منذ أن بدأت الحرب على غزة في أكتوبر 2023، يوجد تعتيم إعلامي كبير على المنصات الإعلامية الكبرى أو منصات التواصل الاجتماعي ومناصرة واضحة وفجة للكيان الصهيوني، وفي ظل التواطؤ الكبير لكثير من الدول العربية والغربية، رأت مجموعة من صناع المحتوى المصريين والعرب بضرورة أن يكون لهم دور في نشر الوعي وتسليط الضوء على القضية، فغير كثيرون منهم نشاطهم الأساسي في صناعة المحتوى الذي يتخصصون فيه، ونشروا محتوى داعمًا للقضية الفلسطينية بطريقتهم الخاصة، التقت إضاءات بأربعة صناع محتوى مصريين وتحدثنا معهم عن بعض تفاصيل نشرهم للمحتوى وطرق دعمهم، وتفاصيل أخرى.

إيمان صبحي: التضامن بـ «الإضراب»

كانت البداية مع إيمان صبحي، 28 عامًا، وهي صانعة محتوى مصرية ومقدمة سلسلة فيديوهات بعنوان ماذا لو؟ وفيها تطرح سؤالًا وتجيب عليه في كل فيديو، منذ أن بدأت الحرب تحاول إيمان متابعة الأحداث واستغلال عدد متابعيها لنشر الوعي الفلسطيني، تقول إيمان «أنشر لأن لدي متابعين كثر من غزة ولا يجب أن أتركهم في محنتهم وحيدين، وأنشر لأني أخاف أن يفقد الناس الاهتمام بالقضية بسبب طول مدة الحرب» فاستمرار نشري وصناع المحتوى يساعد على إبقاء الاهتمام مستمرًا.

 تركز صبحي على نشر التوعية، والتضامن، وإيصال رسالة للعالم لذا، بجانب نشرها للمحتوى الداعم أضربت إيمان عن الطعام، لمدة زادت عن الـ 10 أيام، ونشرت الفكرة بين جمهورها، وقام 58 شخصًا من متابعيها بالإضراب عن الطعام أيضًا تلبية لدعوتها، لمن يستطيع ذلك، وقد فعلت إيمان ذلك لأنها ترى أن أساليب المقاومة كثيرة، «قررت أن أختار طريقة مقاومة أخرى بها تضامن مع تجويع الشعب الفلسطيني» رغم كم التعليقات السلبية التي تتلقاها على هذا الأمر.

«ترى إيمان أن الإضراب وسيلة مقاومة، عن طريق توجية الإضراب للرأي العام العالمي، وبالفعل نَشرت بعض الصحف الأجنبية عن إضراب إيمان، التي ترى أن ما تفعله هو محاولة دفاع مع أنواع مختلفة من المقاومة تساعد على المساعدة في تحسن وضع الفلسطينيين وحريتهم، وتؤكد أنها ليست خارج الصراع الجاري في غزة الآن وما يحدث، «أنا مصرية عربية والفلسطينيون في غزة عرب مثلي ويمكن أن تمتد الحرب لنا، أو تؤثر علينا بشكل أو بآخر أو أن تتحول هذه الحرب إلى حرب إقليمية».

مريم: ضد الخوارزميات

مريم سوليكا، 24 عامًا، مصرية مقيمة في الإمارات، ومؤسسة منصة The Good News التي تنشر من خلالها الأخبار الإيجابية التي تحدث في العالم العربي، مع تصاعد الأحداث خلعت سوليكا عباءة برنامجها، استثناءً بسبب الظروف غير المسبوقة للحرب، التي ترى مريم أنه من الواجب نقلها فهذه هي قضيتنا التي تربينا عليها جميعًا، كما تقول.

 لدى مريم فريق يعمل على مدار الساعة لنشر المحتوى، الذي تحاول من خلاله توضيح الآليات الإعلامية الإسرائيلية لتوصيل رسالتهم وجلب التعاطف معهم، رغم تعنت الخوارزميات وحذف أنستجرام لمحتواها، وتحاول أن تركز على بعض الأخبار ذات الأمل، مثل المواقف الإنسانية في غزة أو عودة مفقود لأهله أو غيرها من المحتوى الشبيه.

تنشر مريم محتوى باللغتين العربية والإنجليزية، لتعرف العالم على ما يجري، وبخاصة لأن لديها جمهورًا متنوعًا من بلدان مختلفة أجنبية، وتتلقى منهم تعليقات إيجابية ويشكرونها على توضيحها وشرحها، ولكن هناك تعليقات من داعمي الاحتلال تصلها كذلك ولكن لا تثنيها عن عزمها.

مصدرها الأول، هو شهود العيان والصحفيون في غزة وتغطيات الوكالات الإخبارية، والجهات الفلسطينية الرسمية، ورغم استمرار العدوان والإنهاك النفسي الذي أصاب مريم، فإنها تواصل ما بدأته وتشعر أنه واجب عليها وبخاصة بعد أن قتل الكثيرون على يد إسرائيل «لدي أصدقاء في غزة، أسرهم ماتوا تمامًا، شعرت بالغضب والقهر، لذلك أقوم باستخدام الأداة الوحيدة التي أمتلكها» تقول مريم.

مي جمال: تجاهل الحديث عن فلسطين «خِسة»

أخصائية التغذية مي جمال، التي تنشر محتوى خاص بالتغذية والصحة بشكل مستمر، شعرت من البداية بواجب أخلاقي لتسليط الضوء على ما يحدث، ورأت أنه من الخسة والندالة أن تستمر في نشر محتواها اليومي دون اعتبار لما يحدث، وتضيف «ما يحرك مشاعري كذلك، كمية الفقد في الأسر والأطفال الذين قتلوا، يشعرني ذلك بالمرارة والأسى».

تعيد مي نشر محتوى فلسطيني تم نشره من قبل حسابات فلسطينية، يسلط الضوء على خبر أو فكرة معينة، وبخاصة أن بعض الفلسطينين يرسلون لها هذا المحتوى لتنشره لديها، لأن لديها جمهورًا كبيرًا، لتساعدهم على نقل صوتهم للعالم.

كما تشارك مي في بعض فعاليات التبرع لغزة وتدعو للمقاطعة التي ترى أنها من أهم الأسلحة «يجب ألا نغذي قتل ودماء إخوتنا بدعمنا لاقتصاد الكيان الصهيوني والدول الداعمة، هذه أبسط حقوقهم علينا».

تعاني مي من كم كبير من التقييد على المحتوى، ويوميًا يحذف أنستجرام لها فيديوهين على الأقل من محتواها بسبب احتوائه على العنف، ولكنها مستمرة لشعورها بالواجب والمسؤولية حول ما يحدث.

بولا: الدفاع عن فلسطين باليونانية

بولا سالم، 35 سنة، صانع محتوى متعلق بالسفر واللايف ستايل، وهو مصري يوناني، ولأنه يتكلم اليونانية ولديه خلفية جيدة عن اليونان وتاريخها، شجعه ذلك على نشر محتوى فلسطيني باليونانية لنشر القضية وما يحدث على الأرض لمساحة أوسع، واكتشف أن عددًا كبيرًا من اليونانيين لا يعرفون الكثير عن القضية الفلسطينية، لذلك حاول أن يربط بين المقاومة اليونانية وقت الإمبراطورية العثمانية مع المقاومة الفلسطينية ويتحدث عنهم وكان الرد إيجابيًا «لاحظت بعض تغريدات اليونانيين يتحدثون عن نفس النقطة، وهنا بدأت أشعر برد فعل إيجابي واستمريت رغم شعوري بالإحباط وعدم الاكتراث من الجمهور في البداية» يقول بولا للمنصة.

على عكس باقي المؤثرين، ينشط بولا أكثر على منصة إكس، تويتر سابقًا، التي يقل فيها التقييد على المحتوى، ويلاحظ ذلك بالفعل، فكثيرون يتفاعلون مع تغريداته سواء في مصر أو اليونان، ويجد أن تغريداته تتصدر وسوم إكس في اليونان، ويرجع بولا الفضل للمتابعين الذين دعموا المحتوى بالمشاركة وإعادة النشر ويعول على دورهم كثيرًا، كما يثمن ويقدر كل الأدوار لدعم القضية الفلسطينية، بدءًا من تربية أطفالنا على الوعي بهذه القضية، إلى أي عامل يحمل المساعدات في الطريق إلى غزة.

وبالرغم من وجود بعض التعليقات السلبية فإن بولا يرد فقط على الأسئلة الجادة التي يرغب أصحابها في الفهم، فيفتح النقاش ويعطي مساحة لمشاركة الآراء التي يمكن أن تفضي بالفهم للوضع الحرج.

التحدي الأبرز الذي يواجه بولا حاليًا هو حالته النفسية التي تتأثر بسبب مشاهدة كم القتل والمذابح التي تتم في فلسطين، ويتحتم عليه مشاهدة كافة المشاهد قبل التعليق عليها أو محاولة نقل أخبارها إلى اليونانية، ولكنه يرى أن هذا أقل ما يمكنه تقديمه وبخاصة مع شعوره بالعجز. كذلك، يحلم بولا بزيارة فلسطين، وحتى يحدث ذلك، سيظل يتحدث عنها للأبد.