كانت أنظمة الحكم العربية الراديكالية مستعدة، تحت أدنى ضغط أو لدى أقل إغراء، لتولي ظهرها للشعارات الاشتراكية التي كانت تدعو لها قبل ذلك بسنوات قليلة، وأن تتولى بنفسها الإشراف على تنفيذ اللبرلة الاقتصادية وبرامج الخصخصة بصفتها سياسات عامة. ولم تكن هناك قوى اشتراكية – «شعبية» كانت أم «بيروقراطية» – عازمة على مقاومة مخططات أنظمة الحكم الهادفة إلى النكوص عن الكثير من السياسات الاجتماعية السابقة
نزيه الأيوبي – تضخيم الدولة العربية

ويمكن، بصيغة أخرى، أن نسأل أيضًا: كيف استفاد النظام المصري من انتصار أكتوبر؟

لا يتعرض هذا المقال للانتصار العسكري المصري المحدود في حرب السادس من أكتوبر عام 1973 من زاوية كونه حدثًا عسكريًا بحتًا، أو حتى باعتباره حدثًا إستراتيجيًا كانت له نتائجه بعيدة المدى على المنطقة العربية، بل باعتباره حدثًا سياسيًا داخليًا، اعتمادًا على أن النظام السياسي المصري الذي أحرز هذا الانتصار كان الجيش ركنه الركين وعماده المتين منذ انقلاب الثالث والعشرين من يوليو عام 1952.

أي أن هذا المقال يتغيَّا تبيان الطريقة التي استخدمت بها النخبة الحاكمة هذا الانتصار العسكري لتدعيم شرعيتها في الحكم سياسيًا؛ أي حقها في تحديد الخطوط العريضة للسياسة العامة للدولة داخليًا وخارجيًا، واقتصاديًا؛ أي في المكاسب المادية التي حققتها جراء ترميم شرعيتها المتزعزعة منذ هزيمة الخامس من يونيو عام 1967.


تكوين النخبة الحاكمة

يمكن القول أن مشروع الناصرية كان بوضوح امتدادًا لمشروعِ المعارضة المصرية الشابة الذي بدأ في الثلاثينات على هامش النظام شبه الليبرالي الهش القائم إثر توسع الطبقة الوسطى مع ارتفاع معدلات التعليم بعد إعلان فبراير 1922، واستكمال مشروع تمصير جهاز الدولة.

وقد أنتجت هذه التغيُّرات ما يمكن تسميته بطبقة الأفندية الجدد الذين منعهم انضمام الجيل السابق من الأفندية الذين قادوا ثورة 1919 إلى طبقة الباشوات وكبار ملاك الأراضي من فرص الترقي الاجتماعي في إطار نظام سياسي هش فشل في تحقيق أهدافه الرئيسية المعلنة؛ إجلاء الإنجليز وإقامة الديمقراطية.

فانضموا إلى التنظيمات الجديدة التي بدأت في الظهور في الثلاثينات وتكونت في جلها من الطلبة والأفندية كتنظيمات مصر الفتاة والإخوان المسلمون وجماعة النهضة القومية والتنظيمات الشيوعية وأخيرًا تنظيم الضباط الأحرار في الجيش.

ويمكن تلخيص الاتجاهات العامة لتلك التنظيمات الجديدة ونظرتها للسياسة في النقاط التالية:

– الدولة تنظيم هوياتي مغلق، وليست جهازًا شبه محايد لإدارة المجال العام.

– السياسة هي التبشير بطوبيا مستقبلية أيًا كانت تلك الطوبيا التي يتم التبشير بها.

– رفض الديمقراطية البرلمانية، نتيجة لتجربة الملكية المريرة، والبحث عن مصدر آخر للشرعية.

– البحث عن مخلِّص؛ ديكتاتور عادل يقود الحركة الإصلاحية لحين تحقيق أهداف الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، ثم البحث بعد ذلك عن حل لمشكلات التمثيل الديمقراطي.

كانت الناصرية –إذن- تمثيلا صادقًا لانتصار أحد أطراف هذه المعارضة وهو جناح ضباط الجيش الشباب على النظام الملكي وأطراف المعارضة الأخرى في نفس الوقت. هذه الرؤية «للسياسة»، أي الحكم الذي يُفترض أن يؤطر صراع الأفكار والمصالح في المجتمع الحديث، رفضت فكرة الصراع جذريًا، وعملت على تنظيم المجتمع من أعلى بموجب السلطة المطلقة التي حازتها لنفسها بعد انتصارها النهائي على بقية أطراف معارضة النظام الملكي في 1954.

وللطبيعة التبشيرية الجديدة للسياسة تحت حكم الضباط فقد اختفى الدور القديم للسياسيين خريجي كليَّات القانون وكبار ملاك الأراضي الزراعية بعد انهيار الأساس الاقتصادي لحكمهم بقوانين الإصلاح الزراعي.

وحل محلهم مجموعة من التكنوقراط الجدد القادرين على إنجاز الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة لنظام الضباط تحقيقًا لشرعية الإنجاز التي تم اعتمادها كشرعية وحيدة للحكم بدلًا من شرعية التمثيل الديمقراطي.

وأدى ذلك إلى بروز ما يسميه رول ماير «أيديولوجيا التخطيط»، ودخول مجموعة جديدة من الرموز والمصطلحات المعبرة عنها إلى عالم السياسة كالخطط الخمسية والتنظيم والرقابة والإشراف والتنسيق وحفلات افتتاح المصانع والمنشأت الجديدة بدلًا من مصطلحات الانتخابات والصراعات الحزبية القديمة.

تكونت النخبة الجديدة إذن مع توسع الجهاز البيروقراطي للدولة وتعقده من خليط من التكنوقراط؛ المهندسين تحديدًا، وضباط الجيش الموثوق فيهم الذين انتقلوا للخدمة في الجهاز البيروقراطي للدولة وكانت تلك النخبة الجديدة هي التي قادت التحولات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة في الخمسينات والستينات، وقادت أيضًا التحول إلى الرأسمالية مع منتصف السبعينات بعد انتصار أكتوبر 1973.

وقد شهدت مصر في الخمسينات والستينات تطور ونمو جهاز إداري كبير ومعقد بل مرتبك، يضم هياكل تنظيمية متنوعة من أنواع مختلفة. فهناك الوزارات بمصالحها وإداراتها وأقسامها، وهناك الهيئات العامة والمؤسسات العامة والشركات العامة.

ثم هناك الأجهزة المركزية واللجان العليا والمجالس العليا، فضلًا عن هيئات الحكم المحلي وأجهزة التخطيط المركزية والقطاعية. وما يشير إلى أن التضخم الأساسي في البيروقراطية قد تم في أعوام «التحول الاشتراكي» (1962/1963 إلى 1966/1967) هو أن في تلك الفترة زادت الوظائف داخل البيروقراطية العامة بنسبة 134% وزادت الأجور والمرتبات بنسبة 168%، وزادت المصروفات الجارية (باستثناء الأجور والمرتبات) بنسبة 110%.

وفي المقابل فقد زاد الدخل القومي في عقد الستينات بأكمله إلى 68% استنادًا إلى زيادة في العمالة الإنتاجية لا تزيد عن 20%، ومع ذلك فقد زادت الوظائف في البيروقراطية العامة بما يوازي 70% تقريبًا، وزادت المرتبات بنسبة 123% تقريبًا. أي أن التضخم البيروقراطي قد جاوز معدل النمو في السكان والعمالة والانتاج على حد سواء.


تحولات النخبة الحاكمة

مشروع الناصرية كان امتدادا لمشروع المعارضة المصرية الشابة الذي بدأ في الثلاثينات، كما كان استكمالا لمشروع تمصير جهاز الدولة

الهزيمة العسكرية لنظام حكم سلطوي من قِبَلِ عدوٍ خارجي مصيبة لأنها غالبًا ما ستجبر معارضيه على الاصطفاف بجانبه، وإن لاموه قليلًا، درءًا لخطر العدو الخارجي.

أما النصر العسكري الذي يتحقق على يدي نظام سلطوي فغالبًا ما يكون كارثة على المدى البعيد لأنه يعطي إشارة زائفة على صحة الطريق الذي يسير فيه النظام.

نتيجة لقتل السياسة، من المنظور الليبرالي التقليدي، توسعت مساحة التحكم البيروقراطي للسلطة في كافة الشئون المجتمعية، ويجادل نزيه الأيوبي أن اختلاف دور الدولة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي تحت عبد الناصر والسادات لا يمثل اختلافًا جوهريًا في النظر إلى دور الدولة في المجتمع بقدر ما كان اختلافًا تطبيقيًا في كيفية أداءها لهذا الدور.

فالبيروقراطيون، مدنيون كانوا أو عسكريون، يفهمون السياسة فهمًا بيروقراطيًا. فهي عندهم عملية تنظيمية يجب أن تقوم على اعتبارات الترشيد ويجب أن تُدار وتُراقب بصورة تمنع تضييع الوقت والجهد حول اختلافات الفكر وتباينات المصالح.

ولا يمكن فهم طبيعة التحول التي جرت في النظام/الدولة عقب انتصار أكتوبر 1973 إلا من خلال النظر إلى قصة تلك النخبة التكنوقراطية التي مثلت دور برجوازية الدولة، ذلك أن هذه النخبة التي تزعمت معظم قطاعات الطبقة الوسطى هي التي أيدت الاشتراكية في الستينات، وهي أيضًا التي دعمت الانفتاح في السبعينات.

في النظم السياسية ذات القطاع العام الكبير تتحدد مواقف الإدارة العليا والقطاعات التكنوقراطية إلى حد بعيد بناءً على الفرص التي يمكن أن يقدمها إليها القطاع الخاص .

وعندما تصبح إمكانية تبادل القيادات بين القطاعين كبيرة، فإن هذا يخلق فئة من الناس الذين ينتمون إلى العالمين: عالم القطاع الحكومي العام وعالم القطاع الخاص ورأس المال، بحيث يكاد يصعب عليهم أو على الناس التفرقة بين أدوارهم في الحالتين، ومن ثم بين مصالح و «أموال» القطاع العام من ناحية ومصالح و «أموال» القطاع الخاص من ناحية أخرى.

ونتيجة لقتل السياسة واختفاء التمثيل الديمقراطي بما يعنيه من مساحة صراع ومراقبة أوسع بين المصالح في المجتمع فإن ترك السياسة للتكنوقراط تجعل النخبة البيروقراطية – التكنوقراطية في مرحلة استقرارها التام في أعلى جهاز السلطة والإدارة، تدير النخبة البيروقراطية-التكنوقراطية ظهرها للشعارات الاشتراكية ولنظام الحكم الذي حققت تميزها الوظيفي واتصالاتها النافعة في ظله.

لكي تتجه إلى الاستثمار الرأسمالي مستغلة اتصالاتها وارتباطاتها التي تكونت من خلال ممارستها للوظيفة العامة.

وهكذا بدلًا من أن يكون التكنوقراط هم قادة التحديث التقني والاجتماعي فإنهم يعملون على إعادة الطابع التقليدي والرأسمالي إلى المجتمع، بل يسعون إلى التضييق من «انفتاحية» النظام (في مجالات التعليم والتوظيف مثلًا) وهي الانفتاحية التي سمحت للكثير منهم في الخمسينات والستينات بالترقي الوظيفي والاقتصادي والاجتماعي الذي لم يكن متاحًا لهم عن أي طريق آخر.

وهكذا أدت الطبيعة السلطوية للنظام وغياب الرقابة الشعبية على أدائه إلى وقوف النخبة البيروقراطية – التكنوقراطية الحاكمة في منتصف الطريق بين استكمال التحول الاشتراكي الراديكالي الذي قد يخلِّص القطاع العام من عيوبه وفجواته، وأفسدت دعوات الديمقراطية في السبعينات، وهي تلك الدعوات التي كان من شأنها أن تحد من استفادتها من وظائفها العامة أو على الأقل كانت ستضع أدائها وإنتاجيتها وكفاءتها محل المساءلة الجادة.


الانفتاح وتغير طبيعة الدولة

كانت الدولة الناصرية تسعى إلى أن تكون دولة تنمية ودولة رفاهة، دولة إنتاج ودولة توزيع في نفس الوقت.

ولـمَّا كان من الصعب الاستمرار في تحقيق هذين الهدفين في الوقت نفسه لمدة طويلة، أصبح هذا التناقض الأساسي بين محوري دور الدولة هو المميز الرئيسي للنظام المصري منذ منتصف الستينات، أي منذ انتهاء تطبيق الخطة الخمسية الأولى وتعثر تطبيق الثانية نتيجة لاضمحلال الموارد المالية الأجنبية والمحلية المتاحة للدولة.

ثم جاءت هزيمة الخامس من يونيو 1967 لتلقي عبئا ضخمًا على الاقتصاد المصري لاضطراره إلى تمويل عملية إعادة بناء القوات المسلحة بعد فقدان نسبة كبيرة من معداتها في هذه الحرب.

وكانت الفترة من عام 1961 إلى عام 1967 تمثل أوج الأيديولوجية الشعبوية؛ دولة التنمية والرفاهة في مصر الناصرية، إذ استولت الدولة على الجانب الأكبر من الوظائف الاقتصادية وجمعت بين يديها أدوات التدخل المباشر وغير المباشر، واستكملت ذلك بالسيطرة على التعليم وغيره من الخدمات، الأمر الذي أدى إلى تطور كبير في الأداء الاقتصادي في أعوام الخطة الخمسية الأول (1955- 1960) والثانية (1960 – 1964).

ولكن البلاد دخلت أزمة انكماش كبيرة منذ عام 1965، نتجت بالأساس عن تفاقم الأزمة المالية للدولة من ناحية وضخامة الإنفاق الدفاعي من ناحية أخرى.

ويرى نزيه الأيوبي أن الانفتاح هو سياسة كبرى طورتها الدولة المصرية/النخبة البيروقراطية – التكنوقراطية الحاكمة للحفاظ على نفسها وعلى سيطرتها على الاقتصاد والمجتمع، في ظل ظروف داخلية وإقليمية ودولية متغيرة.

المستفيد الرئيسي من الانفتاح كان المؤسسة الحكومية التي تمكنت، من إحكام قبضتها على الاقتصاد وهو ما سمح لها بالحفاظ على وظائفها الضبطية والرقابية

ويدلل على ذلك بأن الحركة الأيديولوجية الأساسية الداعية إلى الانفتاح في نهاية الستينات وبداية السبعينات جاءت من داخل المؤسسة الحكومية، بقيادتها السياسية وقطاعها العام، ولم تأت بصورة يُعتد بها من جانب القطاع الرأسمالي المحلي.

بالإضافة لذلك فإن المستفيد الرئيسي من الانفتاح كان المؤسسة الحكومية التي تمكنت، بقيادتها لهذا التحول، من إحكام قبضتها على الاقتصاد وهو ما سمح لها بالحفاظ على وظائفها الضبطية والرقابية.

وأخيرًا فإن القطاع الرأسمالي المصري ليس له تاريخ معروف في المطالبة بالحرية الاقتصادية، وهو في كل الأحوال لم يستفد من تطبيقات سياسة الانفتاح إلا متأخرًا جدًا بعد أن عمقت سياسة الانفتاح الصلة بين القطاع الحكومي والرأسمالية العالمية تاركة القطاع الصناعي الوطني «خارج اللعبة» إلى حد بعيد.

كيف حوَّرت برجوازية الدولة إذن من دور الدولة حتى تسمح بحدوث هذا التحول؟

في بداية السبعينات، سعى النظام الساداتي إلى تدعيم مواقفه السياسية بالتخلص من كل مناوئيه الناصريين فيما سمي «ثورة التصحيح» عام 1971، وجاء انتصار أكتوبر 1973 ليدعم جناحه المناوئ للسياسات الناصرية.

وبعد التأكد من استقرار شرعية النظام تمامًا عقب الانتصار العسكري في منتصف السبعينات كانت القيادات الجديدة للدولة قد اكتسبت درجة عالية نسبيًا من الاستقلالية عن القوى السياسية والاجتماعية المعبرة عن الحقبة الناصرية، ما سمح لها بطرح قوانين الانفتاح عام 1974/1975، وإجراء تحويرات جريئة على التحالفات الخارجية للدولة المصرية كان من أهمها فك الارتباط بمجموعة الدول الاشتراكية وتدعيمها مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.

وفي النصف الثاني من السبعينات بدأت قيادات الدولة في تخفيف بعض القيود السياسية والسماح بدرجة من التنوع في التنظيمات السياسية هدفها تشجيع رأس المال الأجنبي للاستثمار في مصر من ناحية، وإعادة ترتيب الصفوف والتحالفات لتكوين جبهة أعرض لتطويق التيارات الناصرية والاشتراكية من ناحية أخرى [1].

وعقب انتفاضة 1977 وبعد اتضاح محدودية سياسة الانفتاح وتحيزها ضد القوى الاجتماعية الناصرية والرأسمالية الوطنية على حد سواء اتجهت برجوازية الدولة إلى ابتكار أساليب جديدة لإحكام قبضتها على المجتمع وتوجيه التحولات الاقتصادية فيه، ولكن بصورة لا تنفر الاستثمار الأجنبي بصورة كاملة.

وقد ارتبطت سياسة الصلح مع إسرائيل بالتراجع عن بيع القطاع العام لمستثمرين وطنيين والقطيعة شبه الكاملة مع رأس المال العربي، وتعويض كل ذلك بالتعاون المباشر بين القطاع العام الصناعي ورأس المال الأجنبي.


الخلاصة

لم تتراجع الدولة في حقبة السادات عن دورها الاقتصادي والاجتماعي وإنما عدلت من أشكاله وأساليبه بشكل أتاح للنخبة البيروقراطية- التكنوقراطية الحاكمة استمرار السيطرة حتى ولو عن طريق مواربة باب التعددية السياسية والانفتاحية الاقتصادية.

كانت الدولة إذن هي الأداة الرئيسية التي استخدمتها النخبة البيروقراطية- التكنوقراطية الحاكمة لإنجاز التحول إلى الاتجاه الرأسمالي.

وقد أدى هذا إلى تغير عميق في وظيفة الدولة الاقتصادية والاجتماعية، فبعد أن كانت الدولة في الستينات هي الأداة الإستراتيجية لتعبئة الفائض الاقتصادي وعنصرًا أساسيًا في عملية الانتاج الاجتماعي، أصبحت هي نفسها أداة رأس المال العالمي في استنزاف الفائض الاقتصادي وتبديده، بل وفي نهب أصول المجتمع الإنتاجية ذاتها وتبديدها.

فقد تحولت الدولة الرأسمالية في ظل الانفتاح من مؤسسة اجتماعية إنتاجية، إلى أكبر مؤسسة استهلاكية في المجتمع، كما أصبحت الدولة مجرد وسيط مالي بين رأس المال المحلي والعالمي.

وهكذا فرغم تحمل عامة المصريين لأعباء الهزيمة اقتصاديًا فمبجرد تحقيق الانتصار حمَّلتهم النخبة الحاكمة أعباء عملية إعادة أحكام سيطرتها على الدولة سياسيًا واقتصاديًا، وبدلًا من التخلي عن سلطوية النظام والتوجه نحو شيء من الديمقراطية الحقيقية بعد تحقيق قدر كبير من التغيير الاقتصادي والاجتماعي؛ قررت النخبة الحاكمة التخلي عن مشروع دولة الرفاه في مقابل الحفاظ على الاتجاه العام السلطوي للنظام وتحويره بما يناسب المرحلة الجديدة حفاظًا على مصالحها.


[1] كان هذا هو السياق الذي سُمح فيه للتنظيم الجديد للإخوان المسلمين تحديدًا وبعض التنظيمات الإسلامية الأخرى بالظهور، ولا ينفي هذا وجود عوامل أخرى أدت إلى بروز هذه التنظيمات في السبعينات لكن كان سماح النظام بذلك أحد أهم تلك العوامل.

المراجع
  1. نزيه الأيوبي؛ تضخيم الدولة العربية: السياسة والمجتمع في الشرق الأوسط.
  2. نزيه الأيوبي؛ الدولة المركزية في مصر.
  3. رول ماير؛ البحث عن الحداثة: الفكر السياسي العلماني الليبرالي واليساري في مصر 1945 – 1958.
  4. مايسة الجمل؛ النخبة السياسية في مصر؛ دراسة حالة للنخبة الوزارية.
  5. عادل حسين؛ الاقتصاد المصري من الاستقلال إلى التبعية 1974 – 1979.
  6. نادية رمسيس فرج؛ الاقتصاد السياسي لمصر: دور علاقات القوة في التنمية.
  7. عادل غنيم؛ النموذج المصري لرأسمالية الدولة التابعة.