في حصادنا للعام السينمائي حول العالم نحاول دائمًا أن نقترب من المحتوى الفيلمي المقدم للجمهور، بالرصد وتقديم الترشيحات حيناً، والتحليل لما وراء المنتج الفني من أفكار في أحيان أخرى، لكننا هذه المرة وفي حصادنا للمنتج السينمائي المصري في عام 2017، نجد أنفسنا مجبرين على التركيز أيضًا على جانب آخر، وهو من يقدم هذا المحتوى.

تشهد مصر منذ ما يزيد على الثلاث سنوات محالات مستمرة لغلق المجال العام بالكامل، بعد انفراجة مؤقتة حدثت بقوة دفع ثورة يناير 2011، لم يكن المجال الفني عمومًا والسينمائي خصوصًا بعيداً عن كل هذا. من التضييق، للمنع، ووصولًا للتأميم المستتر والذي أصبح مؤخرًا بشكل شبه معلن.

رصدنا حصاد سينمات مصر في 2017، واليوم نحاول معكم الإجابة عن سؤال من وراء صنع هذا المحتوى؟


سينما السبكي: السقا يتفوق في عام تجنيد رمضان

تعود بداية عائلة السبكي السينمائية كما يعرف الجميع إلى عام 1985 حينما افتتح الحاج أحمد السبكي ناديًا للفيديو أعلى جزارة والده الحاج حسن السبكي، والحاج هنا كما يعرف الجميع أيضًا لقب يُعطى للتبجيل داخل المناطق الشعبية ولا علاقة له بمعناه اللفظي الديني، انضم محمد لأخيه أحمد وعمل النادي على تسويق أفلام الأكشن الأجنبية وخاصة أفلام بروس لي قبل أن يبدأوا مشوارهم في الإنتاج السينمائي في الفترة التي عُرفت عقب ذلك بسينما المقاولات، كان الأمر يعتمد على إنتاج أفلام دون تحضير حقيقي، تعتمد على حبكة بسيطة وكوميدية وتحتوى على عدد من المشاهد الحميمة، يتم تصنيع الفيلم سريعاً ثم يُرسل للعرض على قنوات خليجية تشترى الأفلام بالجملة وكأنها أحد أنواع البقالة.

استمرت عائلة السبكي عقب ذلك في إنتاج أفلام تعتمد على خلطة «بطل شعبي – أغنية – راقصة». كل هذا لا يمنع أن وجود هذه العائلة السينمائي قد حافظ بشكل ما على استمرار الإنتاج في مصر في فترة ركود كان من الممكن أن تؤدي لغلق المجال تمامًا، هذه حقيقية لا يمكن نكرانها حتى لو اختلفنا تمامًا مع ما يقدمونه من منتج.

انفصل مؤخرًا أحمد ومحمد ولكن لم يختلف منتجهما السينمائي كثيرًا، وفي عام 2017 تنافس الأخان – بتواجد أبنائهما ندى وكريم – على شباك التذاكر من خلال نجمي الشباك الأبرز في مصر، محمد رمضان وأحمد السقا.

دخل رمضان السباق هذا العام بفيلم مؤجل من العام الماضي وهو فيلم «جواب اعتقال» من إنتاج أحمد السبكي، من تأليف وإخراج محمد سامي، تم تأجيل الفيلم نتيجة ملاحظات وتعديلات رقابية كما تابعنا من تصريحات رمضان، ليخرج الفيلم في النهاية بصورة نمطية تمامًا في تصوير المتطرفين الدينيين وبرواية تبدو أمنية أكثر من كونها فنية.

تزامن عرض الفيلم مع التحاق محمد رمضان المفاجئ بالتجنيد الإجباري. هذا الالتحاق الذي تم تصويره إعلاميًا من البداية ليصبح رمضان عقب ذلك أيقونة للمجند المصري، قام رمضان ببطولة فيلم تسجيلي عن سلاح الصاعقة وتم عرضه في 30 يونيو 2017، كما زاد تواجده الإعلامي بالزي العسكري.

على الجانب الآخر تفوق محمد السبكي بالفيلم الذي حمل اسمه كمشرف على الإنتاج واسم ابنته ندى كمنتجة، وهو فيلم «هروب اضطراري» من بطولة السقا إلى جانب أمير كرارة وفتحي عبد الوهاب وغادة عادل، وهو العمل الأول لمخرجه أحمد خالد موسى ومؤلفه محمد سيد بشير.

لم يقدم محمد السبكي مع السقا في هروب اضطراري أي محتوى يدعي قيمة فكرية كما فعل أخوه الأكبر مع رمضان في “جواب اعتقال”، “هروب اضطراري” هو فيلم أكشن يعتمد على مشاهد المطاردات من خلال حبكة بسيطة عن جريمة قتل. انتهى الصراع إذن في حرب الجزارين بفوز الأكشن، وتبدو مقولة أحمد السبكي لمحمد رمضان لمواساته عقب الهزيمة كاشفة تمامًا عن طريقة إدارة هذه الحرب حيث يقول رمضان «الحاج أحمد السبكي قالي وأقسم بالله لو أي ممثل آخر فى العيد وظهر بدور إرهابي وذقن وعلامة الصلاة والبطلة الوحيدة محجبة مكنش جاب 4 جنيه».


هل يحارب أحمد عز الإرهاب بأموال منهوبة؟

في بداية موسم الصيف انضم أحمد عز لقائمة النجوم الذين يحاربون الإرهاب، بفيلم الخلية للمخرج الفلسطيني الأمريكي طارق العريان في تعاونه الثاني مع المؤلف صلاح الجهيني بعد فيلم ولاد رزق.

الفيلم ينتمى لنوعية أفلام الأكشن، ولكن من خلال إطار حرب الشرطة المصرية على الإرهاب، والملاحظة المتكررة هنا أن الزعيم الإرهابي يؤدي دوره ممثل سوري هو سامر المصري.

الفيلم من إنتاج شركة الريماس للإنتاج الفني لمالكها رجل الأعمال إسحق إبراهيم. الملاحظة الغرائبية هنا هي أننا عندما بحثنا عن الأرشيف الإلكتروني الخاص به وجدنا أن الخبرين اللذين يتصدران قائمة البحث هما،تحضير إسحق إبراهيم لفيلم آخر حول محاربة الإرهاب سيتم عرضه في 2018، والآخر هو تورط إسحق إبراهيم في قصية تم اتهامه فيها بالنصب ووصلت لمحكمة جنح مدينة نصر للحكم يوم الخميس 27 يوليو 2017 .

القضية وحسب بوابة أخبار الحوادث التابعة لمؤسسة أخبار اليوم تم اتهام إسحق إبراهيم فيها بالاستيلاء على أكثر من 200 مليون جنيه من أموال المواطنين بعد أن رفض تسليمهم شاليهات قاموا بحجزها منه في أحد منتجعات منطقة رأس سدر. طالب المواطنون حينها بإيقاف الأفلام التي أنتجها إسحق من خلال شركة الريماس ومنها فيلم الخلية حيث ادعوا أنها أُنتجت بأموالهم.

بمتابعة سير القضية وجدنا أن الحكم صدر بالإدانة بالحبس وكفالة 10 آلاف جنيه، وجاء بمنطوق الحكم ثبوت استيلاء شركة إسحق إبراهيم على 200 مليون جنيه من أموال المواطنين، قدم المدانون استئنافهم عقب ذلك وقضت محكمة مستأنف مدينة نصر بتأجيل حكم الاستئناف ليوم 28 يناير 2018.

يبدو إذن أن أحمد عز قد صنع فيلم حربه على الإرهاب بأموال مشكوك فيها!


ما تبقى من الكوميديا: تامر حسني يتفوق على هنيدي!

يبدو أن موجة الكوميديا التي غزت سينمات مصر منذ أواخر التسعينات تلفظ أنفاسها الأخيرة حالياً، فبعد سقوط محمد سعد المتتالي، ورحيل أشرف عبد الباقي بشكل دائم للتلفزيون ومسرح مصر، واتجاه حلمي لأفلام من نوعية أخرى، يبقى محمد هنيدي وحيداً اليوم يبحث عن فيلم يعود به لذاكرة الجمهور، هنيدي يضحكنا كثيرًا ولكن على السوشيال ميديا.

“عنتر ابن ابن ابن شداد” الذي قدمه هنيدي مع المخرج شريف إسماعيل والمؤلف أيمن بهجت قمر لم يستطع أن يتفوق على فيلم تامر حسني تصبح على خير، نجحت توليفة محمد سامي الكوميدية الرومانسية في جذب المشاهدين، بالطيع بوجود تامر حسني الذي يكمل مشواره السينمائي هذه المرة بمشاركة ثلاث بطلات هن درة ونور ومي عمر.

فيلم هنيدي هو الفيلم الأول للمنتج يوسف الطاهر مالك شركة الطاهر للإنتاج السينمائي، أما فيلم تصبح على خير فهو من إنتاج وليد منصور منظم الحفلات الذي انضم لمجتمع الإنتاج السينمائي مؤخراً.


كنز شريف عرفة: لم تنجح المحاولة!

انتظر الجميع فيلم المخرج شريف عرفة هذا العام، فهو أولًا، فيلم يشهد التعاون الأول لمخرج صاحب تاريخ سينمائي كبير، وثانيًا، لأنه يشهد تعاون شريف عرفة الأول مع المؤلف عبد الرحيم كمال، وثالثاً، لأنه يضم في بطولته محمد رمضان في دور انتظره الكثيرون جنبًا إلى جنب مع محمد سعد في دوره الجاد الأول. هذا كله بالإضافة لفريق تمثيلي يضم هند صبري وأمينة خليل وروبي.

لم يحصد الكنز نجاحاً جماهيريًا يناسب هذا الكم من النجوم، كم أنه أيضًا لم يلاق بإشادة نقدية، ليبدو أن مهمة المنتج وليد صبري مالك شركة الإخوة المتحدين صعبة للغاية في إنتاج جزء ثان لفيلم لإكمال حكايته.


سينما ريد ستار: الأصليين وفوتوكوبي

استحقت شركة ريد ستار أن تظهر كاسم جديد في حصاد هذا هذا العام، ريد ستار شركة إنتاج سينمائي جديدة خرجت للنور في عام 2015 بإنتاجها لفيلم نوارة من تأليف وإخراج هالة خليل وبطولة منة شلبي، تحدث المدير التنفيذي للشركة صفي الدين محمود في مهرجان الجونة السينمائي عن اختيارهم لهذا الفيلم كبداية للشركة معبراً أن السبب الرئيسي وراء ذلك أن الفيلم يتحدث عن قيمة العدالة الإجتماعية التي نادت بها ثورة يناير 2011.

اختارت ريد ستار هذا العام أن تقدم فيلمين حاولت فيهما الجمع بين القيمة الفنية وعنصر الجذب الجماهيري، وهما فيلم الأصليين للمخرج مروان حامد والكاتب أحمد مراد، وفوتوكوبي للمخرج تامر عشري والكاتب هيثم دبور .

تجربة الأصليين جاءت مغايرة لعمل مروان حامد وأحمد مراد السابق، الفيل الأزرق، فهنا تدور الحكاية في جو كوميدي ساخر، عن نص سينمائي لم ينشره مراد كرواية من قبل. قدم ماجد الكدواني أداءً سلساً ومتميزًا في دور البطولة بجانب خالد الصاوي، حظي الفيلم بتقييمات متناقضة، ولكني أراه كواحد من أفضل أفلام العام في مصر، حيث نرى هنا معالجة ذكية للغاية لهاجس المراقبة في مجتمع مصري نعاني فيه من هواجس الشيفونية والوطنية الزائفة، الجدير بالذكر أن الاسم الأول للفيلم كان «ما لا تعرفه عن بهية».

أما فيلم فوتوكوبي فهو تجربة سينمائية أولى لتامر عشري وهيثم دبور، وهو فيلم يحتفي بالحب والسينما ونوستالجيا أحياء القاهرة، بحبكة بسيطة عن حبيبين كبار السن قام بدوريهما محمود حميدة وبشكل مفاجئ شيرين رضا. فاز الفيلم بجائزة أفضل فيلم عربي في مسابقة الدورة الأولى لمهرجان الجونة.


شيخ عمرو سلامة وشيخ إبراهيم عيسى

في تيمة الحرب على الإرهاب أيضا يظهر فيلمان يدوران بعيداً عن الرواية الأمنية وبشكل يميل أكثر نحو ما وراء هذه الحرب من أفكار دينية، الفيلمان هما الشيخ جاكسون للمخرج عمرو سلامة عن قصته وبمشاركة الكاتب عمر خالد، ومولانا فيلم المخرج مجدي أحمد علي عن قصة الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى.

في مولانا تسيطر رؤية إبراهيم عيسى على المشهد، فنشاهده وكأنه ارتدى العمامة وأصبح شيخًا وخطيبًا مفوهًا، وعلى الرغم من قوة نص عيسى إلا أنه طغى على الرؤية السينمائية لمجدي أحمد علي فخرجنا في النهاية بفيلم متوسط المستوى. الجدير بالذكر أن الفيلم هو التجربة الإنتاجية الثانية لرجل الأعمال أمجد صبري عقب تجربته الأولى في فيلم هيبتا.

أما في شيخ جاكسون فيقدم لنا عمرو سلامة حكاية شبه ذاتية عن إمام مسجد تذكره وفاة ملك البوب مايكل جاكسون بشغفه القديم بالموسيقى، يقدم سلامة هنا أقرب أعماله السينمائية لمشواره الشخصي، في صراع مستمر بين الخوف من الموت وحب الحياة، قدم سلامة أحمد الفيشاوي وأحمد مالك وماجد الكدواني في أدوار تمثيلية متميزة تحسب له كما تحسب لهم، ولكنه يعاب عليه فجوات الحبكة والسيناريو. الفيلم من إنتاج المخرج والمؤلف المصري محمد حفظي، وقد ترشح الفيلم ليمثل مصر في سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي ولكنه لم يصل للقائمة القصيرة.


أخضر يابس: سينما مستقلة تصل للشاشة أخيراً

يظهر أخيرًا في نهاية العام فيلم «أخضر يابس» كخبر سعيد لمحبي السينما في مصر، دلالة أخضر يابس ليس في مستواه الفني ولكن في قدرة فيلم مستقل بشكل شبه مكتمل في الوصول لشاشة السينما.

الفيلم من تأليف وإخراج محمد حماد، وهو فيلمه الطويل الأول، صنعه حماد بإنتاج ذاتي وساعده في المراحل النهائية المنتج المصري محمد حفظي، عُرض الفيلم في مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي، كما فاز بجائزة أفضل مخرج من مهرجان دبي السينمائي في نهاية العام الماضي.

وصل الفيلم – الذي قدم فيه حماد مجموعة متكاملة من الوجوه الجديدة غالبيتهم من أصدقائه وعائلته- أخيرًا لشاشة السينما في مصر من خلال سينما زاوية التي تمثل حاضنة الأفلام المستقلة وذات الطابع غير التجاري في المجتمع المصري حاليًا.


ماذا بعد: مهرجانات ومخابرات وأشياء أخرى

العام القادم سيضم وبلا أي شك أفلامًا جديدة لعائلة السبكي، وأفلامًا جديدة في الحرب على الإرهاب، أفلام جديدة لتامر حسني ومحاولات جديدة لمحمد هنيدي، ولكن الخبر الجديد هو أفلام شركة «مصر للسينما» الشركة التي تم إنشاؤها من خلال شركة إعلام المصريين لمالكها أحمد أبو هشيمة قبل أن تشتريها وبشكل مفاجئ شركة «إيجل كابيتل» التي تترأس مجلس إدارتها وزيرة الاستثمار السابق داليا خورشيد وهي عبارة عن شركة استثمار تابعة بشكل مباشر لجهاز المخابرات العامة المصرية كما كشف أحد تحقيقات موقع «مدى مصر» مؤخرًا.

شركة مصر للسينما – التي أعلنت مؤخرًا تعيين المهندس أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون في عهد مبارك رئيسًا لمجلس إدارتها- ستقدم لسينمات مصر في 2018 فيلم سري للغاية من تأليف وحيد حامد وبطولة محمد رمضان وعادل إمام وآخرين، الفيلم تدور أحداثه عن الفترة التي شهدت خلع محمد مرسي إبان أحداث 30 يونيو. قام رمضان بتصوير مشاهده في الفيلم أثناء فترة تجنيده الإجباري.

أعلنت الشركة أيضًا عن فيلم آخر من بطولة محمد رمضان ومن تأليف الكاتب محمد سليمان، الذي تعاون مع رمضان من قبل في فيلم شد أجزاء الذي قام فيه رمضان بدور ضابط شرطة.

على جانب آخر سيظهر محاولات أخرى للإنتاج السينمائي من شركة ريد ستار، ومن شركة فيلم كلينك المملوكة لمحمد حفظي، وبشكل قريب من هذه المجموعة يظهر مهرجان الجونة السينمائي كاسم بارز جديد في الأجندة السنوية السينمائية المصرية، خاصة أن المهرجان يقدم من خلال أحد أقسامه جوائز مالية لتطوير مشروعات أفلام شبابية جديدة.

يبدو إذن أن المجال السينمائي المصري يشهد صراعاً من نوع خاص، حيث يكافح مجموعة من الفنانين وصناع السينما المستقلة من ناحية، وتستمر حرب تكسير العظام بين مجموعة من رجال الأعمال القدامى وشركات جديدة تملك في أجندتها هوية مخابراتية وأمنية.