أسماء ذات تاريخ وقيمة مالية، جوتزة وشورليه أبطال العالم مع ألمانيا، جوريرو أفضل لاعبي البرتغال التي فازت لتوها باليورو، مارك بارترا كان يُجهَز لخلافة بويول، حتي عثمان ديمبلي وإيمري مور هما أقوي مواهب أوربا الصاعدة وفضلا توخيل عن اهتمامات أندية كبري.

كلفت الصفقات النادي قرابة 96مليون وهو المعدل الشرائي الأعلي في تاريخ دورتموند، ولكن بيع الثلاثي:هوميلز،جوندوجان،مختاريان بقيمة إجمالية تتخطي 90 مليونًا كان السند الرئيسي لتدعيمات الفريق. صفقات دورتموند تشبه الهرم المقلوب، صفقة وحيدة بخط الظهر لبارترا الذي يواجه التحدي الأبرز بتعويض هوميلز، ميرينو ورودي والظهير جوريرو تدعيم جيد لخط الوسط، وقوة ضاربة وتنوع متميز للثلث الهجومي.

توخيل مدرب يحب الأفكار والإضافات كما الاستفادة من التجارب حوله،يشاع أنه كان يدعو مدربي كرة السلة والطائرة للتدريبات أثناء ولايته بماينز للإستماع لملاحظات أو إضافات. لم يلغ توخيل طريقة «جيجن بريسنج» الخاصة بكلوب في ضرب منافسيه بالمرتدة، لكنه أضاف لها ضرورة الاستحواذ علي الكرة التي زاد معدلها بالمباراة من 50% إلي أكثر من 60% وقدرة التسليم والاستلام تحت ضغط.

توخيل فضل اللعب بتشكيل بـ 4/2/3/1 أو 4/1/4/1 التي تقوم علي امتلاك مسَّاكين وخط وسط قوي يقوم ببناء الهجمة ويحرر الأطراف ومن ثم قدرة عالية علي نقل الكرة في نصف ملعب الخصم بوجود لاعبين كجوندوجان، كاسترو، مختاريان، كاجاوا يمهدون الطريق لاختراقات رويس أو أوبميانج.

لو أصر توخيل علي طريقته لن يجد صعوبة في انتقاء العناصر الأفضل، حتي وإن أراد تغييرها فجعبة دورتموند أصبحت تمتلك ما يكفي من المرونة التكتيكية، المهم في النهاية إيجاد حل لثغرة خط الظهر التي من المتوقع أن يشغلها بارترا مع سوكراتيس.


كاريزما البطولة

علينا توفير مناخ الإرادة للفوز والمنافسة خلال التدريبات وفي كل دقيقة بالمباريات، توفير هذا المناخ هو مسئوليتي.

يصعب تخيل موقف دورتموند لو تعثر بعد رحيل مدرب صاحب حضور وكاريزما طاغية ككلوب، كان ذلك سيدفع النجوم للرحيل والدخول في دوامة كبري لم ينجو منها، بجانب عوامل أخري، حتي اللحظة مان يونايتد بعد رحيل السير فيرجسون، الفضل الحقيقي لذلك يعود للمدرب الوقور هادئ الطباع توخيل. ومثلجوارديولا تمامًا، لا يفضل توخيل التواجد في مكان معين فترة طويلة مع عدم قدرته علي ابتكار أفكار جديدة تتجاوز ما قدمه، كذلك لا يحب أن يتسم وجودة بمجرد تيسير الأمور، لو كان كذلك لما حقق مع ماينز أفضل ترتيب بالدوري في تاريخهم. الآن جماهير دورتموند تنتظر،وهو بدون شك يدرك.

تجربة توخيل سيكتب لها النجاح إن حافظ علي عاملين هما الأبرز: قدرته علي صناعة أفضل تشكيل يمكِِن له الاستمرار أطول فترة ممكنة تحت ضغط المباريات مما يمنحه منافسة أقوي علي البطولات والذي سيؤدي للعامل الثاني وهو نجاحه في بروزة كاريزما للبطولة يحظي بها النادي ويؤمن بها النجوم وبالتالي لا يضطرون للرحيل معتزين بتجربتهم مع دورتموند.

أتوقع من دورتموند تقديم موسم شرس محليًا وأوربيًا، ربما منصات الوصافة ما عادت تستهوي عناكب ألمانيا الذين أمامهم موسم محلي بالدوري والكأس وتشامبيونز ليج وربما اليوربا ليج إن تعثرت مسيرتهم بذات الأذنين.

تجربة توخيل تستحق المتابعة بنفس شغف متابعة تجربة كلوب الأولي .. كما تستحق النجاح.