ينعقد المؤتمر الاقتصادي المصري في شرم الشيخ في 13-15 مارس/آذار الجاري، مع التركيز بشكل رئيسي على ترويج الفرص الاستثمارية للمستثمرين الأجانب، وتنظر الحكومة المصرية للمؤتمر باعتباره عنصراً هاماً في استراتيجية التحسين الاقتصادي من خلال جذب استثمارات القطاع الخاص وإتمام تعاقدات لحوالي 20 إلى 30 مشروع ضخم بهدف جمع 60 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في السنوات الخمس المُقبلة لإغلاق فجوة الموارد في مصر.

ووفقاً للبيانات الصادرة عن الموقع الإلكتروني للمؤتمر، نجد أن مشروعات الطاقة والبترول تستحوذ على 26% من المشروعات المطروحة و 26% لمشروعات الإسكان، ويأتي قطاع الاتصالات في المرتبة الثالثة بنسبة 9% ثم السياحة بالنسبة ذاتها، مع الترويج لنحو 40 مشروعاً للاستثمار، منهم 9 مشروعات عمرانية وأربعة مشروعات لمنتجعات سياحية ضخمة، فضلاً عن عدد من المشاريع القائمة في مراحلها المبكرة كمشروع تطوير قناة السويس، وقدمت الحكومة العديد من الضمانات لإرسال إشارات إيجابية إلى الحكومات والمؤسسات المالية الأجنبية، والمجتمع الاستثماري من خلال عدد من التشريعات الجديدة بهدف إنجاح المؤتمر.

وتقوم الحكومة حالياً بالتركيز على تطوير مشاريع البنية التحتية الضخمة، مثل التوسع في قناة السويس، التي تهدف إلى مضاعفة الطاقة اليومية للعبور في الممر المائي الاستراتيجي، وإطلاق مركز صناعي وتوفير الخدمات اللوجستية المرتبطة بها التي من شأنها تشجيع النمو في منطقة القناة.

والاستثمار في مشروعات البيئة التحتية يسهم بشكل رئيسي في توفير بيئة استثمار واسعة من شأنها جذب المستثمر الأجنبي. ففي ديسمبر 2014، أعلنت بريتيش بيتروليوم البريطانية عن خطط لاستثمار 12 مليار دولار في مصر خلال السنوات الخمس المقبلة، ومضاعفة إمدادات الغاز للسوق المحلية. وفي يناير 2015 أعلنت شركة نستله السويسرية عن خطط لاستثمار 138 مليون دولار لخلق قاعدة صناعية للمنتجات الجديدة في أعمال التغذية والصحة. وفي الشهر ذاته، استحوذت شركة كيلوج الأمريكية على حصة أغلبية في بسكو مصر، وتلك الخطوة تشير إلى تخطيط كيلوج لتنمية أعمالها في منطقة شمال إفريقيا، والإنضمام إلى مجموعة من شركات السلع الاستهلاكية التي اتجهت للاستثمار في مصر بما في ذلك شركة كوكا كولا، بيبسي والمراعي في المملكة العربية السعودية.


حجم الاستثمار الأجنبي في مصر

أسهم التباطؤ الاقتصادي العالمي وعدم الاستقرار السياسي المحلي في تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر إلى نحو 2,2 مليار دولار خلال العام المالي 2010-2011 من مستوى 13 مليار دولار في عام 2007-2008 ولكنه ارتفع مجدداً في العام 2013-2014 إلى أكثر من 4 مليارات دولار. وبلغ إجمالي حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر 1,8 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي الجاري 2014/2015، وتستهدف مصر الوصول بحجم الاستثمارات الأجنبية المباشر إلى ما بين 8 و 10 مليارات دولار سنوياً

وذلك الانتعاش يرجع الفضل فيه جزئياً إلى الانتقال إلى تسوية دستورية جديدة، ولكن وجود رئيس للبلاد وحده لا يكفي لتجدد الثقة في البيئة الاستثمارية المصرية. فالاستقرار دون النمو الذي يمس جميع مستويات المجتمع من شأنه أن يعرقل الكثير من الخطط الاستثمارية للعديد من الشركات العابرة للحدود التي تلقي بأعينها على المجتمع المصري.

ففي عام 2014، احتلت مصر المرتبة الـ 94 في مؤشر الشفافية الدولية من بين 175 بلداً. ويعد ذلك تحسناً عن العام السابق، عندما احتلت مصر المرتبة 114 من بين 175 دولة، وبالمثل، في عام 2015، احتلت مصر المرتبة 112 من 189 دولة في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، تحسناً نقطة واحدة من عام 2014، وحتى الآن لا تزال تلك المؤشرات على درجة تعكس أن مصر تواجه تحديات كبيرة.

المؤتمر الاقتصادي فرصة لجذب إستثمارات أم نقود ساخنة:

بعد أن كان قانون الاستثمار المصري مشكلة أساسية بالنسبة للأجانب، في النزاعات التجارية بسبب البيروقراطية المتضخمة في مصر، تم إقرار القانون الجديد في بداية مارس الجاري بما يضمن للمستثمرين زيادة الحماية من خلال ضمان قانون الاستثمار الخروج الآمن للمستثمرين من المشاريع الفاشلة. وقبل ساعات من إنطلاق المؤتمر الاقتصادي أصدر السيسي عدداً من القرارات فيما يخص قانون شركات المساهمة والتوصية، الضريبة العامة على المبيعات، قانون ضمانات وحوافز الاستثمار، وقانون الضريبة على الدخل الصادر.

وشملت القرارات عدداً من المزايا للمستثمرين الآجانب، تضمنت؛ حق الشركات بتملك الأراضي والعقارات أياً كانت جنسية الشركاء أو المساهمين أو محال إقامتهم، الحق للبضائع التي تصدرها مشروعات المناطق الحرة للخارج أو التي تستورد في الإعفاء الكامل من الجمارك والضرائب بأ نوعها (عامة- مبيعات) وأي رسوم مقررة، تسوية المنازعات الاستثمارية بالطريقة التي يتم الاتفاق عليها مع المستثمر، أو وفقًا لأحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية.

لذلك من المتوقع أن يسهم المؤتمر في زيادة حجم الاستثمارات الواردة إلى مصر، ولكن ستتركز تلك الاستثمارات في مجالات بعينها كالعقار والبتروكيماويات والاتصالات، ومعظمها قطاعات تعتمد على التكنولوجيات الحديثة التي تُجلبها معها الشركات العابرة للحدود، دون تنوع أو انعكاس على التنمية والعدالة والتشغيل. فالاستثمارات المتوقع جذبها لا تضمن خلق فرص عمل تستوعب نحو 600 ألف شاب يقفون في صفوف الراغبين في العمل سنوياً، وزيادة الحصيلة الضريبية التي لن تتحقق في ضوء الحوافز الضريبية الكثيرة التي يوفرها قانون الاستثمار الجديد للمشروعات الوافدة، بالإضافة إلى أن المؤتمر يركز على زيادة موارد النقد الأجنبي لضبط مشكلات ميزان المدفوعات دون التركيز على حل المشكلات الأساسية التي يعاني منها المجتمع المصري وأهمها البطالة.

فقبل أيام من المؤتمر أعلنت الحكومة عن إبرام اتفاق مع شركة «بريتش بيتروليوم» البريطانية بقيمة 12 مليار دولار، يقضي بمنح الشركة البريطانية حقوق التنقيب عن النفط والغاز في الأراضي المصرية، وجاء إبرام الاتفاقية بعد سعي الشركة البريطانية إلى تلك الاتفاقية منذ سنوات، بما يخلق سيطرة كاملة للشركة أجنبية على مجال الطاقة، حيث تجعل الاتفاقية الأخيرة السيادة الكاملة على حقول النفط والغاز لشركة «بريتش بيتروليوم» وليس الحكومة.

وسبق أن توصلت الشركة لاتفاق مع الحكومة المصرية في مايو/أيار 2010، يتم بمقتضاه تعديل نظام التنقيب وإنتاج الغاز الطبيعي في حقل الشركة بشمال الإسكندرية، بما يؤدى إلى إنهاء العمل بنظام تقاسم الإنتاج مع الشركة، وتحوَل الهيئة العامة للبترول إلى مستورد داخلي للكميات المنتجة من ذلك الحقل وفقاً لسعر يتفق عليه الطرفان بما يحقق عائداً استثمارياً مناسباً للشركة والتي طالبت خلال عام 2011 بزيادته من 4.5 دولاراً إلى 7 دولاراً. مما يُعني أنه قد يكون هناك هيمنة من الشركات العالمية على القطاعات الحيوية داخل الاقتصاد المصري مما يجعله رهن السياسات التجارية وليست الاقتصادية لتلك الشركات.


نجاح المؤتمر فرصة لنظام السيسي

لا شك أن المؤتمر سينقل مصر إلى خريطة الاستثمار العالمي، مع التركيز على الفرص المتاحة لاستخدام رأس المال المحلي والدولي، وتقدم مصر في العديد من القطاعات الرئيسية للاقتصاد. وبقدر ما يعتبر نجاح المؤتمر الاقتصادي فرصة حقيقية لجذب المزيد من الاستثمارات الخليجية والأجنبية لمصر، فيعتبر أيضاً أداة مهمة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي لإثبات قدرة النظام على تحقيق نوعاً من الإنجازات المهمة التي وعد بها منذ توليه حكم البلاد.

فقد جاء السيسي إلى السلطة في يونيو/حزيران 2014 باثنين من الوعود الرئيسية للمواطن المصري؛ أولهما: استعادة الاستقرار والأمن في الشارع المصري، وثانيهما: تحسين الظروف الاقتصادية العصيبة التي يعيشها أكثر من ثلثي الشعب المصري. ويعتبر ذلك المؤتمر، الذي ينعقد في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الضعيفة في مصر والمنطقة العربية، كخطوة هامة للرئيس السيسي لتحقيق الوعود.

وعملت الحكومة القائمة منذ تولي السيسي مقاليد الحكم، على وضع عدد من الإصلاحات لتحسين دعم المواد الغذائية للمواطن، ومن الأمثلة الناجحة لذلك هو نظام البطاقة الذكية الجديدة التي خفضت الفساد إلى حد ما وشجعت المساءلة والكفاءة.

فنظام السيسي قدم الكثير من المحفزات التي من شأنها تشجيع رجال الأعمال من جميع دول العالم وفي مقدمتهم الشركات البريطانية والأمريكية، فضلاً عن الشركاء من دول الخليج، إلى السوق المصرية، مما يحسن من صورة النظام أمام دول العالم وإثبات مدى قدرته على خلق تقدم في تحسين الوضع الاقتصادي المصري.

ويعطي قانون الاستثمار الجديد مجموعة واسعة من الحوافز الاستثمارية، كإجراءات تحصين العقود المبرمة بين الحكومة والمستثمر عن طريق السماح لطرفي التعاقد فقط بالطعن دون تدخل الأطراف الثالثة وكانت تلك هي الشكوى الرئيسية من المستثمرين، كما يُعطي القانون حماية للمستثمر من المحاسبة القضائية من خلال تكثيف الاعتماد على اللجوء إلى آليات فض المنازعات المستقلة عن القضاء المصري، وكذلك يتيح القانون الجديد لأول مرة مشاركة القطاع الخاص في إنتاج الطاقة.

ويهدف نظام السيسي، إلى جعل المؤتمر الاقتصادي وسيلة للترويج لفكرة تحويل مصر إلى مركز لوجيستي عالمي، بما يساعد في إعادة العلاقات الثنائية بين مصر والكثير من دول العالم والتي تراجعت بشكل كبير منذ قيام الثورة في 25 يناير وما تبعها من اضطرابات سياسية وأمنية على مدى الأربعة سنوات الماضية.

وبعيداً عن إصلاح الإعانات التي قام بها نظام السيسي، يحتاج الاقتصاد المصري إلى تحقيق شيء أكثر بكثير وهو تحدي خلق فرص عمل حقيقية وخاصة للشباب، فذلك يعتبر تحدياً هائلاً بالنسبة لبلد ثلثي سكانها تحت سن 35، وبالإضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، فمصر تكافح أيضا تهديدات الإرهاب العنيفة.


الاستقرار السياسي والأمني شرط لتحقيق أهداف المؤتمر

ربما تفوق مصر معظم دول العالم من حيث العائد على الاستثمار وارتفاع معدلات الطلب في ظل انخفاض تكاليف الإنتاج وغيرها من المعايير الرئيسية لجذب الاستثمارات الأجنبية، إلا أن الهواجس الأمنية لدى المستثمر تدفعه إلى التخلي عن هدف الربحية بالبحث عن مكان استثماري آخر أكثر أمناً وأماناً.

فجميع أساسيات التنمية الاقتصادية السليمة تتوافر في مصر، بدءًا من عدد سكانها بما يقرب من 90 مليون شخص، نصفهم من الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و44 عاماً. وتتمتع مصر بموقع استراتيجي فريد، يربطها من أفريقيا إلى آسيا فضلاً عن قناة السويس الجديدة التي ستسمح قريباً بحركة المرور في الاتجاهيين إلى الأسواق العالمية في أوروبا والشرق الأقصى. ومصر متعددة اتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، ومجلس التعاون الخليجي والدول الافريقية.

ولكن هل تتوافر بمصر عوامل الجذب الاستثماري الحقيقية التي تسهم بشكل رئيسي في إنجاح الأهداف التي أُقيم من أجلها مؤتمر «المانحين»، كما أسماه الملك الراحل عبدلله ملك المملكة العربية السعودية السابق، هل تنعم مصر بالديموقراطية الحقيقية وإحترام حقوق الإنسان في ظل الاستمرار في إستخدام القوة المفرطة ضد المعارضة السياسية والمجتمع المدني منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في يوليو/تموز 2013.

فما زال هناك غياب لقواعد الديمقراطية والمشاركة والشفافية والمساءلة، التي تشكل عناصر العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع، بل وتم إصدار مجموعة من التشريعات والقوانين التي تشكل عناصر أساسية للرؤية الاقتصادية للدولة، دون وجود برلمان منتخب ودون شراكة مجتمعية تذكر. فلم يعرض قانون الاستثمار لمراجعة مجتمعية جادة، بل لم يتمكن المستثمرون أنفسهم من مراجعة القانون ولائحته التنفيذية الكاملة الذي صدر قبل انعقاد المؤتمر بوقت قليل.

واستنزف الفساد المستشري والمحسوبية، وضعف التشريعات، كثيراً من سُبل نمو الاقتصاد المصري على مدى أجيال، فقد كان أحد متطلبات الشعب المصري منذ قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني توفير العيش والعدالة الاجتماعية، وبالفعل وفرت الحكومة المخابز والعيش الرخيص لتغذية الجمهور. لكن في الوقت ذاته غابت أسس العدالة الاجتماعية والأمن المجتمعي.

فخلال الأسابيع القليلة الماضية، شهد الشارع المصري العديد من سلسلة تفجيرات بالقرب من مكاتب شركات أجنبية ومراكز تجارية ومراكز الشرطة، والتي من شأنها أن تعطي إشارات إلى المستثمرين والشركاء الأجانب بعدم استقرار البيئة الأمنية الأمر الذي يؤثر على قرار الاستثماري لشركات الأجنبية بالاستثمار في مصر.


تأجيل الانتخابات البرلمانية أمر على الحياد

لايزال المناخ السياسي في مصر مضطرباً ولا تزال الأوضاع الأمنية غير مستقرة، وفي أوائل مارس الجاري جاء قرار اللجنة العليا للانتخابات المصرية بتأجيل الانتخابات البرلمانية المحددة بجداول زمنية سلفاً إلى حين إجراء تعديل تشريعي جديد. وذلك الأمر يُعني مد الفترة الزمنية لغياب سلطة تشريعية في البلاد، اتي أتاحت للرئيس السيسي ومن قبله عدلي منصور، تمرير الكثير من القوانين، في ظل غياب البرلمان، وكل تلك القوانين يجب أن يعاد النظر فيها من قبل البرلمان المنتخب في غضون 15 يوماً من دورته الأولى، والآن من غير الواضح متى سيكون هناك برلمان.

وبعكس ما أكد عليه بعض رجال الأعمال، كمحمد السويدى، رئيس اتحاد الصناعات المصرية، بأن تأجيل الانتخابات يستهدف توجيه رسالة بأن مصر دوله تحترم القانون وأحكام القضاء، نجد أن الدعوة للمؤتمر الإقتصادى في حد ذاتها ما كانت لتنجح سوى بالإعلان في أواخر ديسمبر 2014 عن الخطة الزمنية لإجراء الانتخابات البرلمانية، فتأجيل الانتخابات يُعطي إشارة بصدور قرارات عشوائية غير مدروسة. وإن كان من غير المتوقع أن يؤثر تأجيل الانتخابات على قرار المستثمرين تجاه الاستثمار مصر لأن قراراتهم مأخوذة إلى حد كبير في ضوء قراءة جيدة للأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد. وقد يكون تأجيل الانتخابات فرصة جيدة للحكومة لإعادة صياغة قوانين الانتخابات على نحو لا يسمح بإلغائها مرة أخرى.


تأثير المساهمة الاقتصادية للجيش على فرص الاستثمار

تُقدر حصة الجيش من الاقتصاد المصري بما يزيد عن الثلث تقريباً، وتزايد حجم أعمال الجيش في المشروعات الاقتصادية منذ يوليو/تموز 2013، ودخل كشريك في عدد من المشروعات، أبرزها مشروع إسكان متوسطي الدخل بقيمة 40 مليون دولار مع شركة «أرابتك» الإماراتية، قبل أن ينسحب منه في نوفمبر 2014 بقرار من الرئيس عبد الفتاح السيسي وتحل وزارة الإسكان بديلاً لها، كذلك يشترك الجيش في أعمال تنفيذ مشروع قناة السويس الجديدة، ومشروعات إقامة شبكات من الطرق والمساكن في مختلف أنحاء مصر.

ويبدو أن هناك تخوف من رجال الأعمال، سواء المحليين أو الأجانب، جراء مساهمة الجيش في المشروعات الاقتصادية، مما يهدد مصالح القطاع الخاص في حال استمرار الجيس في تنفيذ تلك المشروعات. فجميع شركات وأعمال الجيش تحصل على إعفاء كامل من الضرائب والجمارك، بما فيه إعفاء منشآت الجيش الاقتصادية من الضرائب العقارية المفروضة على كافة المنشآت الاقتصادية الأخرى، بما يعني أن شركات الجيش سيكون لديها مزايا تنافسية عن أية شركة أخرى سواء مصرية أو أجنبيه وهي عدم تحمل عبء تسديد ضرائب على أرباحها، فضلاً عن أن العمالة داخل معظم المنشآت الاقتصادية التابعة للجيش هم من المجندين داخل الجيش المصري ومن ثم لا يتقاضون أجراً مما يخفض من التكاليف الثابتة للمنشأة مقابل الارتفاع المستمر في أجور العمال داخل المنشآت الاقتصادية الأخرى، الأمر الذي يسمح لها بتقديم منتجاتها بأسعار أقل من الشركات الأخرى.

فالجيش لابد أن يتدخل بالعمل في القطاع الاقتصادي في إطار ما يحقق احتياجاته والأمن المجتمعي في المشروعات غير الهادفة للربح، حتى لا يصبح اقتصاداً موازياً للدولة. فالقطاع الخاص عانى على مدى الأربعة سنوات الخيرة من ضعف البيئة الاستثمارية في مصر، علاوة على أنه لا يتمتع بنفس المزايا التنافسية التي تتمتع بها مشروعات الجيش، لذا لابد من تحديد الدولة لتوجهها فيما يخص مساهمة الجيش في القطاع الاقتصادي خلال المرحلة المُقبلة حتى يطمئن الشركاء الأجانب من عدم وجود منافس لديه كافة المزايا التنافسية داخل السوق المصري.


تأثير تطورات المنطقة على الدعم الخليجي لمصر

لابد من التفاؤل الحذر بنجاح المؤتمر، فالحكومة الحالية ملتزمة بتحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي. ومع ذلك، وكما أشار صندوق النقد الدولي، أن النجاح الراهن الذي تحققه الحكومة يأتي يعتمد بشكل أساسي على الدعم الخارجي.

فمنذ تمت الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في يوليو/تموز عام 2013، أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وغيرها عن دعم الاقتصاد المصري بنحو 23 مليار دولار في المساعدات المالية، ووفقاً لبيانات وزارة المالية حصلت مصر على 10,7 مليار دولار فقط بنهاية العام المالي 2013-2014، توزع بين 6 مليار دولار ودائع، و3,7 مليار دولار مساعدات نفطية ومليار دولار منحة لا ترد.

ويلقي التأثير السلبي لانخفاض أسعار النفط على الدول الخليجية بظلاله على الاستثمارات الخليجية في مصر، وعلى حجم المنح والدعم من الحكومات الخليجية، خاصة وأن العائدات النفطية لدول مجلس التعاون الخليجي الست تشكل 46 % من الناتج المحلي الإجمالي.

وتراجعت أسعار النفط بأكثر من 45 % من مستوياتها في يونيو 2014، قبل 8 شهور، ليصل سعر برميل خام «برنت» إلى أدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2009. ويهدد انخفاض أسعار النفط، مستقبل الموازنات العامة للدول الخليجية الداعمة لمصر، مثل السعودية والكويت والإمارات. فتلك الدول التي دعمت مصر مالياً منذ 30 يونيو/حزيران 2013، تعاني أزمات اقتصادية هيكلية، على رأسها السعودية، التي قد تضطر شركتها الحكومية «أرامكو» إلى إلغاء مشاريع قطاع النفط والغاز بنحو تريليون دولار على مستوى العالم، خلال العامين المقبلين، إذا استمر الهبوط الحاد في أسعار الطاقة، مما ينبئ بعدم قدرة تلك الدول على مساعدة الاقتصاد المصري بما يخلق مزيداً من التحديات، وسط توقعات باستمرار أزمة النفط حتى نهاية العام الحالي 2015.


الخلاصة

بقدر ما يعتبر نجاح المؤتمر الاقتصادي فرصة حقيقة لخلق فرص استثمارية واسعة المجالات والتي من شأنها أن تُسهم بشكل رئيس في تحقيق نوعاً من الاستقرار الاقتصادي للبلاد، يجب ألا يعول المصريون على المؤتمر بأن يصبح أداة سحرية لإنقاذ مصر من تحدياتها التنموية الكبيرة والتي تعتبر مشكلات هيكلية إلى حد كبير، فالمؤتمر حتى الآن ما هو إلا أداة ترويجية للفرص الاستثمارية الكامنة في مصر أمام المستثمر الأجنبي لجذب المزيد من تدفقات النقد الأجنبي، بل ونخشى أن ينتهي المؤتمر على كونه ساحة لتوقيع مذكرات تعاون وصفقات اقتصادية دون خطط واضحة تضع إطار زمني محدد للبدء بها سريعاً.

فحتى يكون هناك إنجاز حقيقي للمؤتمر، لابد أن نرى توقيع لمزيد من العقود مع الشركات الأجنبية والخليجية والإفريقية للحصول على المشاريع الكبرى التي ستُطرح على أجندة المؤتمر، ولن يحدث ذلك إلا إذا تأكدت ثقة المجتمع الدولي في الاقتصاد المصري، وكذلك أظهرت الحكومة المصرية قدرتها على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني خلال الفترة المقبلة.