نموربما أثناء مشاهدتك لأفلام مثل «Avatar ،Iron man ،Edge of Tomorrow ،Elysium»، وغيرهم الكثير، أو حتى ممارسة بعض ألعاب الحاسوب كـ «call of duty ،crysis» فأول ما يلفت انتباهك؛ هم رجال يرتدون آليات تشبه الهيكل البشري، مرتبطة بأجسادهم، بها مفاصل حركية مكان المفاصل البشرية في الهيكل العظمي.

بتلك الآليات يمتلكون الكثير من القوى الخارقة، ويستطيعون القفز لمسافات عملاقة، أو حتى الطيران. كما تكون سرعة استجابتهم ورد فعلهم أثناء القتال أضعاف سرعة المقاتل العادي. وكل ذلك بسبب الآلية المرتبطة بأجسادهم. فهل تُعتبر تلك الآليات مجرد خيال علمي؟


روبوت الهيكل الخارجي

في عصرنا هذا، انكمش الحاجز الموجود بين العلم الحقيقي وبين الخيال العلمي كثيرًا. فكثير من الخيالات أصبح حقائق بالفعل، حتى ولو لم تكن الحقائق بكفاءة وقدرة الخيال. وما زال العلم يفاجئنا كل يوم ويقترب أكثر من الخيال العلمي. فقد اخترع العلماء بالفعل أنواعًا متعددة من الهيكل الخارجي الداعم كمثل الذي نراهم في الأفلام. يُطلق على الهيكل اسم «روبوت الهيكل الخارجي – Powered exoskeleton».

جاءت فكرة الهيكل الخارجي الداعم؛ بدايةً من بعض الرخويات والحشرات، التي طورت هيكلًا خارجيًا يزيد من صلابتها وقوتها، وقدرتها على مجابهة التحديات البيئية المحيطة بها. وأدى دافع الإنسان المستمر للبحث عن مصادر القوة، ومحاولاته الدءوبة لزيادة قدراته إلى البحث عن أسباب التفوق حتى في أصغر الكائنات، ومحاولة تقليدها.

هذا الشغف المستمر للقوة؛ جعل العلماء يعملون بشكلٍ مستمر، خصوصًا علماء الأبحاث العسكرية في الجيوش العملاقة، من أجل خلق الفرد المقاتل الأقوى، الجيل الجديد من المقاتلين. حقق العلماء بالفعل طفرات في هذا المجال. على الرغم من عدم ارتقاء تلك الطفرات لمستوى الخيال العلمي بالأفلام؛ إلا أنها على الطريق الصحيح. وربما أقرب مما نتخيل قد نرى كثيرا من الناس مُرتدين هيكلًا خارجيًا داعمًا.

بدأت أولى محاولات تصنيع هيكل خارجي مساعد للإنسان عام 1890 بمحاولة العالم الروسي «نيكولاس ين» لتصنيع آلية تساعد الإنسان في المشي والقفز والجري. تلتها محاولة للعالم الأمريكي «ليزلي كيلي – Leslie Keeley» باستخدام الطاقة البخارية في تحريك هيكل قام بتطويره، لكن لم تسفر المحاولتان عن شيء مثمر.


الجيش الأمريكي يبدأ المحاولة

هيكل, خارجي,الولايات,المتحدة,الأمريكية
رسم تخطيطي للهيكل The Hardiman suit

كانت أول محاولة جدّية في ستينات القرن العشرين، حيث طور الجيش الأمريكي هيكل سميّ «The Hardiman Suit» بالتعاون مع شركة «General Electric». يمكن لمرتدي هذا الهيكل أن يحمل أوزان 25 ضعف الوزن الطبيعي بمساعدة الروافع الهيدروليكية العاملة بالكهرباء في ذراع البدلة. لكن الهيكل واجهته مشاكل في وزنه العظيم، وآلية عمله المعقدة. ولم تقف تلك المشاكل عقبة أمام العلماء، واستمرت المحاولات واستمر العلماء في محاولة تحقيق حلمهم.


المشي مرة أخرى

نموذج مصغر للهيكل Lifesuit الذي صمم لمساعدة الأشخاص الذين فقدوا القدرة على المشي.

في العام 1986؛ كُسر العمود الفقي لـ «مونتري ريد – Monty Reed» جندي المظلات الأمريكي وأثناء وجوده في المستشفى كان يقرأ رواية «Starship Troopers»، وهي رواية خيال علمي حربي. استوحى الجندي المصاب من الرواية فكرة هيكل خارجي داعم للجنود، وقام بتصميمه وأطلق عليه «Lifesuit».

راسل «ريد» القيادات والعلماء العسكريين بفكرته وتصميمه حتى رأت النور في العام 2001، بتنفيذ النسخة الأولى التي أطلق عليها اسم «LS1». وفي العام 2003؛ كان الهيكل «LS6» تساعد الجنود على المشي. ووصلت الآن الـ «Lifesuit» للنموذج التجريبي رقم 14، حيث يستطيع مرتديه الجري، وحمل نحو 100 كليو جرام دون مجهود.

أما إنتاجها بشكلٍ تجاري؛ فسيتم في العام 2017 حسب الخطة الموضوعة، وتوجيها للاستخدامات الطبية، وإعادة تأهيل الجنود المصابين.


الرجل الحديدي في الجيش الأمريكي

معروف أن «الرجل الحديدي – Iron Man» هو فكرة مقاتل عرف في الأفلام، لكنه ارتقى حتى أصبح في الجيش الأمريكي. في العام 2000؛ قامت شركة «Sarcos» المملوكة حاليًا لعملاق الأنظمة الدفاعية والأسلحة «Raytheon»، بتصميم هيكل خارجي داعم يسمى «XOS» بعد تلقي دعم من «هيئة المشروعات البحثية الدفاعية المتطورة – DARPA» في وزارة الدفاع الأمريكية.

النسخة الأحدث من الهيكل «XOS 2» تمكّن مُرتديها من حمل 17 ضعف الوزن العادي. وستستخدمه وزارة الدفاع الأمريكية في مشروع «TALOS project» لبناء هيكل خارجي داعم للجنود لأغراض قتالية؛ مستوحى من «الرجل الحديدي – Iron Man».


ناسا تدخل السباق

كعادة وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا – NASA» بخصوص أي تقنية علمية، تعمل الوكالة أيضًا على هيكلها الداعم الخاص بها. أعلنت الوكالة عن الهيكل «X1» بالتعاون مع عدة هيئات بحثية، وهو ما زال في طور التجارب.

تهدف الوكالة لإرسال الهيكل لمحطة الفضاء الدولية لاستخدامه كبديل للتمارين الرياضية التي يقوم بها رواد الفضاء بالمحطة. سيعمل الهيكل بشكل مغاير للمعتاد، ويزيد من المقاومة التي يتعرض لها المرتدي، بدلا عن مساعدته. تلك المقاومة ستساعد على قوة عضلات رواد الفضاء التي تقل كثيرًا بسبب ضعف الجاذبية. وستستخدم ناسا الهيكل «X1» أيضًا في المجالات الطبية، خصوصًا مع مرضى الشلل النصفي السفلي.


المقاتل العملاق HULC

تعمل شركة «لوكهيد مارتن» العسكرية الشهيرة على هيكلها الخارجي الداعم، الموجه قطعًا للاستخدامات العسكرية. فهيكل «Human Universal Load Carrier» المعروف اختصارا باسم «HULC»؛ هو الهيكل الخارجي الداعم الأكثر تطورًا من الناحية العسكرية حتى الآن.

بدأ تطوير الهيكل «HULC» من قِبل شركة «Ekso Bionics»، واشترته منها «لوكهيد مارتن». الهيكل قادر على مساعدة مرتديه على حمل 90 كيلو جرام، والمشي أو الجري بدون مجهود. كما يمكّن مرتديه من الزحف على الأرض.

يعمل «HULC» لمدة 8 ساعات قبل أن يحتاج لإعادة شحن، وهذا رقم قياسي مقارنة بالهياكل الأخرى. وما زالت الشركة تحاول تحسينه. وستستخدمه وزارة الدفاع الأمريكية أيضا في مشروع «TALOS project».


المسالم الياباني HAL

على الرغم من سيطرة الاستخدامات العسكرية على فكرة الهياكل الخارجية الداعمة -بما يُقدم لها من تمويل ودعم لا نهائي من الجيوش والحكومات وشركات السلاح- إلا أن الاستخدامات الطبية لها متقدمة أيضًا.

فقد دخلت اليابان السباق عام 1997، بقيام العالم «يوشيوكي سانكاي – Yoshiyuki Sankai» في جامعة «توسوبوكا» اليابانية؛ بتصميم هيكل خارجي داعم يسمى «The Hybrid Assistive Limb»، أو ما يعرف اختصارًا «HAL».

قام «سانكاي» بتنفيذ أول نسخة أولية لتصميمه بالتعاون مع شركة الروبوتات «Cyberdyne». كان الهيكل موجه أساسًا للاستخدامات الطبية، ورفض المطورون تمويلًا من جهات عسكرية حتى لا يستخدم هيكلهم أي استخدام عسكري. يعتمد «HAL» على قراءة التأثير البيولوجي على الجلد للإشارات العصبية الصادرة من المخ بأوامر الحركة، ومن ثم يقوم بتحريك الطرف المطلوب ليساعد مرتديه.

كما يستخدم «HAL» في مساعدة كبار السن، أو المصابين بشلل وغير القادرين على الحركة. تم تطوير نموذجين منه؛ النموذج الأول «HAL3»، وهو طرف سلفي، والنموذج الآخر هو «HAL5» وهو هيكل خارجي داعم كامل. يستخدم «HAL5» الآن بشكلٍ تجريبي في المستشفيات اليابانية. كمان أن هيكل «HAL» عمومًا يستخدم في أكثر من 130 مستشفى وهيئة صحية باليابان.

حصل الهيكل على العديد من شهادات الجودة والأمان العالمية. وصرّح باستخدامه في دول الإتحاد الأوروبي في العام 2013. وبجانب الاستخدامات الطبية؛ يُستخدم «HAL» في المساعدة أثناء الكوارث الطبيعية، حيث تم استخدامه أثناء حادث مفاعل «فوكوشيما» النووي في اليابان. كما قامت بعض شركات المقاولات اليابانية في استخدامه لزيادة قدرات العمال أثناء عمليات البناء.


من يستمتع بركل الكرة؟

هيكل,خارجي, lifesuit
هيكل,خارجي, lifesuit

في كأس العالم عام 2014 في البرازيل، قام نجم الكرة «جوليانو بنتو – Juliano Pinto» بركل أول كرة في البطولة مرتديًا هيكل يسمى «Walk Again»، بعد أن أصيب بشلل نصفي – سفلي منذ عام 2006، وقال بعدها: “لقد شعرت بالكرة”!

يعمل فريق مكونّ من 150 عالم بقيادة الدكتور «ميجيل نيقولاس – Miguel Nicolelis» بجامعة «Nuke» بأمريكا، على تطوير هذا هيكل في مشروع «Walk Again Project». يستطيع الهيكل أيضًا قراءة أوامر الحركة من المخ بمجرد التفكير فيها من قبل مُرتديه.

وهناك أيضا هيكل «EKSO» من شركة «Ekso Bionics» والموجه لغير القادرين على الحركة بسبب شلل النصف السفلي من الجسم. ما زال الهيكل في مرحلة التطوير. وهناك الهيكل «ReWalk» من الشركة الإسرائيلية التي تحمل نفس الاسم، الذي حصل مؤخرًا على ترخيص «هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية – FDA»، ويباع بسعر 69 ألف دولار في السوق الأمريكي. تحاول شركة «ReWalk» التعاقد مع شركات التأمين لتوفيره لجميع مرضى الشلل النصفي – السفلي، بسعر أقل.

وختامًا؛ ما زال العلماء حتى الآن مستمرون في التطوير، في محاولةً منهم للوصول للهيكل الخارجي الداعم الأقوى، والأخف وزنا، والأكثر قدرة.