وأخيرًا بعد انطلاق قطار التعداد السكاني منذ 4 سنوات، أعلن اللواء أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء،نتائج التعداد العام للسكان والإسكان والمنشآت لعام 2017، حيث بلغ عدد السكان داخل مصر 94 مليونا و798 ألفا و827 نسمة، أما في الخارج فبلغ 9.4 مليون طبقا لتقديرات وزارة الخارجية، وبذلك يكون إجمالي مجموع السكان مصر 104.2 مليون نسمة.

وهذا هو التعداد الرابع عشر في تاريخ مصر الحديث، وكان أول تعداد قد أُجري عام 1897، وتُجري مصر غالباً تعداد السكان والمنشآت كل 10 سنوات، حيث يتضح ارتفاع العدد خلال العشر السنوات الأخيرة 22 مليون نسمة، لتحتل بلاد الألف مئذنة الترتيب الـ 13 بين دول العالم في تعداد السكان.

وناشد الكثير من المراقبين التقدم بشكل أسرع نحو حلول ذات فعالية، باعتبار الأرقام تدق أجراس الخطر الذي يحوط مصر، ما جعل المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء،يسارع في تشكيل لجنة لبحث تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بخصوص التعداد السكاني الأخير، والتي تهدف لتحليل ما جاء بالتقرير وكيفية تعامل الحكومة مع الزيادة السكانية.

وفيما يلي عرض لأهم الأرقام الواردة في تقرير التعداد السكاني لمصر 2017.


أزمة الإسكان

تشكل أزمة الإسكان هاجسا للأسر ذات الدخول المنخفضة وللشباب المقبل على الزواج، بالرغم من أن الإحصاءات تشير إلى وجود 16.2 مليون منشأة، بإجمالي 43.2 مليون وحدة داخل المباني، الأغلب يستخدم لغرض السكن، وهناك مبان تستخدم في العمل وتبلغ 1.5%، مع العلم أن عدد الوحدات السكنية المغلقة تبلغ 12.5 مليون وحدة بلا سكان، وهو رقم ضخم.

يعكس عدد الشقق المغلقة أزمة عميقة في بنية المجتمع والمؤسسات، ما يتطلب وجود تشريع يراعي مبادئ الحق والعدل.

وبالنظر للخريطة المجتمعية لهذه الشقق المغلقة يتضح علاقتها بقانون الإيجار المعمول به، والذى يفرق بين ما يُعرف بـ «إيجار قديم»، والذي يجعل الساكن له حق البقاء في الوحدة السكنية إلى ما لا نهاية ويورثها لأبنائه، وتحوله إلى مالك أبدي مقابل إيجار زهيد، وهو ما يمثل ظُلما لأصحاب تلك العقارات. وآخر يُعرف بـ «الإيجار الجديد»، والذى يتيح لمالكه أن يؤجر الوحدة وفقا للقيمة السوقية، ولكنه أيضا يغامر بدرجة ما إذا تصادف أنه لم يحصل على حقوقه حسب العقد، ففي تلك الحالة لن تنصفه محاكم ولا آليات إنفاذ القانون، وقد يضيع عمره وتضيع الشقة التي تصور أنها ستكون مصدرا لدخل يُحسّن به واقعه المضطرب.

إن تعدد نظم التعامل مع الشقق، سواء القديمة أو الحديثة يدفع بكثيرين من أصحاب الشقق المغلقة إلى إبقائها خاوية دون منغصات، فالتضحية بدخل متوقع أفضل بكثير من الدخول في متاهات أقسام البوليس والمحاكم.

ويعكس عدد الشقق المغلقة أزمة عميقة في بنية المجتمع والمؤسسات على السواء، ما يتطلب وجود تشريع يراعي مبادئ الحق والعدل جاعلًا تلك الشقق وغيرها أحد أسباب معالجة أزمة السكن، بغرض الوصول إلى الاستقرار المجتمعي.

وعن دور الحكومة إزاء أزمة الإسكان، فإن قطاع الإسكان والمرافق العمرانية استحوذ على جزء كبير من الاستثمارات الحكومية في موازنة 2017 / 2018 التي خصصتها وزارة المالية، حيث يشكل 40% من إجمالي الاستثمارات، متمثلةً في تنفيذ نحو 215 ألف وحدة سكنية واستهداف 500 ألف وحدة ضمن مشروع الإسكان الاجتماعي، لكن بالرغم من ذلك يظل الإقبال محدودًا نظرًا لعدم توفر البنية التحتية المكتملة من مرافق ومؤسسات تعليمية وصحية وطرق ووسائل مواصلات ميسرة من تلك المدن لقلب المحافظات على مستوى الجمهورية.


الأمية والتسرب من التعليم

بشأن الحالة التعليمية للسكان، قال أبو بكر الجندي إن هناك تحسنًا كبيرًا في الحالة التعليمية على مر العصور، موضحا أن حملة المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة يبلغون 25%، وحملة الشهادات (الثانوية العامة، الإعدادية) يمثلون نحو 25.7%، بينما بلغ عدد الأميين 18.4%، وفي التعداد السابق 2016 كان 25%.

بلغ إجمالي المتزوجين في مصر 68%، وهناك 3 ملايين أرملة، و471 ألف مطلقة، هناك 118 ألف حالة زواج مبكر الإناث الأقل من 18 عاما.

نلاحظ أن عدد الأميين ينخفض في الفئة من سن (10 – 34 عامًا) ويبلغون 5.7 مليون أميّ، ما يمثل نسبة 13.5%، وهي الفئة التي لا بد للدولة من استهدافها باعتبارها الأكثر إنتاجية، بينما يصل إجمالي غير الملتحقين والمتسربين من التعليم على مستوى الجمهورية 28.8 مليون مواطن، منهم في الوجه القبلي 12.4 مليون، وفي الوجه البحري 12 مليونا، و3.9 مليون في المحافظات الحضرية.

يذكر أن وزارة المالية خصصت من موازنة 2017 / 2018 نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على التعليم الجامعي، و1% للبحث العلمي، و4% للتعليم قبل الجامعي.

وأطلقت وزارة التربية والتعليم برنامجا قوميا للقضاء على الأمية مع حلول عام 2020، وكانت الركيزة الأساسية لمحو الأمية تعتمد على طلاب الجامعات، البالغين نحو مليون و250 ألف طالب في الجامعات، فيما أكد بعض رؤساء الجامعات صعوبة منع طالب من الحصول على شهادة التخرج إلا بعد إنهائه أمية عدد معين، لأن الأمر غير دستوري، إلا في حال تغيير لائحة الجامعات لتلبية هذا الأمر.

ومن التحديات التي تواجه استراتيجية الدولة لمحو الأمية أن أداء الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار ضعيف، كما لا توجد فصول لمحو الأمية في المحافظات، فضلًا عن رد المخصصات المالية المتعلقة بالخطة الاستثمارية للهيئة العامة لمحو الأمية إلى ميزانية الدولة، في يوليو الماضي؛ لعدم استخدامها من قبل الهيئة في فتح الفصول للدارسين.


المرأة

يتركز أغلب الخصائص السكانية المنخفضة في المرأة والبالغة 48.4% من إجمالي عدد السكان، من انتشار الزواج المبكر، وحالات التسرب من التعليم، وارتفاع عدد الأرامل والمطلقات والأمهات المعيلات، في ظل انخفاض المستوى الاقتصادي والتعليمي، ما يشكل عائقا أمام الحصول على فرص عمل مناسبة.

وبلغ إجمالي المتزوجين في مصر 68%، وهناك 3 ملايين أرملة، و471 ألف مطلقة، وبالنسبة لحالات الزواج المبكر للإناث، يقدر عدد الإناث الأقل من 18 عاما نحو 40% حالة زواج مبكر، بإجمالي 118 ألف حالة زواج.

ومن جهته، أعد المجلس القومي للمرأة استراتيجية «تمكين النساء 2030»، تستهدف رفع نسبة وجود السيدات في الحياة العامة والسياسية؛ بهدف أن تصبح المرأة المصرية فاعلة رئيسية في تحقيق التنمية المستدامة بحلول 2030.

وحددت الاستراتيجية عددا من المؤشرات لقياس الأثر لمحور التمكين السياسي، من بينها نسبة الإناث من إجمالي المشاركين في الانتخابات 44% حاليا، وتستهدف الاستراتيجية الوصول لـ 50 % في 2030، وتقدر نسبة تمثيل المرأة في البرلمان حاليا بـ 15 % والمستهدف 35%، ونسبة تمثيل الإناث في المجالس المحلية حاليا 25% وتستهدف الاستراتيجية الوصول لـ 35%، ونسبة الإناث في المناصب العامة 5% والمستهدف 17%، ونسبة الإناث في وظائف الإدارة العليا 19% والمستهدف في 2030 الوصول لــ 27%.


البطالة

بالنظر للتوزيع العمري للسكان، فإن المجتمع المصري «شاب»، حيث إن الفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة تشكل 18.2% من السكان، أما الفئة العمرية للشباب من 15 ـ 34 سنة فتشكل نحو 34.5%، أي ما يقارب ثلث عدد السكان.

وترجمة تلك الأرقام تعني الحاجة الماسة إلى آلاف المدارس وآلاف المدرسين وعدة ملايين من خريجي الجامعات والمعاهد المتوسطة والمدارس الثانوية، وكل منهم سيكون بحاجة إلى فرصة عمل، أو أن تنضم النسبة الأكبر منهم إلى طابور العاطلين، وبما يشكل ضغطًا على التماسك المجتمعي.

وفي ذات السياق، تراهن الحكومة على قطاع التشييد والاستثمار العقاري، لرفع معدلات النمو والحد من البطالة، حيث أكد الدكتور مصطفى مدبولي، وزير الإسكان،انخفاض نسبة البطالة 1%، بفضل قطاع التشييد والبناء، حيث أسهم هذا القطاع في خلق فرص عمل كثيرة للشباب، لافتًا إلى أن مشروع الإسكان الاجتماعي وفر ما لا يقل عن 1.5 مليون فرصة عمل حتى الآن، والمستهدف مضاعفة العدد خلال السنوات الثلاث المقبلة.


الفقر

خُفِّضت معدلات الفقر المدقع إلى النصف منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ورغم عظمة ذلك الإنجاز، لا يزال هناك واحد من كل خمسة من سكان المناطق النامية يعيش على أقل من 1.25 دولار يوميا، بينما هناك الكثيرون الذين يواجهون خطر الانحدار إلى هوة الفقر من جديد.

إن الفقر أكثر من مجرد الافتقار إلى الدخل والموارد ضمانا لمصدر رزق مستدام، حيث إن مظاهره تشمل الجوع وسوء التغذية، وضآلة إمكانية الحصول على التعليم وغيره من الخدمات الأساسية، والتمييز الاجتماعي، والاستبعاد من المجتمع، علاوة على عدم المشاركة في اتخاذ القرارات؛ لذا، يتعين أن يكون النمو الاقتصادي جامعا بحيث يوفر الوظائف المستدامة ويشجع على وجود التكافؤ.

وبالنظر إلى الداخل المصري، فإن مظاهر الفقر تتفاقم مع تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تبنته الحكومة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث يوجد أكثر من مليوني أسرة من بين الأسر المصرية البالغ عددها 23.5 مليون أسرة تقيم في وحدات سكنية مشتركة.‎

وعن الاتصال بمرفق الصرف الصحي، فإن 40% فقط على مستوى الجمهورية متصل بالشبكة العامة للصرف الصحي، بإجمالي 5.5 مليون مبنى مرتبط بالشبكة العامة، وعن الغاز الطبيعي 12.2% متصل بالمرفق بإجمالي 1.6 مليون مبنى متصل بالشبكة العامة.

ومن جانب الدولة،تعاقدت حكومة «إسماعيل» مع البنك الأفريقي للتنمية بتمويل مليار دولار على مدى عامين في إطار برنامج دعم الميزانية، والذي تم العمل فيه بالتعاون مع البنك الدولي، لتطوير البنية التحتية، وإدخال شبكات الصرف الصحي لقرى مصر.

يذكر أن البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير استثمر نحو 2.3 مليار يورو في مصر من خلال 43 مشروعاً منذ بدء أنشطته في البلاد في نهاية عام 2012، وتشمل مجالات: القطاع المالي، والأعمال التجارية الزراعية والتصنيع والخدمات، فضلاً عن مشاريع البنية التحتية مثل الطاقة والمياه وخدمات الصرف الصحي ودعم خدمات النقل.


العدالة الجغرافية

توجد أكبر نسبة للسكان في مصر بمحافظة القاهرة بنسبة (10.1%)، تليها محافظة الجيزة بنسبة (9.1%)، ثم الشرقية (7.6%)، وتسكن 13.2 مليون أسرة في الريف أي ما يعادل 56% من نسب إجمالي الجمهورية.

ويعتبر إقليم ريف الوجه البحري هو أكبر إقليم على الإطلاق تعدادا للسكان، حيث يضم ثلث السكان، أي تقريبا 29.5 مليون نسمة، يليه ريف الوجه القبلي بنحو 24.5 مليون نسمة.

وفيما يتعلق بالمحافظات الحدودية، فإن أكبر متوسط حجم للأسرة هو 4.4 فرد في المناطق النائية، يليها ريف الوجه القبلي، ثم أقل حجم للأسرة في المحافظات الحضرية.

وتزايد نسبة السكان المصريين بالحضر من 42.6% في تعداد 1996 إلى 43.0% في تعداد 2006، ثم تناقصت بنسبة بسيطة إلى 42.2% في تعداد 2017، مقابل ذلك انخفضت نسبة السكان المصريين بالريف من 57.4% في تعداد 1996 إلى 57.0% في تعداد 2006، ثم تزايدت بنسبة بسيطة إلى 57.8% في تعداد 2017؛ مما يعكس ثبات نسبة السكان المصريين في الحضر والريف تقريبا في الثلاثة التعدادات.

الملاحظ من الأرقام المشار إليها أن الريف في الوجهين البحري والقبلي لا يحصل على حجم العناية الكافية التي تساعده على التطور بمعناه العام، وسيظل أحد المشكلات الكبرى أمام خطط التنمية المستدامة المستهدفة، ومن ثم يصبح على الحكومة والأجهزة التنفيذية أن تجعل من تطوير الحياة في الريف المصري أحد أهم أهدافها في العقد المقبل، بمعدلات تنفيذ أسرع من كل ما سبق.


الحل الأمثل

40 % فقط على مستوى الجمهورية متصلون بالشبكة العامة للصرف الصحي، بإجمالي 5.5 مليون مبنى مرتبط بالشبكة العامة.
اختلال العلاقة بين السكان والموارد أمر شديد الخطورة، لأنه يبتلع كل عوائد التنمية.

هالة السعيد، وزيرة التخطيط، خلال احتفالية الإعلان عن التعداد السكاني

الزيادة السكانية ظاهرة عالمية، وليست مصرية فقط، والمشكلة تتفاقم إذا اتسعت الفجوة بين أعداد المواليد والوفيات، ويحتاج الأمر في هذا الإطار إلى كفاءة عالية في الإدارة والتطور بالإضافة إلى التوسع في إقامة المشروعات والعملية الإنتاجية حتى تتواكب الزيادة السكانية مع الزيادة العمرانية.

في ضوء نتائج التعداد السكاني، الذي كشف زيادة معدل النمو السكاني السنوي من 2.04% خلال الفترة من 1996 – 2006 إلى 2.56% خلال الفترة 2006 – 2017، يصبح من الممكن أن تكون خطط التنمية في مصر أكثر انضباطا في تحديد الأولويات، وفي رسم مسارات العمل للسنوات العشر المقبلة، وفقًا للتحولات الاجتماعية التي مرت بمصر في العقود الماضية.

وفي هذا الإطار، كانت للولايات المتحدة تجربة رائدة في حل الزيادة السكانية عن طريق «التشغيل» وزيادة فرص العمل داخل القطاعات المختلفة، ولكن بالترتيب في القطاع الزراعي ثم الصناعي ثم الخدمات ثم القطاع السياحي، أما ما يحدث لدينا فهو العكس، فقد فتحنا فرص العمل في القطاع السياحي الذي من السهل أن يتراجع بسبب عوامل أمنية، والاستراتيجية الكبرى لابد أن تركز أولا على فتح فرص العمل في القطاعات الإنتاجية باعتباره الاقتصاد الحقيقي للدول.