في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن الإعداد لإطلاق قناة إخبارية مصرية عالمية، لكن الأمر يحتاج إلى تكلفة كبيرة.

فكرة وجود قناة مصرية إخبارية عالمية هي فكرة قديمة، بدأت بالتفكير في فصل قناة النيل للأخبار عن قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري، وقتها قيل إن الفصل هدفه أن تكون قناة عالمية تقدم صورة مصر للعالم، وتنافس القنوات الإخبارية العربية، لكن ثورة يناير 2011 قضت على الأمر، بعد الإطاحة بعبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار الذي كان أكثر المتحمسين للفكرة.

بعد الثورة تجددت الفكرة، خاصة مع قيام قناة «الجزيرة» القطرية بدور فعال في صعود الإسلاميين للحكم، وبعد إسقاط الإسلاميين تجددت الفكرة؛ لمنافسة «الجزيرة» فيما تبثه من أخبار لا يرضى عنها النظام المصري، وكذلك الخلاص من كابوس «Ipsos» السنوي الذي كان آخر صفعاته تفوق القنوات الإخوانية الممنوعة على القنوات المصرية المرضي عنها، وكذلك سيطرة الإعلام الإماراتي «MBC مصر» على سوق الإعلانات ونسب المشاهدة.


2018 تحتاج إعلامًا من نوع خاص

رغم أن الفكرة قديمة، وكلام السيسي حول التمويل والأموال ليس بجديد، إلا أن الأمر حظي بالتكهنات والتوقعات التي وصلت إلى حد القول بأن إعلان السيسي هذا هو بمثابة «شفرة ديلسبس» في خطاب عبد الناصر لتأميم القناة، فقد بدأت الخريطة الإعلامية في التغير الكبير، الذي ينبئ بإعادة صياغة المشهد الإعلامي، أو بمعنى أدق ظهور المالكين الحقيقيين للعبة الإعلامية بعد فترة اختباء، أو على أقل تقدير ظهور وجوه جديدة على الساحة الإعلامية لتقود استعدادات الإعلام لانتخابات رئاسية في 2018، تفوق أهمية الانتخابات الماضية.

إذ إن قضايا تعديل الدستور لإطالة مدة بقاء السيسي، وكذلك التشريعات المتوقعة في 2018، ومن أهمها قوانين الإجراءات الجنائية والعمل والإدارة المحلية والجرائم الإلكترونية والصحافة والبيانات الشخصية، كل هذا يحتاج إلى سيطرة من نوع خاص على الإعلام، أو طرح خريطة إعلامية يمكن أن يُسترشد في تطبيقها بهذا المقطع الذي انفعل فيه السيسي أثناء لقائه مع ماكرون؛ لرفضه الحديث عن أوضاع حقوق الإنسان بمصر، فهذا يمكن أن يكون شكل الإعلام المطلوب، إعلام يمجد النظام، ويرفض المعارضة، ويراوغ في الرد، ولا يعطيك إلا المعلومات المختومة بختم النظام.


«هوجة» الكيانات الإعلامية الضخمة

لا يمكن بأي حال من الأحوال الوقوف على تغير خريطة القنوات الإعلامية بمجرد تقرير رصدي عن أحداث 2017، وما حدث بها من تغيرات، وإلا كان الأمر مبتورًا ناقصًا؛ فالبعد التاريخي لهذا التغير هو ما يستحق الرصد والتحليل، لذا فإن حصاد 2017 فيما يخص القنوات الإعلامية لا بد أن يبدأ من «هوجة» تكوين كيانات إعلامية ضخمة، والتي ظهرت بسبب أن أكثر من شاشة عانت من الأزمات المالية التي كانت سببًا في تغيير شكل الخريطة الإعلامية.

ساويرس يبدأ

في 15 مايو/آيار 2016 باع ساويرس «on tv»؛ لأنها سببت له صداعً ا سياسيًا، وهي الصفقة التي ظهر بعدها أبو هشيمة وبدأت سيطرته على الإعلام.

بعد بيع ساويرس حاول إيهاب طلعت تكوين كيان إعلامي يضم قنوات «المحور ودريم وten»، مستغلاً الأزمات المادية التي تعاني منها هذه القنوات نتيجة ضعف الإعلانات، لكنه لم يوفق، بعدها قام بمشاركة سعيد حساسين في قناة «العاصمة».

«المتحدة» تسيطر

في 24 مايو/آيار 2016 تحالفت «cbc والنهار»، في أكبر عملية اندماج في الوسط الإعلامي، كونها تشمل 12 شاشة، برأس مال أكثر من 2 مليار جنيه، ونتيجة لذلك تم دمج قناتي «cbc إكسترا» و«النهار اليوم»، لإطلاق قناة إخبارية باسم «إكسترا اليوم» لتنقل للعالم حقيقة ما يحدث في مصر.

وفي أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام أعلنت «الشركة المتحدة للطباعة والنشر وتكنولوجيا المعلومات» عن شراكة إعلامية مع «cbc والنهار»؛ لتستحوذ على حصة حاكمة من هذه الشراكة،بصفقة قدرها مليار و١٠٠ مليون جنيه.

وفي إبريل/نيسان 2017 فشل الدمج، فتم الإعلان عن فصل الإدارة، مع استمرار التعاون فيما يخص بيع الفقرات الإعلانية وشراء المحتوى، وتحولت «إكسترا اليوم» الإخبارية إلى «إكسترا نيوز»، وصارت تابعة لشبكة «cbc».

بعد الانفصال دخلت النهار في العديد من الأزمات، مما دفع علاء الكحكي للتفاوض على بيعها، وبعد رفضه للعروض المقدمة سواء بالبيع أو الشراكة نجحت مفاوضاته مع «المتحدة»، وتم الاتفاق على 900 مليون جنيه مقابل كافة أملاك «النهار»، وجاء هذا الاتفاق بعدما اشترت «المتحدة» جزءًا كبيرًا من أسهم «cbc».

«dmc» تظهر

في يناير/كانون الثاني 2017 انطلقت «dmc» كقناة منوعات تؤيد النظام وتتبعه، وفرضت اسمها في فترة قصيرة بمسلسلات العرض الأول، وبرامج المنوعات التي يقدمها فنانون لأول مرة، مثل: بيومي فؤاد، وغادة عادل، وشيرين عبد الوهاب، وبرنامج التوك شو الرئيس بها يقدمه أسامة كمال، المذيع الذي حاور السيسي، كما تعاقدت على عروض جديدة مع عدة هيئات مسرحية، فضلاً عن رعايتها لمهرجان القاهرة السينمائي، ومهرجان أوسكار السينما العربية، وفي 2018 تستعد «dmc» لإطلاق «dmc news» التي تأخرت عامًا عن إطلاقها.

«فالكون» تستحوذ

بعد نفي البيع والحديث عن دخول مساهمين جدد، ثم الإعلان عن شراكة أو بيع إماراتي بوساطة إيهاب طلعت وياسين منصور، تم الإعلان في سبتمبر/أيلول 2017 عن البيع النهائي لقنوات «الحياة» لصالح شركة «تواصل» التابعة لشركة «فالكون للخدمات الأمنية»،في مقابل مليار و٤٠٠ مليون جنيه، في أضخم صفقة يشهدها الإعلام، مما جعل «تواصل» تبرز بقوة، خاصة أنها استحوذت أيضًا على قنوات «العاصمة»، كما أعلنت عن قناة باللهجة الإنجليزية، لتوصيل الصورة الحقيقية لمصر إلى العالم.

«إيجل» تظهر

أعلنت «إيجل كابيتال» في 18 ديسمبر/كانون الأول 2017 عن نجاحها في الاستحواذ على «إعلام المصريين»، في صفقة تُقدر بـ 6.8 مليار جنيه، وتواردت أنباء عن رغبتها في الاستحواذ على «تواصل وهوم ميديا» المالكتين لقنوات «الحياة والعاصمة»، وكذلك الاستحواذ على «المتحدة» مالكة «cbc والنهار».

والبقية ستأتي

في وسط ذلك تبقى «صدى البلد» دون تغيير أو مشاكل معلنة، محافظة على تبعيتها للنظام، رغم الأخطاء التي تقع من مذيعيها أحيانًا، إلا أنها تبقى أخطاء يرضى عنها النظام في مقابل خدمات محمد أبو العينين وقناته.

في حين بدأت «المحور» خطة تخفيض ميزانية القناة، والتفكير في نقل مقرها إلى إحدى فيلات مالكها حسن راتب، أما بقية القنوت، مثل «دريم وten والقاهرة والناس»، فإنها لا تختلف كثيرًا عن «المحور»، فهي تحاول الاستمرار والصمود، وعما قريب ستدخل لعبة الكراسي الموسيقية، شاءت أم أبت.


بورصة المذيعين: «الميركاتو» اشتعل في 2017

في كل هذه الكيانات لم يكن الأمر يتوقف على مجرد الدمج أو البيع، بل كان يعد بمثابة إعادة هيكلة للإعلام. ويتضح ذلك من انتقالات المذيعين بين القنوات في 2017، حيث عاد جابر القرموطي إلى «النهار» من قناة «العاصمة»؛ ليشارك في برنامج «آخر النهار»، ثم استقل ليقدم برنامجه «مانشيت»، ورحل عن «النهار» خيري رمضان بعد رفض القناة تقديمه لبرنامج مستقل بدلاً من مشاركته في برنامج «آخر النهار»، وتداولت أنباء عن عودته إلى تقديم برنامج للتليفزيون المصري، وعلى «النهار» أيضًا يعود محمود سعد ببرنامج «باب الخلق» في يناير/كانون الثاني القادم.

تعاقدت «المحور» مع محمد الباز لتقديم برنامج «90 دقيقة»، بعد انتهاء عقد معتز الدمرداش الذي انتقل إلى «النهار» ليشارك في برنامج «آخر النهار»، وانتقل أسامة كمال من «القاهرة والناس» إلى «dmc»؛ ليقدم برنامج التوك شو الرئيسي بالقناة، ومعه إيمان الحصري قادمة من «المحور»، كما تعاقدت «dmc» مع المطربة أنوشكا لتقديم «صالون أنوشكا» بديلاً لبرنامج «شيري استديو».

انتقلت لبنى عسل من «الحياة» إلى «on live» ببرنامج «أون اليوم»، ولحقها إبراهيم عيسى ببرنامج «حوش عيسى» قادمًا من «القاهرة والناس»، مع تداول أنباء عن برنامج من تقديم زاهي حواس على «on live»، أما مفيد فوزي فيعود من خلال برنامج «بيت مفيد» على قناة «العاصمة».

عادت هالة سرحان للظهور كرئيسة لقناة «الحياة»، وعاد عماد الدين أديب ببرنامج «انفراد» على نفس القناة، وكانت أولى حلقاته مع إرهابي الواحات، كما عاد عمرو الليثي إلى الحياة قبل إتمام تعاقده مع «ON E»، وتعاقدت «الحياة» أيضًا مع طوني خليفة من «القاهرة والناس»، ودخلت في مفاوضات مع أحمد شوبير وشافكي المنيري، ولم تتم حتى الآن؛ لتعاقد الأول مع «صدى البلد»، والثانية مع «mbc مصر»، التي عوضت بها رحيل وفاء الكيلاني.


الثلاثي الأمني: المتحدة وتواصل وإيجل كابيتال

تعاني القنوات في مصر من خسائر كبيرة منذ عدة سنوات، بعد إنتاج مسلسلات رمضانية ذات تكلفة باهظة دون عائد، وكأن الرغبة منها جذب المشاهدين وتعلقهم بالقناة فقط، ورغم ذلك تستمر التحالفات، ويُعلن عن صفقات بيع خرافية بمبالغ طائلة، آخرها صفقة بيع «ON» رغم أن خسائرها تصل إلى أكثر من 300 مليون جنيه، وقد تكون هذه الخسائر رغبة في التهرب الضريبي.

قد يبدو الأمر غامضًا لكن أجزاء الصورة المعروضة تزيل بعض الغموض؛ فقناة «dmc» مملوكة لجهات تابعة للدولة، عن طريق رجل الأعمال طارق إسماعيل، المتخصص في تجارة السيارات، وضابط المخابرات السابق ياسر سليم، الذي كان أحد شركاء أبو هشيمة.

شركة «المتحدة» التي استحوذت على «النهار وcbc»، مملوكة للمخابرات، وتابعة لشركة أبو ظبي للإعلام، وفي 2016 كانت تستحوذ على 75% من «إعلام المصريين» مقابل 25% يمتلكها أبو هشيمة، ثم تصدر أبو هشيمة المشهد كواجهة، ثم اختفى لتعود «المتحدة» إلى الظهور العلني.

وتساهم الشركة المتحدة في مبادرة تنوير بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم؛ لتوريد الحاسبات والبرمجيات لمدارس الوزارة، كما أنها تنسق مع مسئولي المحافظات الكبرى لتأمين الميادين والشوارع والمنشآت العامة، وتغطيتها بكاميرات المراقبة، وهي أمثلة تدلل على عمق الشركة في مفاصل الدولة.

شركة «تواصل» المسيطرة على «الحياة والعاصمة»،تعمل في مجال العلاقات العامة وخاصة الترويج للسياحة، وتم إنشاؤها لتتوغل في مجال العلاقات العامة، وتهتم بتحسين صورة مصر عالميًا، وخدمة المجتمع في كل المجالات، وهي إحدى شركات «فالكون» التي تقدم خدمات أمنية متكاملة، وتسيطر على الأمن في الجامعات المصرية، والمطارات، والمباريات الرياضية، وتقدم 25% من دخلها لصندوق تحيا مصر.

أما «إيجل كابيتال» فهي شركة استثمارات مالية تعمل كصندوق استثمار خاص، ونشاطها الأساسي هو الاستحواذ على كيانات ومؤسسات لتطويرها وإعادة هيكلتها، وفي استحواذها على «إعلام المصريين» كان مهندس الصفقة هي مجموعة (FEP Capital)، التي يصل حجم الأصول التي تديرها إلى 22 مليار جنيه، وما يزيد عن 3 مليارات دولار، وتسيطر على المشروعات الصغيرة والمتوسطة بحجم محفظة يصل إلى250 مليون جنيه خلال عامين فقط، والمجموعة عبارة عن بنك استثماري يقوم بإدارة الاستثمار، والاستثمار المباشر، بالإضافة إلى عمليات إعادة هيكلة الشركات، وتضم المجموعة شركة إنجازات مصر المتخصصة في الصناعات الغذائية، والتي تستهدف غذاء مصر خلال الفترة المقبلة، وكذلك صناعات مصر للاستثمار الصناعي، والتي تستهدف المصانع المتعثرة، كمصانع مواد البناء.

واستحواذ «إيجل كابيتال» على «إعلام المصريين» جعلها تمتلك شبكة قنوات ON، بالإضافة إلى مواقع اليوم السابع وصوت الأمة وعين ودوت مصر وانفراد، ومجلتي «Egypt Today» وBusiness Today»»، وعدة شركات للاستشارات الإعلامية والاعلانية، وهي: «Egyptian outdoor» المتخصصة في إعلانات الطرق، و«POD» المتخصصة في العلاقات العامة والتسويق الإعلامي وإدارة الأزمات، و«Synergy» مع المنتج تامر مرسي صاحب السيطرة الأكبر على دراما رمضان، و«مصر للسينما» مع المنتج كامل أبو علي، و«I Fly» أول شركة طيران خاصة،والوحيدة الحاصلة على تصريح بالتصوير باستخدام الطائرات بدون طيار في مصر، و«Presentation Sports» المتحكمة في الإعلام الرياضي المصري، و«hashtag» المتخصصة في التسويق عبر السوشيال ميديا، و«speed» المتخصصة في التصميم والجرافيك والتسويق الرقمي، و«Dino Activations» المتخصصة في تنظيم الأنشطة التسويقية للشركات.


تبرير النظام والظهور العلني

يتضح بقوة أن النظام لا يريد إعلامًا «مطبلاتي»، إنما يريد إعلامًا له، يربح منه ماديًا ومعنويًا، بعدما عانى من التعاقد مع رجال الإعلام للحصول على الصورة الإعلامية التي يريدها.

ردًا على الصفقة الأخيرة تم تداول تقارير تبرر عمليات الاستحواذ بأنها تستهدف خلق كيان اقتصادي قوي قادر على المنافسة، وتعبر عن حركة ونشاط الاقتصاد، مستشهدين بصفقه استحواذ شركة «AT&T» الأمريكية على «Time Warner» لخلق كيان إعلامي وترفيهي عملاق، واستحواذ شركة «HEINZ» على «Kraft Foods»، واستحواذ «Pfizer» للأدوية على «Warner Lambert»، واستحواذ شركة «القلعة» على «مزارع دينا والرشيدى الميزان».

لكن هذا التبرير لا يخفي حقيقة الظهور الفج والمفاجئ لكيان «إيجل كابيتال» العملاق، خاصة أن رئاسة مجلس الإدارة تتولاها داليا خورشيد وزيرة الاستثمار السابقة، التي تولت الوزارة عامًا واحدًا (من مارس/آذار 2016 إلى مارس/آذار 2017)، وعملت قبل توليها الوزارة مديرًا تنفيذيًا لأوراسكوم القابضة، وقبلها تولت إدارة عدد من البنوك التجارية الكبرى، مثل «CIB» و «Citi Bank، وقد احتلت المركز الثاني في قائمة «Forbes» لأقوى 10 نساء في القطاع الحكومي بالشرق الأوسط أثناء توليها الوزارة، مما يشير إلى أن خروجها من الوزارة لم يكن بريئًا، أو لضعف إمكاناتها وقدراتها، إنما لهدف قد اتضح الآن.

إضافة إلى ذلك فهي متزوجة من محافظ البنك المركزي طارق عامر، أحد أهم المقربين من جمال مبارك، والمتورط في عمليات إخفاء أموال نظام مبارك، وصاحب دور بارز في السيطرة على سعر صرف الدولار في التسعينيات، بعد قرار حكومة عاطف عبيد وقتها بتحريره، وهو حاليًا مسئول السياسات النقدية لنظام السيسي، ومهندس قرض صندوق النقد الدولي لمصر.

كما أعلنت «إيجل كابيتال» عن تولي أسامة الشيخ مسئولية «إعلام المصريين»، وهو إعلامي مخضرم كان رئيسًا لاتحاد الإذاعة والتلفزيون في الفترة التي كان مبارك يعد اللمسات الأخيرة لتوريث الحكم، مما يؤكد ثقة النظام فيه، وبالتالي ثقة الجهات الأمنية الحالية ليست مفاجأة، هذا فضلاً عن كونه المستشار المؤسس لشركة “أرا” الدولية المالكة لمجموعة «MBC»، كما أنه أسس وأدار شبكة «ART»، وقناة «الراي» الكويتية، ووكالة الأخبار العربية «ana»، فهو خبرة إعلامية مصرية خليجية بارزة، تولى المسئولية دون أن يدرس الأمور المتعلقة بها، ودون خطة للتطوير؛ لأنه «عاد من العمل بالسعودية بأوامر من مصر»،على حد تصريحه.

قد يكون اختفاء أبو هشيمة إقصاءً لسوء إدارته للمجموعة الإعلامية، أو شراكته مع رجل الأعمال القطري الشيخ محمد بن سحيم آل ثاني في «حديد المصريين».

تعليق أبو هشيمة المقتضب بعد إخلاء الساحة لظهور الكيان الجديد يؤكد أن دور الفتى المدلل انتهى، وأن أكذوبة أبو هشيمة كانت بالونة من صناعة النظام لمزيد من المداراة وغسل الأموال، فأبو هشيمة كان مجرد واجهة فقط، وما حدث من عمليات بيع وشراء ودمج ثم استحواذ من جانب الشركات ذات السيطرة الأمنية يشبه عمليات «غسيل الأموال»، فهناك حاجة ماسة لإخفاء الأموال الطائلة التي تدفقت على رجال النظام، وليس هناك أفضل من الإعلام لإخفائها.

كما يتضح بقوة أن النظام لا يريد إعلامًا «مطبلاتيًا»، إنما يريد إعلامًا له، يربح منه ماديًا ومعنويًا، بعدما عانى من التعاقد مع رجال الإعلام وكسب ودهم أو الضغط عليهم للحصول على الصورة الإعلامية التي يريدها، فلماذا الاستمرار في هذه الطريقة وبالإمكان إنشاء إعلام خاص «مننا وعلينا»؟

يُضاف إلى ذلك أن أبو هشيمة منذ بداية ظهوره وكان منتظرًا أن يأتي يوم اختفائه أو أفوله؛ فالضجة الإعلامية والمجتمعية المقصودة التي صاحبته كان واضحًا منها أنها تبتغي رسم صورة أسطورية تجمع حولها كل الأجزاء، بعدها ينتهي دوره ويأخذ «حسنته»، فقد قام بدوره كواجهة لرجال النظام من العسكريين ورجال الأمن الذين تضخمت ثرواتهم بعد 3 يوليو/تموز 2013، وبالطبع كان لزامًا أن يبحثوا عن «واجهة»، وليس هناك أفضل من رجال الأعمال، وكان لزامًا أيضًا أن يبحثوا عن وجه جديد، ليبتعدوا عن الوجوه القديمة أمثال نجيب ساويرس ومحمد الأمين وصلاح دياب.

وقد يكون اختفاء أبو هشيمة إقصاءً لسوء إدارته للمجموعة الإعلامية،أو شراكته مع رجل الأعمال القطري الشيخ محمد بن سحيم آل ثاني في «حديد المصريين»، والذي يشارك بحصة تقدر بنحو 360 مليون جنيه، كما أن أبو هشيمة قد أنشأ خلال فترة حكم «الإخوان» علاقات جيدة مع رجال أعمال قطريين وإسلاميين، وقد يكون لأدوار أخرى يحتاجها النظام قريبًا وتتطلب الاختباء عن الأعين في المرحلة القادمة، خاصة أنه بصدد تفعيل عدد من الاتفاقيات مع الجانب الروسي.

لا نتحدث في هذا التقرير عن مؤامرة للسيطرة على الإعلام أو نحاول التسليم بنظرية المؤامرة خاصة وأن الإعلام المصري دائمًا في تغيير بمثل هذا الشكل، والأمر ليس بجديد، فالفكر والتنفيذ قديم، الجديد فقط في الشخصيات والمسميات، فقط نحاول قراءة ما وراء الأخبار، وإعادة ترتيب الأمور منذ بدايتها.

هذه ليست النهاية بل هذه بداية تشكيل جديد لإعلام يُنتظر له أن يتطور ويصبح أكثر اختفاءً ومداراة، ليكون اللاعب الخفي خلف الكواليس هو المتحكم، فاختباء الدولة وراء كيانات خاصة لا يعني إلا حب الدولة الأمنية للاختباء والتحكم من الكواليس، فإنهم يعشقون هذه اللعبة القديمة.