استجابة مصر العسكرية لقتل تنظيم الدولة الإسلامية مسيحيين مصريين في ليبيا في نهاية الأسبوع الماضي بدا أنها موضع ترحيب في الحرب ضد جماعة متشددة. ولكن المراقبون يقولون إن الإجراءات المصرية منذ ذلك الحين تشير إلى أن الرئيس «عبد الفتاح السيسي» هدفه التركيز على سياساته الداخلية وليس على أهداف المعركة الأوسع ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

يتزايد القلق لأن البيئة السياسية ذات الرقابة المشددة في مصر تغمرها الادعاءات بارتباط تنظيم الدولة الإسلامية بشكل سري بكل من قطر والولايات المتحدة الأمريكية، وهما اللذان اعلنا على الملأ التزامهما بهزيمة الجماعة المتشددة. ويقول محللون أنه على الرغم من أن مثل هذا الكلام يهدد بالإضرار بوحدة البلدان التي تكافح تنظيم الدولة الإسلامية ولكنه يبرهن على أنه مفيد للسيسي، حيث يعزز فكرة أن مصر تحت التهديد وإنه الشخص الوحيد الذي يستطيع إنقاذها.

ويبدو أن تلك الفكرة قد صمدت في قرية عور، وهي القرية التي كان يسكنها 13 من المصريين ضحايا تنظيم الدولة الإسلامية.

«لدي رسالة إلى أوباما» هذا ما قاله «عمت سليمان شحاتة» لـ«وورلد بوست» هذا الأسبوع في الكنيسة القبطية بالقرية وهو شقيق أحد الرجال الذي تم قطع رأسه من قبل الفرع الليبي لتنظيم الدولة الإسلامية «سوف تكون مصر قوية بغض النظر عن ما يفعله أعدائنا».

شحاتة والرجال من حوله قاطعوا بعضهم البعض في اندفاع ليشرحوا بالتفصيل كيف ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية تنظيم الدولة الإسلامية في أن تصبح فظائعه ممكنة.

أكمل شحاته كلامه بقوله «الولايات المتحدة الأمريكية هي العمود الفقري الداعم لقطر وتركيا، وهم يدعمون الإرهاب».

عززت مؤسسات قوية في مصر هذه المشاعر، فمندوب السيسي في جامعة الدول العربية طارق عادل أثار أزمة دبلوماسية في الشرق الأوسط يوم الأربعاء بتصريحه لوكالة الأنباء التي تديرها القاهرة إنه يعتقد أن قطر تدعم الإرهاب. صرح بهذا الاتهام بعدما نقل تحذير عن مسؤول في وزارة الخارجية القطرية من أن الضربات الجوية المصرية في ليبيا قد تؤذي المدنيين. واستدعت قطر يوم الخميس سفيرها لدى مصر إلى الدوحة للتشاور.

قبل تصريحات عادل، قامت وسائل الإعلام في مصر أيضاً بالترويج لفكرة أن قطر والولايات المتحدة الأمريكية يساعدان الإرهاب. يوم الثلاثاء نشر موقع «البوابة نيوز» – المهتم بأخبار الشرق الأوسط – عنواناً قال فيه: «اضربوا قطر.. تسقط داعش».

ويوم الخميس نشرت الصحيفة الرائدة المصري اليوم رسماً كاريكاتوريا يظهر «داعش» وهو المصطلح العربي المفضل للدولة الإسلامية متشابكاً مع «الولايات المتحدة الأمريكية».

فيما نشرت صحيفة الأهرام – التي تديرها الدولة – تقريراً في صفحتها الأولى في اليوم ذاته متهماً قطر وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية بـ «مثلث قوى الشر».

لم يكن السيسي متحمساً تماماً للولايات المتحدة الأمريكية أو قطر، فكلا الحكومتين أعربتا عن دعمهما لحكومة الإخوان المسلمين المنتخبة وهي نتاج الربيع العربي والتي أطاح بها السيسي والجيش في عام 2013 ليعود حارس مصر القديم المستبد.

ويقول فهد ناظر وهو محلل الإرهاب في شركة الاستشارات الاستخبارية في مجموعة الاتصالات الأردنية وهو أيضا محلل سياسي سابق في سفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن «إن المصريين يشعرون أنهم تحت الحصار وهذا أمر مفهوم» مضيفاً في رسالة عبر البريد الإلكتروني يوم الخميس «أي شيء أقل من دعم لا لبس فيه ولا سيما في ضوء الخلافات العالقة مع قطر حول جماعة الإخوان المسلمين كان من المرجح أن يزيد من التوتر».

تم ربط قطر بجماعة الإخوان المسلمين على الرغم من إنها تنفي علناً دعمها لها مثلما تم ربط تركيا موطن أقوى حكومة إسلامية في المنطقة بالجماعة. وجادلت قطر مع الملكيات العربية الأخرى في الخليج حول هذا الرأي، تلك الممالك وأبرزها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قد وفرت للسيسي مليارات من الدولارات لدعم نظامه. بالنسبة لهم فقد مثلت الحكومة المصرية السابقة تهديداً وجودياً من خلال إظهار أن الديمقراطية في العالم العربي والإسلام السياسي قد ينجحان. إنهم يدعمون السيسي لضمان أن تبقى مصر أكبر دولة عربية مستبدة.

الولايات المتحدة لديها مشاكلها الخاصة مع الجنرال المصري بسبب رسائلها المختلطة والمشوشة فيما يتعلق بعودة مصر إلى الاستبداد. ففي الوقت الذي تواصل فيه إعطاء مصر الملايين سنوياً في شكل مساعدات عسكرية ضخمة منذ أن وقعت البلاد هدنة مع إسرائيل في عام 1979 ففي ذات الوقت فإن الإدارة الأمريكية أدانت زيادة الهجوم على المجتمع المدني من قبل الحكومة.

صرح مسئول أمريكي لـ«الديلي بيست» هذا الأسبوع أن مصر والولايات المتحدة الأمريكية بينهما «إحباط متبادل». فقد أوضحت وزارة الدفاع الأمريكية بشكل واضح يوم الأربعاء أن مصر لم تبلغ واشنطن قبل أن ترسل مقاتلات F16 الأمريكية الصنع لقصف معسكرات تنظيم الدولة الإسلامية بالقرب من مدينة درنة في شرقي ليبيا.

ومع ذلك، فقد حاول السيسي بيع نفسه بأنه الصوت المسلم العاقل والمهم ضد التشدد، وهي رسالة يشتريها المحافظين الأمريكيين. وبدا أن العلاقات بين الرجل القوي وكل من واشنطن والدوحة تحسنت في ديسمبر الماضي مع وصول أول سفير أمريكي إلى مصر منذ سقوط الحكومة الديمقراطية بالإضافة إلى المصالحة الواضحة بين قطر وداعمي السيسي في الخليج المعادين للإخوان المسلمين.

قال سلطان بركات، مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة، أنه على الرغم من إنه كان يعتقد أن حكام قطر قد «اعتادوا تماماً على لهجة الخطاب الذي يأتي من وسائل الإعلام المصرية» ولكن استدعاء السفير أشار إلى زيادة مفاجئة في التوتر.

واضاف بركات «لقد عاد مؤخراً فقط إلى القاهرة».

وقال فهد ناظر في رسالته عبر البريد الإلكتروني إن العلاقات بين القاهرة والدوحة يمكن أن تنهار بسبب تغيير القيادة في المملكة العربية السعودية بعد وفاة الملك عبد الله في أواخر يناير. مضيفاً بأنه كان يعتقد أن الحاكم السعودي الراحل ضغط على قطر للعمل مع السيسي.

ظلت ليبيا أرض معركة رئيسية للصراع الدائر بين قطر والقوات المعادية للإخوان والمرتبطة بالسيسي على الرغم من بوادر المصالحة الإقليمية. ليبيا منقسمة بين اثنين من الميليشيات المدعومة حكومياً: واحدة في الغرب تتكون من إسلاميين معتدلين وإسلاميين متشددين، والتي يعتقد أنها مدعومة من قبل قطر، والميليشيات الأخرى في الشرق وهي أكثر علمانية ومدعومة من السيسي وهي المعترف بها دولياً، ولكن ينظر اليها باعتبارها مرتبطة بنظام القذافي القديم.

ميليشيات الحكومة الشرقية – ومقرها طبرق – ساعدت مصر في غاراتها الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وقال مسؤولون أمريكيون في أغسطس الماضي أن مصر والإمارات العربية المتحدة وهما داعمي رئيس الحكومة العلمانية قد شنتا سراً غارات جوية ضد الميليشيات الإسلامية المرتكزة في الغرب. لكن الغارة المصرية الأسبوع الماضي كانت أول تدخل عسكري معلن للسيسي في الحرب الأهلية الليبية.

علمت «الورلد بوست» إن الأمم المتحدة تتوسط في المحادثات بين الجانبين التي لم تثمر حتى الآن الى حد كبير لأن مختلف الفصائل ما زالوا يرون أن الحل السلمي ليس في مصلحتهم. فيما شنت الميليشيات الاسلامية أول غاراتها الجوية ضد منافسيها يوم الاربعاء الماضي بعد أيام من نشر فيديو تنظيم الدولة الإسلامية والذي أظهر تعرض مصريين لقطع رؤوسهم. وفي اليوم نفسه طالبت الحكومة العلمانية من الأمم المتحدة – وبدعم مصري – إلى رفع الحظر على تصدير الأسلحة إلى ليبيا. وردت الولايات المتحدة وبريطانيا مساء الخميس الماضي أن ليبيا عليها تشكيل حكومة وحدة وطنية أولاً.

لم يتوقع المسؤولين الامريكيين أن حكومة السيسي قد تزيد من تعقيد الحرب الأهلية بإتهام قطر علناً بدعم تنظيم الدولة الإسلامية. على الرغم من أن مصر في الحقيقة قد خلطت بين الإسلاميين في مصر وفي ليبيا مع تنظيم الدولة الإسلامية وهو تصعيد خطير للقاهرة باتهامها حكومة عربية مناظرة لها بدعم تنظيم الدولة الإسلامية. ويقول محللون ان هذا الخلاف هو آخر شيء تريده واشنطن التي تدرس كيفية الرد على تنظيم الدولة الإسلامية: قد تكون القاهرة في الخطوط الأمامية في أي جهد ضد توسع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، بينما القاعدة الأمريكية في قطر هي مركز الحرب الجوية الأمريكية ضد الميليشيات في العراق وسوريا.

في الوقت الراهن، لم تتخذ الولايات المتحدة موقفاً علنياً من الغارات الجوية المصرية أو التشاحن الداخلي العربي الذي تلاها. ورفض متحدث بإسم المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية الجنرال جون ألين التعليق على تأثير الوضع على التحالف.

لكن الأزمة جاءت أثناء وجود وفد مصري رفيع المستوى في واشنطن لحضور قمة البيت الأبيض حول مكافحة التشدد العنيف. حيث قالت متحدثة بإسم مجلس الأمن القومي في بيان لها عبر البريد الالكتروني يوم الخميس أن مستشارة الأمن القومي سوزان رايس قد اجتمعت مع وزير الخارجية المصري يوم الخميس وأعادت التأكيد على الشراكة بين واشنطن والقاهرة. ولم تشر إلى الغارات الجوية على ليبيا ولكن أشارت إلى أن سوزان رايس صرحت بأن الولايات المتحدة الأمريكية ومصر يجب أن يتعاونا في ليبيا بهدف «معالجة التهديدات من الإرهاب وتشجيع وجود حكومة ليبية موحدة والتي يمكن أن تمثل تطلعات جميع الليبيين». وأعربت رايس أيضاً عن قلق الولايات المتحدة الأمريكية حول حقوق الإنسان والحرية السياسية في مصر.

لم تكن هناك دلائل فورية عن دول عربية أخرى استطاعت بنجاح إصلاح الشقاق. مجلس التعاون الخليجي – والذي يضم قطر وخمس دول خليجية أخرى وهم الذين دعموا السيسي – قام بنشر رسائل متضاربة على موقعه على الإنترنت فقد نشر يوم الخميس بيانين من الأمين العام للمجلس. أشار البيان الأول إلى «الجهود المخلصة التي تبذلها دولة قطر مع شقيقاتها دول مجلس التعاون والدول العربية لمكافحة الارهاب والتطرف على جميع المستويات» (وعلى ما يبدو فقد تمت إزالته)، والبيان الثاني أشار إلى دعم الإجراءات المصرية في ليبيا في حين لم يأت على ذكر قطر. وقالت الحكومة المصرية ووسائل الإعلام المصرية أن البيان الثاني يكذب البيان الأول وهو ما يشير إلى أن المجلس لم يكن يعني انتقاد الاتهامات المصرية لقطر.

وهو ما يعني أن الأطراف المعنية مباشرة سوف تكون مسؤولة عن استعادة هذا الشقاق. إما أن تفقد الدوحة ماء وجهها عن طريق التحرك نحو تخفيف حدة التوتر دون اعتذار من مصر، أو إن السيسي سوف يتحمل خسارة سياسية ويثبت انه يعطي الأولوية للتعاون الدولي على ارضاء الجمهور المحلي.