طفل يحطم النسبية، وآخر يخترع مروحة بدون كهرباء، وطالب يدمر جبل في دقيقة واحدة، وأخرى تكتشف علاج للسرطان باستخدام قشر المانجو.. قائمة لا تنتهي من الاختراعات المصرية الخالصة التي نشهدها بشكل شبه يومي على صفحات الجرائد والمواقع الإخبارية.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل أصبح عدوى تنتشر وتنتقل من قناة إعلامية الى أخرى، حتى أصبحت وسيلة لكسب تعاطف الملايين من خلال ادعاءات لا تحمل في طياتها سوى الوهم، على يدّ طلاب لا يمتلكون المعرفة العلمية بعد. والسؤال الذي يطرح نفسه أمام هذا الكمّ من الأخبار واللقاءات التلفزيونية: هل حقًا هناك علم وراء تلك الاختراعات أم أن الأمر لا يتعدى كونه محض هراء؟


المنهج العلمي

لا تسير الأمور طبقا للمنهج في حالة الاختراعات المصرية، حيث يقوم الطلاب أولا بتحديد النتيجة التي يريد إعلانها ثم جمع بعض المعلومات السطحية التي ستقنع الجماهير بصحة هذا الإدعاء

إجابة السؤال السابق تستلزم أولًا معرفة المنهج العلمي الذي يقف وراء كافة الاختراعات والاكتشافات والأبحاث التي يتوصل إليها العلم. حيث يُعد المنهج العلمي الطريق الذي يسير على نهجه العلماء آملين الوصول إلى اكتشافات جديدة، سواءً كانت تتمثل في علاج جديد للسرطان، أو اكتشاف دليل جديد لدعم نظرية ما، أو حتى إجابة على سؤال محيّر في مختلف مناحي العلم.

الخطوط العريضة لطريقة المنهج العلمي يمكن أن نلخصها في مجموعة من الخطوات المحددة التي يتبعها العلماء في أبحاثهم أيًا كان مجال البحث. تبدأ تلك الآلية بملاحظة المشكلة محل البحث، أو السؤال المحدد محل الاستفسار. بعد ذلك ينتقل العالم إلى خطوة جمع المعلومات لاكتساب المعرفة حول آخر ما توصل إليه العلم حول هذا الموضوع.

وبعد اكتساب المعرفة اللازمة وجمع خبرات السابقين، يبدأ العالم في التفكير في فرضية علمية قابلة للاختبار كحل للمشكلة، بعدها تأتي مرحلة التجارب من أجل اختبار صحة الفرضية، ثم مرحلة جمع البيانات والنتائج وتحليلها، ومن ثم التوصل الى النتيجة النهائية التي تتمثل في صحة الفرضية من عدمها.

وإذا افترضنا أن الفرضية صحيحة وأن كافة النتائج تدعمها، يقوم العالم بكتابة ورقة بحثية عن ما تم القيام به تفصيليا، متضمنا كل التجارب التي تم إجراؤها، ونتائجها، ثم إرسالها الى دورية علمية متخصصة ومحكِّمة من أجل تقييمها، ومن ثم نشرها في حالة الموافقة عليها، لكي تصبح متاحة لكافة العلماء والمتخصصين من أجل إبداء آرائهم والتعليق عليها، وإتاحة الفرصة لمزيد من الأبحاث من أجل دعم أو نقد البحث الذي تم نشره.

دعنا نوضح الأمر بالمثال التالي: إذا افترضنا أن لدينا كالعادة طالب في المرحلة الإعدادية قام باكتشاف علاج للسرطان، فلا بد أنه قد قام بالخطوات التالية: تحديد المشكلة التي تتمثل في أي نوع من السرطان سيبحث عن علاج له من بين أكثر من 200 نوع مختلف للسرطان، ثم اكتساب المعرفة العلمية عن السرطان وكل ما يتعلق به; العلم وراء السرطان، بشكل أكاديمي وليس مجرد مقدمة؛ آلية الإصابة بالمرض، وكيفية تطوره، والعلاج الحالي له، وأحدث الأبحاث العلمية التي توصل إليها العلماء.

بعد ذلك يبدأ هذا الطالب في التفكير في الفرضية التي ستقدم العلاج المقترح تطويره. ثم مرحلة التجارب، وبعدها جمع النتائج والبيانات وتحليلها والتوصل الى نتيجة نهائية إذا ما كانت الفرضية -العلاج- صحيحة أم خاطئة. بعد كل هذا تأتي آخر مرحلة، وهي نشر البحث في دورية علمية ذات معامل تأثير عالي. كل هذا كبداية قبل خطوة إنتاج العلاج على نطاق استهلاكي واسع بعد حصوله على الموافقات الصحية اللازمة من مختلف هيئات الدواء والعلاج التابعة للولايات المتحدة ودول أوروبا ومنظمة الصحة وذلك بافتراض توفر التمويل اللازم ابتداءا.

بالطبع لا تسير الأمور هكذا في حالة الاختراعات المصرية، بل تأتي بطريقة عكسية، حيث يقوم الطلاب بتحديد النتيجة التي يريد الإعلان عنها أولًا -كاستخدام الطماطم لعلاج فيروس سي-، ثم جمع بعض المعلومات السطحية التي ستقنع الجماهير بصحة هذا الإدعاء، ثم الخروج على وسائل الإعلام لنشر الخبر، فالتكريم من هيئة حكومية أو مسؤول ما.

هل هناك أي مقومات علمية ظاهرة لنا تدعم هذه الأبحاث/المزاعم؟ بالطبع لا! وهناك العديد من الأمثلة على ذلك دعنا نستعرض بعضًا منها.


وليد عبادي: المخترع الصغير

وليد العبادي, اختراعات, العبقري الصغير, المخترع الصغير, مصر
في حواره مع اليوم السابع، قال «وليد عبادي» البالغ من العمر 14 عامًا:
والدي الدكتور محمد عبادي هو الذي جعلني أحصل على اللقب، وذلك بعد حصولي على المركز الأول على مستوى العالم في مسابقة «أصغر بروفيسور تحت سن 15 سنة»، والتي أجريت في أوائل شهر أغسطس/آب من العام الماضي 2015 بدولة إيطاليا في تخصص Nanotechnology
نانوتكنولوجي.

لافتا بذلك إلى أنه تقدم بابتكاره «منظومة مضادات مغناطيسية لاستهداف الطائرات الحربية وسقوطها» للمسابقة. وفي لقائه مع مصطفى بكري في برنامج «حقائق وأسرار» على قناة صدى البلد، قام «المخترع الصغير» بتوضيح قصة حياته والاختراعات التي توصل إليها، حيث أشار أنه يملك أكثر من 12 بحث علمي في مجالات مختلفة.

هذه الأبحاث في النانوتكنولوجي، والطاقة المتجددة، وتحلية وتنقية المياه، بالإضافة إلى بحث عن علاج فيروس سي باستخدام النانو روبوت، وعلاج للسرطان باستخدام الموجات فوق الصوتية، ومنظومة مضادات كهرو مغناطيسية للطائرات الحربية، وأيضًا المصنع الذكي الذي يعمل بوسائل الطاقة المتجددة! اختراعات وأبحاث مذهلة قام بها هذا الطفل بالرغم من صغر سنه، لكن نعود للسؤال مرة أخرى، هل هي أبحاث حقيقية أم مجرد ادعاءات أخرى؟

الدليل الأول الذي يثبت وجود البحث من عدمه هو نشر ورقة بحثية في دورية علمية ذات سمعة معتبرة. وإذا قمنا بالبحث في الدوريات المتخصصة أو من خلال محرك البحث «Google Scholar» على اسم «وليد عبادي» لن يظهر لنا بحثًا واحدًا قام به هذا الطفل مما يعني عدم وجود أي أبحاث في المقام الأول.

النقطة الأخرى الغامضة تظهر عن التساؤل عن ماهية المسابقة التي فاز بها وليد وحصل على لقب أصغر بروفيسور في العالم! فلا توجد مسابقة تحمل هذا الاسم، والمسابقة الوحيدة في ايطاليا لهذا السن هي مسابقة المفوضية الأوروبية للعلماء الصغار، والتي نُظمت في سبتمبر/أيلول 2015 بإيطاليا، ولم يشارك بها سوى ثلاث مشاريع من مصر فقط، وليد ليس منها.

أما إذا كنا سنتحدث عن الأمور من وجهة نظر حسابية، سنفترض أن البحث الواحد يستغرق في المتوسط سنة واحدة فقط – وهو رقم أقل بكثير من الطبيعي – فإن تلك الأبحاث ستستغرق أكثر من 13 عامًا وهو بالطبع ما يبدو مستحيلًا لطفلٍ في الرابعة عشر من عمره، لديه التزامات الدراسة، والترفيه، وحياته الشخصية، بجانب وقت فراغه الذي يستغله من أجل تلك الأفكار.


ندى زين العابدين: اختراع علاج للسرطان من قشر المانجو!

ندى زين العابدين, مصر, قشور المانجو, علاج السرطان
ندى زين العابدين

أما بوابة أخبار اليوم، فقد نشرت تقريرًا عن الطالبة ندى زين العابدين أحمد، في الصف الأول الثانوي، والتي توصلت الى اختراع علاج للسرطان مستخلص من قشور المانجو، مؤكدة أن سعر العقار لن يتعدى 20 جنيهًا!

ويقول التقرير:

وأكدت الطالبة ندى زين العابدين أحمد (15 سنة) الطالبة بالصف الأول الثانوي، أنها تمكنت من التوصل إلى عقار يعالج مرض السرطان مستخلص من قشور المانجو، مشيرة إلى أن العقار يحتوي على مضادات الأكسدة المتوافرة في تلك القشور ويعمل على الخلايا السرطانية وتمت تجربته على خلايا الفئران والخلايا البشرية وأثبتت نجاحًا بنسبة 90%.

مرةً أخرى، لاتوجد أي أدلة تدعم هذا الإدعاء، حيث لم تقم ندى بنشر أي ورقة بحثية عن هذا الاكتشاف، بل كل ما قامت به حسب ما أشار إليه التقرير:

أنها قرأت بحثًا علميًا بالصدفة عن فوائد المانجو التي لم يقرر أحد الباحثين التعامل معها في هذا المجال، فقررت عمل بحثها على قشر المانجو نظرًا لرخص سعر العقار الذي لا يتعدى ثمنه الـ20 جنيها، والتوسع في القراءة في هذا المجال حتى قررت اتخاذ خطوات عملية في بحثها.

هناك أمر آخر، الادعاء العام الذي يذهب إليه جميع الطلاب على الأخص في اكتشاف الأدوية التي تكون دائمًا إما علاجًا لفيروس سي، أو علاجًا للسرطان دون بقية الأمراض، هو أن العلاج المكتشف سيكون رخيص الثمن ولن يتعدى سعره بضعة جنيهات وهذا الأمر لن يحدث في أي حال من الأحوال.

وفقًا لمركز تافتس لدراسة تطوير العقاقير، تبلغ تكلفة إنتاج وتطوير دواء جديد وجلبه الى السوق 2.6 مليار دولار، بالإضافة الى حوالي 312 مليون دولار يتم إنفاقها على أبحاث ما بعد الموافقة على الدواء، مما يجعل الإجمالي 2.9 مليار دولار، الأمر الذي لن يجعل بالتأكيد أي علاج جديد للسرطان ببضعة جنيهات.

الأمر الآخر بخصوص الفترة اللازمة تطوير الأدوية، والتي تحتاج لـ 12 ألى 15 عام حتى يتم الموافقة عليها وطرحها بالسوق. ليس هذا فقط، بل من بين 5000 مركب مكتشف يخضع للتجارب حتى يتم تطويره الى دواء، يصمد مركب واحد فقط في المرحلة النهائية ويتم الموافقة عليه.


الادعاءات المتشابهة

دومًا ما تكون إدعاءات الطلاب متشابهة الى حدٍ كبير، حيث هناك دومًا من قام بمنحهم لقب علمي معين مثل أصغر عالم، والمخترع الصغير، وآينشتاين وتسلا وزويل العرب. لكننا للأسف لا نعلم من الشخص أو الجهة التي قامت بمنحهم هذا اللقب.

كذلك هناك دائمًا عروض من جامعات بالخارج من أجل السفر إليها وإلقاء محاضرات عامّة بها لكننا مرة أخرى لا نعلم من هي تلك الجامعات وأين ما يثبت وجود تلك العروض. كذلك هم يشاركون في مسابقات محلية ودولية لكننا أيضًا لا نعلم شيئًا عنها.

وهناك العديد من مسابقات العلوم «الحقيقية» الدولية والمحلية مثل مسابقة انتل آيسف، ومعرض جوجل للعلوم وغيرها من المسابقات التي تتيح للطلاب الصغار المشاركة بها.

وهناك العديد من الطلاب على مستوى العالم ممن يفوزون بتلك المسابقات، لكنها لا تعبر بالضرورة عن الدقة العلمية وراء النتيجة النهائية التي توصل إليها أصحاب الأبحاث. فالهدف الرئيسي وراء تلك المسابقات إكساب الطلاب مهارات البحث العلمي من خلال العمل على حلّ مشكلة محددة باستخدام المنهج العلمي، ثم كتابة ما يشبه الورقة البحثية أو تصميم نموذج أولي قابل للاختبار.

تساهم تلك الخبرات المكتسبة في تعليم الطلاب مهارات البحث العلمي، لكنها ليست شرطًا في أن تصبح النتيجة العلمية دقيقة. بل أن الاستمرار والتعمق في موضوع البحث يكشف للطلاب أخطاءً كثيرة. وفي الكثير من الأحيان يحتاج هذا التعمق الى العديد من الوسائل والأدوات والموارد والأجهزة، بالإضافة الى الأموال التي لا تتوفر في المدارس أو الجامعات الحكومية في معظم الأحيان، مما يؤدي الى الوقوف عند حدِ معين وعدم الاستكمال بشكلٍ منهجي صحيح.


الهدف ليس الإحباط

هناك دومًا من قام بمنحهم لقب علمي معين مثل أصغر عالم، والمخترع الصغير، وآينشتاين وتسلا وزويل العرب. لكننا للأسف لا نعلم من الشخص أو الجهة التي قامت بمنحهم هذا اللقب

ربما يظن البعض أن الهدف من هذا المقال هو محاولة إحباط مجهود الطلاب بشكلٍ عام. لا ليس هذا هو القصد، بل علينا الاعتراف بأن حرية وثورية التفكير في حد ذاتها مطلوبة، والواجب علينا في هذه الحالة أن نقوم بتبني أصحاب هذا الفكر وجذبهم ناحية الاتجاه الصحيح بدلًا من إضاعة أوقاتهم في طريق استغلال الإعلام الذي لن يتسبب في تحقيق أي تقدم علمي حقيقي على الإطلاق.

فالمجد الحقيقي الذي يناله أي عالم هو بظهور أعماله الى النور من خلال الدوريات العلمية المتخصصة ومراجعتها من قبل متخصصين في نفس المجال، وليس من خلال قنوات التلفزيون والمواقع الإخبارية التي لا تبحث سوى عن «التريند» من أجل جذب المزيد من الزيارات الى موقعها وتحقيق ربح أفضل.

لذا، إذا كنت طالبًا وتودّ الدخول في عالم البحث العلمي، أو لديك أفكارك الخاصة بالفعل وتودّ معرفة كيفية ترجمتها الى أبحاث علمية حقيقية وليس الى مواد خبرية كاذبة، فإن الخطوة الأولى هي عدم الإفصاح للإعلام عن أفكارك الا بعد التأكد من نشرها في دورية علمية متخصصة.

الأمر الثاني، هو البدء في تعلم أساسيات ومهارات البحث العلمي بشكلٍ سليم، حيث يمكنك البدء بمشاهدة دورة «أساسيات البحث العلمي» التي تحتوي على 10 محاضرات تقدمها مؤسسة «علماء مصر» على يدّ علماء عرب متخصصون يعملون في أشهر جامعات العالم. بهذا سيكون لديك ما يكفي لكي تتخذ خطوة أولى حقيقة في أي مجال بحثي.33

وأخيرًا، هناك العديد من النماذج المصرية الشابة التي لديها بالفعل انجازات علمية، لكنها لم تظهر على وسائل الإعلام إلا بعد تحقيقها لإنجاز علمي حقيقي. من بين تلك النماذج «مصطفى عثمان» الذي حصل على منحة من مؤسسة الألفي لدراسة الدكتوراة في النانوتكنولوجي من «كولدج لندن» ببريطانيا وهو يبلغ من العمر 22 عامًا فقط.

ومصطفى وغيره الكثيرين يؤكدون دائما لنا أن أي محاولة حقيقة لإنجاز علمي تبدأ بشكل منهجي وراءه جهد وعرق وتعب سوف تفضي في النهاية إلى نتيجة حقيقة، ويمكن وقتها فقط أن تقول أنك أضفت شيء ما جديدا للعلم.