محتوى مترجم
المصدر
The History Learning Site
التاريخ
2016/08/16
الكاتب
ترومان
(إدوارد جينر 1749 - 1823)
يعد إدوارد جينير من أعظم الشخصيات فى تاريخ الطب جنبا إلى جنب مع أناس أمثال جوزيف ليستر، روبرت كوخ ولويس باستير.

ولد جينير عام 1749، ببيركلي بمقاطعة جلوسترشاير، وكان الثامن بين تسعة من الأبناء. وكان والده القس ستيفين جينير يشغل منصب رئيس كنيسة بيركلي، لذا فقد تلقى جينير تعليما أساسيا قويا.

درس جينير فى مدرسة وتون أندر إيدج وسيرينسيستر. وفي سن الرابعة عشرة، تتلمذ لمدة سبع سنوات على يد السيد دانييل لودلو وهو جراح من تشيبينج سودبورى بجنوب جلوسترشاير، حيث اكتسب معظم الخبرة اللازمة لكى يصبح هو نفسه جراحا.

فى عام 1770، تتلمذ جينير على يد الجراح جون هانتر وآخرين بـمستشفى سانت جورج وتعلم الجراحة والتشريح، ونصح هانتر، جينير، بنصيحة ويليام هارفي -الشهيرة فى الدوائر الطبية والمميزة لعصر التنوير- : «لا تفكر؛ بل جرب». ظل هانتر على تواصل مع جينير في مجال التاريخ الطبيعي ورشحه للالتحاق بالجمعية الملكية. وبعد عودته إلى مسقط رأسه الريفي عام 1773، أصبح جينير طبيبا عائليا وجراحا ناجحا، ممارسا الطب في بيركلي.

كون جينير وآخرون الجمعية الطبية بجلوستر، وكانوا يلتقون لتناول الطعام معا ولقراءة المقالات الطبية. كتب جينير مقالات عن الذبحة الصدرية والرمد وأمراض صمامات القلب وجدري البقر. وكان أيضا عضوا في جمعية مشابهة كانت تجتمع بألفيستون بالقرب من مدينة بريستول.

كانت هديته العظيمة للعالم هي لقاح الجدري. كان هذا المرض مرعبا جدا في ذاك الوقت لأنه كان يقتل واحدا من بين كل ثلاثة أشخاص يصابون به ويشوه بشدة الذين يحالفهم الحظ في النجاة من الموت.

كان جينير طبيبا ريفيا درس الطبيعة والعناصر الطبيعية المحيطة به منذ الطفولة. لطالما كان جينير مولعا بحكايات ربات البيوت القديمة عن الفتيات اللاتي يحلبن الأقبار واللاتي لم يكن يصبن قط بالجدري.

واعتقد أن هناك علاقة بين حقيقة أن الفتيات كن يصبن بنوع أضعف من الجدري -وهو جدري البقر المرض الذي لا يهدد الحياة- ولكنهن لا يصبن بالجدري نفسه. كانت الفتيات اللاتي تصاب بجدري البقر تظهر على أيديهن بثور؛ واستنتج جينير أن الصديد في تلك البثور، بطريقة ما، كان يحميهن.

قرر جينير تجربة نظرية طورها وأراد اختبارها، وكان الطفل الصغير جيمس فيبس هو فأر تجاربه. أخذ بعضا من الصديد المستخرج من بثور يد إحدى الفتيات اللاتي يحلبن الأبقار، وكانت تدعى سارة. كانت بدورها قد حلبت بقرة تدعى بلوسوم (برعم) وبالتالي أصيبت بالبثور الشهيرة.

حقن جينير بعض الصديد في جسم جيمس. وأعاد هذه العملية على مدى بضعة أيام مكثرا من كمية الصديد المحقونة بجسم الفتى تدريجيا. ثم حقن فيبس بالجدري. أصيب جيمس بالإعياء لكنه بعد بضعة أيام شفي تماما دون أي أعراض جانبية. وبدا واضحا أن جينير قام باكتشاف مذهل.

بعد ذلك كان عليه أن يواجه التحفظ والاتهام من جانب المجتمع الطبي الذى كان يهيمن على لندن. فلم يستطيعوا تقبل حقيقة أن طبيبا ريفيا توصل إلى مثل هذا الاكتشاف الهام، وتمت إهانته علنا عندما أحضر اكتشافه إلى لندن. لكن ما قام بإكتشافه كان أقوى من أن يتم إنكاره وفي النهاية كان عليهم قبول اكتشافه على أنه اكتشاف من شأنه تغيير العالم.

كان اكتشاف جينير ناجحا لدرجة أن الحكومة في عام 1840 قامت بحظر أي علاج ضد الجدرى إلا لقاح جينير.

أبحاث جينير المستمرة على اللقاح منعته من ممارسته العادية للطب. ولقد تلقى الدعم والتشجيع من زملائه ومن الملك فى برلمان الالتماسات، وتم إعطاؤه منحة قدرها 10,000 جنيه فى عام 1802 نظير عمله على اللقاح. في عام 1807، تم منحه 20,000 جنيها أخرى بعد إعلان كلية الجراحين الملكية عن الفاعلية الواسعة للقاح.

في عام 1803 بلندن، أصبح رئيسا للجمعية الجينيرية المعنية بتطوير اللقاح للقضاء على الجدري. لكن الجمعية توقفت عن العمل عام 1809. فى عام 1808، وبمساعدة الحكومة، تم تأسيس المؤسسة القومية للقاح، لكن جينير شعر بأن سمعته تلوثت نتيجة لتعيين بعض الشخصيات فيها فقدم استقالته من إدارتها. أصبح جينير عضوا فى الجمعية الطبية الجراحية عندما تأسست عام 1805 وكتب العديد من المقالات الطبية بها.

والجمعية الآن تسمى الجمعية الملكية الطبية. وتم انتخابه للعضوية الشرفية كأجنبي فى الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون عام 1802. وأيضا في الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم عام 1806.

حين عاد للندن عام 1811، لاحظ جينير عددا من حالات الجدري بعد التلقيح. واكتشف أنه في تلك الحالات كانت شدة المرض ضئيلة بشكل ملحوظ نتيجة للتلقيح السابق. في عام 1821، عُيِّن طبيبا استثنائيا للملك جورج الرابع وهو ما يعد شرفا قوميا عظيما، وعُيِّن أيضا عمدة لبيركلي. واستمر في بحثه في التاريخ الطبيعي، وفي عامه الأخير عام 1823 قدم كتابه «ملاحظات في هجرة الطيور» للجمعية الملكية.

لم يقم جينير بتسجيل براءة اختراع لاكتشافه كي لا يرفع من سعره ويجعل منه صعب المنال على الكثيرين، فكان هدية منه إلى العالم. ويوجد متحف صغير الآن فى مسقط رأسه، اعترافا بحق الرجل الذى هرب من الأضواء ومن لندن. وفي هذا المتحف توجد قرون البقرة بلوسوم. كلمةvaccination (لقاح) أصلها هو vacca باللاتينية وتعني بقرة؛ تخليدا لذكرى بلوسوم وسارة ودورهما فى أبحاث جينير.

(قرون البقرة بلوسوم في متحف جينر)
يوجد تمثال أكثر أناقة لجينير منصوب بأحد أكثر مناطق حديقة هايد هدوءا فى لندن.
(تمثال إدوارد جينر)
(تمثال إدوارد جينر)

كان الجدري قاتلا خطيرا قبل أن يغير لقاح جينير تاريخ الطب. بالرغم من أن لقاح جينير لم يقض على الجدري، إلا أنه أثر تأثيرا واضحا على معدل الوفيات في المدن الكبيرة والقذرة كلندن.

لكن بما أن العلاج الطبى للجدري كان غاليا جدا على الفقراء ( وهم الذين يعيشون فى أقل المناطق صحة ) فكانت النتيجة أن تمر سنين عديدة قبل أن يتم القضاء نهائيا على الجدري في بريطانيا. ولعله من السخرية أن جينير أهدى لقاحه للعالم مجانا عوضا عن أن يقدم براءة اختراع اللقاح لنفسه، إلا أن الأطباء كانوا يتقاضون المقابل من المرضى نظير خدماتهم.

في عام 1980 أعلنت منظمة الصحة العالمية أنه تم القضاء نهائيا على الجدري فى العالم.

عثر على جينير فى يوم 25 يناير عام 1823 وهو في حالة من الشلل بنصف جسمه الأيمن. ولم يتعاف منها بشكل كامل حتى مات فى النهاية من جلطة دماغية واضحة ثانية أصابته فى اليوم التالى عن عمر يناهز 73 عاما.