«الضنا غالي» لكن «إن جالك الطوفان حط ولدك تحت رجليك»، و«كلنا ولاد تسعة» لكن «الناس مقامات»، هذا بعض مما يعانيه مجتمعنا من الانفصام والتناقض الشديد في الأقوال، فقد أصبحت الازدواجية في التفكير والمعايير والآراء شعار الكثيرين.

قد يكون ذلك بسبب تناقض الثقافة التي نعتمد عليها في فهم الحياة، والتي تعد الأمثال الشعبية من أهم مناهلها المتميزة بالتناقض، حيث يعتمد عليها قطاع كبير من الناس.


الأمثال الشعبية قوانين شفهية

يمكن اعتبار الأمثال الشعبية قوانين شفهية غير مكتوبة لكنها واجبة التنفيذ، تحكم نظرة المجتمع تجاه العديد من القضايا، وتعدّ من أهم مصادر تعلّم القيم، وتهتم بها المجتمعات كجزء من اهتمامها بتراثها الثقافي القديم الذي ما يزال حيًا.

وتعتبر الأمثال الشعبية من أبرز عناصر ثقافة الشعوب؛ فهي مرآة لطبيعة الناس ومعتقداتهم في الحياة، وأحيانًا تقدم نموذجًا يُقتدى به في مواقف عديدة، كما أنها تساهم في تشكيل قيم المجتمع.

والمثل هو «قول مأثور يتضمن نصيحة شعبية، أو حقيقة عامة، أو ملاحظة تجريبية، أو حتى موقفًا ساخرًا من عادة اجتماعية أو أسلوب سياسي معين، نفهم منها روح الشعب، ونعرف آراءه في الحياة، كما تعبر عن مشاعره وأحاسيسه وآماله وآلامه وأفراحه وأحزانه وحكمته، فالأمثال هي مرآة للقوم».

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يصل إلى اعتبار الأمثال الشعبية فلسفة مصرية خاصة.


لماذا تتناقض الأمثال؟

كما يرى أستاذ الفلسفة الدكتور حسن حنفي.

أما الدكتور يوسف زيدان فيرى أن التناقض الكبير الذي نجده في أمثالنا الشعبية المصرية يشير إلى «حالة عجائبية» للعقل الجمعي المصري، الذى يُعبر عن نفسه بالمأثورات المتناقضة، موضحًا أن عدم الضبط في الأمثال الشعبية، بصرف النظر عن السياقات المنفصلة التي تستعمل فيها، دليل على أن طريقة التفكير العامة في المستويات الشعبية طريقة حادة التناقض، ولا تدل إلا على الرغبة في المراوغة، وتفصيل الأقوال وفقًا لما يُرضي جميع الأطراف.

تحرك بسرعة ولا تتحرك بسرعة

تشجعك الأمثال على السعي لزيادة الرزق لأن «الرزق يحب الخفيّة»، لكن سعيك لن يزيدك شيئًا «اجري يابن آدم جري الوحوش غير رزقك لن تحوش»، و«اللي من نصيبك.. يصيبك».

ولابد أن تسرع؛ لأن «اللي سبق.. أكل النبق»، لكنك ستتعب نفسك بلا فائدة؛ لأن «قيراط حظ ولا فدان شطارة».

إذا كنت تريد أن تقوم بأمر فلا تتأخر؛ لأن «حلاوتها في حموتها»، لكن تأخّر و«اتقل ع الرز عشان يستوي».

وإذا أقدمت على فعل الخير فلا تتأخر؛ لأن «خير البر عاجله»، لكن «كل تأخيرة وفيها خيرة».

حاول دائمًا أن تتحرك؛ لأن «كل حركة وفيها بركة»، لكن احذر أن تتحرك لأن «اللي يخرج من داره.. يتقل مقداره».

افعل الخير ولا تفعل الخير

ترشدك الأمثال الشعبية إلى فعل الخير دون انتظار مقابل؛ «اعمل الخير وارميه في البحر»، لكن «خير تعمل شر تلقى» و«أخرة المعروف.. ضرب الكفوف».

ومن وجوه الخير أن تساعد في إتمام علاقة الزواج؛«يا بخت من وفّق راسين في الحلال»، لكن احذر و«امشي في جنازة ولا تمشي في جوازة».

ولا تكن بخيلاً، وكن حريصًا على أن «تصرف ما في الجيب.. ليأتيك ما في الغيب»، وابخل بمالك لأن «القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود».

نصائح وعكسها

إذا كنت مقدمًا على الزواج فالأمثال تنصحك وتحذرك «حاسب قبل ما تناسب»، لكن يفيدك التحذير لأن «مراية الحب عامية».

ولو أردت أن تعيش مع من تحب فالقرب لا يزيد الأشواق؛ «ابعد حبة تزيد محبة»، وفي الوقت ذاته لا تبعد لأن «اللي بعيد عن العين بعيد عن القلب».

ومن النصائح الأخلاقية التي تقدمها لك الأمثال «الطمع يقل ما جمع»، لكنها تشجعك على الطمع؛ «إن عشقت اعشق قمر وإن سرقت اسرق جمل».

التربية وعدم التربية

يجب أن تصنع الأمر بنفسك؛ لأن «اللي ربى خير من اللي اشترى»، لكن يجب عليك أن تعلم أن «شراية العبد ولا تربيته».

وتؤكد الأمثال أن صلاح السلف لا يكفي لصلاح الخلف حيث «يخلق من ظهر العالِم فاسد»، وأيضًا فساد السلف لا يتبعه بالضرورة فساد الخلف؛ فمن الممكن أن «يخلق من ظهر الفاسد عالِم».

واحرص على حماية أولادك لأن «الضنا غالي»، لكن «إن جالك الطوفان حط ولدك تحت رجليك».

وتعلّم أن الناس سواسية لأن «كلنا ولاد تسعة»، لكن «الناس مقامات».

أمثال متناقضة أخرى

إذا أتاك زائرون بمنزلك فاستبشر لأن «الخير على قدوم الواردين»، لكن احذر وقل «يا قاعدين يكفيكوا شر الجايين».

يؤكد المثل أن «النار ما تحرقش مؤمن»، لكن لو أحرقته -على خلاف المثل- فهذا أمر طبيعي لأن «المؤمن مُصاب».

وإذا كنتِ غير راضية عن جمالك فلا تيأسي، فالمثل يقدم لك الحل «لبّس البوصة تبقى عروسة»، لكن على العكس تمامًا و«إيش تعمل الماشطة في الوش العكر».

لا تتشاءم إذا وقعت القهوة منك لأن «دلق القهوة خير»، لكن لا تكن من الذين «دلقوا القهوة من عماهم و قالوا الخير جاهم».

الحصول على السعادة قد يتوقف على جيرانك؛ لأن «من جاور السعيد يسعد»، لكن إذا كان «أبوك البصل وأمك التوم.. منين لك الريحة الحلوة يا مشؤوم».

ورغم أن «الغايب حجته معاه»، إلا أن «الغايب مالوش نايب».

ويجب احترام التخصص في العمل، لذلك «إدي العيش لخبازه»، لكن التخصص لن يفيدك لأن «باب النجار مخلع».

ويواسيك المثل بالصبر «ياما دقّت ع الراس طبول»، لكن احذر دق الطبول لأن «خبطتين في الراس توجع».


تحقير المجتمع المسلم للمرأة من خلال الأمثال

عدد كبير من الأمثال الشعبية يتحامل على المرأة ويحط من قدرها، ويعكس نظرة دونية للمجتمع الشعبي تجاه المرأة، من خلال عشرات الأمثال التي تهينها، وتتناقض تمامًا مع تعاليم الإسلام التي رفعت من شأن المرأة وأكرمتها.

المثل الشعبي

حديث الرسول-صلى الله عليه وسلم-

«اللي مالوش مرة (زوجة) مالوش عدو»

«الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة»

«حرمة من غير راجل زي طربوش من غير زر»

«إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم»

«اللي يقول لمراته ياعورة يلعبوا بيها الكورة واللي يقول لمراته ياهانم يقابلوها على السلالم»

«لا يفرَك مؤمن مؤمنة (أي لا يُبغض زوج زوجته)، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر»

«اكسر للبنت ضلع يطلع لها اتنين»

«يا مخلفة البنات يا دايخة للممات»

«رفقا بالقوارير»

«اتقوا الله في الضعيفين: المرأة واليتيم»

«موت البنات سترة»

«إن ماتت أختك انستر عرضك»

«استوصوا بالنساء خيرًا»

«خياركم خياركم لنسائهم»

«يا ويل من أعطى سرّه لمراته يا طول عذابه وشتاته»

«خير نسائكم التي إذا نظر إليها زوجها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله»


أمثال تناقض الإسلام وتوافقه

المثل العامي ليس فقط تقريرًا لواقع ولكنه أيضًا وضع معيار لتحقيق ما يجب أن يكون، وهذا يفسر بعض التناقض بين الأمثال العامية، وهو ليس في الحقيقة تناقضا؛ لأن الحياة أيضًا متناقضة، والأخلاق مواقف وليست أفكارًا عقلية، مما يجعلها عرضة للتغيير أو التضاد.

العديد من الأمثال تناقض تعاليم الإسلام، ومنها: «لا بيرحم ولا بيسيب رحمة ربنا تنزل»، و«رزق الهبل ع المجانين»، و«يدّي الحلق للي بلا ودان»، و«تور الله في برسيمه»، و«أنا عبد المأمور»، و«اسم النبي حارسه وصاينه»، و«إذا دخلت بلد تعبد العجل حش وأديله»، و«ساعة لقلبك وساعة لربك»، و«كتر السلام يقل المعرفة».

ومن الأمثال ما هو مقتبس من آيات قرآنية بلفظها أو بمعناها، ومنها: «ما على الرسول إلا البلاغ»، و«الطيبون للطيبات»، و«كل من عليها فان»، و«الصلح خير»، و«ادخل البيت من بابه»، و«أرض الله واسعة»، و«اللي افتكرناه موسى طلع فرعون»، و«من حفر حفرة لأخيه وقع فيها»، و«نايم نومة أهل الكهف»، و«الحساب يوم الحساب»، و«يا صبر أيوب»، و«البادي أظلم»، و«البني آدم ضعيف».

ومن الأمثال المقتبسة من الأحاديث النبوية الشريفة: «إذا بليتم فاستتروا»، و«ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، و«اصطبحنا واصطبح الملك لله»، و«لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، و«كما تدين تدان»، و«أنتم السابقون ونحن اللاحقون»، و«اعقلها واتوكل»، و«إكرام الميت دفنه»، و«الغنى غنى النفس»، و«الصباح رباح»، و«ساعة القدر يعمى البصر»، و«المكتوب مفيش منه هروب».

رغم تناقض الأمثال الشعبية إلا أنها تبقى رافدًا مهمًا من روافد الثقافة العامة، وما عليك سوى أن تقتنع بأن الاختلاف ليس عيبًا و«خالف تُعرف».