لعب النيل دورًا تأسيسيًّا لا نظير له في نشأة الدولة المصرية، فبتلك المعجزة الجغرافية التي أمالت الهضبة الأفريقية من الجنوب إلى الشمال على عكس الشائع في بقية أنحاء العالم، انسابت المياه العذبة من آخر القارة إلى أولها بطول 6500 كيلومتر تقريبًا، حتى شقَّت صحراء مصر الجدباء من نصفها ونقلت إليها قبسًا من بهاء الغابات الاستوائية، بعدما نمت جوار ضفتيها الزروع والثمار، فآنس بها الإنسان المصري القديم والتجأ إلى نعيمها هاربًا من جفاف بلاده القاتل، سكن في رحابها طولًا وعرضًا حتى أقام أقدم إمبراطورية عرفها العالم، وحينما زار الزعيم البريطاني وينستون تشرشل مصر وصفها بأنها غواص في أعماق البحر يعيش عبر التزود بالهواء من خلال أنبوب صغير، هو نهر النيل.

النيل سر الوجود

يقول أستاذ التاريخ القديم دكتور وحيد شعيب في بحثه “النيل والمصريون في العصور القديمة”: إن المياه شكَّلت محورًا أساسيًّا في محاولات فلاسفة الفراعنة لتخيُّل عمليات الخلق الأولى ضمن مساعيهم الكُلية لمحاولات فهم نشأة الكون، فاعتقد أنصار مذهب عين شمس أن العالم بدأ على شكل محيط مائي أزلي اسمه “نون”، وفي وقتٍ ما خرج من هذا المحيط المائي تل عالٍ اسمه “بن بن”، تجلَّى فوقه الخالق المكتمل “أتوم”.

ولا يخفى هنا أن الفلاسفة استدعوا رموز البيئة المصرية في تفسيراتهم لنشأة الأرض بأسرها، فالمحيط الأزلي هو مصر حين يغمرها فيضان النيل، والتل العالي هو الكثبان الطينية المرتفعة التي تكون أول ما يظهر للعيان فور انحسار ماء الفيضان/ المحيط، وبالطبع فإن عملية الخلق الأولى تتماس مع التأثير الهائل للفيضان في حياة المصريين وكأنه يُعطيهم لمسة حياة إلهية، وهو ما يتَّضح في العبارة التي نسبتها المرويات الفرعونية للإله بقوله “لقد خلقتُ مياه الفيضان الجبَّارة حتى يحصل الفقراء على حقوقهم فيها مثل الأقوياء”.

أقدم الأسماء التي نعرفها لمصر إنما هي مُشتقة من النيل نفسه، مثل كلمة “كميت Kmt”، التي ترمز إلى لون تربة الوادي ودسامة الطين الناتج عن الفيضان، والتي اعتبرها سكَّان الوادي لفظة مناسبة للتفرقة عن كلا الصحراوين الجدباوتين الكائنتين في الجوار، واللتين رُمز لهما بكلمة Dsrt وتعني الحمراء، كناية عن شدِّة الجدب، كما منح المصري القديم بلاده اسمًا آخر مرتبطًا النيل وهو Idbwy، والذي يعني أرض الضفتين.

تُطلُّ علينا الميثولوجيا الفرعونية بأكثر من ظهور لعددٍ من الآلهة على شكل مخلوقات نيلية كالضفادع والثعابين، وهي مخلوقات تعيش في طمي النيل مسئولة عن انتظام النيل وفيضانه، كأحد الأدلة الكثيرة التي تُبرز لنا مدى تعلُّق المصريين القدماء بالمياه، فبينما كان جيرانهم من سكان الشرق الأدنى يتداولون أشكالًا متنوعة من قصص الطوافان الذي سيفني البشر يومًا، كان الفيضان عند المصريين رمزًا للحياة ووسيلة لإنقاذ الجنس البشري وليست لهلاك الإنسان، حتى إنهم ألَّفوا له ترنيمة فرعونية تقول «أنتَ الواحد الأحد الذي خلق ذاته بذاته، وليس في وسع أحد أن يعرف كل ما بداخلك، ويوم تتدفق من مغارتك لا تفارق البهجة أيًّا منا»، في ظهورٍ شرطي واضح لمدى تعلُّق الفراعنة به إلى حدٍّ تقديسه كإله يجلب الخير ويُحيي الأرض بعد موتها، حتى إنهم اعتبروا أن منبعه في جزيرة الفنتين بأسوان، كما اعتقدوا وقتها أنه نقطة بداية العالم وقِبلة ولَّوا وجوههم شطرها خلال الصلاة.

وبالطبع فإن نظرة المصريين للمنابع تغيَّرت بعدما اكتشفوا أن مصدر المياه يبتعد عن أسوان كثيرًا، وأن ذلك الكيان الإلهي المتلوِّي يخترق قارتهم حتى أعمق أعماقها، لذا لم تنقطع الرغبة الفضولية المصرية القديمة في معرفة المنبع الأصلي لإله الخير والحياة.

البحث عن إثيوبيا

يقول الباحث أحمد رضوان في أطروحته «مصر وإثيوبيا ومياه النيل»، إن الذِّكر الأول لدولة إثيوبيا في التاريخ الفرعوني كان أثناء عهد الدولة القديمة، خلال الحديث عن رحلة قام بها مجموعة من التجار المصريين منذ 3 آلاف عام إلى أراضٍ تقع جنوب النوبة أطلقوا عليها اسم «بنط»، كما تُظهر نقوش جدارية داخل معبد الدير البحري بعض مشاهد رحلة تجارية أرسلتها الملكة حتشبسوت إلى بلاد بنط حوالي عام 1470 ق.م.

في هذه الأثناء لم تعرف إثيوبيا حُكمًا مستقرًّا كمصر، يقول جمال حمدان في الجزء الثاني من كتابه «شخصية مصر»: «مياه النيل تتجه إلى مصر كظاهرة طبيعية، وقامت عليها حياة بشرية كاملة قبل أن تعرف المنابع العُليا للنيل السكنى المستقرة المنظمة في أي صورة».

بالفعل، لم تُسيطر على أراضي إثيوبيا دولة مركزية موحدة إلا في مرحلة متأخرة من الزمن، ففي القرن الثامن قبل الميلاد تأسست مملكة «داموت» شمال إثيوبيا، والتي استمرت لمدة 4 قرون، وعقب سقوطها انتشرت عدة ممالك صغيرة على الهضبة الحبشية حتى ظهرت إلى النور مملكة «أكسوم – Aksum» القوية التي أخضعت اليمن لسُلطانها، واعتُبرت واحدة من أبرز القوى العالمية في هذا الوقت، مثلها مثل الفرس والروم.

وشهد العام 316م واحدًا من أهم الأحداث التي أطَّرت العلاقة بين البلدين، وهي دخول المسيحية بلاد الحبشة على يد القديس اللبناني «فرومنتيوس – Frumentius»، الذي حقَّق نجاحًا لافتًا في مهمته شجَّع بابا الإسكندرية على تعيينه أسقفًا لإثيوبيا ودعمه بعددٍ من الكهنة والنصائح الروحية اللازمة، وسريعًا نجح الفريق المصري في مهتمه ونشر المسيحية في كل ربوع إثيوبيا حتى إنها كانت ثاني بلد في العالم يعتمد المسيحية كديانة رسمية بعد أرمينيا.

ولفترة طويلة قامت المسيحية الإثيوبية فقط على المبادئ القبطية الأرثوذكسية التي وفدت عليهم من مصر في الطقوس والاحتفالات والأعياد والأصوام، ولم يعرفوا غيرها حتى القرن السادس عشر الميلادي على أيدي البرتغاليين، الذين دشَّنوا حملة عسكرية في ربوع الحبشة بشَّروا خلالها بمذهبهم الكاثوليكي الذي لقي استحسانًا بين الإثيوبيين حتى إن الإمبراطور الحبشي تخلَّى عن المذهب المصري/ الأرثوذكسي واعتنق العقيدة المسيحية الأوروبية عام 1624م، وبرغم ذلك حافظت البطريركية المرقصية بالإسكندرية على سيطرة كبيرة على الشأن المسيحي في إثيوبيا، بداية من شئون الحج إلى القدس وحتى تعيين رئيس الكنيسة حتى استقلت الكنيسة الإثيوبية عن كنيسة الإسكندرية في أواخر القرن العشرين.

إثيوبيا: لا مياه للمسلمين

يحكي الباحث أحمد أبو زيد في أطروحته «الرؤية الإثيوبية للصراع على مياه النيل» أنه عندما تحوَّلت مصر إلى ولاية إسلامية/ عربية عام 640م أثار هذا القرار استياء إثيوبيا بسبب استمرار تبعية كنيستها الرسمية لبابا الإسكندرية الذي كان يتبع حاكمًا مسلمًا، وما زاد من الغضب الإثيوبي هو سيطرة المسلمين على المدينة المقدسة؛ القدس، وهو ما تسبَّب في إحجام العديد من الحجاج الإثيوبيين عن السفر إليها.

وخلال الفترة 1190-1225 أعلن الإمبراطور الإثيوبي «اليبيلا» حربه الصليبية على المسلمين في مصر، فهدَّد بتحويل النهر عن مساره الطبيعي حتى لا تصل كمية المياه المعهودة إلى مصر، وهي التهديدات التي نقلها لنا القس جرجس المكيني في رسائله إلى بابا الإسكندرية.

وفي عهد محمد علي الكبير استولت مصر على السودان وبلاد الحجاز، وهكذا امتلكت حدودًا مشتركة لأول مرة، واتسمت هذه الفترة بشكلٍ عام بالتوتر بسبب القوة العسكرية المصرية التي كان يتم استخدامها لحلِّ أي مشكلة عابرة بين الطرفين، فعندما قتل الزعيم السوداني الملك نمر إسماعيل باشا ابن محمد علي وقائد القوات المصرية بالسودان هرب نمر إلى الحبشة وتزوج من ابنة حاكمها، وهو الإجراء الذي ردَّ عليه حاكم مصر بإرساله حملة عسكرية إلى إثيوبيا عام 1826م احتلت العديد من المناطق فيها.

يقول دكتور طلعت الجمل في بحثه “مستقبل مصر المائي”، لم يعلم أحد أي شيء عن منابع النيل الاستوائية حتى نهاية القرن التاسع عشر، وهو الأمر الذي جرى في عهد الخديوي إسماعيل الذي أفرد الحملات العسكرية حتى نهاية هذه المنابع التي تزود مصر بقرابة 90% من احتياجاتها المائية، وضمَّها إلى بلاده بالإضافة إلى السودان، فيما عُرف وقتها بـ”مديرية خط الاستواء”.

لم يعلم الخديوي إسماعيل أنه بهذا الطموح الاستحواذي كان يسير على مبدأ فرعوني قديم يقول: «كل بلاد يغمرها النيل في فيضانه فهي من مصر، وكل مَن يشرب من ماء هذا النيل تحت جزر الفنتين فهو مصري»، لكن سريعًا ما انهارت المملكة المصرية الإسماعيلية وضاع حلم إقامة مملكة نيلية واحدة تخضع للسُّلطان المصري بعدما خضعت أرض الكنانة للاحتلال البريطاني الذي بسط سيطرته على جميع ممتلكاتها من البحر المتوسط وحتى إثيوبيا.

وفي العام 1884م دخلت إنجلترا كقوة عظمى احتلالية رسَّخت وجودها في الشرق على خط العداء بين البلدين، ورعت معاهدة «عدوة» التي اعتنت بترسيم الحدود بين البلدين وإنهاء المشاكل العالقة بين الخديوي إسماعيل والإمبراطور يوحنا الإثيوبي.

بعد ذلك سقط كلا البلدين في هوة الاستعمار بعدما خضعت مصر للسيطرة الإنجليزية وإثيوبيا للنفوذ الإيطالي، فخاضت الدولتان الأوروبيتان صراعًا بالوكالة باستخدام مصر وإثيوبيا، حتى تم التوقيع على عددٍ من الاتفاقيات عام 1891م خاصة بتقاسم النفوذ بين البلدين في شرق أفريقيا، واعترفت بريطانيا بنفوذ إيطاليا على إثيوبيا، كما اعترفت إيطاليا بحقوق بريطانيا في أعالي النيل والسودان.

في تلك الاتفاقية تعهدت إيطاليا بالامتناع عن إقامة أي منشآت للري قد تؤثر على كمية المياه الواردة إلى مصر، ليُناقش هذا البند تنظيم الحقوق في موارد النيل بين البلدين لأول مرة، وهو المعنى الذي ظهر بشكلٍ أكثر وضوحًا في الاتفاقية التي جرت عام 1902م بين بريطانيا وإثيوبيا لترسيم حدودها مع مصر والسودان، وفيها تعهد الإمبراطور الحبشي بعدم تشييد أي بناء يمنع جريان المياه إلى النيل إلا بعد الاتفاق مع حكومة ملك بريطانيا.

في العام التالي، رغب الإمبراطور الحبشي في إنشاء أول بنك داخل بلاده، فاستعان بخدمات الإنجليز الذين أحالوا طلبه إلى سير الوين بالمر مدير البنك الأهلي المصري، وهي الخطوة التي تمت في العام 1905، والذي ظهر فيه إلى النور “بنك الحبشة” لأول مرة على أنه فرع للبنك الأهلي المصري، وظلَّ موظفوه يُعيَّنون من البنك الأهلي المصري حتى عام 1931م، حينما تم تأميمه وأصبح خاضعًا بشكلٍ مباشر للحكومة الإثيوبية، وأصبح اسمه “البنك الأهلي الإثيوبي”.

في العام 1913م بزغت فكرة بريطانية بشأن إنشاء خزان مياه لبحيرة تانا الإثيوبية، وهي الفكرة التي دخلت حيز التنفيذ عام 1927م حينما بدأت إثيوبيا مفاوضات لإنشاء الخزان مع شركة “هوايت” الهندسية الأمريكية دون التشاور مع مصر.

يكشف جمال حمدان في كتابه «شخصية مصر» أن البواعث الإنجليزية لتنفيذ مثل هذا المشروع لم تكن اقتصادية بحتة، يقول: «اتخذ الاستعمار من مياه النيل أداة للضغط السياسي والمساومة الاستعمارية يُرغم بهما مصر على الخضوع له»، وهو ما ينسجم مع ما قاله الرحَّالة الإنجليزي صامويل بيكر «إن العرب قد شربوا من هذه الآبار (النيل) منذ آلاف السنين، فإذا أقمت قلعة تُسيطر على هذه الآبار يصير العرب تحت رحمتك، لا مياه لا عرب». وهو ما يظهر جليًّا في مذكرة أصدرتها وزارة الخارجية البريطانية عام 1922م، بشأن مشروع الخزان، تقول فيها: «تستطيع حكومة جلالة الملك في الوقت الحالي أن تهدد مصر، بالحد من مصادر مياهها، وهذا في حد ذاته كفيل بإثارة قلق المصريين».

أثار هذا الخبر ضجَّة كبرى في مصر، واستدعى تعليقًا من أبرز زعمائها السياسيين، حينها، وهو مصطفى النحاس باشا الذي أكد أن «إنشاء سد على بحيرة دون أن تضع مصر شروطه وشروط تصريف مياهه بصورة تضمن لها حقوقها الثابتة، هو عمل يعرِّض حياتها للخطر».

هنا تدخلت بريطانيا، وعرضت مشاركة مصر في المفاوضات والاطلاع على تفاصيل المشروع مقابل المساهمة في النفقات، وهو ما استجابت له الحكومة المصرية وموَّلت بعض أعمال المسح بـ50 ألف جنيه، وبالفعل عُقِدَ مؤتمر ضمَّ مصر وإثيوبيا والسودان والشركة الأمريكية المُوكَل لها تنفيذ الخزان للتباحث بشأن المشروع، لكن في النهاية أجَّلت لندن كل شيء وطُوي مشروع «تانا» في الأدراج الإنجليزية.

خفت الصراع المائي بين البلدين نسبيًّا عقب فشل المساعي الإنجليزية، وبدأت العلاقات الرسمية بينها تتطور في بطء، وفي العام 1927، أنشأت مصر قنصليتها الأولى في إثيوبيا مستفيدة من حالة الاستقلال النسبي التي تمتَّعت بها عقب صدور إعلان 28 فبراير 1922م، وبدأت العلاقة بين البلدين في التطور تدريجيًّا، وفي عام 1930م أرسلت إثيوبيا دعوة رسمية إلى الملك فؤاد لحضور حفل تتويج الإمبراطور هيلاسيلاسي على عرش البلاد.

لم يحضر الملك وأناب رئيس ديوانه محمد توفيق باشا بدلًا منه، لكن الدعوة في حدِّ ذاتها أنبأت بتحسن جيد في شكل العلاقات بين الطرفين، وهو ما تعزَّز عام 1934م حين افتتحت حكومة إثيوبيا أول قنصلية لها في مصر داخل محافظة بورسعيد.

وفي عهد الرئيس عبد الناصر أزمع الإمبراطور الإثيوبي هيلاسلاسي بناء سد «تيس أباي» عام 1953م، لكن مصر مارست ضغوطًا على الحبشة دفعتها لتقليص ارتفاعه من 112 مترًا إلى 11 مترًا فقط، وبرغم هذا الإذعان الإثيوبي لمصر فإنها قدَّمت احتجاجًا رسميًّا للأمم المتحدة عام 1957م بسبب اعتراضها على مشروع السد العالي، وفي العام 1968م، دعا عبد الناصر الإمبراطور هيلاسلاسي لحضور افتتاح الكاتدرائية المرقصية في القاهرة.

أما في عهد الرئيس السادات فلقد تدهورت العلاقات بشدة مع القيادة الإثيوبية العسكرية الجديدة التي أطاحت بالإمبراطور هيلاسلاسي بقيادة الجنرال «منجستو» ذي التوجه الشيوعي، والذي راقب مساهمة مصر البنَّاءة فيما عُرف بـ«نادي سافاري» بصحبة السعودية والمغرب وإيران، وهدف لمواجهة التمدد الشيوعي في أفريقيا بعد تدهور علاقتها مع الاتحاد السوفيتي.

وعندما دخلت إثيوبيا في اشتباكات مسلحة مع الصومال فيما سُمِّي بـ«حرب الأوجادين»، انحاز فيها أعضاء «سافاري» إلى الصومال، ما أغضب الزعيم الإثيوبي «منجستو» بشدة، وهاجم مصر بضراوة في خطبة له عام 1979م وحطَّم زجاجة مملوءة دمًا كُتب عليها اسم مصر، كما جلب خبراء سوفييت لبحث إحياء مشروح خزان بحيرة تانا، معلنًا في مؤتمر الأمم المتحدة أنه «حق سيادي لأي دولة أن تمضي من جانب واحد في تنمية مواردها المائية».

وفي نفس العام أعلنت القاهرة نيتها مد مياه النيل إلى سيناء لاستصلاح 35 ألف فدان بها، وهو المشروع الذي عارضته أديس أبابا بشدة، وقدَّمت شكوى ضد مصر في منظمة الوحدة الأفريقية، وبلغت حُمى التراشق بين البلدين أوجها حينما هدَّد «منجستو» بتقليل تدفق المياه في النهر الأزرق، فرد عليه السادات بأنه سيستخدم القوة العسكرية ضد أي محاولة إثيوبية لإعاقة وصول النيل إلى مصر.

أما خلال فترة حُكم مبارك، فلقد سارت العلاقات بشكلٍ هادئ خلال فترة بداية حُكمه ولم يُعكرها إلا محاولة اغتيال رئيس مصر في أديس أبابا عام 1995م، وفي 2007 ظهرت إلى العلن أولى الخلافات الكبرى بين دول المصب ومصر بعدما أعلنت إثيوبيا، بصحبة 4 دول من حوض النيل، هي: تنزانيا وأوغندا ورواندا وكينيا (تبعتهم بوروندي في 2011م)، التوقيع بشكلٍ مُنفرد على اتفاقية «عنتيبي»، التي تضع أشكالًا جديدة لاستخدام مياه نهر النيل، وترفض الحصة المصرية والسودانية من النيل، والتي تصل إلى 87% من مياهه، وفق الاتفاقات القديمة التي عُقدت عامي 1929م و1959م، وهو ما زرع أولى بذور مشكلة سد النهضة الذي جرت أعمال المسح الأولية له بين عامي 1956م و1964م بدون إخطار مصر، ومن المقرر أن يكون أكبر سد في أفريقيا عقب الانتهاء من أعمال بنائه.