إذا رأيت طفلا يتحكم في طائرته الصغيرة عن بعد، وذهبت إليه لتخبره بأنها لعبة جميلة تطير في الهواء مثل الطائرات الحقيقية، فلا تتعجب إذا أخبرك أنه لا يلهو بها إنما يشتري حلوى من بائع الحلوى في الحي المجاور له.

الثورة التكنولوجية القادمة

بالرغم من أنها اختراع عسكري وركيزة حيوية في جيوش المستقبل، إلا أن استخدام الطائرات بدون طيار لم يعد قاصرًا على المجالات العسكرية، بل أصبح حاليا لا غنى عنه في الاستخدامات المدنية اليومية، حيث تقوم حاليا شركات كبيرة وناشئة بالاستثمار بقوة لاستخدامها في مجالات عديدة، ويعتقد الكثيرون أنها قريبًا قد تصبح صناعة عالمية تقدر بالمليارات، كما يمكن أن تمثل الثورة التكنولوجية الكبيرة التالية التي تجتاح العالم، على مدى العقد المقبل.

توفر الطائرات بدون طيار الأموال التي تنفقها الحكومات والشركات على المشاريع المدنية وتمد الإنسان بمساعدات متنوعة أثناء أداء واجباته

من أهم ما يميز الطائرات بدون طيار أنها توفر الأموال التي تنفقها الحكومات والشركات على المشاريع المدنية، بدءًا من أمن الحدود إلى أعمال المراقبة من قبل الشرطة وحتى نقل السلع، فقد خفّضت هيئة الأعمال العامة في كولورادو التكاليف بشكل كبير، فبعد أن كانت تدفع مبالغ تتراوح ما بين 80 إلى 120 ألف دولار أمريكي للمسح الجوي باستخدام الطيران التقليدي، فإن الطائرة بدون طيار كلفتها 65 ألف دولار فقط.

كما أثبتت هذه الطائرات قدرتها على إمداد الإنسان بمساعدات متنوعة أثناء أداء واجباته، وأصبحت وسيلة مفيدة جدًا لجمع البيانات والصور من المناطق المنكوبة عند انهيار شبكات الهاتف المحمول والإنترنت، حيث تعادل سرعة نقل البيانات في هذه الطائرات السرعة المستخدمة في اتصالات الهواتف الذكية من الجيل الرابع.

ويمكن إرسال الطائرة بدون طيار إلى أي مكان، وتشغيلها من قبل أي شخص حتى لو لم يمتلك الخبرة؛ لسهولة التحكم بها، فضلًا عن أنها تطير لمسافة تصل إلى 40 كيلومترا بدون إعادة شحن البطارية، وتستطيع أن تطير بنفسها باستخدام تقنية جي بي إس، وهي نفس التقنية الموجودة في معظم الهواتف الذكية.


مخاوف من توسيع استخداماتها

أصبحت الطائرات بدون طيار هدفًا من أهداف القرصنة المعلوماتية؛ إذ تم الكشف عن أول برمجية خبيثة تستهدف هذه الطائرات، ما يعني أنها يمكن أن تتعرض للقرصنة وأن تطرح مشكلات أمنية.

نشر قراصنة في ديسمبر 2014 على موقع «GitHub» مجموعة برمجيات لقرصنة طائرات بدون طيار عن طريق كشف الشبكات اللا سلكية القريبة.

حيث نشر قراصنة في ديسمبر 2014 على موقع «GitHub» مجموعة برمجيات لقرصنة طائرات بدون طيار، عن طريق كشف الشبكات اللاسلكية القريبة، ومن ثم تعطيل الاتصال ليسيطر القرصان على الطائرة بربطها بجهازه، بعد ذلك أعلن راهول ساسي، وهو خبير في أمن المعلومات، وقرصان «قبعة بيضاء»، عن تطويره لأول برنامج خبيث، يمكنه اختراق طائرة بدون طيار مصممة بنظام التشغيل «لينُكس».

وأفاد تقرير نشره المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، أن هذه الطائرات متوفرة لدى العديد من البلدان، ولم تعد حكرًا على القوات المسلحة، الأمر الذي يطرح مشكلات أخرى مثل احترام الحياة الخاصة، وهذه التقارير قد أثارت مخاوف الجماعات المعنية بالحريات المدنية، حيث تخشى أن يسفر استخدام هذه الطائرات عن أشكال جديدة من المراقبة.


خطوات دولية نحو التقنين

دشّن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا) ورقة سياسته الأولى حول التطبيق الإنساني للطائرات بدون طيار من أجل الوقاية من الفيضانات في هايتي، ورسم خرائط الكوارث في أعقاب إعصار هايان في الفلبين.

تنتج الولايات المتحدة وإسرائيل نحو ثلثي الطائرات بدون طيار في العالم، في حين ينتج الاتحاد الأوروبي نسبة أقل من 10%.

وذكرت صحيفة أوبزرفر البريطانية أن وثيقة للمفوضية الأوروبية، أوضحت أن مئات الشركات ستستخدم الطائرات بدون طيار لأغراض مدنية شتى، وذكرت ورقة العمل التابعة للمفوضية أن هناك نحو 400 طائرة بدون طيار للأغراض المدنية يجري تطويرها في أنحاء أوروبا، ويتوقع أن يزيد هذا العدد في العقد المقبل، وتقدر الوثيقة أنه سيتم إنتاج 35 ألف طائرة بدون طيار في أنحاء العالم خلال السنوات العشر المقبلة، وتنتج الولايات المتحدة وإسرائيل حاليًا نحو ثلثي هذه الطائرات في العالم، في حين ينتج الاتحاد الأوروبي نسبة أقل من 10%.

مرر الكونجرس الأمريكي قانونًا جديدًا يسمح لإدارة الطيران الفيدرالي بفتح مجالها أمام الطائرات بدون طيار، وقد سلمت هيئة الطيران المدني 120 تصريحًا يسمح بالطيران لطائرات صغيرة، وقالت إدارة الطيران الفيدرالي إنها تتوقع أن تحلق 10 آلاف طائرة تجارية بدون طيار في الأجواء الأمريكية بحلول عام 2017، ومن المتوقع أيضًا أن تتخذ بريطانيا الخطوة نفسها، حيث قالت هيئة الطيران المدني لوكالة “بي بي سي” إن طائرات كبيرة بدون طيار قد تحلق في سماء بريطانيا قبل نهاية هذا العقد.


موافقات فقط، لا تشريعات أو قوانين

بالفعل نجحت مجموعة صغيرة من مشغلي الطائرات بدون طيار في الحصول حديثًا على الموافقات اللازمة لتشغيل هذه الطائرات، ولكن تبقى التشريعات القانونية والمخاوف بشأن الخصوصية من أهم العوائق التي تمنع هذا النوع من الطائرات من أن يصبح جزءًا من حياة الإنسان اليومية؛ فما يزال استخدامها في النواحي التجارية غير قانوني.

حيث لم تصدر بعد تشريعات منظِّمة لها، كما أن استخدامها لأغراض إنسانية يثير الحذر والتردد؛ إذ يشعر المتشككون بالقلق من آثارها الأخلاقية والعملية، وكذلك التبعات المتعلقة بحقوق الإنسان والجوانب الأمنية، ولا يقتنعون بقدراتها وأهميتها.

وعلى الرغم من مخاوف انتهاكها للخصوصية أو تسببها بمشاكل أمنية، يحاول مؤيدوها الإقناع بفعاليتها الكبيرة في أداء المهام وإنقاذ المصابين، إلى جانب مساعدة الإنسان على تحسين طريقة حياته، داعين إلى تعاون العاملين في المجال الإنساني مع صُنّاع الطائرات بدون طيار؛ لتوضيح ما يريدونه ويحتاجون إليه، بدلًا من التخلي عن التكنولوجيا لأنها لا تناسب أغراضهم.


بورصة صناعة الطائرات بدون طيار

تبقى التشريعات القانونية والمخاوف بشأن الخصوصية من أهم العوائق التي تمنع الطائرات بدون طيار من أن تصبح جزءًا من حياة الإنسان اليومية.

صناعة الطائرات بدون طيار للاستخدامات المدنية والسلمية ستسجل نموًا كبيرًا في السنوات القليلة المقبلة، إذ تتوقع التقارير المتخصصة أن يحقق القطاع مبيعات تقدر بحوالي 10 مليارات دولار بحلول عام 2025، وأن يوفر حوالي 100 ألف وظيفة، وتتوقع صحيفة واشنطن تايمز أن تمتلئ سماء الولايات المتحدة بما يصل إلى 30 ألف طائرة بدون طيار خلال سنوات.

إن السماح لإدارة الطيران الفيدرالية بالطائرات دون طيار للتشغيل سيخلق نحو 100 ألف وظيفة جديدة فى السوق الأمريكية خلال عشر سنوات.

وهناك مبالغ كبيرة يتم إنفاقها خلف الكواليس في بريطانيا، حيث أن ائتلافا من شركات الدفاع تقوده شركة «بي اي إي سيستمز» كان قد تلقى ما يقرب من 31 مليون جنيه إسترليني؛ لإثبات ما إذا كان بمقدور الطائرات بدون طيار أن تشارك في التحليق بأمان في الأجواء مع الطائرات الأخرى، كما تم إنفاق ما يقرب من 17 مليون جنيه إسترليني لتحويل قاعدة عسكرية قديمة تقع في إيبربورث غرب ويلز لتكون أول مركز في أوروبا يعمل على اختبار الطائرات المدنية بدون طيار.

ووفقًا لتقرير صدر عام 2013، فان سماح إدارة الطيران الفيدرالية بالطائرات دون طيار للتشغيل في ما لا يزيد ارتفاعها عن 400 قدم، سيخلق نحو 100 ألف وظيفة جديدة فى السوق الأمريكية خلال العشر سنوات الأولى من تشغيلها، ويقول تقرير لمركز أنظمة الطائرات بدون طيار، في جامعة ولاية داكوتا الشمالية، أن أصحاب الشركات الكبرى مثل أمازون يدفعون للطيارين بدون طيار حوالي 50 دولارًا في الساعة، أو أكثر من 100 ألف دولار سنويًا، وفي جامعة ولاية داكوتا الشمالية، تخرج 61 طيارًا من مركز التدريب التابع لها، والتحقوا بالعمل في مصانع الطائرات بدون طيار، مثل نورثروب جرومان، ولوكهيد مارتن، وأتوميكس، وبوينج.


عشرات الاستخدامات مدنيًا

(1) تقديم الخدمات الحكومية: لتقديم مجموعة من الخدمات الحكومية مستقبلا، مثل: إيصال الوثائق الحكومية، ومراقبة الطرق، وتنفيذ المسح الجغرافي.

(2) الزراعة: لرش الأسمدة والمبيدات الحشرية، وإعادة زراعة الغابات في المناطق التي يصعب الوصول إليها، أو المناطق الملوثة.

(3) الآثار: استخدمها علماء الآثار لاكتشاف هياكل تعود لقرية هندية قديمة في نيو مكسيكو.

(4) العمل الإنساني: طوّرها باحثون في هارفارد ومعهد ماساتشوستس لتوفر المعونات والإمدادات الطبية الأساسية في المناطق النائية من العالم النامي.

(5) ربط العالم بالإنترنت: في مارس 2014، استحوذت شركة فيسبوك على شركة «آسنتا»، التي تنتج طائرات بدون طيار؛ لتوسيع نطاق شبكة الإنترنت في جميع أنحاء الكوكب، وفي أبريل 2014، اشترت شركة جوجل شركة «تايتن إيروسبيس» لنفس الهدف.

(6) تقديم الطعام: أعلن مطعم «تاكو بيل» الأمريكي عن استخدامها لتقديم وتوصيل الطعام لعملائه.

(7) كشف الألغام الأرضية: استخدمت في الكشف عن الألغام الأرضية، والقنابل المدفونة تحت الأرض.

(8) التغطيات الرياضية: لالتقاط صور أفضل، وتوفير مزيد من الأدلة لمساعدة الحكّام، وتستخدم أيضا لمراقبة جماهير كرة القدم، والحد من شغب الملاعب.

(9) الصحافة: لتصوير الأحداث الأكثر صعوبة، ومنح المشاهد تغطية أفضل للأخبار.

تستخدم الطائرات بدون طيار كمبرمجة للتعرف على الطرق لفاقدي البصر، وتساعد الإنسان في البحث عن أشيائه الضائعة وفي تسليم الطلبات.

(10) تسليم الطلبيات: أشهر من أعلن عن ذلك موقع أمازون، بالإضافة إلى مجموعة من الصيدليات، ومطاعم البيتزا، وتدرس شركات الشحن العالمية استخدامها لنقل البريد والشحنات لمسافات بعيدة.

(11) مراقبة الطرق السريعة: لاكتشاف الأضرار، والإنذار المبكر للاختناقات المرورية وحوادث الطرق.

(12) الإغاثة في حالات الكوارث: تعتبر وسيلة سريعة للبحث، وتحديد مكان الناجين، وتقديم المساعدات للمحتاجين، ويمكن أن تدخل المباني المنهارة أو التي تشتعل فيها النيران، فضلا عن الطيران في مناطق التضاريس الخطيرة أو بالقرب من المنشآت النووية في حال وقوع حوادث.

(13)وقف الصيد غير المشروع: لمكافحة عمليات الصيد المحظورة، وملاحقة الحيوانات في الغابات وساحات الصيد.

(14)العقارات: للحصول على أفضل صور للعقارات والمناطق المحيطة بها، لبيعها للزبائن.

(15) فاقدي البصر: مبرمجة للتعرف على الطرق وحفظها، ومعرفة الإشارات للعبور والوقوف.

(16) لنقل الأشياء: مثل أثاث المنازل، فتوفر صحة الأفراد ووقتهم، وتتيح التنقل بسهولة ويسر.

(17)صديق ومرافق للإنسان: لتساعده على وضع الصور على فيسبوك، وتقرأ له الرسائل المهمة وتذكره بالرد عليها، كما تبحث له عن الأشياء الضائعة.

(18) تقف بجانب الطفل: لإنقاذه من الوقوع، فتجعل الأم مطمئنة على طفلها.

(19)للتحكم عن بعد: تناولك جهاز التحكم «الريموت»، وتغير لك القناة، وتساعدك على الاستيقاظ صباحًا.(20) الحفاظ على الطبيعة: لالتقاط الصور ومقاطع الفيديو للشعاب المرجانية التي تصنف كمحميات طبيعية، كما تستخدم لمساعدة حراس الغابات في جمع البيانات من كاميرات المراقبة.

(21)شركات الطاقة: تستخدم لفحص المداخن المشتعلة في محطات النفط، دون تعريض الإنسان للخطر.

(22)مكافحة الجرائم: تلتقط صورًا للمساعدة في التحقيقات، وتستخدم في مراقبة الحدود، وتصفية العناصر المتطرفة، ومراقبة عمليات الشحن بالموانئ، والبحث عن المهاجرين غير الشرعيين.

(23) طبيًا: لحمل الأعضاء البشرية لزراعتها، وتسليم إمدادات الدم والأدوية، خاصة في الأماكن التي يتعذر الوصول إليها عن طريق البر؛ بسبب الأمطار الغزيرة.

(24)مكافحة التلوث: لمكافحة الضباب والدخان الناجمين عن التلوث، من خلال إطلاق مادة كيميائية.

(25) الأعاصير والعواصف. تستخدمها وكالة (ناسا) لدراسة العواصف الإستوائية فوق المحيط الأطلسي.

ستصبح الطائرة بدون طيار عما قريب أفضل صديق يساعد الإنسان في مجالات الحياة المختلفة، وكما أصبح العديد من الناس حول العالم يصاحبون هواتفهم المحمولة وأجهزتهم التقنية وشاشات الحواسب، ويجعلون تحسين علاقاتهم بها أسبق من تحسين علاقاتهم مع أهاليهم ذويهم، ففي خلال السنوات القادمة لا يُستبعد أن تحظى الطائرات بدون طيار بالمكانة ذاتها.